الثورة /

ترى الصحافة الدولية والإسرائيلية في مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت انتكاسة لإسرائيل وتصعيداً سياسياً قانونياً دراماتيكياً يحمل تداعيات عديدة قد تقوم إلى عزل دولة الاحتلال وفرض قيود على سفر مسؤوليها إلى عشرات الدول، وإضعاف موقفها على المستوى الدولي وهي التي لطالما نافحت عن “ديمقراطيتها” الموسومة اليوم بجرائم الإبادة الجماعية في غزة.


وفي سابقة تاريخية، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، أمس الأول الخميس، أوامر اعتقال بحق كل من رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير جيشه المُقال يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة.
وركزت مذكرات الاعتقال على اتهام المسؤولين الإسرائيليين بارتكاب جرائم حرب ترقى إلى الإبادة الجماعية، بينها تجويع شعب بكامله ومنعه من حقه في الوصول إلى مقومات حياته.
وقد أثار القرار عاصفة سياسة في الحلبة الدولية، فبينما أكدت العديد من الدول الأوروبية التزامها بتنفيذ أمر المحكمة، توجهت الأنظار نحو إسرائيل وكيف ستتعامل مع القرار الذي عدته أوساط إسرائيلية صفعة قوية يصعب تخيل عواقبها، حتى وإن رفضت الإدارة الأمريكية القرار بادعاء أن الجنائية الدولية لا تملك الولاية القضائية في هذه المسألة.
نتنياهو المأزوم والمشهور بقوته الخطابية، لم يجد أفضل من وصف القرار بأنه “محاكمة درايفوس” الجديدة، مشبها نفسه بالضابط اليهودي الفرنسي الذي جرت محاكمته عام 1859 لأنه يهودي، وكان هذا التوصيف مقدمة لاعتبار القرار لا ساميا ومعاديا لليهود وللحضارة الإنسانية ويوما أسود في تاريخ الشعوب المتحضرة.
وقبل بضعة أشهر، وصف نتنياهو طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بأنه “سخيف وكاذب.. وتشويه للواقع”، وتبع نتنياهو في مثل هذه التوصيفات كل أقطاب الحلبة السياسية في إسرائيل، الذين هبوا للدفاع عما اعتبروه “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” ضد البربرية والظلامية، وضد من يسعون لإزالتها عن وجه الأرض.
ويرى مقال في صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن إصدار “الجنائية الدولية” مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت يمثل انتكاسة لإسرائيل ويعكس أدنى مستوى لها في معركتها من أجل الشرعية وحشد الدعم الدولي.
ووفق المقال، فإن الإسرائيليين الذين شعروا بدعم كثير من دول العالم بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 “يفيقون اليوم بعد 13 شهرا ليجدوا بلادهم معزولة ومدانة ومتهمة بارتكاب جرائم حرب”.

تصعيد دراماتيكي
بدورها، وصفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية قرار الجنائية الدولية بالتصعيد الدراماتيكي في الإجراءات القانونية ضد إسرائيل على خلفية الحرب على غزة، مشيرة إلى أنه القرار الأول من نوعه ضد مسؤول مدعوم من الغرب.
وحسب الصحيفة، فإن من شأن القرار تعزيز الشعور بأن إسرائيل تعيش عزلة دولية متزايدة بسبب سلوكها في الحرب على غزة.
أما صحيفة لوموند الفرنسية، فقالت في تقرير لها إن الولايات المتحدة معزولة بعد استخدام حق النقض (الفيتو) مرة أخرى ضد قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة.
وفق التقرير، كان يتوقع المفاوضون أن تراجع إدارة الرئيس الحالي جو بايدن موقفها قبل وصول إدارة دونالد ترامب المؤيدة بشدة لإسرائيل.

