لبنان واليوم التالي الأكثر تعقيدًا من الحرب
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
بعد ما يقرب من عام وشهرين على حرب الاستنزاف ونحو شهرين على انزلاقها إلى حرب واسعة، قررت إسرائيل وحزب الله أن الوقت قد حان للموافقة على وقف متبادل لإطلاق النار.
وعلى الرغم من أهمية الاتفاق، فإن التقييم الوحيد الواضح الذي يُمكن الخروج به، هو أن الاتفاق هش بطبيعته، وأن مخاطر انهياره تتفوق على فرص نجاحه.
في حين تنظر إسرائيل إلى الاتفاق كنصر سياسي يُعزز المكاسب العسكرية والأهداف التي وضعتها في الحرب، خصوصًا فيما يتعلق بإبعاد حزب الله عن الحدود، وموافقته على فصل جبهة جنوب لبنان عن غزة، وإيجاد ترتيب أمني برعاية دولية، يضمن تحجيم تهديد حزب الله لها بشكل كبير على المدى البعيد، فإن الحزب يرى في الاتفاق فرصة لالتقاط الأنفاس، والحد من الضرر الهائل الذي جلبته الحرب له، والتفكير في الكيفية التي تُمكنه من التعافي لاحقًا من هذا الضرر.
هذا التناقض في الدوافع يكشف المخاطر الكبيرة المحيطة بتصورات الطرفين لليوم التالي لما بعد الحرب في حال نجحت مُهلة الشهرين المنصوص عليها في الاتفاق في تكريس تهدئة طويلة الأمد.
كما أن الترتيب الأمني، الذي يرتكز عليه الاتفاق، والذي يستند بدرجة أساسية إلى قرار مجلس الأمن الدولي 1701، الذي أنهى حرب يوليو/ تموز عام 2006 بين الطرفين، يُعزز هذه المخاطر.
لقد نجح القرار الدولي المذكور في الحفاظ على تهدئة طويلة على الحدود لما يقرب من ثمانية عشر عامًا، لكنّه لم يمنع اندلاع حرب واسعة مرّة أخرى. كما أن كلًا من إسرائيل وحزب الله عملا على تقويض القرار 1701 بأشكال مُختلفة.
إن ظروف الاتفاق الجديد تختلف بشكل جذري عن ظروف اتفاق إنهاء حرب يوليو/ تموز. فمن جانب، تزعم إسرائيل أنها قوّضت بنسبة كبيرة القدرات العسكرية لحزب الله. وهي قتلت بالفعل جيلًا كاملًا من قادة الحزب، بمن فيهم أمينه العام الراحل حسن نصر الله.
كما أن حجم الدمار الهائل الذي تسببت فيه الحرب الحالية في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت، يتجاوز بأضعاف حجم دمار حرب يوليو/ تموز. ومن جانب آخر، فإن قدرة الحزب على التعافي من هذه الحرب واستعادة قوته، أضعف بكثير مما كانت عليه بعد عام 2006.
ومن غير المتصور أن يُبدي المجتمع الدولي استعدادًا لدعم وتمويل عملية إعادة الإعمار بدون ضمان تنفيذ بنود الاتفاق الجديد، وتمكين الدولة اللبنانية من بسط سيطرتها في الجنوب وعلى المعابر والحدود مع سوريا؛ لمنع حزب الله من إعادة تسليح نفسه في المستقبل.
إن مثل هذه التكاليف الكبيرة المترتبة على قبول حزب الله بالوضع الجديد بعد اتفاق وقف إطلاق النار، والتي لا تقل حجمًا عن تكاليف الحرب نفسها، تُثير شكوكًا كبيرة حول مدى استعداده لتحملها. لأن هذا الوضع لا يقوض قدرته على إعادة ترميم حالته العسكرية من جديد فحسب، بل سيفتح نقاشًا واسعًا في الداخل والخارج في المستقبل حول جدوى بقاء سلاحه، ما دام أن الدولة اللبنانية ستمسك بزمام المبادرة، وستتحول إلى شريك رئيسي في الترتيب الأمني الجديد على الجبهة مع إسرائيل.
