شقة بثمن بيضة.. قرار تاريخي يحرك مياها راكدة في مصر
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
وسط تعليقات لا تنتهي، أغلبها اقتصادية ترتبط بارتفاع الأسعار المستمر وتراجع مستويات المعيشة، وبعضها سياسية تتعلق بمجريات المعارك في غزة ولبنان، جاء قرار مفاجئ للمحكمة الدستورية العليا في مصر، السبت، ليحول دفة الاهتمام صوب قضية أخرى تماما تتعلق هذه المرة بإيجارات الوحدات السكنية.
ويهيمن منذ عقود جدل واسع في مصر بشأن ما يعرف بعقود "الإيجار القديم"، وبمقتضاها يعيش ملايين المصريين في مساكن بمقتضى عقود إيجارية بلا مدة محددة وبقيمة إيجارية لم تتغير تقريبا منذ عقود بعيدة، مما يعني عمليا أنها باتت الآن بمقابل لا يكاد يذكر بالنظر إلى معدل التضخم عبر سنوات طويلة، وهو ما دفع أحد ملاك الوحدات السكنية إلى وصف القيمة الإيجارية بأنها "بثمن بيضة".
لكن على الرغم من ذلك، هناك أيضا مخاوف بين المستأجرين الذين يطالبون أيضا بحقوقهم في إيجار عادل.
وينص القانون الحالي على أن للمستأجر الحق في البقاء داخل الوحدة المؤجرة طالما يدفع الإيجار، ولا يحق للمالك طرد المستأجر وإخلاء الوحدة إلا بحكم قضائي.
وجاء قرار المحكمة الدستورية العليا الأخير ليحرك مياها راكدة في المنظومة القانونية المصرية، إذ قضى بعدم دستورية المادتين (1و2) من القانون رقم 136لسنة 1981، فيما يخص ثبات الأجرة للأماكن السكنية، وحددت المحكمة اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب تاريخا لإعمال أثر حكمها.
وتنص الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون على ما يلى: "ما عدا الإسكان الفاخر، لا يجوز أن تزيد الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكن اعتبارا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون على 7% من قيمة الأرض والمباني وعلى ألا تقل المساحة المؤجرة لهذه الأغراض عن ثلثي مساحة مباني العقار".
وتنص الفقرة الأولى من المادة "2" من القانون: "تقدر قيمة الارض بالنسبة إلى الأماكن المنصوص عليها في الفقرة الأولي من المادة السابقة وفقا لثمن المثل عند الترخيص بالبناء، وتقدر قيمة المباني وفقا للتكلفة الفعلية وقت البناء، فإذا ثبت تراخي المالك عمدا عن إعداد المبنى للاستغلال، تقدر تكلفة المباني وفقا للأسعار التي كانت سائدة في الوقت الذي كان مقدرا لإنهاء أعمال البناء وذلك دون الإخلال بحق المحافظة المختصة في استكمال الأعمال وفقا للقواعد المنظمة لذلك".
وأشارت المحكمة في قرارها إلى أن تحديد الأجرة يتعين أن يستند إلى ضوابط موضوعية تتوخى تحقيق التوازن بين طرفى العلاقة الإيجارية، وهو ما يوجب تدخل المشرع لإحداث هذا التوازن.
وأضافت المحكمة أن النصين المطعون عليهما يؤديان إلى ثبات القيمة الإيجارية "عند لحظة من الزمان ثباتًا لا يزايله مضىّ عقود على التاريخ الذى تحددت فيه، ولا تؤثر فيه زيادة معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية لقيمة الأجرة السنوية، واضمحلال عائد استثمار الأعيان المؤجرة بما يدنيه من العدم، وهو ما يشكل عدوانًا على قيمة العدل وإهدارًا لحق الملكية".
ووفقا لمنطوق الحكم، فإن موعد تنفيذه سيكون في اليوم التالى لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب، وهو ما يعنى أنه أمام البرلمان من الآن وحتى فض دور الانعقاد الفرصة لتعديل الفقرتين.
