بعد عقود من العصا فقط.. لماذا تستخدم إيران الجزر مع العرب؟
تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT
بعد عقود من استخدام العصا فقط، شرعت إيران في الاعتماد على الجزر ضمن استراتيجية جديدة للتعامل مع جيرانها العرب الخائفين من أن الولايات المتحدة لن توفر لهم الحماية المطلوبة، لكن واشنطن يمكن أن ترد على طهران بتسهيل تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.
ذلك ما خلص إليه كينيث بولاك، في تحليل بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية (Foreign Policy) ترجمه "الخليج الجديد"، مضيفا أنه "منذ ثورة 1979، حاولت القيادة الإيرانية الهيمنة على الشرق الأوسط وطرد الولايات المتحدة وإسرائيل".
وتتهم دول خليجية وأخرى إقليمية وغربية، في مقدمتها السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة، إيران بامتلاك أجندة توسعية في المنطقة، والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية بينها اليمن ولبنان والسوريا والعراق، بينما تقول طهران إنها تلتزم بمبادئ حُسن الجوار.
وأردف بولاك أن "طهران اعتمدت بشكل كبير على العصا التي يضرب بها المثل عبر محاولة تخريب الدول العربية بالابتزاز أو التمرد، بينما تشن حملة إرهابية لا هوادة فيها ضد الولايات المتحدة وإسرائيل".
وتابع: "في حين أن هذه الأهداف لم تتغير، يبدو أن الإيرانيين قد غيروا استراتيجيتهم الكبرى بطريقة أساسية، ففجأة اكتشفت إيران أن الجزر يمكن أن يكون أدوات مفيدة للسياسة الخارجية أيضا".
اقرأ أيضاً
مواجهة شطرنج عسكرية.. حسابات إسرائيلية معقدة لمهاجمة إيران
حوافز إيرانية
و"في كل مكان تقريبا تقدم طهران الآن حوافز إيجابية للتعاون وتقلص في الغالب من تكتيكاتها القوية، والسؤال الذي يواجه الولايات المتحدة الآن هو كيفية تعديل سياستها في المقابل"، بحسب بولاك.
وأوضح أنه توجد أمثلة عديدة على التحول في إيران، منها صفقة إعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية بوساطة الصين، وقبلها استئناف العلاقات مع الإمارات، التي انسحبت من التحالف البحري في الخليج العربي، بقيادة الولايات المتحدة، ووافقت على الانضمام إلى تحالف منافس مع إيران.
وتابع: "حتى أنهم (الإيرانيون) بدأوا مناقشات هادئة مع البحرين، التي لم تغفر حكومتها لإيران (ذات أغلبية شيعية) محاولات مختلفة لتأجيج ثورة الأغلبية الشيعية في البلاد، كما أن لدى إيران اتفاق تنمية جديد مع سلطنة عمان وتطبيع العلاقات مع مصر".
و"بالمثل، استأنف الإيرانيون المحادثات مع تركيا (وروسيا ونظام الأسد في سوريا) لإيجاد حل لمشاكلهم المشتركة في العراق وسوريا، ولديهم ترتيب جديد لمقايضة النفط مقابل الغاز مع العراق، حيث يسيطر حلفاؤهم على الحكومة"، كما أضاف بولاك.
واعتبر أن "الأكثر إثارة للدهشة هو أن إيران اقترحت منتدى إقليميا بدون الولايات المتحدة أو إسرائيل (...) وأنهى وزير الخارجية الإيراني لتوه جولة في أربع دول بالخليج نالت استحسان الإيرانيين".
واستدرك: في الوقت نفسه "لا يمكن لطهران تماما تجنب الخلافات مع الكويت حول حقل غاز مشترك (الدرّة في شمال غربي مياه الخليج العربي)، ومع الإمارات حول ثلاث جزر استولى عليها الشاه (1971) قبل سقوطه، ومع السعوديين بشأن استمرار تزويد الحوثيين بالأسلحة في اليمن (جار المملكة)".
