سودانايل:
2025-07-31@17:29:26 GMT

شرحبيل أحمد: النغم الذي يرقص في دواخلنا

تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT

إبراهيم برسي
15 يناير 2020

شرحبيل أحمد، أو كما كان يحلو لصديقي خطاب حسن أحمد أن يسميه ( شرحو )، ليس مجرد اسم لفنان، بل هو عالم متكامل من الإبداع يفيض بالموسيقى، الرسم، والرقص. إنه ذلك الفنان الذي حمل على كتفيه إرثاً سودانياً غنياً، وقدم لنا رؤية جديدة للإنسان والفن، رؤية تمزج بين ألوان الحياة وإيقاعاتها، وتحتفي بكل تفاصيلها الصغيرة.



شرحبيل ليس فقط ( ملك الجاز السوداني ) الذي طوّع الجيتار ليحكي حكايات القلوب المرهفة، لكنه أيضاً الفنان الذي يرسم للأطفال عوالمهم الخاصة، ببراءتها وألوانها، كما لو أنه يدخل عقولهم الصغيرة ويشاركهم أحلامهم.
أغانيه، مثل “ستار يا ليل” و “الليل الهادي”، تهمس إلى الروح بلغة عميقة، تسافر عبر الزمان والمكان، تحكي عن الشوق، الحنين، والغربة.
أما رسوماته للأطفال، فهي نوافذ تُطل على عوالم مدهشة، حيث يُصبح الطفل هو القائد والراوي.

في جوهره، كان شرحبيل عاشقاً للحركة، راقصاً يرى في الجسد وسيلة لفهم العالم والتعبير عنه. حين يقف على المسرح، لم يكن يغني فقط؛ كان يتحرك كمن يترجم النغمات إلى لغة جسدية لا يمكن أن تخطئها العين. كان الرقص عنده أكثر من استعراض؛ كان حالة وجودية، امتداداً للحن داخلي يصعب التعبير عنه بالكلمات وحدها.

حركاته كانت أشبه بلوحة حية، تكتسي بالإيقاع وتتحدث بلغة الموسيقى. عندما كان يغني بصوته الفريد ويطلق تلك الأصوات المشحونة بتعبيرات نشوانة – كـ”إييييي يااااااااا” – كان صوته يتماهى مع حركاته، وكأنهما معاً يرويان قصة الإنسان الذي يتحدى صمت العالم برقصه وغنائه. لم يكن الأمر مجرد أداء فني، بل كان تجربة أقرب إلى الجذب الصوفي، حيث يبقى الجسد على الأرض بينما تحلق الروح في عوالم الهيام والسحر.

الرقص بالنسبة لشرحبيل كان الحرية المطلقة، انعتاقاً من قيود الحياة وتناقضاتها. في كل خطوة، كان يحمل روحاً تطفو فوق الواقع، روحاً تسعى إلى الجمال حتى وسط الألم.

وأما الشيء الذي لا أجد تفسيراً له فهو هذا التداخل الراسخ في ذهني بين صورة شرحبيل وصورة الممثل الأمريكي مورغان فريمان. كأن شيئاً خفياً يربط بينهما في أعماقي، ربما يعود ذلك إلى حبي العميق لهذين الرجلين، وإلى ما يشتركان فيه من الهدوء و الحكمة وحضور الكبار.
كلاهما يحمل ملامح وجه تخبرك أن العالم مرّ عليهما، لكنهما تجاوزاه بفن لا ينتهي.
وكما أن مورغان فريمان هو رمز للحكاية والصوت العميق، فإن شرحبيل هو رمز للموسيقى الحية التي ترقص في داخلك.

أغاني شرحبيل أحمد ليست مجرد موسيقى؛ إنها حياة، ذاكرة، وصوت يعيد تشكيل الزمان والمكان. أحبها لأنها ليست فقط ألحاناً عذبة، لكنها حكايات تحكي ما نعيشه وما نحلم به.
أما رسوماته للأطفال، فهي تعبير عن قلب طفل يسكن هذا الرجل، قلب يهمس لكل من يراها: “هكذا تبدو البراءة، وهكذا يجب أن نرى العالم.”

شرحبيل أحمد هو الجسر الذي يربط بين الفن والإنسانية. كان يرى في الفن وسيلة للارتقاء بالروح، ليس فقط بالنسبة له، بل لكل من حوله. في أغنياته ورسوماته وحركاته الراقصة، كان يقول لنا إن الحياة لا تُعاش إلا إذا عشناها كما هي، بألوانها الرمادية والباهتة، بجمالها وألمها.

شرحبيل لم يكن فقط فناناً، بل تجربة متكاملة تعلمنا منها كيف نحب الحياة أكثر، وكيف نرى الجمال في الأشياء البسيطة. كان “شرحو”، وسيظل دائماً، رمزاً للإنسان الذي لا تنتهي رحلته، والذي يرقص على أوتار الحياة ليترك فينا أثراً لا يُمحى.  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

بالصور: في منزلٍ على وشك السقوط... نازحان يصارعان تفاصيل الحياة في غزة

الشابان الفلسطينيان النازحان محمد شبات وصبحي شراب، يقومان بكل الأعمال اليومية المنزلية بأنفسهم من طهي الطعام الى تنظيف المنزل وغسل الملابس في منزل آيل للسقوط في مدينة غزة ، بتاريخ 28 يوليو 2025.

تصوير- هناء ابو عمرة

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من أخبار غزة المحلية الصحة في غزة: 4 وفيات جديدة بسبب المجاعة بينهم طفل بالصور: سوق أبو إسكندر في غزة.. حياة تُقاوم المجاعة بالصور: غزة - مواليد جُدد في حضانة الموت البطيء الأكثر قراءة مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى الرئيس الفلسطيني يعين نائبين لرئيس جهاز المخابرات العامة في غضون 24 ساعة: وفاة 10 أشخاص بسبب المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة العمل تعلن صرف دفعة مالية جديدة لمساعدة عمال غزة في الضفة عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • الحكم بالسجن مدى الحياة لمشارك بعملية إعدام الطيار الكساسبة
  • المحكمة الاتحادية ترد دعوى بإلغاء منح الجواز الدبلوماسي مدى الحياة للبرلماني العراقي وأسرته
  • الإمارات تمد شريان الحياة إلى القطاع الصحي في غزة
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • ملك الأردن يحث على الموازنة بين الحزن على غزة ومواصلة مظاهر الحياة
  • بالصور: رهف فرج: طفولة مفقودة وصمود أمام قسوة الحياة في غزة
  • بالصور: سوق الصحابة في غزة: إصرار على الحياة وسط أجواء الحرب
  • بالصور: في منزلٍ على وشك السقوط... نازحان يصارعان تفاصيل الحياة في غزة
  • من كلكتا إلى نوبل.. طاغور شاعر الطبيعة والحزن وفيلسوف الحياة
  • أحمد موسى: كلمة الرئيس السيسي بشأن غزة كانت مرتجلة ورسالة مباشرة إلى العالم