ودور الانعقاد العادي بدأ في شهر أكتوبر ويستمر لمدة 9 أشهر وعقب انتهائه، في يونيو أو يوليو 2025، يفترض أن يبدأ تنفيذ الحكم. وإذا أصدر البرلمان تشريعا خلال هذه المدة، يتوقع أن نشهد زيادة في الإيجارات. وإذا لم يصدر مجلس النواب تشريعا وتم تنفيذ الحكم فإنه من حق الملاك تقديم دعاوى طرد للمستأجر استنادا لحكم الدستورية.
وعلى مواقع التواصل، وصف مؤيدو تعديل القانون حكم المحكمة بأنه "تاريخي" ويحقق الموازنة في العلاقة بين المالك والمستأجر.
وقال محمد عطية الفيومى، رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، في تصريحات للمصري اليوم إن "القرار ملزم لجميع الأطراف"، مشيرا إلى أن اللجنة ستعقد أول اجتماعاتها الفترة المقبلة بعد الحصول على حيثيات الحكم مكتوبة من المحكمة لمناقشته.
وأوضح أنه حال عدم إصدار مجلس النواب قانونًا جديدًا خلال الانعقاد التشريعي الحالي، فسيكون الحكم واجب النفاذ، وفي حال عد إصدار قانون، ستختص المحاكم بتحديد القيمة الإيجارية. وتابع: "المالك هيرفع قضية في المحكمة والتي ستقرر القيمة الإيجارية، عشان كده مهم مجلس النواب يتدخل ويسرع نظاما يسري على الجميع".
وعلى مواقع التواصل ووسائل الإعلام التقليدية، ثارت حالة من الجدل بين المؤجرين والمستأجرين بشأن قرار المحكمة.
المستشار القانوني لرابطة المستأجرين، ميشيل حليم، قال في مداخلة مع برنامج"الحكاية" إن الزيادة العادلة من وجهة نظره ينبغي أن تكون 5 أضعاف القيمة الإيجارية الحالية مع زيادتها سنويا، مستشهدا في هذه الفكرة بقانون آخر صدر في 2022.
وكان مجلس النواب أقر تعديلا على قانون الإيجار للأشخاص الاعتبارية لأغراض غير السكن سمح بزيادة الإيجارات بنسبة 15 في المئة سنويا لمدة 5 سنوات، على أن تنتقل بعدها الوحدة إلى المالك بقوة القانون.
من جانبه، تحدث مصطفى عبدالرحمن، رئيس ائتلاف ملاك العقارات القديمة، عن "ظلم وقهر" يتعرض له أصحاب الوحدات السكنية على مدى 43 عاما بسبب هذا القانون.
وقال: "إحنا مستحملين 43 سنة إيجار 3 جنيه و4 جنيه.. أنا عندي 65 سنة ومش عارف أشتري حاجة بميراثي". واقترح وفق تصريحات نقلتها صفحة الائتلاف على فيسبوك رفع القمية الإيجارية إلى 2000 جنيه (حوالي 40 دولارا)، وأن تبلغ فترة توفيق الأوضاع ثلاث سنوات، وبعدها، يتم تحرير عقد جديد بين المستأجر والمالك.
وجاء في أحد التعليقات على الحكم بمنصة "إكس": "الحكم جيد لكن المهم التطبيق . الحكومة ممكن تزود الضعف (ستكون زيادة واهية) وتكون نفذت الحكم، لكن هذه الزيادة لن تعني شيئا للمالك".
وكتب آخر أن "الكرة الآن في ملعب مجلس النواب ونأمل أن يخرج القانون الجديد بالشكل اللائق وأن يكون خاليا من أى عوار وأن يحقق التوازن العادل ولا يكون هذا التوازن على حساب طرف لإرضاء الطرف الآخر".
وكتب آخر: "يجب تنفيذ القانون فورا. الظلم الواقع علي المالك جائر. معقول إيجار الشقة بثمن بيضة؟. على الدولة أن تتحمل إيجاد سكن للحالات الحرجة وأظنها ليست كثيرة".
لكن في المقابل، عبر آخرون عن مخاوفهم من طرد المستأجرين الذين لن يتحملوا الزيادات.
وجاء في تعليق: "وملايين المصريين اللي مش لاقيين ياكلوا ويجيبوا دوا (لا يستطيعون الحصول على الطعام والدواء) ، هيترموا في الشارع لعدم سداد الأجرة الجديدة؟"
ويشير آخر إلى أن المالك حصل على حقه فعليا عندما حصل على "مبلغ كبير" من المستأجر لدى توقيع عقد الإيجار وهو ما يطلق عليه في مصر "خلو رجل".
