ملخص المجتمع الصادر عن جهاز الرقابة .. أداة فعالة لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الحوكمة
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
رفع مستوى التعاون بين جهاز "الرقابة" والمجتمع يوفر بيئة أكثر استدامة
المرحلة المقبلة تتطلب وجود آليات فعالة لرصد المخالفات والمتابعة
ضرورة الابتكار في تطوير استراتيجيات جديدة لتحفيز مشاركة المجتمع في جهود الرقابة
أجمع خبراء على أن رفع مستوى التعاون بين جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة وكافة أطياف المجتمع يسهم في تعزيز الثقة بين المواطنين والجهات الحكومية، ويعزز من فاعلية السياسات العامة ويؤدي إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة.
وأشاروا إلى أن التعاون الفعّال يتطلب وجود قنوات تواصل مباشرة وشفافة، تتيح تبادل المعلومات والشكاوى. كما أكّدوا على أهمية توعية المجتمع ودعمه في جهود الرقابة، مما يسهم في تعزيز الوعي العام حول أهمية النزاهة والشفافية. وأوضحوا في استطلاع أجرته "عمان" أن التقرير يتناول مجموعة من القضايا الحيوية التي تؤثر بشكل مباشر على المجتمع والاقتصاد، مما يستدعي متابعة مستمرة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة، مؤكدين أهمية وجود آليات فعالة لرصد المخالفات، حيث إن الرصد وحده لا يكفي لضمان النتائج المطلوبة، وإنما يتطلب متابعة مستمرة.
وأوضحوا لـ "عمان" أهمية توسيع نطاق تغطية الملخص ليشمل الموضوعات المتعلقة بالأداء الحكومي والشركات الحكومية، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الممارسات الحميدة التي ينبغي أن يتبناها المجتمع خلال المرحلة القادمة. وأشاروا إلى ضرورة الابتكار في تطوير استراتيجيات جديدة لتحفيز مشاركة المجتمع في جهود الرقابة.
وأكد الدكتور يوسف بن حمد البلوشي خبير اقتصادي بأن إصدار ملخص المجتمع عن التقارير السنوية لجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة يمثل خطوة مهمة في تعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة، مما يعزز مصداقية الحكومة في جهودها الرامية لمكافحة الفساد. وأوضح أن هذا التقرير يسهم بشكل كبير في تهيئة بيئة الأعمال للقطاعين العام والخاص، مما يعزز الثقة بين المواطنين والمؤسسات الحكومية، ويدعم الجهود التنموية في سلطنة عمان.
وأوضح أن الملخص تناول مجموعة من المواضيع والقضايا الحيوية التي تمس المجتمع والاقتصاد، وأكد الدكتور على ضرورة متابعة ما تم التوصل إليه بصفة مستمرة. وأشار إلى أن الرصد وحده لا يكفي لضمان تحقيق الأهداف المنشودة، بل يجب أن يتبع ذلك عملية متابعة فعالة لرصد المخالفات واتخاذ الإجراءات المناسبة بعد رفع التقرير السنوي للجهاز إلى المقام السامي-رعاه الله- ونسخة منه إلى المجالس المختصة.
وأكد على أهمية الابتكار في إيجاد آليات جديدة لتحفيز مشاركة المجتمع في دعم الجهاز من خلال الإبلاغ عن المخالفات. كما أكد على ضرورة زيادة تفاعل المجتمع، بحيث يتضمن التقرير إضاءات على الممارسات الحميدة التي ينبغي أن يتبناها المواطنون خلال المرحلة المقبلة، خاصة في سياق التحولات الجوهرية التي تشهدها رؤية "عمان 2040".
ولفت إلى أن الملخص كشف عن العديد من المخالفات ويسعى إلى تعزيز ثقافة المسؤولية والوعي الرقابي بين أفراد المجتمع. من خلال نشر المعلومات وتوعية الجمهور بأهمية الرقابة والمساءلة، فإن التقرير يسهم في بناء مجتمع مدني واعٍ وقادر على المشاركة الفعالة في جهود مكافحة الفساد.
