زهراء الحسيني

مما لا شك فيه أن الحرب النفسية تشكل جزءًا رئيسًا من أي حرب، بل هي الحرب في الواقع، فكل ضربات الميدان العسكري وغيره تهدف في نهايتها لضرب نفسية الخصم ومعنوياته، ولا يخفى أن من تنهار معنوياته أولًا ينهزم أولًا بمعزل عن الإمكانات المادية المتوفرة للطرفين.

ومن الجلي اليوم، أن الساحة الرقمية باتت الميدان الأبرز للحرب النفسية، كسياق بديهي، تستفيد منه المقاومة وأنصارها، ويستثمره العدو وأدواته بطرق شتى قد يبدو بعضها واضحًا، ومعروفًا، وبعضها الآخر له تكتيكاته التي تنطوي على خبث وأساليب غير مباشرة.

أحد الأساليب التي كررها العدو مؤخرًا كان صناعة الالتباس، وهو أسلوب يعتمِدُ كأرضية له حدثًا حقيقيًا وينطلق منه لبناء سردية مختلقة، مستثمرًا في غالب الأحيان فترة من الفراغ أو الغموض البناء الذي تعتمده المقاومة ومحورها خلال أحداث معينة، لأسباب متعددة.

من أبرز الشواهد في الحرب الأخيرة كان حادثة “مجدل شمس” التي حصلت قبل مدة والبروباغندا التي أثارها العدو حينها، وهي حادثة حقيقية موثقة استثمرها العدو ليبني رواية كاذبة حولها فيصنع حالة من الالتباس تجاه المقاومة على عدة صعد.

ولتدعيم الرواية الملتبسة ومحاولة إطالة فترة حياتها، يعتمد العدو أسلوب حلقة الكذب المفرغة ويعول على حلقة الغباء التي تمنحها جرعات أوكسجين دورية ما يمنح الرواية عمرًا أطول قبل أن تلفظ أنفاسها مع ظهور الحقيقة وتفنيدها.

أحد الشواهد أيضًا كان صباح عملية “يوم الأربعين” التي ردت فيها المقاومة بقصف مقر “الوحدة 8200” أحد أهم الرؤوس المدبرة لهذه الأساليب. فجر ذاك اليوم قام العدو بقصف واسع ومكثّف في عدة مناطق في جنوب لبنان. وهو حدث حقيقي، لكنه دُعم برواية ملتبسة مفادها أن العدو قام بضربة استباقية أحبط فيها الهجوم وضرب آلاف منصات الصواريخ المعدة للإطلاق.

وهو الأمر نفسه الذي يتكرر بعد قصف العدو لأماكن معينة. كما ظهر جليًا مؤخرًا في الروايات المختلقة حول الجنرال إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس قبل أسبوعين بسبب غيابه عن الظهور في الإعلام.

سرعان ما تدخل هكذا رواية إلى حلقة الكذب: حسابات صحف وقنوات أجنبية تنشرها، حسابات صهيونية ناطقة بالأجنبية والعبرية تروج الرواية، قنوات صهيو- عربية معروفة تنشر الخبر عبر حساباتها، وتستضيف شخصيات معادية للمقاومة تتناول الموضوع ثم تنتشر لهم على وسائل التواصل مقاطع فيديو مقتطعة تدعم السردية الكاذبة، منصات صناعة محتوى تنتج بسرعة مجموعة من مقاطع الفيديو Reels تجتر نفس السردية، مؤثرون وإعلاميون صهيو عرب -وعدد منهم يعمل في القنوات الصهيو عربية- ينشرونها ويعلقون عليها، ثم تعيد حسابات إعلامية “إسرائيلية” نشر الخبر نقلًا عن مصادر عربية ثم تقوم قنوات وحسابات مشبوهة عربية بنشر الخبر نقلًا عن مصادر “إسرائيلية” (قد تكون هي نفسها التي حصلت على الخبر أساسًا من مصادر أجنبية أو عربية).

