صدرت عن دار (الآن ناشرون وموزِّعون) في عَمَّان رواية «البيرق: هَبوب الريح» للكاتبة العُمانيّة شريفة التوبي. والرواية هي الجزء الثالث والأخير من ثلاثية «البيرق» للكاتبة، بعد جُزأيها الأول «حارة الوادي» والثاني «سُراة الجبل».

تقدِّم الرواية بأجزائها الثلاثة مرحلة مهمَّة من تاريخ عُمان السياسي والاجتماعي، وتعرض فيها الكاتبة المسار التاريخي لانتقال عُمان من حكم الإمامة الديني إلى حكم السَّلطَنة، وما شهده ذلك الانتقال من أحداث وصراعات دامية، رافقتها تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية مهمّة تركت أثرها العميق في المجتمع العُماني.

صوّرت الكاتبة في الجزء الأول من «البيرق» مقاومةَ سكّان حارة الوادي للوجود البريطاني الذي كان يفرض سيطرته على البلاد، ومناصرتَهم لحكم الإمام، في صراع غير متكافئ، تمخّضت عنه معاناة قاسية لأهل الوادي. ورصدت في الجزء الثاني من الثلاثية «سُراة الجبل» أحداث الفترة التي سمَّاها المؤرخون «حرب الجبل»، والتي دارت في المرحلة الزمنية «1956- 1959».

وتستكمل الكاتبة في الجزء الثالث «هَبوب الرِّيح» أحداثَ هذا المسار التاريخي الذي شهد ولادة مقاومة وطنية ذاتِ توجهات ثورية (قومية وماركسية)، وهي مواجهة انتهت أيضًا إلى الهزيمة والنكوص لأسباب تتعلق باختلال موازين القوى بين الطرفين. فقد بدت الحركة الوطنية وكأنها تحمل مزيجًا أيديولوجيّا أُملِيَ من الخارج، ولم تنتجه خصوصية الواقع الاجتماعي والثقافي العماني.

وإضافة إلى الأهمية الفائقة التي تحملها الرواية على المستويين السياسي والتاريخي، تُسَلِّط الكاتبة الضوء «على الجانب المجتمعي، ودور البسطاء والمهمَّشين الذين طحنتهم رحى الحرب، فدفعوا الثمن غاليًا من أرواحهم وحياتهم، رغم عدم إدراكهم للكثير من أسباب الحرب التي فتحوا صدورهم لنيرانها». وهنا تبرز قيمة هذه الرواية بوصفها حافظة أو ذاكرة تاريخية تسجِّل.

وتُوَثِّق الكثير من الجوانب والمشاهد والتفاصيل الشعبية الدقيقة عن المجتمع العُماني في رحلة انتقاله وتطوره من المجتمع التقليدي إلى جوّ الحداثة والانطلاق الحضاري الموعود.

يضاف إلى ذلك ما قدّمته الرواية من مُنجَز فنِّيٍّ جماليٍّ مرموق، يستحق وقفة خاصة للحديث عن أبعاده ودلالاته. فمن سِحر عُمان التي لا تبوح بأسرارها إلّا لعاشق وفيّ، تأخذنا الروائيّة المبدعة شريفة التّوبي في رحلة فاتنة عبر دروب حارة الوادي وبيوتها، تحكي لنا آلامَها وآمالَها، وأحلامَ نسائها ورجالها. نسمع في جنَباتها أهازيجَ الأطفال، وعزيفَ أشباح الجنّ في ليالي أزقتها المعتمة، قبل أن ينفتح المكان وتتشظّى مصائر الحالمين بين بلاد وأمكنة عديدة (البحرين والسعودية ودبي والكويت ومصر...) في بادرة انتقالٍ رمزيٍّ خجول، من مجتمع قديم جامد إلى لحظة حداثة واعدة.

