107 أعوام على ذكرى وعد بلفور.. بذورُ بريطانيا الخبيثة في المنطقة
تاريخ النشر: 5th, November 2024 GMT
يمانيون – متابعات
يستمرُّ الواقعُ الإنساني المريرُ في غزةَ كحقيقة مؤلمة وقصص موجعة، وجرائمَ مفزعة تقوم بها الصهيونية لأكثرَ من عام دون أن يتحَرّك أحد.
وبالتوازي مع هذا الإجرام غير المسبوق، تحل علينا الذكرى السابعة بعد المِئة لما عُرف بــــ “وعد بلفور” لتعيدَ إلى ذاكرتنا الدورَ البريطاني الخبيثَ في زرع الكيان الصهيوني في جسد الأُمَّــة.
وفي سياق هذه الذكرى، أكّـدت حركة الأحرار الفلسطينية أن معركة (طُـوفَان الأقصى) مُستمرّة رغم هذه الذكرى المشؤومة، مجددة التأكيد على أن الشعب الفلسطيني يقدم في سبيل ذلك التضحيات الغالية.
وقالت الحركة في بيان لها: إن “وعد بلفور وما نتج عنه سيبقى وصمة عار في جبين المجتمع الدولي وما يدعيه بإنسانيته، وعلى رأسهم بريطانيا”، لافتة إلى أنه “على الرغم مما يرتكبه الاحتلال من جرائم إبادة جماعية وتجويع وانتهاك لكامل حقوق الشعب الفلسطيني، إلا أن الشعب الفلسطيني يرسم لوحة أُسطورية في الفداء والتضحية، وأن الشعب الفلسطيني المقاوم لن يرفع الراية البيضاء، ولن يترك البندقية من يده، ومقاومته ستبقى مُستمرّة ومتنوعة ومتطورة في رحاب محور المقاومة وجبهات الإسناد حتى دحر الاحتلال الصهيوني”.
وقالت الحركة: “بعد 107 أعوام من “وعد بلفور” المشؤوم، فقد حان الوقت لأن تتحَرّك شعوب الأُمَّــة العربية والإسلامية في وجه هذا العدوّ”، مشيرة إلى أن “تحَرّك الشعوب اليمنية والعراقية واللبنانية والإيرانية التي أثبتت وأكّـدت أن هذا الاحتلال ما هو إلا وحش من ورق، وأن حرقه وتمزيقه بات أقرب من أي وقت مضى”.
بريطانيا رأس الحربة:
وفي السياق يؤكّـد الكاتب والباحث الدكتور عرفات الرميمة، أن “بريطانيا هي رأس الحربة فيما يحدث وتعيشه حَـاليًّا المنطقة”، منوِّهًا إلى أنه “قد تلاقت أطماع الصهيونية مع أهداف الاستعمار الغربي في السيطرة على المناطق الحيوية في الوطن العربي”.
ويوضح خلال لقاء له على قناة “المسيرة” أن الفكرة استقرت على أن تكون فلسطين هي المنطقة التي يجب أن تزرع فيها بذرة سرطانية هو العدوّ الصهيوني الغاصب.
ويشير إلى أنه “في العام 1905 عقد المتآمرون، لا المؤتمِرون، المؤتمرَ الصهيوني السابع في بازل بسويسرا، والذي يعد البذرة التي قسمت العالم وأهم البحار، وخُصُوصًا البحر الأبيض المتوسط الذي يعتبر بحرًا عربيًّا؛ كون أغلب الدول العربية مطلة عليه، ومن هنا يجب أن تتركز القوى الاستعمارية في البحر الأبيض المتوسط، “يطّلع المؤتمر على تقرير لجنة التقصي بشأن “عدم ملاءمة” أوغندا للاستيطان اليهوديّ الجماعيّ، ويتبنّى قرارًا بالبديل عن أوغندا وهي فلسطين”.
