استنفار عسكري متبادل وتحركات سياسية داخلية وخارجية متزايدة، كلها مؤشرات على عمل عسكري مرتقب قد يشهده اليمن، خلال الفترة المقبلة، من بوابة الحديدة الواقعة غربي البلاد.

فالمليشيات الحوثية الايرانية رفعت من جاهزيتها القتالية على طول الشريط الساحلي الواقع تحت سيطرتهم غربي اليمن، في الوقت الذي يتحدث فيه قادة الجماعة الارهابية عن مخططات تُعد لمهاجمة الحديدة، وربما فتح أكثر من جبهة في الداخل، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية.

الإدارة الأمريكية هي الأخرى صعدت لهجتها ضد الحوثيين، وأرسلت قاذفات وأسلحة ومدمرات إلى المنطقة، في الوقت الذي تجري فيه مباحثات مع الأطراف اليمنية والإقليمية لحشد الدعم ضد الجماعة.

ويبدو أن عمليات الحوثيين الداعمة لغزة، وتأثيراتها على الملاحة الدولية وسلاسل التوريد، تقف وراء تغيير واشنطن موقفها من الجماعة، فهل تدعم الولايات المتحدة عملية عسكرية تخوضها أطراف يمنية لحرمان الحوثيين من منفذهم البحري الوحيد؟

استنفار حوثي
وفق مصادر عسكرية مقربة من الجماعة، فقد وجهت قيادتها العسكرية برفع الجاهزية القتالية في المعسكرات الساحلية في الحديدة، التي تعتبر نافذة الجماعة الوحيدة على البحر الأحمر، ومنها تنطلق عملياتها التي تستهدف السفن الإسرائيلية والمتوجهة إلى "إسرائيل".

وبحسب مصادر يمنية في محافظة الحديدة، كثفت الجماعة الارهابية من تحركاتها العسكرية، وأرسلت مزيداً من التعزيزات إلى المحافظة الساحلية، وسط مخاوف تسود الجماعة من احتمال تدشين عملية عسكرية مفاجئة لقوات موالية للحكومة اليمنية المعترف بها لاستعادة الحديدة.


وفي 27 أكتوبر، نفذت الجماعة مناورة عسكرية واسعة في الساحل الغربي، وقالت إن هذه المناورة تُحاكي التصدي لأربع موجات هجومية واسعة بحراً وجواً.

وبحسب بيان الجماعة، فقد شارك في تلك المناورة قوات التعبئة العامة التي شكلتها الجماعة خلال الأشهر الماضية، للتصدي لما أسمته أي "عدوان" على اليمن.

تحركات الحوثيين ودفعهم بمزيد من القوات إلى الساحل الغربي دفع القوات الموالية للحكومة اليمنية إلى تعزيز صفوفها على خطوط التماس من جهة المخا والخوخة ومواقع أخرى غربي البلاد.

قوات الحكومة
على الطرف الآخر رفعت قوات المقاومة الوطنية، التي يقودها نجل الرئيس السابق عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح، من جاهزيتها القتالية على طول خطوط التماس مع الحوثيين في الحديدة.

كما رفعت "ألوية العمالقة" السلفية من جاهزيتها القتالية في مناطق تمركزها في الحديدة، وكذلك ألوية المقاومة التهامية، وهي وحدات عسكرية شُكلت خلال سنوات الحرب بدعم من المملكة العربية السعودية والإمارات.

ونقل موقع "يمني مونيتور" المحلي عن مصدر عسكري قوله إن المقاومة الوطنية بقيادة طارق صالح دفعت بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى الخطوط الأمامية لجبهات القتال، كما فعلت قوات العمالقة والقوات الحكومية.


وسبق أن وصلت القوات الحكومية إلى محيط ميناء الحديدة الاستراتيجي في 2018، إلا أن ضغوطاً قيل إنها أمريكية حالت حينها دون استعادة المدينة الساحلية، التي تعتبر ثاني أهم ميناء في البلاد، بعد ميناء عدن جنوبي البلاد.

وانسحبت القوات الموالية للحكومة في ظروف غامضة، أواخر 2021، من مناطق شاسعة في الحديدة؛ ما سمح للحوثيين بالتمدد مجدداً في تلك المناطق، لتتحول المنطقة إلى ساحة للتمدد والتحشيد الحوثي.