يبدو هذا الوضع مُفيدًا بشكل رئيسي للدولة في لبنان، لكنّ الجيش اللبناني لا يُفضل بالتأكيد أن يدخل في صدام مع حزب الله لمنعه من إعادة تسليح نفسه أو لنزع سلاحه بالقوة. لا يملك أي طرف بما في ذلك الدولة اللبنانية وإسرائيل والمجتمع الدولي تصورًا واقعيًا لكيفية معالجة مُعضلة سلاح حزب الله.
لكن المؤكد أن معالجة من هذا القبيل يُمكن أن تؤدي ببساطة إلى إشعال حرب أهلية في الداخل إذا لم تكن حكيمة للغاية، وإذا لم تأخذ بعين الاعتبار أن حزب الله لا يزال يحظى بحيثية كبيرة بين شيعة لبنان، وأن قوته بالنسبة لهم هي ضمانة لتعزيز حضورهم في السياسة الداخلية، كما هي ضمانة لحمايتهم من أي تهديد إسرائيلي لمناطقهم في المستقبل.
إن مهلة الشهرين المُحددة في الاتفاق لانسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، وانتشار الجيش اللبناني في المنطقة، وتخلي حزب الله عن وجوده المسلح على الحدود جنوبي نهر الليطاني، ستكون فترة اختبار طويلة نسبيًا لتحديد ما إذا كان الاتفاق قابلًا للتطبيق في نهاية المطاف.
ومن المؤكد أن حزب الله لديه رغبة في تكريس وقف إطلاق النار. لكنّ المؤكد أيضًا أن إسرائيل لن توفر أي فرصة للتشكيك بالتزام الحزب بوقف إطلاق النار. وقد يؤدي خرق لوقف إطلاق النار إلى انهيار الاتفاق في أية لحظة.
هناك إشكالية تتمثل في مدى فاعلية الترتيب المنصوص عليه في الاتفاق بخصوص انسحاب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، وانتشار الجيش اللبناني في المنطقة. حزب الله ليس جيشًا نظاميًا بحيث يُمكن التحقق ببساطة من أنه سيسحب قواته وأسلحته بالكامل من المنطقة. كما أن جزءًًا كبيرًا من مسلحي الحزب هم من سكان الجنوب.
يُشكل وقف إطلاق النار مدخلًا لإنهاء الحرب، لكنّه في الواقع غير قادر على الإجابة عن التساؤلات الكبيرة لليوم التالي لتكريس تهدئة طويلة الأمد. مع ذلك، هناك ثلاث خلاصات بارزة يُمكن الخروج منها بعد الاتفاق:
الأولى، أن كًلا من إسرائيل وحزب الله رضخا في النهاية لحقيقة أن أيًا منهما غير قادر على كسب الحرب، أو الخروج منها بالطريقة التي يطمح إليها. والثانية، أن الترتيب الأمني الذي أوجده القرار 1701 أثبت أنه لا يزال يُشكل أرضية مُهمة لتشكيل اليوم التالي لما بعد الحرب. والثالثة، أن الولايات المتحدة قادرة على الدفع باتجاه وقف الحرب في المنطقة إذا ما توفرت الإرادة السياسية عندها.من بين العوامل الرئيسية التي جعلت حربَي غزة ولبنان بهذا القدر من الآثار الكارثية على الفلسطينيين واللبنانيين أن إدارة الرئيس جو بايدن مارست الخداع على مدار أكثر من عام بالقدر الذي مارسته إسرائيل من خلال تجنب ممارسة الضغط الحقيقي على حكومة بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب ومنحها المزيد من الوقت لإنجاز أقصى ما يُمكن إنجازه في غزة ولبنان على حساب حياة المدنيين.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات وقف إطلاق النار فی الاتفاق حزب الله کما أن
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تكشف عن تنفيذ 500 هجوم في لبنان منذ التهدئة وتعلن مقتل الآلاف!
أعلن الجيش الإسرائيلي أن قواته الجوية نفذت نحو 500 غارة على الأراضي اللبنانية منذ وقف إطلاق النار في نوفمبر 2024، مشيراً إلى أن ثلث الإنجازات العملياتية ضد حزب الله تحققت خلال فترة التهدئة، في ما اعتُبر تراجعًا غير مسبوق لقوة الحزب منذ تأسيسه.
ووفقاً لبيان الجيش، أدت تلك الهجمات إلى مقتل أكثر من 230 مقاتلاً من حزب الله خلال 243 يوماً، فيما جرى تدمير آلاف الصواريخ، و90 منصة إطلاق، و20 مقراً عسكرياً، وخمسة مواقع لإنتاج الأسلحة، ومعسكرات تدريب، وبنية تحتية أساسية تابعة للحزب.