وأوضح الدكتور البلوشي أن ملخص المجتمع عن التقرير السنوي لجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة يعد أداة أساسية في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة في سلطنة عمان، مما يعكس التزام سلطنة عمان بتعزيز الحوكمة الرشيدة وإيجاد بيئة عمل أكثر شفافية ومصداقية.
وقال سالم بن علي المحروقي استشاري طاقة ومعادن إن جهاز الرقابة قد قطع شوطا كبيرا في معالجة العديد من القضايا التي تؤثر بشكل مباشر على المصاريف والتكاليف والهدر والفساد. ومع ذلك، يرى أن هناك مجالًا لتوسيع نطاق التغطية لتشمل الموضوعات المتعلقة بالأداء الحكومي والشركات التابعة للحكومة.
وأشار إلى أهمية التركيز على أداء شركات جهاز الاستثمار العماني، نظرًا لعددها الكبير وضخامة استثماراتها، مقارنة بما تم الالتزام به في مؤشرات الأداء المستهدفة، مؤكدا على ضرورة مراجعة الممارسات الإدارية في هذه الشركات، خاصة فيما يتعلق بإجراءات الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص في التوظيف، والتعمين، والتعاقدات، والمشتريات.
وأضاف المحروقي أن تقييم أداء الوحدات الحكومية يتطلب مقارنة النتائج بما تم الالتزام به في مؤشرات الأداء، خصوصًا جودة الخدمات الحكومية المقدمة للجمهور. وأكد على أهمية تقييم أداء القطاعات المختلفة ومقارنتها مع المستهدفات المحددة، بالإضافة إلى التركيز على التقدم في التحولات المستقبلية مثل التحول في موارد الطاقة، والابتكار، والاقتصاد الدائري، والذكاء الاصطناعي، والحكومة الذكية، والاستدامة.
وأوضح سالم المحروقي أن الملخص الذي يقدمه الجهاز يحمل رسائل هامة جدًا للرأي العام فيما يتعلق بالنزاهة والشفافية والمساءلة وحفظ الحق العام وسيادة القانون، والتي بدورها ضرورية لتعزيز ثقة المواطن في الحكومة، وأيضًا لتعزيز ثقة القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب في بيئة الأعمال بسلطنة عُمان.
وأشار المحروقي إلى أن ملخص المجتمع يجب أن يكون شاملًا وغير انتقائي، لأن الانتقائية قد تؤدي إلى فقدان بريقه وبالتالي فقدان ثقة المجتمع. وبالنسبة لمهام الفحص التي نفذها الجهاز بناءً على التكليف السامي، فقد أكد المحروقي على ضرورة توطين الوظائف في الشركات الخاصة والحكومية وتوطين الصناعات المختلفة "المحتوى المحلي"، مشيرا إلى أهمية أن تكون هذه الجهود الخيار الافتراضي وليس الاستثنائي، خاصة وأن الحديث حولها قد زاد في الآونة الأخيرة.
وبيّن أن مهام الفحص وما نتج عنها من أوامر سامية للجهات المختصة ستسرع في تنفيذ هذه التوجهات الوطنية. كما أن للجهاز دورًا مهمًا في متابعة مدى التقدم الذي تحققه هذه الجهات في تنفيذ الأوامر السامية وتضمينها ضمن منظومة عملها وإجراءاتها. ويرى سالم بن علي المحروقي ضرورة مراجعة تقارير الجهاز السابقة وتقييم مدى التزام الجهات الحكومية بالتوصيات والملاحظات التي وردت فيها، وذلك لتعزيز الأداء الحكومي وتحسين فعالية العمل المؤسسي.
وأشار المحروقي إلى أن نشر ملخص المجتمع يعد جزءًا من السياسة العامة للدولة المتعلقة بالنزاهة والمساءلة، حيث يسهم هذا الملخص في معالجة قضايا هامة تواجه المجتمع، مثل هدر المال العام، وتحسين المهنية في الأداء وجودة الخدمات المقدمة للجمهور، بالإضافة إلى تعزيز الحوكمة والالتزام بالقرارات ذات الصلة. وفي هذا السياق، لفت المحروقي إلى أهمية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى.