تحركات دبلوماسية
سياسياً تبذل الولايات المتحدة الأمريكية جهوداً كبيرة لتوحيد القوى اليمنية، في خطوة يرى سياسيون أنها بمنزلة تحول في الموقف الأمريكي تجاه الجماعة، بسبب هجمات الأخيرة البحرية، وفشل واشنطن في التصدي لها.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، نشط المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ، والسفير الأمريكي ستيفن فاغن، دبلوماسياً في محاولة لإقناع الأطراف اليمنية والإقليمية بضرورة الوقوف في وجه الحوثي.

وأجرى المبعوث الأمريكي مباحثات في السعودية، وكذلك في مصر، وقد نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مصادرها الخاصة أن ليندركينغ فشل في انتزاع إدانة سعودية ومصرية لعمليات الحوثيين.

كذلك نشطت قيادة الشرعية في اليمن دبلوماسياً، وزار رئيس هيئة الأركان العامة قائد العمليات المشتركة الفريق الركن صغير بن عزيز الولايات المتحدة مرتين خلال عام، آخرها في أكتوبر الماضي، وهناك بحث التعاون المشترك، وسبل دعم الحكومة للقيام بدورها في التصدي لتهديد الحوثيين المستمر للملاحة الدولية.


تقرير الخبراء
واللافت في المشهد اليمني الحالي ما تضمنه تقرير الخبراء التابع لمجلس الأمن الأخير، الذي قدم تفاصيل ومعلومات كثيرة حول قدرات الحوثيين، وتحولهم إلى قوة عسكرية تشكل خطراً على أمن المنطقة.

التقرير الذي أثار غضب الحوثيين استعرض هجمات الجماعة والمخاطر التي يفرضونها على الملاحة الدولية، كما تطرق بالتفصيل إلى علاقتهم الخطيرة مع إيران، واضعاً توصيات بضرورة التصدي لهم ووقف خطرهم.

جماعة الحوثي، الارهابية وعلى لسان العديد من قياداتها، اعتبروا التقرير بمنزلة ضوء أخضر وتبرير لأي عملية عسكرية قد تشنها الولايات المتحدة و"إسرائيل" ضدهم، بحسب قولهم.

عملية خاطفة
وبالنظر إلى المعطيات الراهنة، يتضح أن الأطراف الداخلية اليمنية تتحضر لعملية لا تُعرف حدودها، وما إذا كانت ستشمل كافة الجبهات أم ستقتصر على الحديدة وحدها.

ووفقاً للخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور علي الذهب، فإن هناك سيناريوهين اثنين لتلك التحركات، "الأول قد يكون في إطار محاولات الضغط على الحوثيين في إطار عملية السلام الحاصلة، والحد من هجماتهم على خطوط الشحن البحري، وإضعافهم، بحيث لا يتضاعف خطرهم".


وأما السيناريو الثاني فيرى الذهب في بـ أن الهدف قد يكون "معركة خاطفة، يُزاح من خلالها الحوثيون من الحديدة لضمان عدم تشكيلهم خطراً على الملاحة الدولية"، مؤكداً أن هناك مؤشرات حقيقية على هذا الأمر، إلا أنه يرى أن الانتخابات الأمريكية ربما تعيق مثل هذا التحرك.

وقال الذهب: "لا أتصور أن الولايات المتحدة قد تخوض حرباً في مثل أوضاع كهذه، لكن ليس مستبعداً أن تكون هناك معركة خاطفة يزاح فيها الحوثيون من الحديدة إلى ما بعد منطقة باجل، ومن ثم تحييدهم والحيلولة بينهم وبين البحر الأحمر، والحد من تأثيرهم فيه".

ضربة للحوثيين
ويرى الذهب أنه في حال إطلاق عملية عسكرية خاطفة ضد الحوثيين، فإنه سيكون لها تأثير كبير عليهم، خصوصاً من الناحية الاقتصادية، كما ستؤثر كثيراً على مجهودهم الحربي.

وتابع: "ستنتزع منهم قطاعاً كبيراً من الساحل الغربي؛ لأن المعركة لن تكون في الحديدة فقط، بل ستكون في المنطقة الممتدة ما بين الخوخة وما بعد مدينة الحديدة، ومن ثم سيفقدون أهم منافذ الشحن، وأهم المناطق الحضرية، التي توجد فيها مرافق عسكرية وحضرية وتجارية وسياسية".