وفي الأسابيع الأخيرة فقط، أعلن الجيش عن تدمير حوالي 3000 صاروخ ومنشآت تحت الأرض جنوب الليطاني. كما أكد مقتل أكثر من 4000 عنصر من حزب الله منذ بدء الحملة، بينهم معظم القادة الميدانيين، مما خلق “فراغاً قيادياً” داخل الحزب بحسب التقديرات العسكرية.
وأكدت الاستخبارات الإسرائيلية أن نصف القوة النظامية لحزب الله البالغ عددها 25 ألف مقاتل فقط جاهزة للقتال حالياً، مشيرة إلى أن الحزب لم يعد قادراً على خوض مواجهة طويلة أو تنفيذ غزو للأراضي الإسرائيلية.
وأفاد التقرير أن “قوة الرضوان” النخبوية المكلفة بالاقتحام تحولت إلى مهام داخلية أمنية لحماية أصول الحزب، ما يشير إلى تحول استراتيجي في دورها.
ورغم امتلاك الحزب آلاف الصواريخ القصيرة المدى، قال الجيش إن مئات منها فقط يمكنها الوصول إلى وسط إسرائيل، ويواجه الحزب صعوبة في إطلاقها بسبب نقص منصات الإطلاق.
كما نفت الاستخبارات وجود شبكة أنفاق مشابهة لتلك في غزة، وأشارت إلى أن ما تم العثور عليه في لبنان لا يتعدى أنفاقًا محلية محدودة.
وأوضح التقرير أن السلاح الأكثر فاعلية المتبقي لدى حزب الله هو الطائرات المسيّرة، التي تملك قدرة على تعطيل الحياة في الشمال، كاشفاً عن محاولات لاستئناف إنتاجها قرب بيروت، حيث تم استهداف مباني صناعية من قبل الطيران الإسرائيلي.
وبشأن العلاقة مع طهران، أكد الجيش أن إيران موّلت الحزب بمليار دولار لإعادة الإعمار وتعزيز قدراته العسكرية، مقابل ربع مليار دولار فقط خصصها المجتمع الدولي لإعادة بناء لبنان والجيش اللبناني.
وأشار الجيش إلى أن حزب الله تردد في الانخراط الكامل بالحرب دعماً لإيران خوفاً من تفككه، رغم توقعات طهران بأنه سيكون فاعلاً أساسياً في أي صراع إقليمي واسع النطاق.
وفي سوريا، أفاد الجيش الإسرائيلي بأن القيادة الجديدة هناك شكّلت قوتين أمنيتين جديدتين هما “جهاز الأمن العام” و”الجيش السوري الجديد”، المرتكز على ميليشيات سابقة. وأشار إلى أن الرئيس السوري الجديد فاروق الشرع يعمل على إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية وإقصاء رموز النظام السابق.
وأوضح الجيش أن الهجوم الإسرائيلي على دمشق بعد أحداث السويداء أوصل رسالة حازمة، دفعت الشرع إلى إعادة رسم الخطوط داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية.
الموفد الأميركي يضغط.. وبيروت تتحرك لتعديل خطة نزع السلاح تدريجياً
أعرب رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري عن استغرابه من تصاعد ما وصفه بـ”التهويل المتكرّر بحرب واسعة على لبنان” من أطراف داخلية، معتبرًا أن ذلك يجري “بمعزل عن طبيعة النوايا الإسرائيلية”، في وقت تشهد فيه الساحة اللبنانية تجاذبات مكثفة حول ملف السلاح والعلاقات مع إسرائيل.
وفي تصريحات لصحيفة “الجمهورية”، أشاد بري بنهج رئيس الجمهورية جوزاف عون في التعامل مع ملف التفاوض وسلاح “حزب الله”، واصفًا طريقته بـ”الجيدة”، ومؤكدًا دعمه للبحث عن “حلول وطنية متفق عليها تحفظ السيادة وتمنع الانزلاق إلى صدام داخلي”.
ورأى بري أن تصريحات المبعوث الأمريكي توم باراك، بشأن “وجوب اتخاذ خطوات عملية لنزع سلاح حزب الله”، موجّهة إلى الحكومة اللبنانية، مشددًا على أن معالجة هذا الملف يجب أن تبقى ضمن الأطر الوطنية.