تقدَّم الكاتبة في روايتها سردًا ممتِعًا لأحداثٍ مثيرةٍ صنعها رجال ونساء لامست بصائرَهم رؤى التغيير، فحلموا بالعبور بوطنهم من مستنقع الركود والعطالة إلى أرضٍ جديدة يُشرِق عليها نور الحريّة والتقدُّم والعدالة. وتَعرض ذلك كلَّه بأساليب فنية متنوعة تشِي بخصوصية التفرد والنكهة المحلية وتمازج اللغات واللهجات والأغاني.

تبدع الكاتبة عبر هذا السرد المتموِّج نصًّا جميلًا شديد الإغراء للقارئ الذي لا يعرف الكثير عن بلاد عُمان المُلَفَّعَة بسحرها الخاصّ. ويكتمل به عِقد الثلاثية البهيّ الذي توالى في ثلاث جواهر سرديّة: (حارة الوادي، وسُراة الجبل، وهَبوب الريح)، إذ تمضي الأحداث إلى مصائرها، لا كما رسمتها أحلام أبطالها الشُّجعان، بل حسب مشيئة التاريخ والواقع بقوانينهما الحتمية الصارمة. لكنّ الكاتبة تترك نافذة مفتوحة على المستقبَل، وتحمل في خاتمة الرواية المُعَبِّرة رسالة أمل وخير ورجاء رغم الألم الكبير. فحين خيّم حسّ الموت، كان يُسمَع هناك صوت صراخ طفل وليد ينبعث من بيت يلفُّه الحزن في حارة الوادي.

عملٌ معماريٌّ ملحميُّ السِّمات، يقف وراءه الكثير من الجهد والصبر والمكابدة والغوص الذكيّ في أعماق التاريخ وأسرار الزمان والمكان. ورواية جديرة بأن تُحَقِّق المتعة للقارئ الشَّغوف، وأن تحوز منه الكثير من الحبّ والإعجاب.

نزار فلّوح كاتب سوري

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حماس ترفض تقرير العفو الدولية وتتهمه بتبني الرواية الإسرائيلية

رفضت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الخميس، تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر في وقت سابق الخميس واتهم فصائل فلسطينية مسلحة بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" خلال هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. 

واعتبرت الحركة أن التقرير يستند إلى رواية الاحتلال الإسرائيلي ويتضمن مغالطات وتناقضات جوهرية، في وقت يواصل فيه الاحتلال التغطية على جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها في قطاع غزة منذ اندلاع الحرب.

حماس: تقرير العفو "مغلوط ومشبوه"
قالت حماس في بيان رسمي إنها ترفض "بشدة" ما ورد في تقرير منظمة العفو الدولية، معتبرة أنه "يزعم ارتكاب المقاومة الفلسطينية جرائم خلال عملية طوفان الأقصى"، وأنه يتجاهل الحقائق التي وثقتها منظمات حقوقية، بعضها إسرائيلية. 

وأكدت الحركة أن التقرير "مغرض ومشبوه" ويحتوي على "مغالطات وتناقضات" تتناقض مع ما أثبتته تسجيلات ووثائق وتحقيقات ميدانية.

وأشارت الحركة إلى أن بعض مزاعم العفو الدولية، مثل "تدمير مئات المنازل والمنشآت"، ثبت أنها وقعت بفعل القوات الإسرائيلية نفسها عبر القصف الجوي والبري. 

كما أوضحت أن "الادعاء بقتل المدنيين" يناقض تقارير عدة أكدت أن جيش الاحتلال هو من قتلهم في إطار تطبيقه "بروتوكول هانيبال" الذي يجيز إطلاق النار على الإسرائيليين لمنع أسرهم.

اتهامات بالاستناد إلى رواية الاحتلال
ورأت الحركة أن ترديد التقرير "أكاذيب الاحتلال" حول العنف الجنسي والاغتصاب وسوء معاملة الأسرى يؤكد أن الهدف الحقيقي هو "التحريض وتشويه المقاومة"، مشيرة إلى أن "العديد من التحقيقات الدولية" سبق أن فندت تلك الادعاءات. 