ونوّه بأن العملية ستكون ضربة مؤثرة على الجماعة، مشيراً إلى أنها سارعت إلى الاستعداد؛ من خلال نصب منصات لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة في جبال حصوصت في حدود ريمة، والمناطق المحيطة، لمواجهة أي عملية محتملة في الحديدة.


وفيما يتعلق بجاهزية الأطراف اليمنية لخوض معركة محتملة في الحديدة قال الخبير العسكري والاستراتيجي: إن "تلك الأطراف ليست جاهزة لخوض معركة طويلة المدى"، لافتاً إلى أن مثل هذه المعركة تحتاج إلى دعم خارجي "وربما أمريكي".

وقال الذهب: "إذا كان هناك دعم أمريكي يسبق عملية الاجتياح، من خلال التمهيد الجوي والبحري، ودعم لوجستي ومعلوماتي، فأعتقد أنه من الممكن خوض هذه المعركة بـ6 إلى 8 ألوية، وهذه الألوية موجودة على الأرض، شريطة أن تكون مسلحة بشكل كامل بمختلف أنواع الأسلحة، وسبق أن خاضت معارك في هذه المناطق، ولديها القدرة على التعويض المادي والبشري، ومدعومة لوجستياً واستخبارياً".

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

ما هي خيارات جماعة الإخوان المسلمين بعد قرارات حظرها؟

أقدمت العديد من الدول العربية خلال السنوات الماضية على حظر حركات إسلامية سياسية، تتبع جماعة الإخوان المسلمين أو تدور في فلكها، بدءا من مصر التي حظرت الجماعة في 23 أيلول/ سبتمبر 2013، ثم تبعتها السعودية عام 2014 بإدراج الجماعة إضافة لجبهة النصرة وتنظيم الدولة (داعش) ضمن المنظمات الإرهابية، وهو ما أقدمت على فعله دولة الإمارات العربية في العام نفسه.

ومع أن حركة النهضة في تونس، المحسوبة على الإخوان فكرا ومرجعية، شاركت في الحكم بفاعلية بعد ثورة 2011، إلا أنها بعد أحداث 2021 واجهت أوضاعا صعبة، إذ بدأت السلطات التونسية بالتضييق عليها، وشنت حملات اعتقال طالت قيادات بارزة فيها من الصفين الأول والثاني، كما قامت السلطات بإغلاق مقراتها، ومؤخرا حُكم على رئيس الحركة، راشد الغنوشي بالسجن 22 عاما، كما تتعالى أصوات ودعوات مطالبة بحظر الحركة رسميا.

وكان آخر قرارات حظر جماعة الإخوان المسلمين، ما أعلنه وزير الداخلية الأردني مازن الفراية في نيسان/إبريل الماضي من "حظر كافة نشاطات جماعة الإخوان المسلمين المُنحلة واعتبارها جميعة غير مشروعة"، مشددا على أن "الانتساب لجماعة الإخوان أمرا محظورا، وحظر الترويج لأفكارها، تحت طائلة المساءلة القانونية".

أمام هذه السياسات والقرارات العربية الرسمية القاضية بحظر الجماعة، واعتبارها جماعة غير مشروعة، وتجريم الانتساب إليها بوصفه أمرا محظورا، ما هي خيارات الجماعة بعد قرارات حظرها رسميا؟ هل ستقدم على حلِّ نفسها وتلتزم بتلك القرارات أم أنها ستتبنى مفهوم علنية الدعوة وسرية التنظيم؟ وهل من الوارد أن تلجأ لتأسيس أحزاب سياسية وكيانات قانونية في إطار ما تسمح به القوانين؟

في مناقشته للأسئلة المطروحة لفت الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، الدكتور شفيق شقير إلى أن "الحركات الإسلامية تؤدي تقليديا ثلاثة أدوار، فهي تنشط سياسيا بدور "إصلاحي" وفق معاييرها، ودعويا بدور ديني تعبوي، والدور الثالث، يمكن القول بظهوره وطغيانه مؤخرا على فريق كبير من الإسلاميين، لا سيما إبان الربيع العربي وهو الدور الثوري".

وأضاف "في مرحلة التراجع النسبي التي يعيشها الإسلاميون، كان ضمور الدور الثوري سريعا، مع العلم أن العمل الثوري وأدواته كانت محل نقاش وجدل لدى الإسلاميين من حيث شرعيته من عدمها، ومن حيث قبوله منهجيا أو رفضه أو التحفظ عليه، وذلك قبل الربيع العربي وبعده، والحقيقة هي أن الإسلاميين بأحسن الأحوال كانوا شركاء في الربيع أكثر من كونهم المسؤولين مباشرة عنه".