اقرأ أيضاً
في واشنطن وتل أبيب والرياض.. عقبات أمام التطبيع بين السعودية وإسرائيل
أمريكا وإسرائيل
مع ذلك، بحسب بولاك، فإن "كل هذا السلام والمحبة والصداقة من جانب الإيرانيين مع جيرانهم لم يمتد إلى الولايات المتحدة و(حليفتها) إسرائيل، إذ يواصلون استخدام العصا قدر استطاعتهم". وتعتبر كل من إسرائيل وإيران الدولة الأخرى العدو الأول لها.
وأضاف أن "البحرية الإيرانية تواصل مضايقة السفن الأمريكية في الخليج، وهاجمت أو احتجزت ناقلات النفط المرتبطة بالولايات المتحدة أو إسرائيل خمس مرات على الأقل في الأشهر الستة الماضية".
وتابع: "كثف الإيرانيون دعمهم لمختلف الجماعات الإرهابية الفلسطينية (المقاومة)، وكثف حلفاؤهم ووكلائهم من بين الميليشيات الشيعية في العراق من مضايقاتهم للقوات الأمريكية هناك. وبجانب حلفائهم السوريين والروس، يفعل الإيرانيون الشيء نفسه في سوريا".
ومنذ حرب 5 يونيو/ حزيران 1967، تحتل إسرائيل أراضٍ عربية في كل من فلسطين وسوريا ولبنان.
واعتبر بولاك أنه "حتى إطلاق سراح السجناء بين الولايات المتحدة وإيران (صفقة مرتقبة) يبدو أنه يتعلق بحاجة إيران الماسة إلى المال (أرصدة إيرانية مجمدة في الخارج) أكثر من أي مصلحة في انفراج حقيقي".
اقرأ أيضاً
صراع الخليج يتفاقم.. أمريكا تحشد عسكريا وإيران تستعرض صاروخيا
فك ارتباط
و"يبدو أن طهران وجدت فرصة في ظل فك ارتباط الولايات المتحدة المستمر بشؤون الشرق الأوسط في عهد الرؤساء باراك أوباما ودونالد ترامب والآن بدرجة أقل جو بايدن"، كما تابع بولاك.
وأردف: "كل حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة مرعوبون من أنها لن تحميهم بعد الآن من التخريب الإيراني أو حتى العدوان المباشر".
وزاد بأنه "على مدى السنوات العديدة الماضية، شعر حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بالحاجة إلى تقليل اعتمادهم على الولايات المتحدة والبحث عن أصدقاء جدد وداعمين محتملين، وكان هذا مصدر موجة من المغازلة مع الصين وروسيا والهند وبعض الدول الأوروبية، وقد تهدف إيران إلى الاستفادة من هذا الوضع".
وقال إنه "بينما يبدو الأمريكيين أقل اهتماما بالشرق الأوسط، فإن روسيا مقيدة في (حربها ضد) أوكرانيا (منذ 24 فبراير/ شباط 2022)، ولا تزال الصين تفتقر إلى القوة العسكرية لتولي زمام الأمور".
و"الآن، الرجل الإقليمي القوي اللطيف (إيران) يبدو جذابا للدول العربية الخائفة، وهذا هو السبب في أن هجوم السحر الإيراني الجديد أثبت فعاليته حتى الآن"، بحسب بولاك.
اقرأ أيضاً
تنويع أمن وزيادة نفوذ وخرق لعزلة.. مكاسب للرياض وبكين وطهران
تطبيع محتمل
وبالنسبة لإسرائيل، قال بولاك إن "تصعيد الصراع معها يساعد إيران على وضع الدول العربية في معضلة أكثر حدة: يمكنك إما الانضمام إلينا والحصول على السلام والتجارة أو الانضمام إلى إسرائيل وخوض الحرب".
وتابع أنه "مع وجود حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة مصممة على العمل ضد الفلسطينيين بطرق بغيضة، فإن بعض الابتعاد عن إسرائيل له فوائده بالنسبة للعديد من الأنظمة العربية".
ورأى أن "أكثر ما تخشاه إيران هو المصالحة بين الولايات المتحدة وحلفائها العرب، والمزيد من التقارب بينهم وبين إسرائيل. ويشير النهج الاستراتيجي الجديد إلى أن طهران أدركت أخيرا أن تنمرها يوحد خصومها معا، ومن هنا جاء التركيز الجديد على تفريقهم من أجل الانتصار".