وهنا يشير الرميمة إلى أن المؤامرة على فلسطين كانت قديمة وعلى أن تكون هناك قوة تفصل بين شرق الوطن العربي وغرب الوطن العربي، فأتت الفكرة على أن تكون فلسطين هي هذه المستعمرة وفي قلب الأُمَّــة العربية، وعلى امتداد السياق التاريخي في العام 1915 جاءت اتّفاقية “سايكس بيكو” وتقسيم المنطقة العربية بين فرنسا وبريطانيا، ثم 1917، جاء يوم الوعد المشؤوم لبلفور، مبينًا أن دواعي هذا القرار لرئيس وزراء بريطانيا الذي كان يسعى إلى التخلص من الصهاينة في أُورُوبا، والهدف الآخر هي السيطرة على الوطن العربي.
الشيء الأخطر هنا هو الانتداب البريطاني الذي حقّق الوعد في الاستيلاء على فلسطين، وشرعنة الاستعمار البريطاني عبر عصبة الأمم المتحدة في العام 1922م؛ بمعنى أن بريطانيا سيطرت على فلسطين من خلال مرسوم عبر عصبة الأمم، أَو الأمم المتحدة كما تسمى الآن، حسب قول الرميمة.
ويضيفُ الرميمة أن تسلسل الأحداث بعد ذلك من هجرات لليهود، ودور عبد العزيز آل سعود الذي أخمد الثورات العربية المناهضة لاحتلال فلسطين، ولعب الكيان السعوديّ دورًا أَسَاسيًّا في ذلك، والذي قال عنه رئيس وزراء تشرشل: “فكرنا بزرع كيان موال لنا في السعوديّة قبل زرع الصهاينة أنفسهم في فلسطين، إلى جانب زرع النظام الأردني كذلك”، وبالتالي نقل حالة الاستعمار المباشر إلى الاستعمارِ عن طريق الوكلاء.
توافُقٌ بريطاني صهيوني:
كان هناك توافق بين المشروع الصهيوني من جهة، وبين الأطماع البريطانية الاستعمارية، حَيثُ قال منظِّر الصهيونية “هرتزل”: إننا “نعهد بحماية طريق التجارة البريطانية إلى الهند عبر السيطرة على فلسطين”.
وفي تاريخ 6 يوليو/تموز1921 أعلنت عُصبة الأمم مشروع الانتداب البريطاني على فلسطين، وتمت المصادقة عليه في 24 يوليو/تموز 1922، ووضع حيز التنفيذ في 29 سبتمبر/أيلول من العام نفسه، وحرص محرّرو صك الانتداب على الإشارة إلى أنه جاء بناء على وعد بلفور.
اشتمل الصك على ديباجة و28 مادة، وأكّـدت بريطانيا من خلال المشروع الصهيوني كما في وعد بلفور، وأضافت جزئية تقر فيها بـ “الصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين”، مع ذكر حقوق “الطوائف غير اليهودية” باقتضاب.
وفي أُكتوبر/تشرين الأول 1933 بدأت مظاهرات في جميع أنحاء فلسطين؛ تعبيرًا عن الغضب من السياسات البريطانية التي مارست كُـلّ أشكال العنف والقمع، خَاصَّة بعد ما أعدمت في أغسطُس/آب 1929 رموزًا فلسطينية شاركت في ثورة البراق.
بدأت منظماتٌ وحركات مقاومة فلسطينية سرية شبه عسكرية بالتشكل، منها جماعة اليد السوداء بقيادة عز الدين القسام، الذي استشهد في كمين نصبته له القوات البريطانية في 20 أُكتوبر/تشرين الأول 1935.
وأدى اغتيال واستشهاد القسام إلى إشعال فتيل الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 بالتزامن مع زيادة الاستيلاء اليهودي على الأراضي لاستيعاب الهجرة اليهودية المتزايدة، وزيادة القوانين البريطانية التي هجرت المئات، وتسببت بعطالة العديد من العمال الفلسطينيين، بالإضافة لخطط التقسيم للمنطقة.
مع الإشارة، ارتكبت القوات البريطانية خلال فترة انتدابها عددًا من المذابح، وقمعت الثورات الفلسطينية، وأبرزها ثورة عام 1920، وثورة البراق عام 1929، وثورة القسّام عام 1935، والثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م.
الأنظمةُ العميلة والبذرة الخبيثة:
كان الدور بريطاني هو الأهم في إنشاء دولة “إسرائيل” كما أنها عملت على إنشاء أنظمة وظيفية تعمل على خدمة وتحقيق المصالح الغربية الاستعمارية في المنطقة، ودورها المُستمرّ حتى اللحظة.
