تحذيرات من تفاقم المجاعة.. الأمم المتحدة: استمرار العدوان على غزة يخلف أضرارًا مروعة
تاريخ النشر: 29th, May 2025 GMT
البلاد – عواصم
تتواصل التحذيرات الدولية من الكارثة الإنسانية المتصاعدة في قطاع غزة، في ظل استمرار الأعمال العسكرية الإسرائيلية التي أوقعت خلال الساعات الـ24 الماضية عشرات القتلى والجرحى، وسط تفاقم معاناة المدنيين المحاصرين.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، إن استمرار العمليات العسكرية، بما في ذلك الغارات الجوية والقصف المدفعي، يُخلّف “أضرارًا مروعة” بحق المدنيين في غزة، مؤكدًا على ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني، وفتح جميع المعابر بشكل عاجل لإيصال المساعدات الإنسانية.
وذكر المكتب الأممي أن الأمم المتحدة “على أهبة الاستعداد” لتقديم المساعدات الإنسانية على نطاق واسع، لكنه شدد على أن “استمرار إغلاق المعابر وتقييد حركة المساعدات يعيق بشكل كارثي جهود الإغاثة”.
وفي تطور مأساوي جديد، أصيب نحو 47 شخصًا بجروح، معظمهم نتيجة إطلاق نار من الجيش الإسرائيلي، خلال تدافع الآلاف للحصول على مساعدات غذائية في مركز توزيع جديد وسط قطاع غزة.
وأوضح مدير مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، أجيت سونغهاي، خلال مؤتمر صحافي في جنيف، أن “الضحايا سقطوا إثر إطلاق نار من قبل القوات الإسرائيلية خلال تدافع مدنيين للحصول على الغذاء”.
الحادثة وقعت في مدينة رفح جنوب القطاع، حيث تدفق آلاف الفلسطينيين على موقع تابع لمؤسسة “غزة الإنسانية” المدعومة أميركيًا. وقد أعادت هذه الحادثة تسليط الضوء على الوضع الإنساني المتدهور الذي يعيشه سكان غزة، بعد شهور من الحصار والإغلاق الكامل للمعابر.
وفي هذا السياق، أعرب وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، عن رفض بلاده الشديد لاستمرار العمليات العسكرية، واصفًا الهجوم الإسرائيلي بأنه “أصبح غير مقبول ويجب أن يتوقف فورًا”.
وأضاف تاياني، في كلمة أمام البرلمان الإيطالي، أن “ما يجري في غزة مأساة إنسانية”، داعيًا إلى استئناف فوري لتدفق المساعدات، ووقف القصف، وعودة الالتزام بالقانون الدولي الإنساني. كما شدد على أن “طرد الفلسطينيين من غزة ليس خيارًا مقبولًا ولن يكون كذلك”.
وفي الضفة الغربية، صعدت قوات الاحتلال من عمليات المداهمة والاعتقال، حيث شنت حملة اعتقالات طالت 11 فلسطينيًا بينهم أطفال في مناطق مختلفة، لا سيما في طولكرم وبيت لحم والخليل. كما نفذت قوات الاحتلال، بمرافقة جرافات عسكرية، عمليات هدم واسعة في مسافر يطا جنوب الخليل، في إطار ما يُعتقد أنه جزء من خطة إسرائيلية لتوسيع الاستيطان.
من جهتها، شددت وزارة الخارجية الفلسطينية على ضرورة تكثيف الضغط الدولي لفتح المعابر وإدخال المساعدات بشكل فوري، ووصفت في بيان لها مشاهد تدافع المدنيين من أجل الغذاء بأنها “وصمة عار في جبين الإنسانية”، معتبرة أن “المجاعة تتفشى في أوساط أكثر من مليوني فلسطيني بفعل الحصار الإسرائيلي الكامل المفروض منذ 2 مارس الماضي”.
واتهمت الخارجية الفلسطينية الحكومة الإسرائيلية بـ”استخدام التجويع كسلاح في عدوانها على غزة، ومحاولة تنفيذ مخططات التهجير”، مجددة التأكيد على أن “الوقف الفوري لإطلاق النار، وإنهاء مظاهر القتل والتهجير، والإفراج عن الأسرى والرهائن، وإدخال المساعدات بشكل مستدام، تمثل المدخل الوحيد لحماية المدنيين واستعادة الاستقرار”.