وأما عن دائرة الغباء التي تدعم دائرة الكذب: فعلى طول الخط تبدأ حسابات ومجموعات الدكاكين الإخبارية التي تهتم بالسكوب على حساب المصداقية، فضلًا عن عدد من المؤثرين والناشطين بتناقل الرواية والمساهمة في نشرها.. على قاعدة اشهدوا لي أنني أول من نشر وعلق.. هذا إن أحسنا الظن. علمًا أن هناك عددًا من الحسابات الإخبارية والحسابات الناشطة هي في الأساس حسابات مشبوهة مختلقة عبر غرف سوداء لخدمة العدو وروايته وأهدافه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

ما ينبغي الالتفات إليه هو أن هذا التحدي بات الآن مضاعفًا، لا سيما بعد رفع المقاومة مستوى الاحتياطات الأمنية لحدودها القصوى، وتقنين المعلومات حول شخصيات وظروف ميدانية معينة، وتجنب تقديم الروايات الكاملة بشكل فوري في حالات معينة ما يخلق دوائر فراغ تستثمرها الجهات المشبوهة سواء للتشكيك، أو التشويه، أو زرع الفتن، أو إشاعة الإحباط، أو حتى لأهداف استخباراتية عبر الضغط لاستدراج الحصول على معلومات حول الشخصية أو الحدث موضوع الرواية الكاذبة.

ولمواجهة صناعة الالتباس ثمة إستراتيجيات ثلاث تبدو ناجعة:

أولها، السرعة في تقديم الرواية الصحيحة من قبل المصادر الرسمية الموثوقة متى ما يكون الأمر متاحًا.

وإلى جانبها جهود الناشطين وصناع المحتوى على اختلاف مستوياتهم في تفنيد الرواية الكاذبة بالأدلة الدامغة وفضح الأكاذيب.

هذا فضلًا عن تقليص دائرة السطحية التي تدعم دائرة الكذب، من خلال رفع مستوى الوعي في التعامل مع الأخبار وعدم نشر أي خبر دون التأكد من صحته ومن وجود مصلحة في نشره.

وبالتالي إذا سلمنا بحقيقة أن الحرب النفسية هي محور النصر والهزيمة، فإن الوعي هو السلاح الدقيق والأقوى في مواجهتها وإعادة توجيهها باعتماد الأساليب المناسبة نحو العدو.

 

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

في الذكرى الأولى لاستشهاده.. كلمات خالدة للقائد إسماعيل هنية في لقائه الأخير مع ممثلي أنصار الله

الثورة نت /..

في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد القائد الكبير إسماعيل هنية، تعود إلى الواجهة كلماته المؤثرة التي تحدث بها في آخر لقاء جمعه بممثلي أنصار الله، حيث عبّر عن رؤيته لدور اليمن في محور المقاومة، وأشاد بمواقف السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وبالزخم الشعبي اليمني في مواجهة العدو.

وتحدث الشهيد هنية خلال اللقاء بإسهاب عن أهمية اليمن في المعركة الكبرى ضد الاحتلال، قائلاً إن “أنصار الله هم أنصار الحق”.. مشيرًا إلى أنه أبلغ الإمام الخامنئي بذلك عندما التقاه.

وأضاف” اسمكم انصار الله وهذا الاسم هو اسم على مسمى حقيقة انتم انصار الله وأنصار الحق والله اصطفاكم وادخركم لهذه المعركة، قال الله تعالى” وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ”.

وأضاف” وحقيقة كنا نتمنى سابقا وأنتم على حدودنا ولكن تدبير الله جعلكم في موقع استراتيجي، وموقفكم لدى العدو لم يكن في الحسبان حتى أصبح الموقف اليمني هو الابرز والضاغط على المستوى الاستراتيجي”.

وأشاد الشهيد هنية بالحضور الأسبوعي القوي للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، قائلاً” السيد عبد الملك حفظه الله يطل أسبوعيا بكلمات قوية ومؤثرة، وكذلك المسيرات المظاهرات في الساحات بذلك الحضور والزخم الذي لم يحدث مثله في التاريخ بمثل هذا الزمن دون كلل أو ملل وحتى دون أن تنقص تلك الجماهير وأنا اتابعها أسبوعيا”

وأكد أن الذي يقود الجهاد اليوم هو التيار الاسلامي وهو المتمثل في محور المقاومة، والذي يقود هذه المقاومة ضد العدو هم المستضعفون، قال الله تعالى: “‏وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ”.