وفي هذا الشأن يحث العميد هاشم وجيه الدين، الأجيالَ العربية أن تعرف حقيقة الدور البريطاني الجوهري في زرع هذا الكيان والورم السرطاني في قلب وجسد الأُمَّــة العربية والإسلامية.
ويضيف خلال تصريح خاص لـ “المسيرة” وخُصُوصًا عبر أنظمة عميلة كان على رأسها الشريف حسين حينها، والذي حارب الدولة العثمانية التي رفضت أن تعطي فلسطين لليهود، الذين وصفهم وقتها عبد العزيز بن سعود وقتها بـ “المساكين” في مؤتمر العقير عام 1922م، حسب ما ذكره ناصر السعيد في كتابه “تاريخ آل سعود” كاشفًا أن عبد العزيز آل سعود قال للضابط البريطاني المتواجد في السعوديّة حينها: “يجب أن نعطيَ فلسطين لليهود المساكين”.
ويتابع حديثه: “الشريف حسين حارب الدولة العثمانية التي لم تتنازل عن القدس، وبالتالي وقف إلى جانب بريطانيا لزرع هذه البذرة الخبيثة “إسرائيل” في قلب الأُمَّــة العربية، وتحديدًا في فلسطين”، موضحًا أن “الدولة العثمانية رفضت كُـلّ الإغراءات البريطانية للتنازل عن القدس؛ فما كان من بريطانيا إلا أن أوعزت إلى الشريف حسين، والملك عبدالعزيز آل سعود أنظمتها العميلة في المنطقة بمحاربة الدولة العثمانية تحت شعار (الثورة العربية الكبرى)، التي كانت في الأَسَاس أدَاة لقتل، وإخماد أي تحَرّك عربي مقاوم، ورافض للمشروع البريطاني القذر في فلسطين، بعد هزيمة الدولة العثمانية”.
————————————-
المسيرة: محمد الكامل
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الدولة العثمانیة الشعب الفلسطینی الوطن العربی ــة العربیة على فلسطین وعد بلفور إلى أنه آل سعود إلى أن على أن
إقرأ أيضاً:
أسماء أطفال غزة الشهداء تقرأ في سراييفو
سراييفو – في كل مساء ثلاثاء، تتردد أصداء أسماء أطفال غزة الشهداء في أكثر شوارع المدينة ازدحاما بالمشاة، في قلب سراييفو النابض، بجوار الشعلة الخالدة التي ترمز إلى مناهضة الفاشية.
"نورا وليد عبد السلام شاهين (صفر عام)… مريم نور الدين وائل دعبان (صفر عام)… فاطمة لؤي رفيق السلطان (صفر عام)… وطن محمد عبد الرحيم المدهون (صفر عام)… ضياء أحمد عبد العاطي صالح موسى (صفر عام)… سارة عبد الرحمن محمد حمد (صفر عام)…".
اسم تلو اسم، وساعة تلو ساعة، وأسبوع تلو أسبوع، وشهر تلو شهر… عامان… 8 عقود… من المواليد الجدد إلى أولئك الذين لم يعيشوا ليبلغوا رشدهم.
لو اصطف العالم بأسره ليقرأ تلك الأسماء، لدام الأمر إلى الأبد.
في سراييفو، عاصمة البوسنة والهرسك، أخذت مجموعة صغيرة من المواطنين على عاتقها أن تكون ضمير العالم كما ينبغي له أن يكون.
يحملون الأعلام الفلسطينية -علم الحرية كما يطلقون عليه- إلى جانب لافتات تطالب بالحرية والسلام والعدالة، وقوائم لا تنتهي من أسماء الأطفال الذين قضوا في ما صنفته الآن لجنة تحقيق مستقلة تابعة للأمم المتحدة بأنه إبادة جماعية.
"… جنان حامد ناصر الأسطل (عام واحد)… عبد الرحمن شريف محمد أبو معمر (عام واحد)… شام عربي عبد القادر الزبيدي (عام واحد)… نصر خالد نصر الجد (عام واحد)… جوليا فوزي سعيد الكرد (عام واحد)…".
تستمر قراءة الأسماء حتى تجف الحناجر وتبهت الأصوات، لكنهم لا يتوقفون أبدا.