وفي ظل هذا الوضع المتأزم، تتواصل الانتقادات لمؤسسات توزيع المساعدات، حيث اتهمت منظمات إنسانية، منها “أكشن إيد”، بعض المنظمات باستخدام العمل الإنساني كـ”غطاء لتبرير عمليات السيطرة والتهجير”، مشيرة إلى أن “المساعدات التي تُستخدم لإخفاء العنف ليست مساعدات بل أداة سياسية”. كما تعرضت شركة الأمن الأمريكية الخاصة “سيف ريتش سوليوشنز”، المسؤولة عن تأمين عمليات توزيع المساعدات، لانتقادات واسعة بسبب “نقص الاستعداد وعدم كفاية الموظفين”، حسب تقرير نشرته “وول ستريت جورنال”.
ووصف المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مشاهد آلاف الأشخاص وهم يتدفقون على مواقع توزيع المساعدات في جنوب غزة بـ”المفجعة”، داعيًا إلى ضرورة إنهاء القتال وفتح ممرات إنسانية آمنة.
وتتسارع وتيرة التحذيرات من تحول الوضع الإنساني في غزة إلى كارثة كاملة، في ظل استمرار القتال، وتقييد المساعدات، وغياب أي بوادر لوقف دائم لإطلاق النار. ومع اشتداد المجاعة وازدياد أعداد الضحايا، تتزايد الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف التصعيد والامتثال للقانون الإنساني الدولي.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: الأمم المتحدة
إقرأ أيضاً:
خطط واشنطن المشؤومة تفاقم المجاعة في غزة
الأسرة / متابعات
في غزة، حيث تتصاعد أصوات الجوعى وتئن الأرقام تحت وطأة كارثة إنسانية غير مسبوقة، يطل شبح “المؤامرة” متخفياً في ثياب “الإغاثة”. فبينما يلوح الرئيس الأمريكي بخطة “شاملة” لإنهاء أزمة منع المساعدات، تنظر عيون الفلسطينيين المثقلة باليأس إلى هذا “الفرج” كمؤامرة جديدة. كيف لا يشوب الحذر قلوبهم وهم يرون الدولة التي تمد الكيان بأسباب القوة والعدوان، تتحدث اليوم عن “إنقاذهم” من براثن الجوع والمرض؟
تتبلور ملامح الخطة الأمريكية في وثيقة “صندوق المساعدات الإنسانية لغزة”، التي تتضمن إنشاء أربعة مراكز توزيع، تهدف في مرحلتها الأولى إلى خدمة 1.2 مليون فلسطيني من أصل أكثر من مليونين يعيشون في القطاع. وتعد الخطة بتوزيع طرود غذائية ومستلزمات طبية عبر قنوات “مؤمّنة”.
منذ بدء العدوان الصهيوني، استشهدت أكثر من 12,400 امرأة، وفقدت أكثر من 14,000 امرأة معيلهن، بينما تواجه نحو 60,000 سيدة حامل خطراً حقيقياً بسبب انعدام الرعاية الصحية. كما نزح أكثر من 90 % من سكان القطاع، ويعيشون في ظروف مزرية تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة.
الأكثر إيلاماً هي الأرقام التي تتحدث عن تفشي المجاعة وسوء التغذية. فبعد 70 يوماً من إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات، لجأت أمهات غزة إلى طحن المعكرونة لصنع الخبز. وفي ظل النقص الحاد في الغذاء والدواء، تشير بيانات وزارة الصحة الفلسطينية إلى أن أكثر من 290 ألف طفل دون سن الخامسة باتوا بحاجة إلى تدخلات غذائية عاجلة، بينما تحتاج 150 ألف امرأة حامل ومرضع إلى مكملات غذائية ورعاية صحية متخصصة.
وتكشف التقارير الميدانية عن وصول ما بين 180 إلى 240 حالة سوء تغذية حاد إلى المراكز الصحية شهرياً، يتم تحويل ما يصل إلى 60 % منها إلى المستشفيات بسبب المضاعفات. ويحذر خبراء الصحة من أن هذه المؤشرات تمثل “قنبلة صحية موقوتة”، خاصةً مع ارتفاع نسبة الحالات المحولة إلى المستشفيات من 16 % إلى 60 % خلال الأشهر الأخيرة.
