الواقع والحلم والتاريخ في رواية «البيرق: هبوب الريح» لشريفة التوبي
تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT
صدرت عن دار (الآن ناشرون وموزِّعون) في عَمَّان رواية «البيرق: هَبوب الريح» للكاتبة العُمانيّة شريفة التوبي. والرواية هي الجزء الثالث والأخير من ثلاثية «البيرق» للكاتبة، بعد جُزأيها الأول «حارة الوادي» والثاني «سُراة الجبل».
تقدِّم الرواية بأجزائها الثلاثة مرحلة مهمَّة من تاريخ عُمان السياسي والاجتماعي، وتعرض فيها الكاتبة المسار التاريخي لانتقال عُمان من حكم الإمامة الديني إلى حكم السَّلطَنة، وما شهده ذلك الانتقال من أحداث وصراعات دامية، رافقتها تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية مهمّة تركت أثرها العميق في المجتمع العُماني.
صوّرت الكاتبة في الجزء الأول من «البيرق» مقاومةَ سكّان حارة الوادي للوجود البريطاني الذي كان يفرض سيطرته على البلاد، ومناصرتَهم لحكم الإمام، في صراع غير متكافئ، تمخّضت عنه معاناة قاسية لأهل الوادي. ورصدت في الجزء الثاني من الثلاثية «سُراة الجبل» أحداث الفترة التي سمَّاها المؤرخون «حرب الجبل»، والتي دارت في المرحلة الزمنية «1956- 1959».
وتستكمل الكاتبة في الجزء الثالث «هَبوب الرِّيح» أحداثَ هذا المسار التاريخي الذي شهد ولادة مقاومة وطنية ذاتِ توجهات ثورية (قومية وماركسية)، وهي مواجهة انتهت أيضًا إلى الهزيمة والنكوص لأسباب تتعلق باختلال موازين القوى بين الطرفين. فقد بدت الحركة الوطنية وكأنها تحمل مزيجًا أيديولوجيّا أُملِيَ من الخارج، ولم تنتجه خصوصية الواقع الاجتماعي والثقافي العماني.
وإضافة إلى الأهمية الفائقة التي تحملها الرواية على المستويين السياسي والتاريخي، تُسَلِّط الكاتبة الضوء «على الجانب المجتمعي، ودور البسطاء والمهمَّشين الذين طحنتهم رحى الحرب، فدفعوا الثمن غاليًا من أرواحهم وحياتهم، رغم عدم إدراكهم للكثير من أسباب الحرب التي فتحوا صدورهم لنيرانها». وهنا تبرز قيمة هذه الرواية بوصفها حافظة أو ذاكرة تاريخية تسجِّل.
وتُوَثِّق الكثير من الجوانب والمشاهد والتفاصيل الشعبية الدقيقة عن المجتمع العُماني في رحلة انتقاله وتطوره من المجتمع التقليدي إلى جوّ الحداثة والانطلاق الحضاري الموعود.
يضاف إلى ذلك ما قدّمته الرواية من مُنجَز فنِّيٍّ جماليٍّ مرموق، يستحق وقفة خاصة للحديث عن أبعاده ودلالاته. فمن سِحر عُمان التي لا تبوح بأسرارها إلّا لعاشق وفيّ، تأخذنا الروائيّة المبدعة شريفة التّوبي في رحلة فاتنة عبر دروب حارة الوادي وبيوتها، تحكي لنا آلامَها وآمالَها، وأحلامَ نسائها ورجالها. نسمع في جنَباتها أهازيجَ الأطفال، وعزيفَ أشباح الجنّ في ليالي أزقتها المعتمة، قبل أن ينفتح المكان وتتشظّى مصائر الحالمين بين بلاد وأمكنة عديدة (البحرين والسعودية ودبي والكويت ومصر...) في بادرة انتقالٍ رمزيٍّ خجول، من مجتمع قديم جامد إلى لحظة حداثة واعدة.
تقدَّم الكاتبة في روايتها سردًا ممتِعًا لأحداثٍ مثيرةٍ صنعها رجال ونساء لامست بصائرَهم رؤى التغيير، فحلموا بالعبور بوطنهم من مستنقع الركود والعطالة إلى أرضٍ جديدة يُشرِق عليها نور الحريّة والتقدُّم والعدالة. وتَعرض ذلك كلَّه بأساليب فنية متنوعة تشِي بخصوصية التفرد والنكهة المحلية وتمازج اللغات واللهجات والأغاني.
