لقاءات روحية للتماسك الداخلي.. مخاطر الفتنة ترخي بثقلها والتحرك لمواجهتها يتوسع
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
تختصر اللقاءات والاجتماعات في لبنان والتي يحمل بعضها الطابع الروحي والديني بعنوان واحد: المحافظة على البلد واستقراره والتأكيد على اللحمة فيه. ومما لا شك فيه أن العدوان الإسرائيلي ضد لبنان دفع بالقيادات الدينية والسياسية إلى التحرك في سياق العمل على تبديد الهواجس والتأكيد على دور الدولة ومؤسساتها كافة، ومن هنا كانت القمة الروحية الإسلامية المسيحية في بكركي ، كما لقاءات اخرى في دار الفتوى ومؤخرا اللقاء الروحي الدرزي في بعدران حيث حضر شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى والنائبان السابقان وليد جنبلاط وطلال ارسلان وفاعليات من الطائفة.
وعكست هذه اللقاءات ارتياحا في ظل هذه الظروف إنما بقيت مخاوف كثيرين من اجواء فتنة ومؤشرات خطيرة خلال وبعد الحرب. وتقدمت القمة الروحية الإسلامية المسيحية بخارطة طريق سيادية بشأن وقف إطلاق النار وألتزام لبنان اتفاق الطائف والقرارات الدولية والوحدة والتضامن واحترام المؤسسات واللجوء إليها ،كل ذلك ورد في بيان فضفاض وواضح النقاط. اليوم وبعد أكثر من اسبوعين على انعقاد هذه القمة ، جاء اللقاء الدرزي الروحي والذي لم يكن بعيدا على الإطلاق عن ثابتة الوحدة بين أبناء الشعب اللبناني، إنما لا يمكن اغفال خصوصيته ، ويفهم الأمر من شكل اللقاء والمواضيع التي بحثت.
وفي هذا السياق ، تفيد مصادر مطلعة ل "لبنان ٢٤ " أن التوافق الدرزي - الدرزي على حماية الجبل هي الرسالة الأبرز، ويتفرع منها مواكبة هؤلاء الأهالي كما مساعدة المواطنين الوافدين جراء العدوان الأسرائيلي والذين اختاروا مناطق ومدارس الجبل للأقامة، وتؤكد أن اللقاء كان ضروريا في الوقت نفسه للتباحث في أهمية التنبه لأية محاولات مفتعلة لأشاعة اجواء مشحونة تقود إلى فتنة بعد أخبار واحاديث من هنا وهناك عما يسمى " خرق " بين النازحين وتعريض الجبل لخضة ، ولعل الأخبار عن التنكر بزي المشايخ من بينها، مشيرة إلى أن هذا اللقاء الذي اتسمت مناقشاته بالسرية ،ركز على مسألة تقديم المساعدات والتنبه في الوقت نفسه وإبداء الثقة بالأجهزة الأمنية.
وترى المصادر أن التشاور الدرزي - الدرزي كان مخططا له منذ فترة إنما على صعيد سياسي وحزبي وامني موسع ، في مدينة الشويفات حتى وإن كانت الظروف مغايرة لأن العنوان وقتها كان يتركز على تحصين العيش الواحد في الجبل ، ولكن حصوله في هذه الفترة دليل على التشاور بملف كبير كملف النازحين وتداعيات الحرب ، معلنة أن موقف شيخ العقل من الخلوة التي عقدت حول عدم القبول بأي خلل امني من أي جهة اتت والتحذير من المتاجرة بالأرض كما بالأراضي والبيوت يستدعي التوقف عنده، وهناك معلومات تم تداولها بشأن أقدام بعض اهالي الجبل إلى تأجير منازلهم بأسعار مرتفعة وما من تدقيق يحصل في الوقت نفسه ومن دون أعلام الجهات المعنية من بلديات ومخاتير.
وتقول المصادر أن هناك هواجس محقة والمطالبة بوقف إطلاق النار ضرورية وفي الوقت نفسه ، جاء تأكيد هذا اللقاءات على التعامل مع الجيش وقوى الأمن لتحقيق الأستقرار ليعزز الثقة بها وهذه اللغة يستدعي تكرارها دائما، وليس مستبعدا أن تتوسع هذه اللقاءات لهذه الغاية ودائما في إطار مواجهة الفتنة .