وواصل الباحث شقير حديثه لـ"عربي21" بالقول "أما الدور الإصلاحي، فمن الواضح أن كل حركة من الحركات الإسلامية هي في طور التكيف مع بيئتها المحلية، فحيث تمنع شرعية الحركة يتراجع دورها بالإصلاح السياسي في الممارسة، ويتقدم بالتنظير والفكر والمبادرات المحلية والفردية، وبطرق مختلفة، وبتفاوت بين بيئة وبيئة، وبين دولة وأخرى".


                                  د. شفيق شقير باحث في مركز الجزيرة للدراسات

وتابع: "ويبدو أن ما يسمى بالدور الدعوي هو الأكثر ثباتا في تاريخ التدبير السياسي والإصلاحي من منظور الإسلاميين، وتاريخيا امتلك الإسلاميون مرونة كبيرة في التكيف مع التحديات دون الانقطاع عن أدائه، لأنه يشكل البنية التحتية الأساسية لهذه الحركات، وهو المشترك الأهم في علاقتهم بالمجتمعات، وهو الدور الذي كان يضمن بالعادة البقاء لهذه الحركات في المخيال السياسي للمجتمعات التي نشطوا فيها، لا سيما تلك التي فقدو فيها شرعيتهم القانونية أو تعرضوا فيها للمنع والتقييد السياسي".

وأشار شقير إلى أن "حضور الإسلاميين في تراجع، وقد وشهدوا مثل هذه الحال تاريخيا، وليسوا في طور الانتهاء، وما يسمى بنهاية الإسلاميين وحتى توصيف ما بعد الإسلامية وكأنها أحد أطوار نهاية فعالية الإسلاميين ليست دقيقة، وتبدو أحيانا أقرب ما تكون إلى مقولة أيديولوجية أكثر مما هي تحليل واقعي، ويمكن على وجه العموم، ذكر ثلاثة أسباب ـ على الأقل ـ لاستمرار الإسلاميين راهنا".

وأردف موضحا تلك الأسباب بالقول "السبب الأول يرجع إلى قدرة الإسلاميين على التكيف والمراوحة في الأداء بين الدور الإصلاحي والدور الدعوي، وهذه سمة لطالما صاحبت الإسلاميين تاريخيا، وثانيا يتمثل في كون بعض أسباب حظر الإسلاميين سياسيا، وكما تراها شرائح شعبية، ترتبط بمطالب أو قضايا حيوية للشارع المحلي أو العربي وربما الإسلامي، وأيضا لأن بعض أسباب المنع كما تراها شرائح شعبية تتصل بخلاف الإسلاميين مع السلطات حول كيفية مواجهة إسرائيل في فلسطين أو في المنطقة".

أما السبب الثالث فيرجع وفقا لشقير إلى "كون الجواب على السؤال الديني وعلاقة الدين بالدولة لم يُنجز ويكتمل بعد، ولا يزال محل نقاش خاصة في المجتمعات العربية"، منبها على أن "ما سيتغير هو تعريف الإسلاميين لأنفسهم، وهو ما سيأخذ منهم وقتا، وسينعكس على طريقة عملهم، خاصة مع وجود نماذج إسلامية جديدة في أفغانستان وسوريا، ولكن حتما لا يمكن القول بأن الإسلاميين في طور الانتهاء" وفق تعبيره.

من جانبه قال الإعلامي المصري، الباحث في الفكر الإسلامي، جمال سلطان "الضغط الكبير والرئيسي يمارس الآن على جماعة الإخوان المسلمين بوجه خاص في كثير من الدول العربية، كما هو في مصر ودول الخليج، والأردن، وفي سوريا لا تترك مساحة للجماعة حاليا، وفي تقديري أن مساحة العمل والحركة المتاحة للجماعة في المدى المنظور ـ  على الأقل ـ  باتت ضيقة جدا إن لم تكن معدومة".

وأضاف "أما بالنسبة للخيارات المتاحة أمام الحركات الإسلامية العاملة في إطار جماعة الإخوان فإن كل حركة منها تقدر ما هو متاح لها وفق ظروفها، وقد تبادر بعضها ـ على سبيل المثال ـ إلى حل نفسها كما فعلت الجماعة في قطر من قبل، حينما حلت تنظيمها وقررت الاندماج في المجتمع، وهذا ما أرى أنه الأفضل للجماعة في ظل الظروف الحالية".