وقبيل الجلسة التشريعية المقررة اليوم الأربعاء، دعا بري إلى إقرار قانوني استقلالية القضاء وهيكلة القطاع المصرفي، مؤكدًا أن “الإصلاحات تمثل حاجة وطنية قبل أن تكون مطلبًا خارجيًا”، في ظل التدهور الاقتصادي الذي يعيشه لبنان.
مصادر لبنانية مطّلعة كشفت عن جلسة لمجلس الوزراء الخميس المقبل لبحث مسألة حصر السلاح بيد الدولة، في خطوة تأتي تمهيدًا لموقف مرتقب للرئيس عون في الأول من أغسطس المقبل، يتناول فيه تفاصيل الملف الأمني والسلاح والتفاهمات الدولية الجارية.
وكان “حزب الله” قد أعلن مؤخرًا استعداده لمناقشة مبدأ حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، مشترطًا انسحاب إسرائيل من خمس نقاط لبنانية محتلة، ووقف الانتهاكات المستمرة، مؤكدًا أن السلاح “شأن داخلي” يُناقش ضمن استراتيجية دفاعية وطنية.
وفي مواقف موازية، أكدت مصادر سياسية أن الرئيس بري، الذي ينقل موقف “حزب الله”، يعمل على توحيد الموقف اللبناني إزاء الورقة الدولية المقترحة، وسط مساعٍ لإدخال تعديلات على الجدول الزمني لتسليم السلاح بما يراعي المتغيرات الميدانية ويضمن الانسحاب الإسرائيلي الكامل.
الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، شدد من جهته على رفض أي تدخل إسرائيلي في النقاش اللبناني الداخلي، مؤكدًا أن “التهديد والقوة لن تُجدي نفعًا”، وأن الحزب يعالج ملف سلاحه ضمن الاتفاقات المبرمة مع الدولة اللبنانية، وليس وفقًا للإملاءات الخارجية.
وتأتي هذه التطورات في ظل تصاعد التوترات على الحدود الجنوبية، وسط ضغوط دولية مكثفة لدعم الاستقرار في لبنان وتطبيق القرار الدولي 1701، مع تزايد الدعوات الداخلية والدولية لتسوية شاملة تضمن سيادة لبنان ووحدته ومنع انزلاقه نحو مواجهة داخلية أو إقليمية جديدة.
قائد الجيش اللبناني: “العدو الإسرائيلي يمعن في انتهاك قرارات دولية ويهدد نسيجنا الاجتماعي”
أكد قائد الجيش اللبناني، العماد رودولف هيكل، اليوم الأربعاء، أن “العدو الإسرائيلي يواصل انتهاكاته للقرارات الدولية ويعمل على اختراق النسيج الاجتماعي اللبناني”، في تصريح بمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيس الجيش اللبناني.
وشدد هيكل في بيانه على أن لبنان يواجه تحديات جسيمة، على رأسها التهديدات والاعتداءات الإسرائيلية على البلاد وشعوب المنطقة، مؤكدًا أن الجيش لن يتهاون في إحباط أي محاولة تستهدف الأمن والسلم الأهلي، أو تحاول جر الوطن إلى الفتنة.
وأوضح أن الجيش مستمر في تنفيذ مهامه المتمثلة في بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، والحفاظ على الأمن ومكافحة الجريمة، إضافة إلى ضبط الحدود وتطبيق القرار الدولي 1701 بالتعاون مع قوات اليونيفيل.
يُذكر أن اتفاق وقف إطلاق النار بين “حزب الله” وإسرائيل دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024، عقب أكثر من عام على إعلان “حزب الله” لجبهة إسناد لقطاع غزة. رغم ذلك، لم تلتزم إسرائيل بانسحابها الكامل من المناطق المحتلة في جنوب لبنان، الذي كان مقررًا بحلول 26 يناير 2025، حيث أبقت على وجودها العسكري في خمس نقاط استراتيجية بحجة حماية مستوطنات الشمال، مع استمرارها في شن هجمات متفرقة على لبنان.
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن مؤخرًا القضاء على قائد قطاع بنت جبيل التابع لـ”حزب الله” في جنوب لبنان، في خطوة تعكس تصاعد التوترات الأمنية في المنطقة.