تأتي هذه اللقاءات سواء ارتدت الطابع الروحي الخاص أو العام في مرحلة حرجة وتحمل كثيرين على أن يتحلوا بالحكمة والوعي تفاديا لوقوع المحظور في هذه الحرب الخطيرة. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی الوقت نفسه
إقرأ أيضاً:
السفر كحاجة روحية
لا يذكر المرء حاجياته الأساسية فـي الحياة إلا ويذكر السفر معها، ورغم أن كلمة السفر التي نتداولها اليوم نطلقها على التنقل من البلاد التي نقيم فـيها إلى بلاد غيرها؛ فقد كان للسفر معان واسعة لا يحدها هذا الفهم والتعريف. ولولا أهمية السفر لما ورد فـي القرآن والسنة، فكم من آية نزلت وذكرت السفر نصا، حتى وردت فـي تسع آيات، عدا الآيات التي تكني عن السفر والترحال ولا تصرح به بالكلمة ذاتها. وكما فـي الحديث الشريف «اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر..». وحاجة المرء للسفر خارجة عن إرادته أحيانا؛ فمنهم من يسافر للترفـيه -وهذا المعنى المرتبط بكلمة السفر اليوم- ومنهم من يسافر لضيق الحال فـي بلاده وموطنه، ومنهم من يسافر لطلب العلم، أو للعلاج من مرض لا يجد له علاجا فـي بلده، أو لهرب من الظلم أو القتل، أو لعبادة الله وتعظيم شعائره أو لغيرها من الأسباب.
ومن معانيه كما ورد فـي لسان العرب «..وسمي السفر سفرا، لأنه يسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم فـيُظهر ما كان خافـيا منها». وإذا كان من معاني السفر الانتقال من مكان إلى آخر، فإن القراءة والتأمل والتفكر كلها أسفار حتى وإن لم ينتقل جسد الفاعل لها من مكانه الذي هو فـيه، فضلا عن بلده وموطنه.
عبّر عن هذه الحاجة الروحية غير واحد من الحكماء والأدباء، فلا تجد أديبا أريبا من أرباب الحكمة والفصاحة والبيان إلا وقد أتى على ذكر السفر إما ذكرا مستفـيضا مبينا لمحاسنه وآثاره على المسافر، أو معرّضا بذكره فـي ثنايا حديثه أو بالكناية عنه والإشارة إليه بمعانيه التي ذكرتها سابقا. ومن هؤلاء التوحيدي الذي كرر ذكر السفر فـي عدة مواضوع من كتبه، فـيقول فـي أحد هذه المواضع من كتاب الإمتاع والمؤانسة: «ورسم بجمع كلماتٍ بوارع، قصار جوامع، فكتبتُ إليه أشياءً كنتُ أسمعها من أفواهِ أهلِ العلم والأدب على مَرِّ الأيامِ فـي السفرِ والحضر، وفـيها قَرعٌ للحسِّ، وتنبيهٌ للعقلِ، وإمتاعٌ للروح، ومَعونةٌ على استفادةِ اليقظة، وانتفاعٌ فـي المَقامات المختلفة، وتمثُّلٌ للتجاربِ المُخَلَّفَة، وامتثالٌ للأحوالِ المُستأنَفَة». فانظر إلى هذه القطعة العالية التي جمعت ما يستفـيده المرء من حياته فـي سفره وحضره.