وعن إمكانية توجه تلك الحركات لتأسيس أحزاب سياسية، أو كيانات دعوية وفكرية جديدة حسب الهوامش التي تتيحها القوانين، رأى سلطان في تصريحاته لـ"عربي21" أن هذا الخيار محكوم عليه بالفشل، ولن يصمد طويلا لأن أي كيان جديد سيبقى كالطفل الخداج الذي يحتاج إلى حضانة الجسم الأكبر أو الكيان الأساسي ألا وهو الجماعة الأم".


                             جمال سلطان إعلامي مصري باحث في الفكر الإسلامي

وأبدى تحفظه على الرأي الذي يسارع إلى الحكم على تجارب تلك الحركات بـ"الفشل التام، والإخفاق الكامل، لأن هذا الحكم لا يعبر عن الواقع ومبالغ فيه، ومن ينظر بعين الإنصاف والموضوعية يدرك تماما أن الجماعة نجحت في مجالات وميادين، وأخفقت في مجالات أخرى، لكنها لم تستطع إنجاز كل أهدافها".

وأردف "وما أراه في هذا السياق أن المستقبل في العالمين العربي والإسلامي هو للمشروع الإسلامي، وللحركات الإسلامية شريطة أن تعيد صياغة المشروع والفكرة والبرامج، لأن التجربة التي أُسست قبل مائة عام لا يمكن أن تصلح للاستمرار بنفس الأفكار والقوالب والأسس بعد مائة عام، فقد سقطت امبراطوريات، وذهبت دول، وأتت دول أخرى، فلا بد من التجديد، وقناعتي أن التيار الإسلامي ما زال هو أمل هذه الأمة في المستقبل، لأنه باختصار هو التيار الرئيسي المتوافق مع هوية الأمة وقيمها وحضاراتها".

وفي ذات الإطار لفت الكاتب والأكاديمي الأردني، الدكتور عبد الله فرج الله إلى أن "مساحة الاختيار المتاحة للجماعة ضيقة جدا، فهي ليست في بحبوحة من الزمان والمكان، فقد سُدت في وجهها الكثير من المنافذ، وتداعت عليها السهام من كل جانب، وحوصرت حصارا شديدا، خاصة بعد الذي حصل في الربيع العربي، الذي كشف عن المخزون الشعبي الكبير الذي تتمتع به الجماعة في بلدانها، وأنها كانت هي الخيار المتاح أمام الشعوب، ومن الصعب الوقوف في وجههم أو مجابهتهم وهزيمتهم ديمقراطيا".

وأضاف: "فالصندوق شبه مغلق عليهم تماما، ومن الصعب منافستهم من خلاله، فلم يبق أمام الأنظمة الحاكمة إلا أن تلجأ لخيارات أخرى غير الصندوق، فكان الخيار الأمني الخانق، الذي لا يستهدف تحييدهم وإبعادهم بقدر ما يستهدف وجودهم، فهو يريد أن يسد المنافذ التي تأتي منها رياحهم المقلقة، فكانت الحملة عليهم شعواء، ومن تأخر من هذه الأنظمة، في محاولة استئصالهم وإقصائهم، جاء السابع من أكتوبر في غزة ليحثه على العجلة في الأمر".

وردا على سؤال "عربي21" حول الأسباب التي باتت معها الخيارات أمام الجماعة ضيقة جدا، قال فرج الله "منها ما هو داخلي على مستوى الجماعة التي شهدت عدة انقسامات حادة بعد الانقلاب على الربيع العربي في كثير من الدول العربية، وبالأخص في مصر التي انقسمت فيها الجماعة بعد خروجهم منها إلى عدة أقسام، كل يدعي الشرعية، ففوق ما يعيشونه من هجرة وتشرد اجتمع عليهم الانقسام والتفرق".


                                            د. عبد الله فرج الله كاتب وأكاديمي أردني

وتابع "والأمر في الأردن ليس أحسن حالا، فبعد أن كانت قضية الجماعة في الأردن قانونية، والمطلوب منها تصحيح وضعها القانوني، انتقلت إلى قضية أمنية صعبة وحادة، تستهدف وجود الجماعة، وليس التضييق عليها أو تحجيمها، أما السبب الخارجي فيتمثل في الأنظمة الحاكمة المضغوط عليها خارجيا، ضغطا صادف هوى عندها، ورغبة ملحة في نفسها، فتجد هذه الحملات ضد الجماعة مدعومة أو مسكوتا عنها على أقل تقدير".

