مشاهد مأساوية من فيضانات إسبانيا العارمة.. أجساد الضحايا في الشوارع
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
مشاهد مأساوية شهدتها شوارع مدينة فالنسيا الإسبانية بعدما ضربتها الفيضانات المفاجئة التي تم وصفها من قبل الخبراء بـ«التاريخية»، وخلفت وراءها مصرع 13 شخصًا بينما فُقد 6 آخرين، حيث عملت جهات الإنقاذ مسرعة على البحث عن الضحايا والمفقودين ليتم اكتشاف انتشار عدد من الجثث بالشوارع في صور اقشعرت لها الأبدان.
وفق صحيفة «مترو» البريطانية، عثرت السلطات الإسبانية على عدد من جثث الضحايا الذين لقوا مصرعهم في الفيضانات العارمة، حيث تم التوصل إليهم في ساعات متأخرة من الليل، فيما لا يزال البحث جاريًا عن ناجين.
وفي تصريحات إعلامية له، قال المسؤول عن المدينة الإسبانية إنه هناك جثث لا تزل تظهر بنواحي مختلفة، وأخرى تم الوصول إليها في بعض المناطق.
آثار الفيضانات على المدينة الإسبانيةالمياه ذات اللون الطيني تسببت في إحداث دمار كبير بفالنسيا الإسبانية، حيث امتدت من مقاطعات في الجنوب إلى فالنسيا في الشرق، وتُظهر اللقطات المصورة تلك اللحظات التي جرفت فيها المياه صفوفًا من السيارات، حيث ارتفع منسوب المياه عدة أقدام في دقائق معدودة، حتى وصلت إلى المستوى السفلي من المنازل.
كما أظهرت عدد من مقاطع الفيديو المتداولة عبر منصات التواصل الاجتماعي، لقطات من مطار فالنسيا أثناء الليل وغمر المياه للمدرجات بالكامل، بينما انتظر مئات الركاب التحديثات، وشوهد العديد منهم نائمين على الأرض.
وبشأن القطارات فقد وصل التأثير الفيضانات القوية لها أيضًا، حيث خرج قطار فائق السرعة على متنه نحو 300 شخص عن مساره، لكن سلطات السكك الحديدية أكدت عدم إصابة أحد بأذى، وسرعان ما توقفت خدمة القطارات السريعة بين مدينة فالنسيا ومدريد، بالإضافة إلى العديد من خطوط الركاب.
تساقط حبات الثلجحالة الطقس السيئ دفعت مكتب الأرصاد الجوية الإسباني إلى إصدار تنبيه أحمر نادر للمواطنين، وهو أقصى مستوى تحذير من الخطر الشديد.
كما صدرت تحذيرات أخرى باللون الأصفر من هطول الأمطار والعواصف في منطقة فالنسيا، ومن المتوقع أن تستمر العواصف حتى غد الخميس، فيما أظهرت مقاطع فيديو هطول حبات الثلج بحجم كرات الجولف، التي تسببت في إحداث خدوشًا بهياكل السيارات ونوافذ المنازل.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: فيضانات إسبانيا فيضانات عارمة ضحايا الفيضانات فالنسيا الإسبانية
إقرأ أيضاً:
من الرمز إلى التوثيق ...التعبيرية أمام دم غزة
تطرح اللحظة الراهنة في فلسطين، وبخاصة في غزة، سؤالًا ملحًّا على الكتابة الأدبية والفنية: هل تكفي التعبيرية، بما هي اتجاه أدبي وفني، اعتمد الرَّمز وانفتاح التأويل، لمواجهة الدم اليومي، والتجويع المنهجي، والتهجير القسري، والكذب السياسي؟ أم أن الزمن استدعى تطويرها إلى صيغة جديدة تحفظ للضحايا أسماءهم، وتحوّل الرَّمز إلى أداة فضح لا إلى ستار؟
نشأت التعبيرية في أوروبا في بدايات القرن العشرين كرد فعل مباشر على الحروب والاغتراب الصناعي، فأنتجت نصوصًا مسرحية، وعروضًا بصرية، وكتابات شعرية وسرديّة ركزت على الباطن النفسي، أكثر من الخارج الواقعي. استبدلت بالمشهد اليومي مشاهد كابوسية، وبالصورة الحسيّة المَجاز الحادّ، لتكشف عن القلق الوجودي والصدمة الداخلية. وعندما وصلت إلى الأدب العربي مع موجات التجريب في النصف الثاني من القرن العشرين، لم تلغِ الواقعية، بل زاحمتها، وأعادت تشكيلها، وكان المسرح العربي من أبرز من استثمر هذه الإمكانات