وتساءل: "الآن المالك بيطالب بحقه وهو أخذه بالفعل".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: القیمة الإیجاریة مجلس النواب وهو ما فی مصر
إقرأ أيضاً:
البرلمان الثاني للسيسي في أمتاره الأخيرة.. كيف يبني نسخته الثالثة؟
أقر البرلمان المصري الأيام الماضية، مجموعة من القرارات والقوانين، التي أثارت غضبا واسعا، من قبل برلمانيين وسياسيين ومعارضين، وذلك قبل نهاية الفصل التشريعي له نهاية تموز/ يوليو المقبل، واعتبرت مجحفة بملايين المصريين وتأكل من حقوقهم وتعرضهم للغرامة والطرد والحبس.
وفي المقابل أقر مجلسي "النواب" الذي يضم 568 عضوا، و"الشيوخ" المؤلف من 300 نائبا، مجموعة قرارات وقوانين، أكد خبراء بالشؤون القانونية والتشريعية لـ"عربي21"، أنها تؤسس لصناعة البرلمان الثالث بعهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، والمقرر إجراء انتخاباته الصيف والخريف المقبلين.
وخلال سنوات حكم رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، جرى عقد فصلين تشريعيين الأول لمجلس النواب مدة 5 سنوات (2015- 2020)، والثاني لمجلسي النواب والشيوخ مدة 5 سنوات أخرى (2021- 2025)، وذلك في برمان يقول عنه معارضون إنه مهندس أمنيا، وجرى اختيار أعضائه بعناية من قبل الجهات الأمنية، فيما يسيطر حزب "مستقبل وطن" على أغلبية المجلسين.
وعقد مجلسي النواب والشيوخ الحاليين أولى جلساتيهما بدور الانعقاد الأول 11 كانون الثاني/ يناير 2021، فيما بدأ دور الانعقاد التشريعي الخامس والأخير لهما تشرين الأول/ أكتوبر 2024، ومن المقرر أن ينتهي مع انتخاب البرلمان الثالث في عهد السيسي، والذي من المقرر انعقاده قانونيا في كانون الثاني/ يناير 2026.
"قوانين بغرامات مجحفة"
ومن القوانين والقرارات التي رأى فيها مراقبون أنه مجحفة ولاقت انتقادات المصريين، إقرار مجلس النواب الاثنين، غرامة تصل 500 ألف جنيه لمن يروجون شائعات حول جودة المياه في البلاد.
وتعاقب المادة "73" من مشروع تنظيم مرفق مياه الشرب والصرف الصحي، "بغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تزيد على 500 ألف جنيه، كل من قام بترويج شائعات، أو معلومات غير صحيحة بأية وسيلة كانت عن جودة المياه، بقصد تكدير السلم والأمن الاجتماعي لدى المواطنين بشأن حالة المياه، وجودتها".
"قوانين تدعم بيع الأصول"
وفي ذات الإطار، دفعت موافقة مجلس النواب الاثنين على مشروع قانون تنظيم مرفق مياه الشرب والصرف الصحي، كاملا، للقلق من تبعات القانون واحتمالات بيع شركات المياه الحكومية للقطاع الخاص وتسعير تعريفة المياه للمنازل بقيم كبيرة.
ويفتح القانون باب الاستثمار في قطاع المياه والصرف الصحي للقطاع الخاص وعبر شراكة القطاعين العام والخاص، كما يستهدف إنشاء جهاز مستقل لتنظيم مرفق المياه، الذي يخضع بالكامل للحكومة عبر الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي.
كذلك كانت موافقة لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب على مشروع قانون الشركات المملوكة للدولة أو التي تُساهم فيها، مثيرة للمخاوف من طرحها للبيع، خاصة وأن القانون يتضمن إنشاء وحدة حصر لإعداد قاعدة بيانات تفصيلية لها، حتى يتسنى تحديد جدوى الاستمرار بتلك الشركات وآلية مشاركة القطاع الخاص فيها.