بولاك أردف أن "إدارة بايدن محقة في أن تطبيع العلاقات المحتمل بين إسرائيل والسعودية سيكون خطيرا على إيران وربما مفيدا جدا للولايات المتحدة، فالجمع بين أقوى جيش إقليمي وأقوى اقتصاد عربي سيشكل عقبة رهيبة أمام المزيد من العدوان الإيراني، ولهذا يعمل الإيرانيون بجد لمغازلة السعوديين والدول العربية الأخرى ولإبعادهم عن الإسرائيليين والولايات المتحدة".
ويتردد إعلاميا أن الرياض عرضت على واشنطن إمكانية التطبيع مع تل أبيب مقابل حصول السعودية على اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة وأسلحة متطورة ودعم لبرنامج نووي مدني، إلى جانب تنازلات إسرائيلية للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة.
ولا ترتبط السعودية بعلاقات رسمية معلنة مع إسرائيل، وترهن الأمر بموافقة الأخيرة على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة منذ 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين.
((5))
المصدر | كينيث بولاك/ فورين بلوليسي- ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: إيران علاقات الدول العربية إسرائيل الولايات المتحدة الولایات المتحدة اقرأ أیضا
إقرأ أيضاً:
متى تتراجع الولايات المتحدة؟
لم تُعرف الولايات المتحدة يوما بتقديم تنازلات سياسية أو إنسانية طوعية، لا تجاه الشعوب ولا حتى تجاه حلفائها. سياستها الخارجية قائمة على منطق الهيمنة، واستخدام كل أدوات الضغط: الحروب، والحصار، والانقلابات، والقواعد العسكرية، والإعلام، والابتزاز الاقتصادي، والاغتيالات. ومع ذلك، يعلّمنا التاريخ الحديث أن هذا الوحش الجبّار لا يعرف الانحناء إلا إذا كُسرت إحدى أذرعه، ولا يتراجع خطوة إلا إذا أُجبر على التراجع.
من فيتنام إلى العراق، ومن أفغانستان إلى غزة واليمن.. أمريكا لا تفاوض إلا تحت النار، ولا تعترف بالخصم إلا إذا فشلت في سحقه.
في غزة.. قنابل أمريكا لا تنتصر
منذ أكثر من عام ونصف، تشنّ إسرائيل حرب إبادة على قطاع غزة، بدعم مباشر من أمريكا عسكريا وسياسيا. مئات آلاف القنابل أُلقيت على السكان المدنيين، عشرات آلاف الشهداء، وتجويع وتدمير ممنهج، ومع ذلك لم تُحقق إسرائيل أيا من أهدافها العسكرية: لا القضاء على حماس، ولا تحرير الأسرى، ولا إعادة السيطرة على غزة.
صمود المقاومة مستمر، والقدرة القتالية لم تنهَر، بل أُعيد تنظيمها رغم شدة الضربات.
الدعم الأمريكي بلغ ذروته: حاملات طائرات، جسر جوي عسكري، فيتو سياسي، ومع ذلك.. الفشل واضح.
ثم جاءت لحظة الاعتراف: "أمريكا تفاوض حماس!" الصفعة الكبرى لهيبة أمريكا جاءت عندما بدأت واشنطن، عبر مدير "CIA" وغيره من الوسطاء، التفاوض غير المباشر مع حماس نفسها -من كانت تصفها بالإرهاب المطلق- بهدف تحرير أسير أمريكي لدى المقاومة.
هنا انكسر القناع: من تقصفه بالصواريخ وبالفيتو، تجلس إليه لتفاوضه من أجل رهينة أمريكية واحدة! وكأن أرواح آلاف الفلسطينيين لا تهم.
وفي اليمن.. من نار الحرب إلى موائد التفاوض
1- الدعم الأمريكي لحرب اليمن: منذ انطلاق "عاصفة الحزم" في 2015، دعمت الولايات المتحدة التحالف السعودي- الإماراتي سياسيا وعسكريا ولوجستيا، عبر صفقات سلاح ضخمة، وتزويد الطائرات بالوقود، وتوفير الغطاء الدولي في مجلس الأمن. الحرب أدّت إلى أكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث، قُتل فيها عشرات الآلاف من المدنيين، ودُمرت البنية التحتية، وفُرض حصار خانق على الشعب اليمني. ورغم كل هذه الأدوات، لم تستطع أمريكا ولا حلفاؤها القضاء على أنصار الله (الحوثيين) ولا السيطرة على الشمال اليمني. بل على العكس، تطورت قدرات الحوثيين لتصل إلى ضرب العمق السعودي والإماراتي، واستهدفت حتى مواقع استراتيجية في أبو ظبي والرياض.