وشددت حماس على أن "تبني منظمة العفو لهذه المزاعم يضعها في موقع المتواطئ مع الاحتلال، ومحاولاته شيطنة الشعب الفلسطيني ومقاومته الشرعية".

وطالبت الحركة المنظمة الدولية بالتراجع عن التقرير "غير المهني" ورفض الانجرار خلف الرواية الإسرائيلية الهادفة – بحسب البيان – إلى طمس حقيقة جرائم الإبادة الجماعية التي تحقق فيها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.


غياب المنظمات الدولية عن غزة
وأكدت حماس أن حكومة الاحتلال منعت منذ الأيام الأولى للحرب دخول المنظمات الدولية وفرق الأمم المتحدة إلى قطاع غزة، كما حظرت وصول فرق التحقيق المستقلة إلى مسرح الأحداث. 

وأوضحت أن "الحصار المفروض على الشهود والأدلة" يجعل أي تقارير تصدر عن جهات خارج القطاع "غير مكتملة ومنقوصة"، ويحول دون الوصول إلى تحقيق مهني يعتمد على الحقائق الميدانية.

تقرير العفو الدولية
وكانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت في وقت سابق الخميس تقريرا موسعا من 173 صفحة، اتهمت فيه فصائل فلسطينية – وفي مقدمتها حماس – بارتكاب "انتهاكات للقانون الدولي الإنساني وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، خلال هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر أو ما تلاه من احتجاز وإساءة معاملة للرهائن.

وجاء في التقرير أن الفصائل الفلسطينية "واصلت ارتكاب الانتهاكات" عبر احتجاز الرهائن وسوء معاملتهم، واحتجاز جثامين تم الاستيلاء عليها، مشيرا إلى أن "قتل أكثر من 1221 شخصا في إسرائيل" – وفق تصنيف المنظمة – يرقى إلى "جريمة إبادة ضد الإنسانية".

كما تضمن التقرير اتهامات بالاغتصاب والعنف الجنسي، رغم أن المنظمة أقرت بأنها لم تتمكن من توثيق سوى "حالة واحدة فقط"، الأمر الذي حال دون تقدير حجم الانتهاكات المزعومة بدقة.

إبادة إسرائيلية في غزة
وفي المقابل، تجاهل تقرير العفو الدولية – بحسب حماس – حجم الجرائم التي ارتكبها الاحتلال منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حين شن حرب إبادة جماعية على قطاع غزة خلفت أكثر من 70 ألف شهيد فلسطيني، وما يزيد على 171 ألف جريح، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب تدمير 90 بالمئة من البنية التحتية المدنية وتهجير معظم سكان القطاع قسرا.

وأفرجت حماس خلال مراحل اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عن جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء لديها، إضافة إلى تسليم جثامين المتوفين، باستثناء أسير واحد قالت إنها ما تزال تبحث عنه.

مقالات مشابهة

  • فلنغير العيون التي ترى الواقع
  • عمرو أديب: السنوات القادمة ستشهد الكثير من الأحداث والتغيرات المهمة سياسيا بمصر
  • برج السرطان حظك اليوم السبت 13 ديسمبر 2025… كشف الكثير من الحقائق
  • استياء واسع بعد أعمال غير منظمة في دوار حارة القطيفات بالطفيلة
  • الدفاع المدني يواصل إخماد حريق حارة حريك
  • حماس: تقرير العفو الدولية مغلوط ويتبنى الرواية الإسرائيلية
  • حماس ترفض تقرير العفو الدولية وتتهمه بتبني الرواية الإسرائيلية
  • هل كنا في السماء؟.. اعتراف إيراني يهزّ رواية إسقاط مقاتلات إف-35 الإسرائيلية
  • ابن سائق محمد صبحي يقلب الرواية المتداولة رأسًا على عقب .. تفاصيل
  • المكتب الإعلامي في غزة يفند رواية السفير الأمريكي: أرقام المساعدات تكشف حصارا ممنهجا لا تدفقا يوميا