إن تعاطفهم ليس مجردا، بل هو متجذر في نجاتهم هم، حين حاصرت القوات الصربية سراييفو بين عامي 1992 و1995، وهي الفترة التي استشهد فيها 1601 طفل بالقصف ونيران القناصة.
حكمت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة على الزعيم السياسي السابق لصرب البوسنة رادوفان كاراديتش بالسجن مدى الحياة، بعد إدانته بارتكاب إبادة جماعية في سريبرينيتسا (1995)، وجرائم ضد الإنسانية، والاضطهاد، والقتل، وترويع المدنيين أثناء حصار سراييفو.
إعلانوصدر الحكم ذاته على راتكو ملاديتش، قائد الجيش الصربي، الذي أُدين بارتكاب إبادة جماعية في سريبرينيتسا، والاضطهاد، وإبادة المدنيين غير الصرب، وحصار سراييفو، واحتجاز قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة كرهائن.
وفي قمة الأمم المتحدة الأخيرة في نيويورك، التقى الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، الذي زار مواقع المدفعية الصربية حول سراييفو أثناء الحرب، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد وقت قصير من انسحاب وفود عديدة من القاعة احتجاجا على تدمير إسرائيل المتواصل لغزة وتجويعها.
كما يأتي الدعم المفتوح لإسرائيل من زعيم صرب البوسنة ميلوراد دوديك وزعيم كروات البوسنة دراغان تشوفيتش.
"هاني يوسف هاني عزام (عامان)… سيلا جهاد ماهر شتات (عامان)… وتين محمد سالم الحشاش (عامان)… جوليا أمجد جميل أبو حسين (عامان)… فرح صلاح الدين خليل بركة (عامان)… نهلة علاء عادل أبو محسن (عامان)…".
في سراييفو، لا تزال ثقافة الذاكرة حية، ذلك الجهد المبذول للحفاظ على الحقيقة، وتحويل الألم والشجاعة والإنسانية إلى بوصلة لمستقبل أكثر عدلا ورحمة.
العديد من أعضاء المجموعة التي تقرأ أسماء أطفال غزة هم أيضا أكثر حراس المدينة تفانيا لتلك الذاكرة، ويمدونها الآن لتشمل فلسطين.
لقد افتتحوا مؤخرا مهرجان "ميس" المسرحي الدولي، أقدم مهرجانات البوسنة، الذي أُسّس عام 1960 ويعد من أكثر المهرجانات احتراما في المنطقة.
على خشبة المسرح الرئيسي للمسرح الوطني في سراييفو، أمام جمهور غفير، انضمت المجموعة إلى مدير المهرجان، نهاد كريشيفلياكوفيتش، في قراءة أسماء أطفال غزة الشهداء، كما يفعلون من دون انقطاع، منذ فبراير/شباط 2024.
"لانا وشاح (3 أعوام)… سارة محمد خليل خليل عسلية (3 أعوام)… مريم أحمد عبد الرؤوف الحلبي (3 أعوام)… حمزة رامي نضال عليوة (3 أعوام)… زينة ناصر حسني موسى (3 أعوام)…".
قال كريشيفلياكوفيتش من على خشبة المسرح: "إن الإبادة الجماعية في غزة مستمرة منذ أكثر من عامين. إنها عَرَض لنظام لا يكترث بالحياة ولا بالحقيقة ولا بالعدالة".
وأكد كيف أن جزءا كبيرا من العالم لا يزال صامتا في وجه هذه الوحشية:
"في زمن لا تنتهي فيه الحروب، وحين تتحول الحدود إلى أسلاك شائكة، وحين تُكنس المعاناة تحت سجادة اللامبالاة العالمية، يجب أن يكون المسرح، كما نعرفه، مكانا نبحث فيه عن الإنسان في دواخلنا. يجب ألا يصمت الفن. يجب ألا يزين المسرح الكارثة. يجب ألا يكون مهربا من المسؤولية".
فضاء للمقاومةوتابع كريشيفلياكوفيتش: "هذا المهرجان لا يقدم إجابات، لكنه يطرح الأسئلة ويقدم ما يحتاجه مجتمعنا أكثر من أي شيء آخر: التعاطف. في عالم يحترق أمام أعيننا، يجب على الفن أن يواصل البحث عن الإنسانية. هذه المدينة، وهذا البلد، وهذا المهرجان يعرفون ذلك عن تجربة. سيستمر ميس في الحديث حتى عندما يصمت العالم، لأننا نؤمن بأن المسرح فضاء للمقاومة، ودعوة لنبقى بشرا".