الجديدة. من أبرز النماذج سعدالله ونوس، الذي قدّم في مسرحية الفيل يا ملك الزمان (1969) نصًّا يربط بين الاستبداد السياسي ورمز الفيل، حيث يتحول الحيوان إلى استعارة عن السلطة التدميرية القاهرة، والحوار إلى صرخة وجودية. وفي مغامرة رأس المملوك جابر (1971) لجأ ونوس إلى حكاية تاريخية تعبيرية، يقطع فيها الرأس ليصير علامة على أحادية السلطة والرّعب المستمر. وفي الخليج، قدّم إبراهيم غلوم نصوصًا تجريبية تتكئ على الرمزية التعبيرية، كما في عذابات ابن ماجد، حيث تتحوّل القصيدة إلى مشاهد درامية تشخصن البحر والرحلة والاغتراب، لتكشف عن عزلة الإنسان العربي وغربته الوجودية. هذه التجارب تكشف كيف استوعب المسرح العربي التعبيرية بوصفها أداة لتفجير الوعي ومساءلة السلطة والمجتمع. وفي سياق آخر، يمكن استحضار مسرحية العميان لموريس ميترلنك التي مثّلت أحد أعمدة التعبيرية بفراغها المسرحي وصمتها الطويل، غير أنّ المخرج التونسي منير لعرجي قدّم قراءته الخاصة لها في عرض ميراوش، حيث تخلّى عن لغة الصمت والانتظار ليُدخل أحداثًا مباشرة من الشارع التونسي، مستخدمًا لغة واقعية واضحة. بهذا التحويل، نقل النص من فضاء رمزي مغلق إلى فضاء اجتماعي- سياسي مفتوح، ليعيد توظيف التعبيرية في مواجهة هموم محليّة معاصرة.
لقد قامت التعبيرية منذ بداياتها على طرح أسئلة جوهرية من قبيل: من يكتفي برؤية سطح الأشياء؟ ومن يستطيع أن ينفذ إلى جوهرها الخفي؟ ومن يملك حسًّا مرهفًا يلتقط العلامات والرموز ليبصر وراءها حقيقة العالم؟ ولعلّ ما قاله الشاعر فرلين: «المعاني الخفية كالعينين الجميلتين تلمعان من وراء نقاب» يوجز هذا المبدأ. غير أنّ زمن الدم الغزّي لا يحتمل الاكتفاء بومضات خلف نقاب، بل يفرض على التعبيرية أن تبرهن على صدقيتها بربط الرمز بالوقائع وتثبيت الأسماء قبل الإيحاء، وإلا تحوّلت إلى زخرفة جمالية تضلّل بدل أن تكشف.
اليوم، وفي ظلّ الحرب المفتوحة على غزة، يواجه الأدب والفن اختبارًا غير مسبوق. الكذب السياسي لم يعد مجرّد خطابٍ مموّه، بل صار منظومةً متكاملة من التبرير والإنكار. التجويع تحوّل إلى سياسة ممنهجة، والقتل يُبثّ مباشرةً على الهواء. في هذه اللحظة، يظهر التناقض: ففي الغرب، الحكومات الرَّسمية تواصل دعمها للآلة الصهيونية بالسلاح والمال، لكنها تواجه مظاهرات شعبية ضخمة وأسطول صمود عالمي يحاول كسر الحصار. وفي المقابل، يغرق المشهد العربي الرسمي في صمت أو تواطؤ، بينما يَغيب الدعم الشعبي الحقيقي عن مستوى الفعل المؤثر. هذا التناقض يجعل من التعبيرية سؤالًا جديدًا: هل تصلح اللغة الرمزية حين يكون الواقع أكثر عنفًا من أي كابوس؟ أليست صور البيوت المهدّمة والجثث المسحوبة من تحت الركام أبلغ من أي رمز؟
الخطر هنا أن تتحوّل التعبيرية إلى جمالية غموض تُخفف وقع الدم عوضا عن أن تكشفه. لكن يمكن أن تُستعاد قوتها حين تتطور إلى ما نسميه التعبيرية التوثيقية. المقصود بهذه الصيغة هو دمج الرمز بالوقائع المثبتة، بحيث يظل الواقع راسخًا والرمز يعمل كعدسة مكبّرة. هذه الصيغة ترفض أن تكون الاستعارة بديلًا عن الشهادة، بل تجعل الاسم والتاريخ والنصّ التوثيقي أساسًا، والرمز إضافة تكشف الباطن. وهي بذلك تنفتح على مبادئ أساسية: إدماج الأسماء والتواريخ والأماكن في النصوص لتثبيت الوقائع، واشتقاق الرمز من الواقع لا فرضه عليه، والمزاوجة بين السجل التوثيقي والرمزي بحيث يتلو الرقم مشهد تعبيري يوسّع المعنى، وأخيرًا إبراز صوت الضحية لا صوت المؤلف وحده، بحيث يبقى النص أخلاقيًّا قبل أن يكون جماليًّا.