الحصيلة: القوة المفرطة والنتائج الهزيلة.
2- فشل الاستراتيجية الأمريكية وتحول الموقف: مع تراكم الفشل، والانقسام داخل التحالف، والضغوط الحقوقية والإعلامية العالمية، بدأت أمريكا تغير خطابها، وانتقلت من مربع "دعم الحرب" إلى مربع "الدعوة للسلام"، ومن تصنيف الحوثيين كـ"إرهابيين" إلى التفاوض معهم بشكل غير مباشر. تراجعت واشنطن، ودعمت اتفاقيات الهدنة، وبدأت تروج لخطاب "إنهاء الحرب" حفاظا على ماء وجهها، في وقتٍ لم تحقق فيه أية نتائج استراتيجية تبرر كل هذا الدمار والدماء.
3- التفاوض مع الحوثيين بعد التجاهل والتصنيف: من كانت أمريكا تنكر شرعيتهم وتدعو لعزلهم، باتت ترسل عبر وسطاء من سلطنة عمان رسائل تفاوضية مباشرة، بل وتضغط على السعودية للقبول باتفاقات طويلة المدى معهم، بعد أن فشلت في إخضاعهم بالقوة. هذا التراجع لا يعكس تغيرا في المبادئ، بل هو ترجمة عملية لفشل الخيارات العسكرية، وكأن أمريكا تقول: "نحن لا نتحدث معكم إلا إذا فشلنا في سحقكم"، وهذا ما حدث.
أفغانستان والعراق
في أفغانستان: بعد 20 عاما من الاحتلال، وإنفاق تريليونات الدولارات، انسحبت أمريكا ذليلة من كابل، ووقّعت اتفاقية مع "طالبان"، بعد أن فشلت في إنهائها رغم كل التفوق الجوي والتكنولوجي.
وفي العراق: رغم الاحتلال الشامل، ما زالت أمريكا غير قادرة على فرض إرادتها السياسية كاملة، واضطرت إلى الانسحاب جزئيا، بينما تتعرض قواعدها لضربات متواصلة حتى اليوم.
ما الذي نتوقعه؟
من المقاومة:
- الثبات والتطوير.
- عدم الاستسلام للضغوط الدولية.
- تطوير أدوات المقاومة، إعلاميا وعسكريا.
- فضح التناقض في المواقف الأمريكية أمام العالم.
- استخدام كل انتصار ميداني لفرض وقائع سياسية جديدة.
من الشعوب:
- كسر الوهم الأمريكي.
- فضح الهيمنة الأمريكية بوصفها مصدر الحروب والفقر في منطقتنا.
- دعم قضايا التحرر لا كـ"تضامن إنساني" بل كـ"صراع وجودي".
- الضغط على الحكومات المتواطئة، ورفض كل تطبيع أو اصطفاف مع واشنطن.
ومن الحكومات:
- عدم الثقة بالقاتل.
- من يتخلى عن عملائه في كابل وبغداد لن يدافع عنكم إن حانت لحظة الحقيقة.
- الاعتماد على القوة الذاتية والشراكات العادلة، لا على الوعود الأمريكية.
- دعم المقاومة لا يضعف الأمن، بل يُعزز التوازن ويمنع الانهيار الكلي أمام إسرائيل.
الخلاصة: ما جرى ويجري في فيتنام، والعراق، وأفغانستان، وغزة، واليمن؛ يؤكد نفس المعادلة: أمريكا لا تتراجع إلا إذا عجزت عن التقدم خطوة أخرى. فما تسميه "تفاوضا" هو غالبا نتيجة لهزيمة ميدانية أو مأزق سياسي لا مخرج منه إلا ببوابة من كانت تحاربه، بينما التوسل إلى "عدالة واشنطن" هو وهْم سقط في كل الميادين.