وأكد المحروقي على أهمية تعزيز التعاون بين جهاز الرقابة وكافة أطياف المجتمع لضمان تحقيق مزيد من الشفافية، وذلك من خلال الندوات التوعوية حول أهمية الرقابة الذاتية، والعمل بأفضل الممارسات الرقابية، بالإضافة إلى توضيح دور الجهاز في هذا المجال. كما أشار إلى أهمية دعم مؤسسات المجتمع المدني للجهاز في أداء مهامه الرقابية.
وفيما يتعلق بالعناصر التي يجب أن يتضمنها الملخص ليكون أكثر فائدة للمواطنين وصانعي القرار، أكد المحروقي على أهمية الموضوعية والمهنية في الطرح، والابتعاد عن تأجيج المشاعر. ويجب أن تتناول المواضيع القضايا التي تلامس قلق الرأي العام ومشكلاته، والتي غالبًا ما تكون ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية. كما ينبغي أن تقدم حلولًا قابلة للتطبيق ومستدامة، مع تحديد زمن محدد لمتخذ القرار.
وأشار الدكتور قيس بن داود السابعي قانوني وخبير اقتصادي إلى أن جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، منذ تأسيسه، يضطلع بمسؤوليات مهمة ويسعى إلى تنفيذ أعماله بفعالية وبأعلى مستويات الكفاءة. ويعكس الإفصاح عن المعلومات والأرقام والمؤشرات التي يقدمها الجهاز اليوم تفعيلًا لدوره الحقيقي، سواء على مستوى الدولة أو في تنفيذ الأوامر السامية، بالإضافة إلى ترجمته لرؤية "عمان 2040" وللتوجهات السامية بإعلان مبادئ النزاهة والشفافية والمساءلة والمحاسبة.
وأوضح الدكتور قيس أن القضايا والمواضيع التي عرضها جهاز الرقابة في ملخص المجتمع الواردة في تقريره السنوي تعكس الاهتمام الكبير لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - والحكومة، في تحقيق المصداقية والتعامل الواضح في مجال الشفافية، بما يخص الوطن والمواطن والصالح العام، وذلك في إطار خدمة الوطن والمواطن وتنفيذ مبادئ المساواة والعدالة ومكافحة الفساد.
وأكد أن الملخص يعزز ثقة المواطن في الحكومة، والتي تعد الجهة الأولى المسؤولة عن المتابعة والرصد، بالإضافة إلى كونها الحوكمة الأساسية للشركات والمؤسسات الحكومية. وأشار إلى أن الحكومة تُظهر اهتمامًا بالغًا بمراقبة كافة الشؤون الوطنية والمواطنين، حيث إن نشر هذه البيانات علنًا يعكس ثقة الجهاز في المصداقية في الأقوال والأفعال.
وبيّن الدكتور قيس أن الإجراءات المتبعة في إصدار ملخص المجتمع وتقاريره السنوية للجهاز مقننة ومؤطرة وفق القوانين واللوائح التنظيمية ذات الصلة باختصاصات الجهاز، واصفًا إياها بأنها واضحة ودقيقة وتستند إلى منظومة قضائية وإجرائية متكاملة. وأشاد بتفاصيل الملخص، الذي يحمل نسبًا وأرقامًا واقعية بطريقة دقيقة وشفافة.
كما أشار الدكتور إلى أن تأثير ملخص المجتمع على السياسات العامة للدولة يتمثل في تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطن، وإضفاء طابع الشفافية والديمقراطية والوضوح والعدالة والمساواة في الخدمات. ويظهر ذلك بوضوح في الموضوعات المدرجة بالملخص وجهوده في مكافحة ومنع الفساد، بالإضافة إلى دوره في توعية المواطنين ونشر الطمأنينة بأن حقوقهم ومصالحهم مصانة، وأن هناك جهة تتابع وتحارب الفساد بشتى أنواعه. وأخيرًا، يسهم هذا الأمر في تعزيز الجهود من قبل الجهات المختلفة لتطوير آليات وأساليب عملها وتقديم أفضل الخدمات، مما يؤدي إلى تحسين الأداء ورفع مؤشرات الدولة لتكون في مصاف الدول المتقدمة.