من واقع قراءاتي وتقويمي لعدد من المسرحيات والأفلام التي أنجزها مسرحيون شباب، هالني ذلك الميل إلى الاختباء وراء الرمز واجترار مفردات اللغة، بحيث تغيب الفكرة وراء تعابير مشوّشة تتشظى على الورق بلا جدوى. تظهر الشخصيات وكأنها قادمة من الحلم، مغلّفة بالكوابيس، ومضطربة في سلوكياتها: إما يتركها الكاتب قيد الانتظار، أو يرميها في صراع مع الظلام، أو يجعلها تدخل في حال من الهذيان والتيه بلا إدراك. والأسوأ من ذلك افتقارها إلى الإقناع الدرامي. أما الفضاءات المشهدية، فتأتي في هذه النصوص قاتمة السواد، تلتف على القضية الفلسطينية الراهنة المشتعلة بالغليان والدم، فلا تضيء حقيقتها، ولا تمنحها الصوت الذي تستحقه.
ما يلفت الانتباه أننا نرى على شاشات التلفزيون مشاهد موثقة: صحفيون يُقتلون على الهواء، بيوت تنهار في لحظة، أطباء يُحاصرون في مستشفيات بلا كهرباء، وأطفال يصرخون يطلبون الله أن يميتهم ليريحهم، وآخرون يفترشون الأزقة والشوارع كالجثث الميتة للنوم من التعب والإرهاق وهم في رحلة النزوح. هذه الصور الموجعة أصبحت جزءًا من وعي الناس اليومي، غير أنّ نصوصًا مسرحية كثيرة يكتبها بعض الشباب تتفادى مثل هذه الحقائق، وتستعيض عنها برموز فضفاضة أو مشاهد معتمة لا تمسّ التجربة المباشرة. المفارقة أن الواقع نفسه بات أكثر تعبيرية من أي استعارة، ومع ذلك يظلّ المسرح غائبًا عن استثمار هذه اللحظة في عمقها الإنساني والسياسي.
قد يعترض البعض بأن الجمهور يريد المباشرة لا الرموز، لكن التعبيرية التوثيقية تقدم الاثنين معًا؛ الاسم والتاريخ أولًا، ثم الرمز كطبقة ثانية. وقد يقول آخرون إن الرموز تضلّل، والجواب أن الرمز إذا كان مسندًا بشهادات موثوقة، يكشف عمق التجربة ولا يخفيها. أما القلق من أن الفن يجمّل الألم، فيتجاوز عندما يُقال الاسم قبل الاستعارة، والدم قبل المجاز.
لقد وُلدت التعبيرية من رحم الحرب والاغتراب. واليوم، في زمن غزة، لا تزال قادرة على الصمود إذا تحوّلت إلى تعبيرية توثيقية تحترم الدم، وتعيد له صوته واسمه. فالمسألة لم تعد مجرد اختيار أسلوب فني، بل صارت مسؤولية أخلاقية: كيف لا نجمّل الألم؟ كيف لا نحذف الضحية باسم الجمالية؟ إن الكتابة عن غزة اليوم ليست تمرينًا بلاغيًّا، بل موقفًا أخلاقيًّا. الرمز لا يُلغى، لكنه يُعاد إلى وظيفته الأصلية: فضح العنف وكشف الكذب وتثبيت الشهادة. وبهذا فقط يمكن للتعبيرية أن تظلّ ذات جدوى، وأن تتحول من جمالية غامضة إلى شهادة حيّة على زمن الدم والتجويع والخذلان.