أرقام صادمة لنقص حاد وجيل تحت التهديد
لم تتوقف المعاناة عند نقص الغذاء، بل امتدت لتشمل المياه. فبعد مرور عشرين شهراً على العدوان المستمر، بات الحصول على المياه الصالحة للشرب والاستخدام معركة يومية. وتشير التقارير إلى انخفاض حصة الفرد من المياه بنسبة 94 %، لتصل إلى 5 لترات للشخص الواحد بعد أن كانت نحو 82 لتراً. كما دُمر 71 % من محطات تحلية المياه المالحة البلدية و 69 % من إجمالي آبار إنتاج المياه. ونتيجة لذلك، انخفض إنتاج المياه في جميع أنحاء القطاع بنسبة 84 %. وحالياً، لا يتجاوز معدل استهلاك الفرد من المياه ما بين 3 و 5 لترات يومياً، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى الموصى به دولياً.
وهكذا، يواجه جيل بأكمله شبح التهديد، ومستقبلاً يكتنفه الظلام. سوء التغذية، لا يفتك بأجسادهم النحيلة فحسب، بل يمتد ليطال صحتهم النفسية والسلوكية، ليقوض قدراتهم التعليمية ويحرمهم من فرص مستقبلية واعدة.
وسط هذه الصورة القاتمة، تبرز علامات استفهام بحجم الكارثة تحيط بالخطة الأمريكية. فبينما تتستر بعباءة الإنسانية، يرى الباحث والصحفي وسام عفيفة أنها تحمل في طياتها “جملة من المخاطر القانونية والإنسانية” التي تتعارض مع القانون الدولي الإنساني. تمركز المساعدات في أربعة مواقع جنوب القطاع تحت إدارة فريق أمريكي/غربي يضم مسؤولين عسكريين سابقين، وشراكات مع بنوك وشركات كبرى، مع إقصاء المؤسسات الفلسطينية المحلية والدولية، كلها مؤشرات تدعو إلى القلق العميق.
يحذر عفيفة من أن هذه الخطة قد تفضي إلى “نزع السيادة والوكالة من الفلسطينيين” وترسيخ نمط “الإغاثة بدون كرامة”، وإضعاف المجتمع المدني المحلي. كما يشير إلى خطر “التمييز في الوصول للمساعدات” بسبب التنسيق مع “جيش” العدو، ما قد يحرم مناطق أو فئات معينة من الحصول عليها.
أما على الصعيد القانوني، فيؤكد عفيفة أن التنسيق مع العدو الإسرائيلي واعتماد مسارات عبر موانئ فلسطين المحتلة يحول المساعدات إلى أداة بيد المحتل، ويفقدها صفتها الإنسانية المحايدة، وهو ما يشكل انتهاكاً لمبدأ الحياد والاستقلال. وينتقد أيضاً اعتماد الخطة على “المراقبة الأمنية” في التوزيع، ما قد يحرم المحتاجين بشدة إذا لم يستوفوا شروط “الأمان”.
والأخطر من ذلك، يرى أن تقديم المساعدات ضمن آليات مشروطة وتحت رقابة العدو يشكل “تقنيناً للحصار” بدلاً من رفعه، وهو ما يخالف القانون الدولي.
ويتفق معه رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، الذي يصف الخطة بأنها “ليست مشروعاً إنسانياً، بل مناورة مدروسة لإعادة تغليف الحصار، وتقنين التجويع، وتحويل الطعام إلى أداة قهر تمهّد لاقتلاع السكان من أرضهم”. ويشير إلى أن إدارة الخطة من قبل عسكريين أمريكيين سابقين ومنظمات إغاثة خاضعة للرقابة، وتنفيذها عبر مراكز توزيع في مواعيد محددة دون أي دور للفلسطينيين، يعد “انتهاكاً صارخاً لواجب إدخال المساعدات بشكل فوري وفعّال ودون عوائق”.
من جهته، يرى الدكتور باسم نعيم، القيادي في حركة حماس، أن الخطة الأمريكية ليست بعيدة عن التصور الإسرائيلي لعسكرة المساعدات، محذراً الأطراف المحلية من التحول إلى أدوات في مخططات الاحتلال. ويؤكد نعيم أن حق شعبنا في الحصول على طعامه وشرابه ودوائه ليس محل تفاوض.
هكذا، تتجلى الحقيقة المرة: غزة ليست بحاجة إلى “مؤامرة إغاثة” مشبوهة، بل إلى رفع كامل للحصار الظالم، وإلى تدفق حر وغير مشروط للمساعدات الإنسانية.