وأوضح الدكتور قيس السابعي أن تعزيز التعاون بين جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة والمجتمع المدني يعد خطوة حيوية نحو تحسين الشفافية والمساءلة في سلطنة عمان. يمكن تحقيق هذا التعاون من خلال إنشاء خطوط تواصل مباشرة بين الجهاز وكل وحدة حكومية، حيث يتعين على كل وحدة معنية أن تلتزم بتوفير خطوط ساخنة لاستقبال الشكاوى والملاحظات. هذه الخطوط ستسهم في متابعة وتحليل الشكاوى بفاعلية، مما يعزز من قدرة الجهاز على التعامل مع القضايا المطروحة.
وأكد الدكتور قيس على ضرورة وجود قنوات تواصل إعلامية متخصصة، حيث تتطلب المرحلة القادمة تعزيز الثقافة والتوعية لدى المواطنين حول أهمية غرس مفهوم الرقابة مسؤولية الجميع. ويجب أن يكون لدى المواطن وعي كامل بأهمية الإبلاغ عن الشكاوى بصورة مباشرة من خلال القنوات التي يعلنها الجهاز. من الضروري أيضًا بث روح الوطنية في نفوس الموظفين، بحيث يشعرون بالمسؤولية تجاه الصالح العام ويكونون عونًا للجهاز من خلال الإبلاغ عن أي مخالفات قد تؤثر سلبًا على المجتمع.
وأكد الدكتور أهمية وجود قنوات خاصة للتواصل مع كل وحدة حكومية، مما يسهم في تحقيق حوكمة حقيقية ويمنع حدوث الأخطاء التي قد تؤثر على جودة الخدمات المقدمة، مشيرا إلى أن تعزيز هذه القنوات سينعكس إيجابًا على ديمقراطية وشفافية الخدمات الحكومية، مما يسهم في تعزيز العدالة والامتثال للقوانين.
وأشار الدكتور قيس إلى أن لغة الأرقام تمثل أداة فعالة في التواصل مع الجمهور، حيث تبرز العناصر الحقيقية التي يستفيد منها المواطن وصانع القرار. ويجب أن تشمل هذه العناصر ثلاث محاور أساسية: الوضوح، المصداقية، والشفافية. كما ينبغي تقديم نسب وأرقام دقيقة، مع أمثلة توضح الأخطاء بشكل علني، مما يعزز من مصداقية التقارير ويزيد من ثقة الجمهور في الجهاز.
وأوضح الدكتور قيس بأن التوجيهات السامية لجلالة السلطان المعظم-حفظه الله- إلى الجهات المعنية عكست الرعاية السامية في التقارير التي يتشرف الجهاز برفعها إلى مقام جلالته من أجل تصحيح الانحرافات ورفع كفاءة الأدوار في تلك الجهات وبما يحقق التكاملية في مؤسسات الدولة المختلفة، وتدل على اهتمام الحكومة بتطوير وتحسين الأداء المؤسسي ومكافحة الفساد. إن هذا الاهتمام يعكس التزام الحكومة بتعزيز الشفافية والمساءلة، مما يسهم في بناء مجتمع قوي ومستدام.
وبيّن أن تعزيز التعاون بين جهاز الرقابة والمجتمع المدني يعد ضرورة ملحة لضمان تحقيق أهداف التنمية المستدامة وبناء قاعدة راسخة من الثقة والمصداقية بين الحكومة والمواطن، مما سيمكن من مواجهة التحديات الراهنة وبناء مستقبل أفضل للجميع.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جهاز الرقابة المالیة والإداریة للدولة الشفافیة والمساءلة وأوضح الدکتور ملخص المجتمع وأکد الدکتور بالإضافة إلى لضمان تحقیق مما یسهم فی سلطنة عمان على أهمیة على ضرورة إلى أهمیة مما یعزز فی تعزیز فی جهود من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
الوازع الدّيني.. درعٌ واقٍ لتحقيق النزاهة والأمانة وحماية المال العام
العُمانية: أولى الدّين الإسلامي الحنيف عناية بالغة بحماية المال العام والحفاظ عليه من كل أشكال العبث أو الاعتداء، فجاءت تشريعاته واضحة وحازمة في هذا الجانب، ومرسِّخة في وجدان المسلم رقابة ذاتية نابعة من الوازع الديني والشعور بالمسؤولية أمام الله والمجتمع، وتتكامل التشريعات مع الدور المؤسسي للدولة في ضمان الاستعمال الأمثل للمال العام، بما يُحقق الصالح العام ويحفظ حقوق الأجيال القادمة.