"علي نائل نعيم عكاشة (4 أعوام)… سعيد حازم سعيد الرملاوي (4 أعوام)… محمود عبد العزيز محمد ظاهر (4 أعوام)… سجى زاهر عبد الحكيم كحيل (4 أعوام)… براء زياد أنور أبو مصطفى (4 أعوام)…".
إعلانعندما انتهت القراءة، لم يكن هناك تصفيق. بكى الجمهور في صمت.
كتب بوريس فيتلاتشيل الذي كان في 13 من عمره عندما بدأ الحصار: "لا أتذكر أنني بكيت على القتلى والجرحى من حولي في سراييفو".
"لهذا السبب أدفع الآن الثمن مضاعفا. أبكي على أطفال سراييفو وغزة معا… وعلى كل الآخرين الذين لمسوا قلبي، مبتسمين رغم هذا العالم الشرير".
كان فيتلاتشيل قد سجل اسمه في "أسطول الصمود"، تلك المحاولة اليائسة والإنسانية لكسر حصار إسرائيل لغزة.
كتب: "إذا كنا بعد أوشفيتز، والعار الذي تلاه، قد أنشأنا الأمم المتحدة، فإننا بعد غزة، نحتاج إلى اتحاد للشعوب".
"لانا عيسى علي السيد (4 أعوام)… دينا عبد الله خضر موسى (5 أعوام)… لي أحمد محمد علي (6 أعوام)… آية فادي رياض عاشور (7 أعوام)… يحيى ياسر نصيف حجازي (8 أعوام)…".
وصل إلى الميناء متأخرا جدا، كانت القوارب قد امتلأت. صرخ وتقيأ وبكى يأسا لضياع فرصة الإبحار نحو فلسطين.
كتب في دفتر ملاحظاته: "مرة أخرى، هناك ذلك الشر. ذلك الشر الأسود. المروع والمخيف. القادر على إطلاق النار على طفل لمجرد قتل ابتسامته. مرة أخرى، ذلك الشر الإبادي، الذي نحن جميعا متواطئون فيه، حتى لو تظاهرنا بغير ذلك".
يعتقد فيتلاتشيل أن العالم يجب أن يُقلب رأسا على عقب "مثل جورب".
"ويجب أن نفعل ذلك بلطف، لا بعنف، لنجعله بحجم طفل، مبنيا على الرعاية والتضامن. عالم من السلام والحب. فلنخلق المستحيل معا!".
قرأ مؤخرا عن مصور من غزة عولج خارجها بعد إصابته بالرصاص. صُدم عندما علم أن التأشيرة التي عُرضت عليه كانت صالحة لمدة شهر واحد فقط.
"بدا لي الأمر غير إنساني. فبدلا من المطالبة بتأشيرات بيروقراطية ومقيدة، يجب أن نقدم الضيافة لجميع أولئك الذين أصبحوا ضعفاء بسبب مصالحنا وامتيازاتنا. ضيافة متجذرة في الخزي من العالم الاستعماري، الفرداني، النيوليبرالي الذي نواصل دعمه".
في مكان قريب، في متحف الآداب في سراييفو، نظم طلاب من كلية هندسة العمارة معرضا للوحات والمنحوتات، وباعوها لجمع الأموال لطالب فلسطيني يدرس في المدينة.
وهم ليسوا الوحيدين. تستضيف سراييفو "بينالي غزة" الذي يضم أكثر من 30 فنانا فلسطينيا. إنه عمل تضامني، يضم أيضا فنانين من البوسنة والهرسك يعرضون أعمالا أُنشئت أثناء حصار سراييفو. ستُقام المعارض والنقاشات في 6 مواقع في جميع أنحاء المدينة حتى 7 نوفمبر/تشرين الثاني.
مسيرة من أجل القيم العالمية"إسماعيل مصطفى جميل عيد (9 أعوام)… حلا فازي فايد داود (10 أعوام)… نهاد أحمد نيب عديد (11 عاما)… رزان فادي رفيق عساف (12 عاما)…".
