الجزيرة:
2025-06-13@16:58:18 GMT

لبنان واليوم التالي الأكثر تعقيدًا من الحرب

تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT

لبنان واليوم التالي الأكثر تعقيدًا من الحرب

بعد ما يقرب من عام وشهرين على حرب الاستنزاف ونحو شهرين على انزلاقها إلى حرب واسعة، قررت إسرائيل وحزب الله أن الوقت قد حان للموافقة على وقف متبادل لإطلاق النار.

وعلى الرغم من أهمية الاتفاق، فإن التقييم الوحيد الواضح الذي يُمكن الخروج به، هو أن الاتفاق هش بطبيعته، وأن مخاطر انهياره تتفوق على فرص نجاحه.

مع ذلك، فإن إبرام الاتفاق يرجع بدرجة أساسية إلى أن الطرفين أراداه لدوافع مُختلفة، ولكنها متناقضة بشدة فيما بينها.

في حين تنظر إسرائيل إلى الاتفاق كنصر سياسي يُعزز المكاسب العسكرية والأهداف التي وضعتها في الحرب، خصوصًا فيما يتعلق بإبعاد حزب الله عن الحدود، وموافقته على فصل جبهة جنوب لبنان عن غزة، وإيجاد ترتيب أمني برعاية دولية، يضمن تحجيم تهديد حزب الله لها بشكل كبير على المدى البعيد، فإن الحزب يرى في الاتفاق فرصة لالتقاط الأنفاس، والحد من الضرر الهائل الذي جلبته الحرب له، والتفكير في الكيفية التي تُمكنه من التعافي لاحقًا من هذا الضرر.

هذا التناقض في الدوافع يكشف المخاطر الكبيرة المحيطة بتصورات الطرفين لليوم التالي لما بعد الحرب في حال نجحت مُهلة الشهرين المنصوص عليها في الاتفاق في تكريس تهدئة طويلة الأمد.

كما أن الترتيب الأمني، الذي يرتكز عليه الاتفاق، والذي يستند بدرجة أساسية إلى قرار مجلس الأمن الدولي 1701، الذي أنهى حرب يوليو/ تموز عام 2006 بين الطرفين، يُعزز هذه المخاطر.

لقد نجح القرار الدولي المذكور في الحفاظ على تهدئة طويلة على الحدود لما يقرب من ثمانية عشر عامًا، لكنّه لم يمنع اندلاع حرب واسعة مرّة أخرى. كما أن كلًا من إسرائيل وحزب الله عملا على تقويض القرار 1701 بأشكال مُختلفة.

إن ظروف الاتفاق الجديد تختلف بشكل جذري عن ظروف اتفاق إنهاء حرب يوليو/ تموز. فمن جانب، تزعم إسرائيل أنها قوّضت بنسبة كبيرة القدرات العسكرية لحزب الله. وهي قتلت بالفعل جيلًا كاملًا من قادة الحزب، بمن فيهم أمينه العام الراحل حسن نصر الله.

كما أن حجم الدمار الهائل الذي تسببت فيه الحرب الحالية في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت، يتجاوز بأضعاف حجم دمار حرب يوليو/ تموز. ومن جانب آخر، فإن قدرة الحزب على التعافي من هذه الحرب واستعادة قوته، أضعف بكثير مما كانت عليه بعد عام 2006.

ومن غير المتصور أن يُبدي المجتمع الدولي استعدادًا لدعم وتمويل عملية إعادة الإعمار بدون ضمان تنفيذ بنود الاتفاق الجديد، وتمكين الدولة اللبنانية من بسط سيطرتها في الجنوب وعلى المعابر والحدود مع سوريا؛ لمنع حزب الله من إعادة تسليح نفسه في المستقبل.

إن مثل هذه التكاليف الكبيرة المترتبة على قبول حزب الله بالوضع الجديد بعد اتفاق وقف إطلاق النار، والتي لا تقل حجمًا عن تكاليف الحرب نفسها، تُثير شكوكًا كبيرة حول مدى استعداده لتحملها. لأن هذا الوضع لا يقوض قدرته على إعادة ترميم حالته العسكرية من جديد فحسب، بل سيفتح نقاشًا واسعًا في الداخل والخارج في المستقبل حول جدوى بقاء سلاحه، ما دام أن الدولة اللبنانية ستمسك بزمام المبادرة، وستتحول إلى شريك رئيسي في الترتيب الأمني الجديد على الجبهة مع إسرائيل.