تبدع الكاتبة عبر هذا السرد المتموِّج نصًّا جميلًا شديد الإغراء للقارئ الذي لا يعرف الكثير عن بلاد عُمان المُلَفَّعَة بسحرها الخاصّ. ويكتمل به عِقد الثلاثية البهيّ الذي توالى في ثلاث جواهر سرديّة: (حارة الوادي، وسُراة الجبل، وهَبوب الريح)، إذ تمضي الأحداث إلى مصائرها، لا كما رسمتها أحلام أبطالها الشُّجعان، بل حسب مشيئة التاريخ والواقع بقوانينهما الحتمية الصارمة. لكنّ الكاتبة تترك نافذة مفتوحة على المستقبَل، وتحمل في خاتمة الرواية المُعَبِّرة رسالة أمل وخير ورجاء رغم الألم الكبير. فحين خيّم حسّ الموت، كان يُسمَع هناك صوت صراخ طفل وليد ينبعث من بيت يلفُّه الحزن في حارة الوادي.
عملٌ معماريٌّ ملحميُّ السِّمات، يقف وراءه الكثير من الجهد والصبر والمكابدة والغوص الذكيّ في أعماق التاريخ وأسرار الزمان والمكان. ورواية جديرة بأن تُحَقِّق المتعة للقارئ الشَّغوف، وأن تحوز منه الكثير من الحبّ والإعجاب.
نزار فلّوح كاتب سوري
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
نيوكاسل يصدم ليفربول.. صفقة إيزاك في مهب الريح
معتز الشامي (أبوظبي)
أخبار ذات صلةلم يدخر ليفربول جهداً، وقدّم عرضاً تجاوز 160 مليون دولار لضم ألكسندر إيزاك، في صفقة كانت ستعد من أغلى الصفقات في تاريخ النادي، ولكن في خطوة فاجأت الكثيرين، رفض نيوكاسل يونايتد العرض جملة، حيث لا ينوي بيع المهاجم الذي يتبقى له 3 سنوات في عقده، وهو غير مستعد للتخلي عن نجمه دون وجود بديل جاهز من الطراز الرفيع. وكان موقف نيوكاسل واضحاً، من أن إيزاك لن يغادر هذا الصيف على الأقل من دون ضمانات بوجود بديل، حتى مع هذا العرض المذهل، مما يُعطي مشروعهم الرياضي الأولوية على حساب المال، ومع قلة الخيارات المتاحة في سوق المهاجمين في هذه المرحلة، رفض النادي أن يُغامر. ورغم الرفض، يتزايد الضغط خلف الكواليس، وتقول مصادر مقربة من اللاعب إن إيزاك يرغب في الرحيل، ويُقال إن المهاجم السويدي حريص جداً على الانضمام إلى ليفربول، حيث أصبح محور مشروع آرني سلوت الجديد في حقبة ما بعد كلوب. ولم يسافر إيزاك مع نيوكاسل في جولة ما قبل الموسم الآسيوي، وعزا النادي غيابه إلى إصابة طفيفة في الفخذ، لكن اللاعب أبلغهم برغبته في استكشاف خياراته هذا الصيف، معتبراً ليفربول وجهته المفضلة، وقد تدرب مع ناديه السابق ريال سوسيداد هذا الأسبوع، ولم يتضح بعد ما إذا كان إيزاك قد حصل على إذن نيوكاسل للقيام بذلك، كما لم يُحرز أي تقدم في مسألة تجديد عقده أو تحسينه، ويُقدّم إيزاك أداءً رائعاً بعد موسم طيب، حيث أثبت جدارته كأحد أخطر المهاجمين في الدوري الإنجليزي الممتاز. وبعد انضمامه إلى نيوكاسل قادماً من ريال سوسيداد في عام 2022 مقابل 79.3 مليون دولار، أصبح إيزاك أحد أفضل المهاجمين في العالم، وسجّل 62 هدفاً في 109 مباريات مع نيوكاسل، منها 23 هدفاً في الدوري الإنجليزي الممتاز الموسم الماضي، لكن بحسب «ليفربول إيكو»، فإن ليفربول لن يتقدم الريدز بعرض جديد لضم ألكسندر إيزاك بعد رفض نيوكاسل يونايتد عرضه لضم المهاجم السويدي.