وفي آذار/ مارس الماضي، جرى الإعلان عن خطة لنقل الشركات المملوكة للدولة إلى صندوق مصر السيادي، بضم نحو 370 شركة حققت أرباحا — أي أكثر من نصف إجمالي الشركات المملوكة للدولة والبالغ عددها 709 شركات- لإعادة هيكلتها، وجذب شركات القطاع الخاص، وربما طرحها للاكتتاب العام.
"قانون الإيجار وقنبلة موقوتة"
ويناقش مجلس النواب قانون الايجار الجديد بما يحمل من جدل في الشارع المصري، لما يطرحه بنود خلافية حول تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر في حالات الإيجارات القديمة التي تصل لأكثر من 3 ملايين وحدة سكنية، في العاصمة القاهرة وحدها نحو 1.1 مليون وحدة خاضعة لنظام الإيجار القديم، 772 ألفا منها سكنية، والبقية لأغراض العمل أو مختلطة، وفق بيانات حكومية.
القانون يثير المخاوف من تداعيات اجتماعية وأزمات قانونية محتملة، خاصة وأنه يتضمن إنهاء عقود الإيجار القديمة بعد 5 سنوات من تاريخ العمل به، فيما وصفه نقيب المهندسين طارق النبراوي، أمام البرلمان بأنه "قنبلة اجتماعية موقوتة" مطالبا بمراعاة البعد الاجتماعي تفاديا لتفاقم الأزمات.
"تقييد الحريات"
ومازالت أصداء إقرار مجلس النواب قانون الإجراءات الجنائية الجديد، في 29 نيسان/ أبريل الماضي، قائمة، حيث طالبت الحركة المدنية الديمقراطية، الأحد الماضي، رئيس الجمهورية، بالامتناع عن التصديق على القانون بصيغته الحالي، مشيرة لما فيه من إخضاع المتهمين إلى فترات طويلة للحبس الاحتياطي، وعدم وضع حد قانوني لمشكلة تدوير السجناء السياسيين، وتوسيع صلاحيات النيابة العامة.
من جانبها وصفت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات" قانون الإجراءات الجنائية الجديدن بأنه "تشريع للتعذيب بدلا من العدالة"، معتبرة أنه انتكاسة للعدالة وأداة ليد الأجهزة الأمنية لتوسيع سلطاتها على حساب حقوق المتهمين.
"صناعة البرلمان الثالث وما بعده"
أقر البرلمان المصري أيضا، وبشكل نهائي تعديلات قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر معتمدا الانتخابات المقبلة العام الجاري بنظام القائمة المغلقة، وسط اعتراضات واسعة من المعارضة التي اعتبرته من القوانين التي تؤسس لمستقبل البرلمان الثالث في عهد السيسي، وتؤسس لتغيير دستوري يمنح السيسي فترات حكم جديدة.
وهنا يقول السياسي المصري، سمير عليش: "بهذا سيكون البرلمان الجديد نسخة مكررة من البرلمان الحالي على أسوأ تقدير"، كاشفا عن رؤيته بأن "هذا القانون يعد للبرلمان الذي سيعد لتغيير الدستور لضمان استمرار السيسي في الحكم، واستمرار سياساته الداخلية والخارجية".
وأكد لـ"عربي21"، أن "قانون الانتخابات الجديد من أكثر القوانين التي سببت أذى للمصريين"، موضحا أن "إقراره يعنى استمرار معاناتهم جراء استمرار الحكم الحالي لمدد جديدة بعد 2030".
وأعلن النواب محمد عبدالعليم داود ، وضياء الدين داوود، وعبد المنعم إمام، رفضهم مشروع تعديل قانون مجلس النواب وتقسيم الدوائر، وذلك لعدم الجمع بين النظم الانتخابية الثلاثة "القائمة المغلقة" و"القائمة النسبية" و"الفردي"، مؤكدين أن النظامين الفردى والقائمة النسبية هما الأمثل.
وفي ذات السياق، تشير الأنباء إلى رفع البرلمان المصري ميزانيته السنوية، ومخصصات مجلسيه لنحو 4 مليارات جنيه بالعام المالي المقبل (2025- 2026)، بنحو 550 مليون جنيه وبزيادة تقدر بـ30 بالمئة، مقارنة بميزانية (2024-2025) التي بلغت نحو مليارين و175 مليون جنيه.