وعن الخيارات المتاحة أمام الجماعة، كحل الجماعة لنفسها، والالتزام التام بقرارات الحل والحظر.. وصف فرج الله هذا الخيار بـ"أنه الخيار الأصعب، لكنه الحل الأسلم" في تقديره، إذ إن "اعتماده مرحليا يتيح للجماعة فرصة التفكير في إعادة تشكيل أطر سياسية، أو دعوية أو اجتماعية قانونية جديدة".

وأردف: "أما ما يقال عن فكرة علانية الدعوة وسرية التنظيم، فهي – حسب فرج الله – "من الخيارات التي عفا عليها الزمن، وتقادمت به السنون، وبات أعضاء التنظيم اليوم مكشوفين تماما، ومن السهل متابعتهم ومراقبتهم، بل هي في الحقيقة في حالة حظر شديدة، يصعب معها تنفيذ أعمال تنظيمية سرية، خاصة في ظل التطور التكنولوجي الهائل الذي نعيشه، فلا أظنه خيارا مناسبا، ولا أظن الأعضاء عندهم استعداد لتحمل كلفة ذلك".

أما خيار لجوء الجماعة إلى تأسيس كيانات سياسية وحزبية جديدة وفق الأطر القانونية المسموح بها، فذكر أن "الجماعة عملت به في بعض الأقطار في أواخر القرن الماضي، لكن ليس كبديل عنها، بل كإطار سياسي خاضت من خلاله العمل السياسي، وللأسف لم تعطه الجماعة استقلالية في العمل، بل ربطته بها تنظيميا، وجعلته قسما من أقسامها، إدارة وتمويلا، وهو ما أدّى إلى مغادرة غير المنتظمين في صفوف الجماعة لهذه الأطر الحزبية، وبالرغم من كل ذلك يبقى خيارا محترما يجب على الجماعة التفكير به".

وخلص في ختام حديثه إلى القول "وعلى الرغم من الحالية الأمنية الصعبة التي تعيشها الجماعة إلا إنها قادرة إذا ما أتيحت لها الفرصة، وأزيلت عنها القبضة الأمنية الخانقة أن تسترد مكانتها السابقة، بشرط أن تتخلص من قياداتها التقليدية، ويتقدم الصفوف الكفاءات الشبابية المبدعة، ومواكبة العصر ومتطلباته، لأنها تملك مقومات النهوض من جديد لعدة أسباب، كامتلاكها لكم بشري كبير، يمتاز بالصدق والإخلاص في الانتماء لها، ومتحمس جدا لتحقيق أهدافها، مع عدم وجود بديل إسلامي وطني بالمعنى الصحيح يمكن أن يسد مكانها، أو يحظى بقبول شعبي منافس لها". 

مقالات مشابهة

  • القوات المسلحة تنفذ عملية عسكرية نوعية استهدفت مطار اللد في منطقة “يافا” المحتلة
  • لجنة حماية الصحفيين تدين اختطاف الحوثيين لأربعة صحفيين وسجن المياحي في الحديدة
  • واشنطن تحذر مجددًا: عقوبات صارمة بانتظار ناقلات الوقود المتجهة إلى موانئ سيطرة الحوثيين
  • واشنطن تجدد تهديداتها لسفن الوقود التي تصل مناطق الحوثيين بـ "عقوبات قاسية"
  • لجنة حماية الصحفيين تدين الحكم بسجن المياحي واختطاف الحوثيين لأربعة صحفيين في الحديدة
  • تقرير إسرائيلي: ماذا يجري داخل الجماعة الإسلامية في لبنان؟
  • ما هي خيارات جماعة الإخوان المسلمين بعد قرارات حظرها؟
  • رابطة حقوقية: اختطاف الحوثيين طالبة جامعية في الحديدة انحداراً أخلاقياً خطيراً
  • اتهام رجل بريطاني في الولايات المتحدة بالتخطيط لتهريب تكنولوجيا عسكرية إلى الصين
  • عملية "واسعة النطاق".. أوكرانيا تستهدف طائرات عسكرية روسية