وأشار مختصون ومعنيون لوكالة الأنباء العُمانية إلى أهمية دور الوازع الديني في تعزيز النزاهة والأمانة وحماية المال العام، مبينين أنّ التشريعات الإسلامية وضعت منظومة متكاملة تقوم على أسس العدل والرقابة والمحاسبة والشفافية لضمان استدامة المال العام وصونه باعتباره أمانة في أعناق جميع فئات المجتمع.
وقال طلال بن خلفان المعولي أستاذ مساعد بكلية العلوم الشرعية إنّ الإسلام وضع مجموعة من التشريعات الصارمة لحماية المال العام ومنع التعدي عليه، ومن أبرز هذه التشريعات تحريم الخيانة والاختلاس إذ حرم الإسلام أخذ شيء من المال العام بغير وجه حق، واعتبره "غلولًا" والغلول بضم الغين واللام أصله الخيانة، وفي المعنى العام هو مطلق الخيانة لكنه شاع في الغلول في الغنيمة والأخذ منها قبل قسمتها وينسحب حكم ذلك على المال العام لأنه حق أصيل للشعب وحق للأجيال القادمة في ثروات أوطانهم فيجب المحافظة عليه وقسمته بالعدل. ففي القرآن الكريم قال تعالى: "وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ۚ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، ومن السنة النبوية قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "ردوا الخيط والمخيط فإن الغلول يأتي يوم القيامة عار على صاحبه".
وأضاف أنّ الإسلام وضع عقوبات رادعة للمعتدين على المال العام حدّ السرقة حيث يعاقب السارق من المال العام إذا استوفى شروط الحدّ، بالإضافة إلى التعزير وهي عقوبة تقديرية يحددها القاضي للمختلسين والمفسدين الذين لم يستوفوا حدّ السرقة لكن ثبت في حقهم الاختلاس أو الرشوة وغيرها من أسباب الفساد المالي.
وأشار إلى أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم- نهى عن استغلال الوظيفة العامة لمكاسب شخصية، وقال لمن عُيِّن لجمع الصدقات وأخذ شيء منها لنفسه: "أفلا جلس في بيت أبيه وأمه، فينظر أيُهدى له أم لا؟"، مؤكّدًا على أنّ التشريعات في الإسلام تؤكّد على تحقيق العدل في توزيع المال العام إذ يجب صرف المال العام فيما يخدم المصلحة العامة مثل التعليم والصحة والبنية الأساسية، وعدم تخصيصه لفئة معينة دون وجه حق، قال تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).
وأفاد بأن الإسلام جعل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أداة رقابية على القائمين على المال العام فيكون كل مواطن على ثغرة من ثغور الوطن يعين ويعاون على قمع واستئصال الفساد بالإضافة إلى منع التبذير والإسراف حيث أمر الإسلام بعدم إهدار المال العام إلا في منافع ومصالح المواطنين من خدمات وبنى أساسية قال تعالى: (ولا تبذر تبذيرا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ)، مؤكّدًا على أنّ التشريعات الإسلامية في حماية المال العام تقوم على العدل، والرقابة، والمحاسبة، والشفافية، مما يضمن استدامته لتحقيق مصالح الأمة.
وبيّن أنّ الفساد في المال العام يُعدُّ عقبة رئيسة أمام تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، وتتطلب مكافحته جهودًا مشتركة من جميع أفراد المجتمع ومؤسساته، مشيرًا إلى أنّ هناك العديد من الآثار السلبية الاقتصادية والاجتماعية للفساد في المال العام على المجتمع. ففي الجانب الاقتصادي يُسبب الفساد تباطؤ النمو الاقتصادي إذ يؤدي الفساد إلى تقليل الاستثمارات المحلية والأجنبية نتيجة لعدم الثقة في بيئة الأعمال مما يعيق النمو الاقتصادي.