وقال “هذا معناه إذا توفرت هذه الإرادة للمستضعفين فهم من سيغيرون التاريخ، وهناك مرتبة عظيمة يصل إليها المؤمن المجاهد، مرتبة الصبر وهي مرتبة عظيمة وهناك مرتبة أعلى منها وهي مرتبة الرضى، والآن هناك مرتبة أكبر وهي التي يمتلكها المجتمع اليوم وهي مرتبة الحمد والشكر أن اتخذ الله منهم شهداء، وحمد وشكر على كلما ابتلوا به، وهذه نعمة عظيمة وفضل من الله”.

وأضاف “لا أريد أن أتحدث عن محور المقاومة فهو معروف من قبل، وإنما هناك المدد الجديد والإضافة النوعية، والهامة، التي لم يكن يتوقعها العدو أو يحسب لها أي حساب، هذه الإضافة هي ما جاء من اليمن للصراع مع العدو، وهذا مدد استراتيجي وليس محدود، اليمن يملك ممرًا في البحر ويحاصر العدو من خلاله اقتصاديا، وأصبح العدو مخنوق وأعلن الميناء إفلاسه”.. مؤكدا أن الطائرة المسيرة التي استهدفت يافا بعدها الاستراتيجي أن قلب العدو أصبح مهدد من المقاومة في اليمن، وحسابات العدو اصبحت صعبة.

وعبّر الشهيد إسماعيل هنية خلال اللقاء عن امتنان الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة لأنصار الله، قائلاً” نحن نشكر أنصار الله على ما قاموا به، وأنصار الله هم أنصار الحق، أنتم لا تعرفوا المعنويات في العامة الفلسطينية عندما يأتي أي استهداف من أنصار الله للعدو، وعندما يتابعوا خطابات السيد عبد الملك وينظروا المظاهرات في الساحات بهذا الزخم والحماس ترتفع معنوياتهم كثيرا ويشعروا بالأمل”.

وحيا باسم فصائل المقاومة الفلسطينية ونيابة عن كل محور المقاومة والشعب الفلسطيني، السيد عبدالملك الحوثي وأنصار الله، سائلًا الله تعالى التأييد والنصر لهم وأن يكتب أجرهم ويجزيهم خير الجزاء، مختتمًا حديثه بالقول “شكرًا لكم، وتحياتنا الحارة وسلامنا للسيد عبد الملك الحوثي، ولكل الأخوة في أنصار الله”.

مقالات مشابهة

  • جيل الطوفان‎
  • الحرب احتمال قائم.. مفاوضات سلاح المقاومة في لبنان مستمرة
  • في الذكرى الأولى لاستشهاده.. كلمات خالدة للقائد إسماعيل هنية في لقائه الأخير مع ممثلي أنصار الله
  • في ذكرى استشهاده: هذا ما قاله هنيه بلقائه الأخير مع ممثلي أنصار الله
  • من الوقود إلى التعاون الاستخباراتي والاقتصادي ، هذا ما قدمته دول عربية للعدو الإسرائيلي (تفاصيل خطيرة)
  • قوات القاسم تعرض مشاهداً لقصف تحشدات العدو الصهيوني بجباليا البلد
  • فتاة تروي لحظات الرعب التي عاشتها مع سقوط لعبة 360 في منتزة الجبل الأخضر بالطائف.. فيديو
  • بين الهدنة والانقلاب.. خطة عربية من 22 دولة تربك حماس وتفاجئ إسرائيل
  • “الأحرار الفلسطينية” تأسف لتماهي دول عربية مع العدو الصهيوني في تجميل وجهه بالإنزال الجوي للمساعدات
  • أمين عام حزب الله: لبنان لن يكون تابعاً لإسرائيل ولو اجتمع علينا العالم كله