يوم الأحد، 12 أكتوبر/تشرين الأول، ستبدأ مسيرة بعنوان "البوسنة والهرسك من أجل فلسطين حرة" من النصب التذكاري للأطفال الذين استشهدوا خلال حصار سراييفو (1992-1995)، تنظمها المجموعة نفسها التي تقرأ أسماء أطفال غزة.
جاء في دعوتهم:
"وقف إطلاق النار هو الخطوة الأولى نحو حرية فلسطين! كل صمت للمدافع، كل حياة تُنقذ، كل نفس يمكن لطفل أن يأخذه دون خوف هو سبب إضافي للأمل. وقف إطلاق النار ليس حرية لكنه الخطوة الأولى نحوها. تظل مسيرة البوسنة والهرسك من أجل فلسطين حرة صوت أولئك الذين يرفضون نسيان الجرائم أو تطبيع الظلم. نحن لا ندير وجوهنا. نحن لا نستسلم. إلى أن تتحرر فلسطين، سنواصل الحديث والاحتجاج والمطالبة بالعدالة".
أكدت المهندسة المعمارية والأستاذة ليلى كريشيفلياكوفيتش مدى الألم الذي يمكن أن يسببه الصمت، وقالت: "كمواطنين في البوسنة والهرسك، نحن ملزمون بأن نكون الصوت ضد النسيان والظلم".
وترى في المسيرة "عملا مدنيا يلتقي فيه التعاطف بالمسؤولية، ويطالب مؤسساتنا بموقف واضح وأخلاقي وقانوني".
إعلان"إن تراثنا المناهض للفاشية وتجربتنا في زمن الحرب يمنعاننا من الصمت في وجه الظلم. تلك التجربة نفسها تربطنا بشعب فلسطين وتلزمنا بالعمل، لا بالموافقة بالصمت على ما يتكشف أمام أعين العالم".
بالنسبة لهم، الاحتجاج هو مسيرة من أجل القيم العالمية.
"سندس رائد نبيل فرحات (13 عاما)… علي وسام علي جودة (14 عاما)… سراج علاء نظمي قلجة (15 عاما)… كريم ماجد حسين عليان (16 عاما)… أسماء رفيق مسعود (17 عاما)…".
(النهاية)
قصيدة: الطفل والصمتالناس:
هل ما زلنا بشرا،
هل ما زلنا بشرا…
أنت ترى،
أنت تعلم،
ثم تطرق بصرك إلى الأسفل.
الصمت:
في البدء كان الإنسان،
ولم يعد كما كان.
في البدء كان أناس،
صدورهم ملأى بلهيب الحرية.
من النهر إلى البحر،
سجن بلا مفتاح.
في ظلام البشرية،
يهلكون وقد تُركوا وراءهم.
الناس:
هل ما زلنا بشرا،
هل ما زلنا بشرا…
أنت ترى،
أنت تعلم،
ثم تطرق بصرك إلى الأسفل.
الطفل:
طريقي طويل،
لا بداية له، لا نهاية،
لا راحة لأجدها،
لا سلام لأرتقه.
أمي تحملني،
أبي يحملني،
الدوامة تحملني،
الموجة تحملني.
الناس:
هل ما زلنا بشرا،
هل ما زلنا بشرا…
أنت ترى،
أنت تعلم،
ثم تطرق بصرك إلى الأسفل.
الطفل:
دمعة أم،
صرخة أب،
في يد فارغة
الوداع الأخير.
قطرة تحررني،
الطريق بعيد.
كنا أطفالا
فهل ما زلتم أنتم من أنتم؟
الناس:
هل ما زلنا بشرا،
هل ما زلنا بشرا…
أنت ترى،
أنت تعلم،
ثم تطرق بصرك إلى الأسفل.
الصمت:
أم تحمي ابنها بيدها،
عاجزين، يقفون فحسب.
أب يحمي ابنته بصدره،
عاجز، مثل كل البقية.
ضع غزة على الجرح،
ضمادة من رمل وبحر.
ستُذكر يدك،
من أقصى نداءات العالم.
الناس:
هل ما زلنا بشرا،
هل ما زلنا بشرا…
أنت ترى،
أنت تعلم،
ثم تطرق بصرك إلى الأسفل.