وفـي السفر يرى المرء أشياء جديدة غير ما اعتاد عليه فـي بلده وموطنه، وإذا ما نظرنا إلى تاريخ البشرية وأمكنة استيطان الناس، فسنجد أن التطور فـي كل حضارة كان نتاجا مباشرا للسفر؛ فتتلاقح علوم الحضارات بانتقال السكان وذهابهم إليها ومجيئهم منها. كما أن هذا الأمر غيّر مجرى الطبيعة حتى؛ فكم من شجرة نقلها الإنسان بيديه من مكانها الطبيعي إلى آخر لم تكن فـيه من قبل، ولنا فـي قصة شجرة الأمبا وأسباب دخولها إلى عمان عبرة وخبر طريف. كما أن السفر يعلّم الإنسان التواضع ويبيّن له مدى جهله وضآلة معرفته، فـيرى بأم عينيه كيف يعيش الناس وكيف يعيش هو، ويرى كيف يعملون وكيف يعمل هو، ويرى العمران وطريقة التعامل والبديهيات التي عندهم والتي يراها هو شيئا كبيرا أو أمرا عجيبا.
كما أن فـي السفر تعليما للمرء حين يرى الأشياء التي يصنعها فـي معاشه وحياته اليومية فـي وطنه، يراها بطريقة أيسر وأسهل وأجدى. ومن ذلك ما يكون فـي الحرف اليدوية والبناء والتعمير، ففـي كل قُطر من أقطار الأرض طريقته التي لها فوائدها ومضارها فـي آن.
كما أن فـيه تطهيرا للنفس من عصبيتها وظنونها، فـيرى كيف يُعَامل العظماء فـي بلدانهم ويقارنها بالكيفـية التي يعامل بها تراثه وحاضره؛ ولنا فـي مدينة شيراز الإيرانية عبرة ومثال. فلا تجد طريقا، ولا محلا، ولا نصبا تذكاريا، ولا شارعا رئيسا أو مَعلما مقصودا؛ إلا وفـيه لشاعرهم الكبير وأستاذهم القدير حافظ الشيرازي ذكرا وإشارة. ويفتخر أبناء تلك المدينة بهذا الشاعر كما لو أنه أبوهم الأكبر، ومعلمهم الحكيم الذي لا ينتسبون إلا إليه، حتى ليكاد الناس ينسبون أنفسهم إليه لا إلى مدينته.
وفـي هذا الأمر تهذيب للنفس، وذلك لأن المرء لا بد وأن يقتدي بأحد ما فـي حياته، سواء أدرك ذلك وراقبه بوعي منه وبصيرة، أو كان خارجا عن إرادته ووعيه وإدراكه. وتهذيب النفس يأتي من الاقتداء بالعظماء الكبار، فـيحفظ مآثرهم ويردد كلماتهم أو أشعارهم، وحتى إن كانت لهؤلاء العظماء سقطات وهفوات؛ فإن ما يبقى ذكره ويمتدّ أثره، إنما هو الطَّيّب الحسن من سيرتهم وأخبارهم وأقوالهم وآثارهم. ولنتخيل كيف سيكون احتفاؤنا بأبي مسلم البهلاني فـي سمائله، أو العوتبي فـي صحاره وغيرهم من الكبار النوابغ الذين لا يجود بمثلهم الدهر إلا فـي السوانح القليلة النادرة جدا.
أما السفر فـي العلم ولأجل العلم، فأخباره طويلة كثيرة، عصيّة على الحصر ولا يحدها الفكر. وكم من عالم بارع نبغ فـي فنه وأتى بالعجائب، وهو لم يبرح مكانه ومدينته، بل وربما كان رهينا لمحبسه ومنزله كحال أبي العلاء المعري الذي لُقّب برَهين المحبسين الذي تحدثنا عنه فـي سلسلة البطاريق الكبار المنشورة فـي جريدة عمان سابقا. كما أن أحد أهم الفلاسفة فـي العصر الحديث الذي يُكنى بأبي الفلسفة الغربية وربّانها الأشهر إمانويل كنط، لم يغادر مدينته قط كما فـي أخبار حياته؛ لكن سافر بعقله وبكتبه ومعارفه إلى عوالم وقرون لم يكن ليسافر إليها دون مخيلته الوقادة، وذهنه الحاد، وبصيرته النافذة. وما أحسن ما قاله الشاعر:
تغرّب عن الأوطان فـي طلب العُلا
وسافر ففـي الأسفار خمسُ فوائدِ
تَفرُّجُ هَمٍّ واكتساب معيشةٍ
وعِلمٌ وآدابٌ وصُحبَةُ ماجدٍ