ذكر مقال في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية أن الغرب لا يزال يخوض حربا ثقافية في أفغانستان، رغم مرور عامين على استعادة حركة طالبان السيطرة على البلاد.

وشكا مسؤول من الصف الثاني في طالبان من عدم قدرة الأطراف الإقليمية والغربية على الاتفاق على كيفية التعامل مع الحركة، التي تدير أفغانسان حاليا، حتى بعد انسحاب القوات الأجنبية من البلاد، وفقا للمقال المشترك للكاتبين المتخصصين في الشأن الأفغاني غرايم سميث وإبراهيم باهيس.

وتريد الولايات المتحدة وحلفاؤها -بحسب المجلة- من طالبان أن ترفع القيود التي تفرضها على حقوق المرأة.


نقاط خلاف

وفي الأثناء، طالبت الحكومات -من بكين وحتى واشنطن- طالبان بتشكيل حكومة شاملة، إلا أن قادة الحركة يرون أن ذلك لا يعدو أن يكون مجرد "نقطة نقاش غامضة قد تعني أي شيء من قبيل مشاركة أوسع في الحكم إلى استيعاب شخصيات سياسية من الحكومة المندحرة"، طبقا للمقال.

ويعتقد سميث وباهيس أن الحركة الأفغانية على استعداد للنظر في السماح بفتح المجال لمشاركة أوسع في الحكم، على الأقل بالنسبة للرجال، لكنها غير مستعدة لإدراج شخصيات من الحكومة السابقة.

وهكذا تعيش أفغانستان في مأزق -كما يقول الكاتبان- مع عدم وجود مسار واقعي للحكومة للتخلص من وضعها كدولة "مارقة"، والإفلات من العقوبات، وشغل مقعد في الأمم المتحدة.

ومن جانبهم، يجادل المسؤولون الغربيون بأن اعتماد دبلوماسيين من نظام حكم يميز ضد المرأة "سيكون منافيا لقيمهم ومضرا سياسيا". وفي هذا الصدد، يشير سميث وباهيس في مقالهما إلى أن اعترافا دبلوماسيا رسميا بحكومة طالبان قد يستغرق سنوات، "إنْ حدث أصلا".


صعوبات

ولفت الكاتبان إلى أن العقوبات، وتجميد الأصول، والقيود الاقتصادية الأخرى الرامية إلى عزل أفغانستان، أدت كلها إلى شل فرصها في التعافي من أزمة اقتصادية وصفتها الأمم المتحدة -خلال العامين الماضيين- بأنها أكبر كارثة إنسانية في العالم.

وتواجه البنوك وخطوط الطيران وغيرها من القطاعات الحيوية صعوبات؛ ولا يستطيع أكثر من نصف سكان البلاد الحصول على احتياجاتهم المنزلية الأساسية. كما تراجعت التعهدات بتقديم مساعدات إنسانية بسبب إدبار المانحين، على حد تعبير المقال.

ويشدد المقال على ضرورة أن تعمل الأطراف الإقليمية وكذا الحكومات والمؤسسات الغربية على إقامة علاقات "عمليّة" أكثر مع طالبان، وذلك من أجل ملايين الأفغان.

وكشف الكاتبان أنهما قضيا عدة أشهر في أفغانستان تحدثا خلالها مع مسؤولين في طالبان وشخصيات أجنبية مرموقة، وتوصلا إلى نتيجة مفادها أنه على الرغم من أن إعادة إدماج أفغانستان في المجتمع الدولي لا تزال بعيدة المنال، فإن هناك خطوات عملية كبيرة يمكن للعالم أن يتخذها في سبيل خدمة السلام والاستقرار والأمن.

ويستطرد المقال في سرد المعطيات التي تفضي إلى وجوب التعامل مع حركة طالبان، موضحا أن أفغانستان لا تعيش في عزلة، "فهي تقبع في منطقة بها جيران هم في أمسّ الحاجة إليها لكي تتعافى؛ فإذا استمرت معاناة الأفغان، فإن هناك ملايين في الجوار سيعانون مثلهم".

وتسعى طالبان -والحديث لا يزال لكاتبي المقال- إلى تكريس سلطتها من خلال جهودها لبناء الدولة؛ حيث تعمل على تحسين السدود في كافة أرجاء البلاد، واستخدام الطائرات المسيرة للتحليق فوق مشاريع المياه، وإغراق وسائل التواصل الاجتماعي بصور تظهر الأعمال الجارية في المشاريع المختلفة.


قلق

وأيًّا كان رأي العالم في طالبان، فإنها تدير الآن دولة لها أهداف واحتياجات ملحة، حسب قول سميث وباهيس، اللذين يعتقدان أن المنطقة التي تعيش فيها أفغانستان لا يمكنها الانتظار حتى يبرم العالم صفقة كبيرة مع الحركة تتعلق بالاعتراف الدبلوماسي بها.

فمعظم جيران أفغانستان -يضيف المقال- أرادوا رحيل القوات الأجنبية منها، وكانوا سعداء عندما وضع الانسحاب الأميركي من البلاد حدا لحرب مميتة هناك.

ولكن بعد توقف قتال القوات الأميركية لمسلحين من جنسيات متعددة في المنطقة، ينتاب جيران أفغانستان القلق من عدم قدرة طالبان على ملء الفراغ، يوضح المقال.

وتمضي فورين أفيرز في مقالها إلى القول إن دول منطقة آسيا الوسطى لديها هواجس أمنية مماثلة، وهي تتلقى ردودا متطابقة من طالبان، مبرزة أن تلك الدول بحاجة إلى الجلوس مع طالبان والتحدث معها عن احتياجاتها الأمنية المشتركة.


مخاوف مشروعة

وكما للدول الأخرى مخاوف، فإن لكابل هي الأخرى "مخاوفها المشروعة" بشأن تسلل المسلحين المناهضين لطالبان عبر حدودها، ويتعين على جيرانها منع المهاجرين غير النظاميين والمخدرات والأسلحة من العبور إلى أراضيهم من أفغانستان، توضح فورين أفيرز.

وتطرق المقال إلى مجالات التعاون العديدة التي تتيح للعالم التعامل مع حكومة طالبان دون الحاجة للاعتراف الدبلوماسي الرسمي بها، مثل مشروعات تشييد الطرق السريعة والسكك الحديدية للتواصل التجاري مع دول جنوب آسيا. وهناك أيضا مشاريع المياه، حيث دمرت عقود من الحرب البنية التحتية للبلاد، وأعاقت التنمية.

ويخلص الكاتبان إلى أن هذه الحلول الإقليمية الجزئية قد توفر نموذجا للأطراف الدولية الفاعلة لكيفية التعامل مع حركة طالبان على المدى القصير.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: التعامل مع

إقرأ أيضاً:

باكستان الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي!

اليوم سأحدثكم عن قصة حصول باكستان على السلاح النووي وإحداثها لمعجزة سياسية-علمية في العالم الإسلامي، فدولة التي لم تكن تملك شيئا بل حتى لا تستطيع صناعة مسامير وبراغي كيف لها أن تصنع سلاحا نوويا معقدا جدا في فترة قصيرة جدا، حتى الغرب لم يستطع مجاراتها؟ لا بد أن يكون وراء ذلك سر عظيم جدا ألا وهي الإرادة والعزيمة التي صنعت المستحيل.

بدأ كل شيء عام 1971 عندما تعرضت باكستان لهزيمة قاسية ومذلة أمام الهند، العدو الأول والأزلي، انتهت بانفصال بنغلادش عن باكستان، وبعد ثلاث سنوات فجّرت الهند أول قنبلة نووية له بمساعدة الكيان وخرجت للعالم تتبجح وصرّح الهنود: "نحن الآن صرنا قوة نووية".

في تلك اللحظة المفصلية في التاريخ كانت باكستان تراقب الوضع وشعرت بأن عدوها قد اكتسب ما سيمكنه من التفوق عليها، وهذا ما استفز كبرياء الشعب والحكومة هناك، حينها وقف رئيس وزراء باكستان ذو الفقار علي بوتو وقال عبارته الشهيرة: "لو اضطررنا لأكل العشب أو التراب، سنصنع قنبلة نووية". لم يأخذه الغرب ولا حتى الهند على محمل الجد، وظن الكل أنه مجرد هرطقة سياسية فقط وشعبوية معتادة للإلهاب حماس الجماهير هناك.. لكن تأكد لا حقا أن الرجل كان يعني ما يقوله بالحرف الواحد!

وبدأ التخطيط الفعلي لامتلاك برنامج نووي سري دون أن يثيروا ريبة أعين الغرب والعدو الأزلي الحاقدة.. وانطلق جمع المعلومات من طرف أجهزة المخابرات الباكستانية باحثة عن كل من يستطيع أن يقدم لهم يد العون من دول وحكومات ومنظمات سرية وجماعات تهريب وقبل ذلك البحث عن علماء نووي موثوقين ومستعدين للتضحية من أجل ذلك، وكان الاختيار على أحد الرجال الذين صنعوا المعجزة بأتم معنى الكلمة، ألا وهو الدكتور عبد القدير خان، وهو عالم الباكستاني شاب كان يعمل حينها في منشأة تخصيب أوروبية (URENCO – هولندا). اتصلت به المخابرات الباكستانية وقالت له بالحرف الواحد: "سيد عبد القدير أنت مستدعى في مهمة وطنية نبيلة هل ستلبي الدعاء أم نذهب لخيارات أخرى؟".

وكان الجواب: "لا مجال للتردد أمام نداء الوطن!" لم يتردد هذا الرجل الوطني المخلص للحظة في تلبية نداء الواجب، وترك كل الامتيازات الممنوحة له والرفاهية وجودة الحياة وحقول الورود والياسمين في هولندا؛ البلد الساحر من حيث الطبيعة الخلابة وجودة الحياة، وعاد متخفيا ليعمل في ظروف قاسية في مناطق وعرة غير موصولة حتى بطرق معبدة وبعيدة كل البعد عن المدن في باكستان. كل هذه التضحية من أجل هدف واحد ونبيل ألا وهو أن تمتلك بلده سلاحا نوويا يمكنها من استعاده التوازن أمام عدو أزلي يتربص على الحدود في كشمير..

استغل هذا الرجل الذكي منصبه هناك لجمع كل ما يمكنه من معلومات حول تقنية الطرد المركزي، ونجح في نسخ تصاميمها وخزنها في ذاكرته في عام 1975. وكما سبق وذكرت، عاد إلى باكستان سرّا حاملا مخططات علمية وتقنية ثمينة، ومعه حتى قائمة موردين دوليين وأسرار لا تُقدّر بثمن.

أسّس "مختبرات خان" في منطقة كاهوتا، وبدأ العمل بصمت رفقة علماء آخرين قام هو بنفسه بإقناعهم في العمل معه وكفاءات وطنية كوّنها هو بنفسه. وفي الخفاء تم إنشاء منشآت التخصيب الذي هو أصعب شيء في أي برنامج نووي، واستُخدمت شبكة تهريب دولية لاقتناء القطع والتكنولوجيا من أوروبا وماليزيا والصين، وكل ذلك تم بسرّية مذهلة وبمساعدة جزئية من الصين التي زوّدت باكستان ببعض التصاميم والمكونات النووية والتي فيما بعد تحولت إلى الحليف الأول للباكستان. والآن 80 في المئة من واردات السلاح إلى باكستان هي من التنين الصيني، مستغلة وبذكاء خلاف الصين الحدودي مع الهند مما قرب تلقائيا بينهما وفق المعادلة الشهيرة "عدو عدوي صديقي"، أضف إلى ذلك أن الظروف الإقليمية آنذاك خدمت المشروع النووي بطريقة غير مباشرة، ففي الوقت الذي كانت فيه أمريكا مشغولة بدعم باكستان في حربها ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، غضّت الطرف عن تقدمها النووي، أو لنقل أن واشنطن لم تكن تتصور أن باكستان بلغت أشواطا متقدمة جدا في الحصول على سلاح نووي كامل.

في عام 1998 فجّرت الهند سلسلة تجارب نووية وبعد أقل من ثلاثة أسابيع، وفي يوم 28 أيار/ أمايو ردّت باكستان بتفجير خمس قنابل نووية دفعة واحدة في جبال بلوشستان. وهنا كان العالم مذهولا، والغرب في حالة صدمة واضحة، ولعل الصدمة الأكبر كانت في نيودلهي حين علم الهنود أن تفوقهم النوعي على عدوهم الأزلي قد زال وحدث التوازن بين القوى!

دخلت باكستان رسميا نادي القوى النووية إلى جانب القوى العظمى في العالم، وأصبحت أول دولة إسلامية تمتلك السلاح النووي. حاول شرطي العالم تدارك الأمر، ففرضت أمريكا عقوبات اقتصادية علها تثنيها عن ذلك، لكن يبدو أن الرجال فعلوها أخيرا والردع النووي قد تحقّق، فالبرنامج اكتمل ورسالة رئيس الوزراء قد وصلت فعلا، كل كلمة قالها كان يعنيها، لا شيء سيثني باكستان عن امتلاك سلاح نووي.

أما بالعودة للحديث عن البطل القومي عبد القدير خان الذي قام عليه المشروع، فقد وُضع لاحقا تحت الإقامة الجبرية بعد اتهامه بتهريب تكنولوجيا نووية إلى دول أخرى ككوريا الشمالية وإيران وليبيا، ومع ذلك بقي في أعين شعبه "أبو القنبلة الإسلامية".

قصة المشروع النووي في دولة باكستان تظهر مدى حجم التأثير حين تجتمع الإرادة والعزيمة السياسية مع إرادة الشعب، ومدى أهمية العقول العلمية وحب الوطن الخالص الذي يمكن أن يغير موازين القوى بشكل كامل وإحداث المعجزات!

مقالات مشابهة

  • باكستان الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي!
  • %40 من العاملين في أفغانستان أطفال.. والفتيات يعملن في الخفاء
  • مجلة أمريكية: إسرائيل ارتكبت آلاف جرائم الحرب في قطاع غزة
  • الكنزاري سعيد بالشخصية التي قدمها لاعبو الترجي
  • مقال في هآرتس: أي حرب مع إيران لن تمحو جرائم إسرائيل بغزة
  • أسد يقتل رجل أعمال ألماني أمام أعين زوجته وأصدقائه شمال غرب ناميبيا
  • ويل سميث يكشف سبب رفضه بطولة فيلم Inception: لم أفهمه
  • رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينمائيا
  • كاتب أميركي: مؤسسة غزة الإنسانية غطاء لحماية إسرائيل
  • بعد إعلان تطبيقها.. ما هي خيارات الدوام التي توفرها مبادرة صيف دبي المرن للموظفين؟