وعلى الجانب الآخر، يشكو أصحاب المعاشات وكبار السن من المصريين من تجاهلهم في تشريعات القوانين المنظمة لزيادات معاشاتهم، حيث تساءل الناشط محمد الأطرش، مخاطبا الحكومة المصرية: "أين مشروع قانون زيادات المعاشات السنوية المستحقة من تموز/ يوليو القادم والذى سبق أن أعلنتموه، بزيادة سنوية 15 بالمئة و400 جنيه غلاء معيشة؟".
"التمييز بين فئات المجتمع"
مدير "المرصد التشريعي" عباس قباري، وفي حديثه لـ"عربي21"، قدم رصدا لأهم القوانين التي أقرها ذلك البرلمان وأكلت من حقوق المصريين المالية وعرضتهم للغرامات وعقوبات الحبس والتشريد، وكانت سببا في تعرض النسيج الاجتماعي المصري لمخاطر كبيرة.
وقال إن "مجلس النواب الحالي تولي مهامه بداية 2021 ومن المقرر انتهاء مدته آخر 2025، وبحسب رصد المرصد الذي يقوم بتوثيق الحركة التشريعية المصرية، فإن البرلمان أصدر حتى اليوم 772 قانونا".
وأوضح لـ"عربي21"، أنه "رقم كبير يمثل متوسط 170 قانونا سنويا بالإضافة لما يقارب 170 اتفاقية دولية، 90 بالمئة منها اتفاقيات قروض بمليارات الدولارات، وهو رقم كبير إذا ما قورن بعدد ساعات الانعقاد".
وأكد أن "هذا البرلمان أقر قوانين غاية في الأهمية أثرت على حياة الناس، واستمرت في تمييز تحالف الحكم عن باقي طبقات الشعب"، مبينا أن "في مقدمة هذه القوانين يأتي تعديل أجري على قانون صندوق تكريم شهداء وضحايا ومفقودي ومصابي العمليات الحربية والإرهابية والأمنية، وأسرهم".
وأشار إلى أن "التعديل ضاعف من المزايا الممنوحة لمنتسبي القطاعين العسكري والأمني وأسرهم، في مقابل مضاعفة الرسوم المقررة على فئات الشعب الأخرى، عبر إقرار رسوم جديدة على الخدمات المختلفة، ومضاعفة الرسوم على الخدمات القديمة".
وخلص إلى أن "هذا يعزز ثقافة التمييز بين فئات المجتمع، كما يرسخ تباين الاهتمام بالبعد النفسي بين المؤسسات العسكرية والأمنية وبين الفئات الأخرى"، ملمحا إلى أن ذلك "تجلى في رفض الحكومة مطالب الأطباء رفضا قاطعا، حينما طالبوا بضم شهداء جائحة كورونا من الأطباء والعاملين بالمجال الطبي لصندوق تكريم الشهداء والمصابين".
"غاية في الخطورة"
وبين الباحث المصري في الشؤون القانونية والتشريعية أن "البرلمان أصدر قوانين أخري تخص الحالة الوظيفية، غاية في الخطورة، تقرر فصل الموظفين بغير إجراءات تأديبية أو قضائية".
"الأول: قانون شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها، والذي يسمح بالفصل الفوري عبر إجراء تحليل المخدرات بشكل مفاجئ، ما سبب مشاكل عدة لكثير من الموظفين أصحاب الأمراض المزمنة حيث يظهر أثر أدويتهم بشكل طبيعي في تحاليل المخدر، ما تسبب في فضلهم، مع صعوبة كبيرة في إجراءات التظلم من قرارات الفصل وكلفتها الكبيرة"، بحسب قباري.
لفت إلى أن "القانون الثاني: تمثل في تعديل تم إجراؤه على قانون الفصل بغير الطريق التأديبي (10 لسنة 1972)، وقانون الخدمة المدنية (81 لسنة 2016)، والذي سُمي في وسائل الإعلام بقانون (فصل الإخوان) حيث يسمح بفصل الموظفين لمجرد التحريات أو المعلومات الإدارية والأمنية دون الحاجة لحكم محكمة".