وأضاف أنّ الفساد في المال العام يتسبب في زيادة تكاليف المشروعات إذ تؤدي الرشاوى والعمولات غير المشروعة إلى رفع تكاليف تنفيذ المشروعات مما يثقل كاهل الميزانية العامة لانعدام المنافسة المشروعة كما يتسبب في حرمان فئة كبيرة من المجتمع من الدخول في سباق المنافسة، بالإضافة إلى تراجع جودة الخدمات العامة بسبب تحويل الموارد المخصّصة للخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة إلى المصلحة الشخصية.
ولفت إلى أنّ هناك العديد من الآثار الاجتماعية للفساد في المال العام منها تفكك النسيج الاجتماعي ويؤدي إلى شعور بالظلم والتمييز، مما يضعف الروابط الاجتماعية ويزيد من التوترات، وتآكل القيم الأخلاقية وعندما يصبح الفساد وسيلة لتحقيق المكاسب تتراجع القيم الأخلاقية مثل الأمانة والنزاهة في المجتمع.
وأشار إلى أنّ الفساد في المال العام يؤدي إلى فقدان الثقة بالمؤسسات الحكومية أو تراجعها مما يضعف شرعيتها، بالإضافة إلى تعزيز الطبقية حيث يؤدي استحواذ فئة قليلة على الموارد بطرق غير مشروعة إلى زيادة الفجوة بين الطبقات الاجتماعية وتهديد الاستقرار الاجتماعي.
من جانبه وضّح محمد بن خاتم الذهلي أمين فتوى بمكتب المفتي العام لسلطنة عُمان أنّ المال العام هو المال الذي يشترك فيه أبناء المسلمين عمومًا في منفعته، فهو ليس مخصوصًا بفرد معين منهم فيمتلكَ الحقَ في التصرف فيه؛ ولذا كان جانب المحافظة عليه أعظم من المال الخاص لأنه متعلق بأفراد آخرين، ومن هنا تنبع أهمية القوانين الرادعة عن الخوض فيه.
وقال إنّ الردع يكون بقوانين تحافظ على المصلحة العامة، وينعكس أثرها في المحافظة على المال العام ويعد أيضا الرادع الديني أعظم وأقوى سبيلًا لكونه مبنيًّا على المراقبة الذاتية للمرء لنفسه فيما بينه وبين الله تعالى طلبًا للأجر والثواب وبُعدًا عن العقاب الإلهي، فهذا الباعث النفسي يُصاحب الإنسان في جميع حالاته حتى في الحالة التي يمكنه فيها التحايل على القانون الوضعي.
وأضاف أنّ أهمية الرادع الديني تنبع أنّ المرء لا يحتاج فيه إلى تبين الأثر الحاضر للالتزام بالقانون لأن البُعد الغيبي المتمثل في الأجر أو العقاب الأخروي حاضر في وجدانه، فهو يرى أن التزامه بالقانون المبني على النص الديني يعطيه فضيلة أخروية يحاول اكتسابها بالتزامه، وهذا النظر في التعاطي مع القانون يحتم على المشرِّعين المواءمة في صياغة القوانين أن تكون منسجمة مع النصوص الشرعية لأنها أجدى وأوفق في صيرورة الحياة في إطار منظم.
وحول تعزيز مفهوم المال العام من خلال التعليم والتوعية بيّن أنه يجب الإدراك أولًا أنّ هذا المفهوم حاضر بقوة في الشريعة الإسلامية بفضل النصوص الشرعية الناصّة على هذا الأمر، ويكون الدور الأساسي تفعيل هذه النصوص واستثمارها في بث روح المحافظة على المال العام عبر العديد من الجوانب.
وأضاف أنّ من بين هذه الجوانب إظهار النصوص الشرعية ونشرها علانية وقد استقر عند العقلاء أن الإنسان عدوُّ ما جَهِلَه، وغياب المعرفة بهذه النصوص الشرعية يُسهل على الإنسان الوقوع في مخالفتها، فمن ثَمَّ كان نشرها في وسائل الإعلام المختلفة أدعى لفهم الناس لها والعمل بمقتضاها.