تداعيات محتملة
أما صحيفة “نيويورك تايمز”، فقد سلطت الضوء على ثلاث تداعيات محتملة لمذكرات الاعتقال الصادرة عن الجنائية الدولية، أولها العزل الدبلوماسي، إذ يزيد القرار من عزلة إسرائيل في المجتمع الدولي، خصوصا بين الدول الموقعة والمصادقة على الولاية القضائية للمحكمة الموكلة بمحاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ما قد يعوق العلاقات الدبلوماسية والتعاون العسكري بين سلطات الاحتلال والعديد من الدول.
وترى الصحيفة الأمريكية أن مذكرة الاعتقال ستعيد وضع القادة الإسرائيليين تحت مجهر القانوني الدولي، مما يجعل سفرهم خارج إسرائيل محفوفا بالمخاطر، إلى جانب إضعاف الموقف الإسرائيلي، حيث تقول الصحيفة إن المذكرة تعزز الانتقادات الدولية ضد العمليات العسكرية الإسرائيلية، ويضعف من الدعم الذي تتلقاه من حلفائها، خاصة في أوروبا.
وتنقل نيويورك تايمز عن الخبير في القانون الدولي فيليب ساندز، أن ثمة قيود قانونية تواجه المحكمة الجنائية الدولية في تنفيذ مذكرات التوقيف، “إلا أن القرار يحمل رمزية قوية تعكس تغيرا في الموقف الدولي تجاه إسرائيل”، مشيراً إلى أن الدول الموقعة ملزمة باعتقال “المطلوبين إذا دخلوا أراضيها. هذا التزام قانوني واضح”.
ومع ذلك، فإن تبنه الصحيفة إلى سوابق مثل زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدول موقعة من دون اعتقال ما يثير تساؤلات حول مدى قدرة المحكمة على فرض قراراتها عمليا.

حظر توريد السلاح لإسرائيل
ويرى محلل عسكري إسرائيلي، أن مذكرتي الاعتقال الدوليتين بحق نتنياهو وغالانت تفتحان الباب أمام فرض حظر على توريد أسلحة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ويشير المحلل بصحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل إلى أن قرار الجنائية الدولية “قد يعطي دفعة قوية للشكاوى والتحقيقات الجنائية ضد جنود وقادة الجيش الإسرائيلي والتي تجري في العديد من البلدان”.
ويلفت هارئيل إلى العديد من التداعيات للقرار بما فيها إمكانية اعتقال نتنياهو وغالانت في أكثر من 120 دولة أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية حال وصلا إليها، ويقول إن من شأن القرار خلق فرصة لحظر الأسلحة من قبل دول غربية إضافية، والتي اكتفت حتى الآن بإجراءات “أكثر اعتدالاً ضد إسرائيل”.
ويضيف: “هذا من شأنه أن يعطي دفعة قوية للعديد من الشكاوى والتحقيقات الجنائية ضد جنود وقيادات الجيش الإسرائيلي والتي تجري في العديد من البلدان. كما أنه بمثابة تذكير بأن هناك محوراً آخر للتحقيق الجنائي يتمثل في الأحداث الجارية في الضفة الغربية، مع التركيز على المستوطنات”.
بابان لا ثالث لهما
الكاتب والخبير في الشؤون الإسرائيلية، إيهاب جبارين تحدث عن بابين لا ثالث لهما أمام هذا المنحنى الذي تتعرض له إسرائيل.
ووفق مقالة لجبارين فإن الباب الأول، أفرز نتنياهو كعقبة أمام مسمى إسرائيل الأسمى، “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” التي تغنّى بها، فهذا القرار يشكّك بديمقراطية دولة الاحتلال قبل أي شيء آخر، كما يشكّك باستقلالية القضاء الإسرائيلي وقدرته على محاسبة ذاتية منصفة.
ويضيف: “على مدى سنوات أغمض الغرب عيونه عن أعتى ممارسات إسرائيل الاحتلاليّة، فقط لكونها تمارس هذا الاحتلال تحت عباءة الديمقراطية والقيم الليبرالية، ولكن الآن وبعد أن زجّت المحكمة اسم نتنياهو جنبًا إلى جنب مع البشير، تجد إسرائيل نفسها في اختبار حقيقي، وعليها أن تقرر من تفضل؟ سمعة إسرائيل أم سمعة رئيس حكومتها الذي جلب لها العار؟”.
ويؤكد جبارين أن هذه النقطة تحديدًا هي اختبار للدولة العميقة في (إسرائيل)، ومدى إحكام وسيطرة نتنياهو عليها، “وهنا نستطيع القول إنّ هذه المجريات أعادت إسرائيل إلى المربع الأول، إذا أرادت الانتصار في الحرب، عليها الانتصار على نتنياهو، الأمر الذي تجاوزه نتنياهو حتى وصل إلى ما وصلنا إليه اليوم”.
وختم حديثه عن الباب الأول بالقول: “مرة أخرى توضع الدولة العميقة في إسرائيل في هذا الاختبار المصيري: إمّا أن تنتصر هي، وإمّا أن ينتصر هو، ومن بعده فليكن الطوفان”.
أمام الباب الثاني وفق جبارين، فهو يعني الجزم بأنّ إسرائيل باتت دولة الرجل الواحد، وهنا يتوجب على الساحر الدبلوماسي (نتنياهو) أن يمارس جهوده السابقة والتي قد أفلح بها مرات كثيرة بأن يخرج إسرائيل من عزلتها الدبلوماسية من خلال ضرب المحكمة الدولية بجهود استخباراتية قبل الدبلوماسية، مشيراً إلى أن ملف كريم خان “مجرد مقدمة، لما تجهز له إسرائيل لكل من يقف أمامها، سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات أو حتى دولًا، تمامًا كما الدول المارقة الجانحة”.
ويتابع جبارين في مقاله: “وهنا لن يكون اختبارًا لنصر شمشون إسرائيل (نتنياهو) فحسب، إنما هو اختبار لكل القيم الدوليّة والديمقراطية، بل وسيكون مقياسًا ومعيارًا من معايير غزة الكاشفة لمواثيق حقوق الإنسان التي ضاقت على الفلسطيني”.
ويؤكد الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي، أن على العالم أن يحدد ماهيّة تعريف “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، بالأخص أنّ كل ممارساتها وكل ما ارتكتبه يصنّف اليوم كجرائم حرب وَفقًا لاعتراف محكمته الدولية”.
ويختم بالقول، إن “جملة التصريحات الإسرائيلية لم تبقِ أمام الخيارين الكثير من التخبط، فلم يبقَ إلا أن تعلن إسرائيل الحرب على لاهاي، وضرورة الاستيطان فيها بعد محوها كإجراء عقابي لكل من يجرؤ على الوقوف أمام هذا الشمشون”.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

العفو الدولية: “مادلين” كانت بمهمة إنسانية واعتراضها انتهاك للقانون الدولي

الثورة نت /..

 

أكدت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أغنيس كالامارد، اليوم الاثنين، أن اعتراض سلطات العدو الإسرائيلي لسفينة “مادلين”، التي أطلقها “ائتلاف أسطول الحرية” (FFC) بهدف إيصال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.

وأوضحت كالامارد، في تصريح على منصة (إكس)، أن السفينة كانت تقل مدنيين غير مسلحين في مهمة إنسانية، وتهدف إلى كسر الحصار “الإسرائيلي” غير القانوني المفروض على القطاع، مشيرة إلى أن اعتراضها يُعد خرقًا لالتزامات “إسرائيل” بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، كما أكدته محكمة العدل الدولية.

وشددت على أن القانون الدولي يُلزم “إسرائيل” بضمان وصول الغذاء والدواء الكافيَين للمدنيين في غزة، وكان ينبغي عليها السماح بوصول “مادلين” إلى وجهتها الإنسانية.

ودعت كالامارد، إلى رفع الحصار عن غزة بشكل فوري، مؤكدة أن استمرار “إسرائيل” في إغلاق القطاع ومنع دخول المساعدات يمثل مخالفة لأوامر محكمة العدل الدولية، التي طالبت بوقف الإبادة الجماعية وتسهيل وصول الإغاثة الإنسانية، إضافة إلى السماح بدخول بعثات تقصي الحقائق الدولية.

وأضافت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: “هناك إبادة جماعية مستمرة، واحتلال عسكري، ونظام فصل عنصري. الفلسطينيون في غزة يُجَوَّعون، والعاملون في المجال الإنساني يُستهدفون، والمساعدات الإنسانية تُمنع”.

وقال تحالف “أسطول الحرية” (منظمة أطلقت حملة ضد الحصار على غزة وحاولت كسر الحصار بالقوارب)، إن “جيش “الاحتلال الإسرائيلي” صعد على متن سفينته مادلين المتوجهة إلى غزة وانقطع الاتصال بها”.

واتهم التحالف، في بيان له صباح اليوم الاثنين، قوات العدو الإسرائيلي، “باختطاف المتطوعين على متن السفينة مادلين”.

ونقلت إذاعة جيش العدو الصهيوني عن مصدر عسكري قوله إنه “يجري اقتياد السفينة مادلين نحو ميناء أسدود بعد السيطرة عليها”.

وبث جيش العدو الإسرائيلي صورا للحظة اعتقال جميع الأفراد من النشطاء الأجانب على متن السفينة مادلين.

وفي وقت سابق، أعلن “تحالف أسطول الحرية”، أن “صفارات الإنذار انطلقت على متن سفينته مادلين، وأن زوارق حربية اقتربت منها وحاصرتها تزامنا مع تحليق مسيّرة وإلقائها سائلا أبيض مجهولا على السفينة”.

من جهتها أعلنت المقررة الأممية لحقوق الإنسان في فلسطين فرانشيسكا ألبانيزي، أن “زوارق (إسرائيلية) سريعة وصلت إلى السفينة مادلين”.

وأضافت ألبانيزي، أن “فريق السفينة أبلغ جنودا من جيش “الاحتلال” بأنهم يحملون مساعدات إنسانية وأنهم سيغادرون بسلام”.

وكانت “مادلين” أبحرت مطلع الشهر الجاري من ميناء كاتانيا الإيطالي باتجاه قطاع غزة، في رحلة تهدف إلى كسر الحصار المفروض عليه من قبل العدو الإسرائيلي.

وتحمل هذه السفينة على متنها 12 ناشطا من جنسيات متعددة، إضافة إلى مساعدات إنسانية تشمل الغذاء والدواء والمعدات الطبية.

ومادلين هي السفينة الـ36 ضمن ائتلاف “أسطول الحرية” الذي يهدف إلى كسر الحصار المفروض من قبل قوات العدو الإسرائيلي على قطاع غزة منذ عام 2007.

وسُميت السفينة على اسم “مادلين كُلاب” أول فتاة فلسطينية احترفت صيد الأسماك في قطاع غزة، وقد فقدت والدها ومصدر رزقها بعد بدء العدوان الإسرائيلية في أكتوبر 2023.

وبدعم أميركي وأوروبي، يرتكب جيش العدو الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة أسفرت عن استشهاد 54,927 مواطنا فلسطينياً، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة 126,615 آخرين، حتى اليوم، في حصيلة غير نهائية، حيث لا يزال الآلاف من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.

مقالات مشابهة

  • بسبب نتنياهو وجالانت.. بريطانيا هددت بقطع التمويل عن "الجنائية الدولية"
  • الاحتلال الكامل للضفة الغربية!.. إسرائيل تُكرّس لواقع جديد لتصفية القضية الفلسطينية
  • معلومات حصرية عن تهديد بريطاني سابق موجه إلى الجنائية الدولية
  • العفو الدولية: “مادلين” كانت بمهمة إنسانية واعتراضها انتهاك للقانون الدولي
  • للمرة الـ38.. نتنياهو يمثل أمام المحكمة للرد على تهم فساد
  • نتنياهو يمثل اليوم للمرة الـ38 أمام المحكمة للرد على تهم فساد
  • إعلام إسرائيلي: نتنياهو يمثل أمام المحكمة المركزية بتل أبيب
  • اعتماد فلسطين دولة مراقب بمنظمة العمل الدولية
  • قرار حظر السفر يشعل الغضب الدولي.. اتهامات بالتمييز والعنصرية
  • مفاجأة من المحكمة الدولية في شكوي بيراميدز ضد الأهلي