وأشار إلى أن "ذلك البرلمان أقر أيضا، حزمة أخري من القوانين الخاصة بصحة المصريين، أبرزها قانون تنظيم عمليات الدم وتجميع البلازما لتصنيع مشتقاتها، الذي يسمح بتصدير بلازما المصريين لأغراض الاستثمار والتجارة بعدما تم تسويق القانون في خانة تحقيق الاكتفاء الذاتي الذي لم يحدث".
"قوانين أخري أصدرها البرلمان لها بالغ الأثر على المجتمع دون إعطائها حقها في النقاش المجتمعي، في مقدمتها قانون العمل، وقانون الإجراءات الجنائية، وقانون الإيجارات القديمة المزمع إقراره"، وفق مدير المرصد.
وختم بالقول: "أصدر البرلمان أيضا قوانين مثيرة للجدل مثل قانون اللجوء، وقانون إنشاء التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، بالإضافة إلى عشرات القوانين التي لها بالغ الأثر على حياة الناس وتسببت في بؤس حياة المصريين والتضييق عليهم، ووصولهم حافة الاحتراب الأهلي والضيق الاقتصادي والانسداد السياسي".
"تشريعات عدوانية"
وفي رؤيته، قال الكاتب والمحلل السياسي مجدي الحداد لـ"عربي21": "لا يمكن تصور أن تخرج مثل تلك التشريعات عن نظام يحترم الشعب، ويحافظ على وحدة البلاد، فكلها تشريعات عدوانية لم تخرج حتى بعهد الاستعمار".
وتساءل: "ما معنى غرامة 500 ألف جنيه لمن يشكك بجودة مياه الشرب، وكان الأولى أن يطبقها على نفسه (السيسي) وهو أول من أقر التحليل الثلاثي لمياه الصرف الصحي لتصبح صالحة للشرب"، ملمحا إلى أن "طعم المياه اختلف من يومها عما ألفناه من قبل، وقبل أن يتنازل عن حصة مصر بمياه النيل".
وتابع تساؤلاته: "من يملك ربع هذا المبلغ كمدخرات يستعين بها ليوم كالذي نعيشه الآن؟، وهل من وضع القانون راعى الحالة المادية لعموم الشعب؟"، مبينا أن "هذا يكشف أنهم في عزلة عن هموم وقضايا الشعب الحقيقية والمصيرية".
ويرى الحداد، أن "كل تلك القوانين تعكس باختصار معاداة النظام الصريحة للشعب"، معربا عن تعجبه من زيادة ميزانية البرلمان بعد إصدار هذه القوانين، بينما يعيش أكثر من 50 بالمئة من الشعب تحت خط الفقر".
ولفت إلى تمهيد البرلمان الحالي للبرلمان الجديد، عبر تعديل قانون الانتخابات، مبينا أن "أي حديث عن انتخابات، بقائمة مغلقة أو مطلقة أو نسبية، وبإشراف قضائي كامل، تدليس وبلا قيمة ما لم تتم انتخابات رئاسية كدول العالم الديمقراطي"، مضيفا: "أجدر بنا أن تُجرى وبين أكثر من مرشح".
وقال: "لا معنى لانتخابات بأي نظام وهناك 60 ألف معتقل، وفق منظمات حقوقية دولية ما بين سياسي وصاحب رأي، فلا معنى لانتخابات أو اصلاحات دون الإفراج غير المشروط عن كل هؤلاء ومعتقلي الرأي والسياسيين"، داعيا لفتح المجال العام".
وطالب "بعقد انتخابات رئاسية مبكرة، بعد تصاعد الرفض الشعبي لاستمرار حاكم لم يعد مقبولا من 90 بالمئة من الشعب، وبعد الكوارث التي وقعت على يديه وأخطرها إفقار الشعب، والتفريط في نيله وثرواته وأصوله وجزره وثغوره الاستراتيجية".
ويعتقد أن "تدشين قوانين الانتخابات البرلمانية ما هي إلا أكذوبة للهروب والتنصل من التزامات النظام أمام الشعب، ومطالبته بالصبر مدة عام وعامين، وتدشين ما يسمى بالحوار الوطني"، مبينا أن "كلها مزيج ألاعيب وحيل وكذب وتدليس بغرض استمرار النظام ، رغم ما تسبب فيه من كوارث ممنهجة".