وأكّد على أهمية تنشئة الناشئة على حضور هذا المفهوم إذ إنّ من أفضل الطرق لغرس مفهوم ما في عقول الشباب هو أن تُنَشِّئَهم عليه بالتعليم في الصغر، وتضطلع المدارس بمختلف حلقاتها بهذه المهمة، فحضور دروس في المناهج التعليمية في المدارس عن المال العام أمر مهم جدًا حتى يتربى عليه الصغار فهمًا وتعلمًا، ويسهل تقبله منهم وتطبيقه في حياتهم العملية بعد ذلك.
ولفت إلى أنّ من بين الجوانب المهمة في هذا الإطار بيان العاقبة، وبلا شك أنّ الإنسان في سلوكه العام مدفوع بأمرين: إما جلب مصلحة أو دفع مضرة عنه، وهذا يتحقق في إطار التوعية بمفهوم المال العام من خلال بيان العاقبة المحمودة والفوائد التي تُجنى بالمحافظة عليه، وببيان الآثار السلبية والمدمرة بتضييعه وإهماله وعدم المبالة به، فإذا استبان للإنسان النفع والضرر مالت نفسه إلى ما فيه صلاحها ونفعها لأن الطريق قد وضح لديه.
وأكّد على أهمية إبراز القدوات في المجتمع وهم يتعاملون مع المال العام بالشكل اللائق ويشجع الآخرين الذين يعدون هذه القدوات مثلا أعلى لهم على أن يحذوا حذوهم ويطبقوا ما رأوه منهم في حياتهم، وقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على هذ الأمر فكان لا يأمر بشيء إلا كان أول من يفعله، ولم ينه عن شيء إلا كان أول من يبتعد عنه، كما تزخر مواقع التواصل الاجتماعي اليوم بملايين المتابعين للأفراد، فحقٌ أن تكون هذه التبعية لمن يوجههم التوجيه السليم، ولا أجدر بذلك من القدوات الحقيقية التي لها منهج متوازن ملتزم بالتعاليم الشرعية النافعة لكل زمان ومكان.
وبيّن أحمد بن ناصر الحارثي أمين فتوى بمكتب المفتي العام لسلطنة عُمان أنّ الشريعة تُقرر أن الإنسان مستخلف في الأرض وسخرها له ليعمرها وفق أوامر الله تعالى ونواهيه ويشكره فكرًا وذكرًا للمنعم جل جلاله والله تعالى هو المالك الحق لكل ما في السماوات والأرض وما بينهما، ومن رحمته أن شرع للناس عقودا يتملكون بها المنافع، وأموالًا لا يملكون منفعتها وإنما يملكون الانتفاع بها، ومنها الأموال العامة.
وقال إنّ المال العام مصطلح يقصد به مقابل المال الخاص الذي يملكه الأفراد، فهو مال عام للناس لا تتسلط عليه يد الأفراد، وهو أمانة في يد الدولة تتصرف فيه وفق قواعد المصلحة لعموم الناس ومصالحهم ومنافعهم، وفي الرواية "الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار" إشارة واضحة إلى اشتراك الناس في الانتفاع من هذه الموارد الأساسية العامة وعدم جواز احتكارها من قبل أحد أو فئة من الناس.
وأكّد على أنّ المال العام أمانة أيضًا بالنسبة إلى عموم الناس، فكل فرد من المجتمع حارس أمين على المال العام، وقد جاء الوعيد لمن يخون هذه الأمانة في القرآن الكريم والسنة النبوية، مشيرًا إلى أنّ صور الاعتداء على المال العام لا حصر لها، فكل ما يؤدي إلى أخذها بغير حق أو استحقاق أو اختلاس أو تبذير يدخل في دائرة خيانة الأمانة المحرمة التي ورد فيها الوعيد.
وأضاف أنّ مسؤولية المحافظة على المال العام ليست مقتصرة على الدولة بل الناس جميعًا يشتركون فيها وكل منهم مخاطب بما يستطيع، لأن منفعته تعود عليهم جميعًا، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
إنّ حماية المال العام مسؤوليةٌ مُشتركةٌ بين الدولة والمجتمع، تُبنى على أساسٍ راسخٍ من المراقبة الذاتية، والقوانين والتشريعات، والتعاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبذلك تتحقق الاستدامة، ويُصان حق الأمة والأجيال القادمة في ثروات أوطانهم، تحقيقًا لقوله تعالى: "وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ".