التحديات والفرص في تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي بالقطاعات الحكومية
تاريخ النشر: 23rd, November 2024 GMT
مع تسارع تطويرات أنظمة الذكاء الاصطناعي تتسارع دائرة انتشار تطبيقاتها فـي حياتنا الخاصة والعامة والمهنية، وصار من اليسير على كل فرد منا أن يجعل من تطبيقات الذكاء الاصطناعي جزءا مهما من حياته، ولعلّ أقرب مثال استعمال معظم الناس لنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل «شات جي بي تي» لأغراض متعددة تشمل أبسط المهام مثل البحث الذي سيقوّض من شعبية محركات بحث كبيرة مثل «جوجل»، وتبرز فـي هذا الشأن الفرص الرقمية الجديدة الناشئة والتحديات التي ستواجه منظومات رقمية أخرى مثل شركة «جوجل» فـي البحث عن سبل البقاء فـي بيئة رقمية منافسة لم تعد «جوجل» تملك فـيها صدارة التقدّم التقني، وهذا ما يوجهنا إلى أن نرى الأمور بمنظور أكثر شمولية يجمع بين البحث عن الفرص وبين مواجهة التحديات بوجود عنصر الحذر.
سيجد بعضنا أن لا علاقة بين التنافس المحتدم فـي ثورة الذكاء الاصطناعي -خصوصا فـي نطاقه التجاري- وبين مطالبتنا لتوسيع دائرة تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي فـي القطاعات الحكومية، ولكن ثمّة علاقة تتصل بمفهوم الفرص والتحديات؛ فنحن أيضا نخوض منافسة إقليمية ودولية لا نعفـي أنفسنا منها وفق قواعد التنافس النزيه المتعلق بقطاع البحث العلمي والتنمية الاقتصادية والتطبيقات الرقمية، ويأتي الذكاء الاصطناعي -فـي حاضرنا الرقمي- باعتباره أحد أهم عناصر هذا التنافس الذي نرى فـيه الفرص الكثيرة وفـي الوقت نفسه نلحظ التحديات الكثيرة. بات من السهل أن نلمح فرص الاندماج مع تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحديد تطبيقاتها ومواضع استعمالاتها فـي قطاعاتنا الوطنية، ولكن بعين راصدة أخرى لا ينبغي أن نغفل عن التحديات المصاحبة لهذه الفرص؛ لنتجنب معضلات تمس الجانب الأمني والاستثماري -المالي-؛ فمجاراتنا لتطويرات الذكاء الاصطناعي حاجة ملحة لا مناص من خوض غمارها حال أننا قبلنا بأن نكون جزءا من هذا العالم الرقمي وبلوغ مستويات التقدّم العلمي والاقتصادي الذي تؤكد الدراسات أنه منوط بنجاح الدول فـي الجانب التقني والرقمي، وهذا ما يشمل التفوّق العسكري؛ فما تزال مقولة الرئيس الروسي «بوتين» تتردد حين قال إن الذكاء الاصطناعي ومن يملكه ويتقن استعماله سيكون معيار القوة للدول، ويعبّر هذا التصريح عن واقع لا ينبغي أن نغفله أبدا.
سبق أن تحدثنا عن الفرص الممكنة لأنظمة الذكاء الاصطناعي واستعمالاتها فـي قطاعاتنا الوطنية، وسبق أن رصدنا مسارنا الرقمي فـي تبنّي سلطنة عُمان لكثير من هذه الفرص منها ما يمكن تصنيفه بأنه من التطبيقات المتقدمة مثل تفعيل دور الذكاء الاصطناعي ليكون أحد أهم المشغلات فـي القمر الصناعي العُماني الذي أطلقته سلطنة عُمان بداية شهر نوفمبر الجاري، وما زلنا نرصد الكثير من الإنجازات الرقمية فـي المسار الرقمي العُماني الذي يأتي فـي صوره التدريبية والتطبيقية، ولكن يظل سؤال -فـي عقلي- ملازما مفاده: أفعلا أننا فـي مسار جيد نقتنص فـيه الفرص الرقمية ونعمل بكفاءة عالية فـي عملية تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي فـي كل قطاعاتنا، وأننا على وعي عالٍ بالتحديات المتوازية لهذه الفرص؟ ولكي أكون أكثر موضوعيا فـي الجواب مع احتفاظي بإعجابي بمسارنا الرقمي الحالي؛ فأجيب أننا نبذل جهودا كبيرة نشكر القائمين عليها، ولكن فـي ظل المنافسة الإقليمية والدولية سنحتاج أن نتخلّص من التواضع الرقمي وعدم الاكتفاء بهذه المستويات؛ فنحن أمام تحديات كثيرة، وستزيد مع كل صعود وتيرة التطويرات الرقمية والتنافس الذي يحصل بين الدول على الصعيد العلمي والتجاري والعسكري، وسنحتاج إلى مضاعفة دائرة التفعيل للذكاء الاصطناعي على صعيد واسع ووفق معايير وطنية محضة؛ فنحتاج أولا إلى توسيع رقعة البرامج الرقمية وخصوصا الذكاء الاصطناعي لتبدأ من الناحية المعرفـية عبر مناهجنا المدرسية بشكل عميق دون أن تقل درجة عن بقيّة العلوم الرئيسة، وكذلك فـي البرامج الجامعية -هذه إحدى التوصيات الرئيسة التي أفرزها المؤتمر الدولي الرابع «الاتصال والإعلام وثورة الذكاء الاصطناعي: الحاضر والمستقبل» الذي اختتمت أعماله الأسبوع المنصرم فـي جامعة السلطان قابوس-، وينبغي أن ندفع بالمؤسسات الوطنية الرقمية الناشئة -الصغيرة والمتوسطة- لتكون ضمن عملية هذا التحول الرقمي الشامل والتفعيل الواسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي؛ لتكون هذه دعوة لدعم هذه المؤسسات العُمانية ودعمها ومشاركتها مشروعات التحول الرقمي بشكل أكبر عبر منحهم فرص المساهمة المباشرة فـي تشغيل الأنظمة الرقمية، وذلك لعدة أسباب أولها وأهمها ضمان أمن البيانات؛ فأهل البيت أحرص من غيرهم على حفظ خصوصية البيت وحمايته من الأخطار، وتحقيق أهداف اقتصادية تضمن الحركة المالية فـي النطاق الداخلي، وتعزيز الخبرات الوطنية التي بوجود البرامج التعليمية الرقمية والممارسة العملية لتشغيل الأنظمة التقنية المتقدمة سنتمكن من صناعة جيل قادم لا يواجه تحديات تراجع الفرص الوظيفـية لصالح الذكاء الاصطناعي الذي سيأخذ فرصا مهنية من الإنسان -بدأنا نلحظه فـي حاضرنا- مثل الترجمة والتنسيق والتحليل بما فـيه تحليل الفحوصات الطبية والأشعة والبرمجة وتصميم البرامج ومواقع الإنترنت والمراقبات الأمنية والصناعية، وفـي مستقبل أبعد -فـي حدود لا يقل عن 20 عاما- ستختفـي وظائف -لصالح الذكاء الاصطناعي- مثل قيادة السيارات والحافلات والطائرات والسفن والمناصب الإدارية الكبرى بما فـيها الإدارات التنفـيذية. تتعدد الفرص فـي حاضرنا وعلينا أن نسابق الزمن فـي تعلمها وتعليمها وتأسيس جيل قادر على التفاعل معها ومواجهة تحديات تخص أمن البيانات، وحوكمة الذكاء الاصطناعي وأخلاقياته، والتأقلم مع فرص مهنية أخرى مناسبة للإنسان تعيد تموضعه فـي سوق العمل دون أيّ تراجع فـي مواكبة الزحف الرقمي ودون أن يفقد الإنسان دوره المتجدد فـي الحياة. لا أجد أفضل من القطاعات الحكومية فـي توجيه هذه الرسالة للمسارعة فـي فهم هذه المتغيرات وضرورة تحديد الفرص الرقمية وصناعتها والأهم الوعي بالتحديات -التي ذكرناها آنفا- والاستعداد لمواجهتها؛ فنحن مع نهضتنا المتجددة نملك الإرادة والمقومات البشرية والمادية، وسننجح فـي عملية التفعيل الشامل للتحول الرقمي بإذن الله.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: تقنیات الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يوجه المسيّرات رغم العوائق الطبيعية
في مهمة لإطفاء حرائق الغابات في سلسلة جبال سييرا نيفادا، قد تجد طائرة مسيّرة ذاتية التحكم نفسها تواجه رياح «سانتا آنا» العاتية التي تهدد بإخراجها عن مسارها. التكيف السريع مع مثل هذه التقلبات الجوية غير المتوقعة أثناء الطيران يمثل تحديًا هائلًا لأنظمة التحكم في وضع الطيران الخاصة بهذه الطائرات.
ولمواجهة مثل هذه التحديات، طوّر باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «MIT» خوارزمية تحكم تفاعلي جديدة تعتمد على تقنيات تعلّم الآلة، قادرة على تقليل انحراف الطائرة عن مسارها المحدد حتى في مواجهة عوائق مفاجئة مثل هبوب الرياح.
وعلى عكس الطرق التقليدية، لا تتطلب هذه التقنية من المبرمج أن يكون على دراية مسبقة ببنية أو نمط هذه الاضطرابات. بدلاً من ذلك، يتعلم نموذج الذكاء الاصطناعي المستخدم في نظام التحكم كل ما يحتاجه من خلال بيانات ملاحظة تُجمع خلال 15 دقيقة فقط من الطيران.
الميزة الأبرز لهذه التقنية تكمن في أنها تحدد تلقائيًا خوارزمية التحسين الأمثل للتكيف مع هذه الاضطرابات، مما يعزز من دقة تتبع المسار. إذ تختار الخوارزمية الأنسب بحسب طبيعة الاضطرابات التي تواجهها الطائرة في كل حالة.
وقد درّب الباحثون نظامهم على تنفيذ هذين الأمرين معًا، التكيّف وتحديد الخوارزمية باستخدام تقنية تُعرف باسم التعلم الفوقي «meta-learning»، والتي تُعلّم النظام كيفية التكيّف مع أنواع مختلفة من الاضطرابات.
النتائج جاءت واعدة، إذ سجل النظام الجديد نسبة خطأ في تتبع المسار أقل بنسبة 50% مقارنة بالطرق التقليدية، سواء في المحاكاة أو في الظروف الحقيقية، كما أثبت كفاءته في التعامل مع سرعات رياح لم يسبق له مواجهتها أثناء التدريب.
يأمل الباحثون أن يُسهم هذا النظام مستقبلاً في تحسين كفاءة الطائرات المسيّرة في توصيل الطرود الثقيلة رغم الرياح القوية، أو في مراقبة المناطق المعرضة للحرائق في المحميات الطبيعية.
يقول نافيد عزيزيان، الأستاذ المساعد في قسم الهندسة الميكانيكية ومعهد البيانات والنظم والمجتمع «IDSS» بمعهد «MIT»، والباحث الرئيسي للدراسة: «قوة طريقتنا تكمن في التعلم المتزامن لمكونات النظام. من خلال الاستفادة من التعلم الفوقي، يتمكن نظامنا من اتخاذ قرارات تلقائية تحقق أفضل تكيف ممكن في وقت قصير».
شارك عزيزيان في إعداد الورقة البحثية كل من سونبوتشين تانغ، طالب دراسات عليا في قسم الطيران والفضاء، وهاويان صن، طالب دراسات عليا في قسم الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسوب. وقد عُرض البحث مؤخراً في مؤتمر «التعلم للديناميكيات والتحكم»
التعلم على التكيف
تتغير سرعات الرياح التي قد تواجهها الطائرة في كل رحلة، لكن من المفترض أن تبقى الشبكة العصبية ودالة الانحدار المستخدمة ثابتتين، لتجنّب إعادة التدريب في كل مرة.
لتحقيق هذه المرونة، اعتمد الباحثون على التعلم الفوقي، ودربوا النظام على مجموعة من سيناريوهات الرياح المختلفة أثناء مرحلة التدريب.
يوضح تانغ: «الهدف ليس فقط أن يتكيف النظام، بل أن يتعلم كيف يتعلم. عبر التعلم الفوقي، يمكننا إنشاء تمثيل مشترك من بيانات متعددة السيناريوهات بسرعة وكفاءة».
في التطبيق العملي، يقوم المستخدم بتغذية نظام التحكم بمسار الطيران المطلوب، ويقوم النظام بحساب قوة الدفع اللازم في الزمن الحقيقي لإبقاء الطائرة على المسار رغم أي اضطرابات جوية.
وقد أثبت النظام كفاءته سواء في المحاكاة أو في اختبارات حقيقية، حيث تفوق على جميع الطرق التقليدية في تتبع المسار، حتى في الظروف الجوية القاسية.
يضيف عزيزيان: «حتى عندما تجاوزت قوة الرياح مستويات لم نشهدها في التدريب، أثبتت تقنيتنا قدرتها على التعامل معها بكفاءة».
واللافت أن تفوق النظام على الطرق الأخرى ازداد كلما زادت شدة الرياح، مما يدل على قدرته على التكيف مع البيئات الصعبة.
ويجري الفريق الآن تجارب ميدانية على طائرات مسيّرة حقيقية لاختبار النظام في مواجهة ظروف جوية متنوعة.
كما يسعى الفريق لتوسيع قدرات النظام ليتعامل مع اضطرابات متعددة المصادر في وقت واحد. فعلى سبيل المثال، تغير سرعة الرياح قد يغيّر من توزيع وزن الحمولة أثناء الطيران، خصوصاً عند حمل مواد سائلة.
كما يطمح الباحثون إلى تطوير خاصية التعلم المستمر، بحيث يتمكن النظام من التكيف مع اضطرابات جديدة دون الحاجة إلى إعادة تدريبه على البيانات السابقة.
وفي تعليق على البحث، قال بروفيسور باباك حسّیبي من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا «Caltech»، والذي لم يشارك في المشروع: «نجح نافيد وزملاؤه في الجمع بين التعلم الفوقي والتحكم التكيفي التقليدي، لتعلم الخصائص غير الخطية من البيانات. واستخدامهم لخوارزميات الانحدار المرآتي مكّنهم من استغلال البنية الجيومترية الكامنة للمشكلة بشكل لم تفعله الطرق السابقة. وهذا العمل قد يساهم بشكل كبير في تصميم أنظمة ذاتية التشغيل تعمل بكفاءة في بيئات معقدة وغير مؤكدة».
وقد حصل هذا البحث على دعم من عدة جهات، منها شركة «MathWorks»، ومختبر «MIT-IBM Watson» للذكاء الاصطناعي، ومركز «MIT-Amazon» للعلوم، وبرنامج «MIT-Google» للابتكار في الحوسبة.