يبدو هذا الوضع مُفيدًا بشكل رئيسي للدولة في لبنان، لكنّ الجيش اللبناني لا يُفضل بالتأكيد أن يدخل في صدام مع حزب الله لمنعه من إعادة تسليح نفسه أو لنزع سلاحه بالقوة. لا يملك أي طرف بما في ذلك الدولة اللبنانية وإسرائيل والمجتمع الدولي تصورًا واقعيًا لكيفية معالجة مُعضلة سلاح حزب الله.

لكن المؤكد أن معالجة من هذا القبيل يُمكن أن تؤدي ببساطة إلى إشعال حرب أهلية في الداخل إذا لم تكن حكيمة للغاية، وإذا لم تأخذ بعين الاعتبار أن حزب الله لا يزال يحظى بحيثية كبيرة بين شيعة لبنان، وأن قوته بالنسبة لهم هي ضمانة لتعزيز حضورهم في السياسة الداخلية، كما هي ضمانة لحمايتهم من أي تهديد إسرائيلي لمناطقهم في المستقبل.

إن مهلة الشهرين المُحددة في الاتفاق لانسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، وانتشار الجيش اللبناني في المنطقة، وتخلي حزب الله عن وجوده المسلح على الحدود جنوبي نهر الليطاني، ستكون فترة اختبار طويلة نسبيًا لتحديد ما إذا كان الاتفاق قابلًا للتطبيق في نهاية المطاف.

ومن المؤكد أن حزب الله لديه رغبة في تكريس وقف إطلاق النار. لكنّ المؤكد أيضًا أن إسرائيل لن توفر أي فرصة للتشكيك بالتزام الحزب بوقف إطلاق النار. وقد يؤدي خرق لوقف إطلاق النار إلى انهيار الاتفاق في أية لحظة.

هناك إشكالية تتمثل في مدى فاعلية الترتيب المنصوص عليه في الاتفاق بخصوص انسحاب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، وانتشار الجيش اللبناني في المنطقة. حزب الله ليس جيشًا نظاميًا بحيث يُمكن التحقق ببساطة من أنه سيسحب قواته وأسلحته بالكامل من المنطقة. كما أن جزءًًا كبيرًا من مسلحي الحزب هم من سكان الجنوب.

يُشكل وقف إطلاق النار مدخلًا لإنهاء الحرب، لكنّه في الواقع غير قادر على الإجابة عن التساؤلات الكبيرة لليوم التالي لتكريس تهدئة طويلة الأمد. مع ذلك، هناك ثلاث خلاصات بارزة يُمكن الخروج منها بعد الاتفاق:

الأولى، أن كًلا من إسرائيل وحزب الله رضخا في النهاية لحقيقة أن أيًا منهما غير قادر على كسب الحرب، أو الخروج منها بالطريقة التي يطمح إليها. والثانية، أن الترتيب الأمني الذي أوجده القرار 1701 أثبت أنه لا يزال يُشكل أرضية مُهمة لتشكيل اليوم التالي لما بعد الحرب. والثالثة، أن الولايات المتحدة قادرة على الدفع باتجاه وقف الحرب في المنطقة إذا ما توفرت الإرادة السياسية عندها.

من بين العوامل الرئيسية التي جعلت حربَي غزة ولبنان بهذا القدر من الآثار الكارثية على الفلسطينيين واللبنانيين أن إدارة الرئيس جو بايدن مارست الخداع على مدار أكثر من عام بالقدر الذي مارسته إسرائيل من خلال تجنب ممارسة الضغط الحقيقي على حكومة بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب ومنحها المزيد من الوقت لإنجاز أقصى ما يُمكن إنجازه في غزة ولبنان على حساب حياة المدنيين.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات وقف إطلاق النار فی الاتفاق حزب الله کما أن

إقرأ أيضاً:

ما الذي حققه هجوم إسرائيل على قلب إيران النووي؟

تُمثل الضربة العسكرية الإسرائيلية على إيران فجر اليوم الجمعة تصعيدًا كبيرًا في حملتها الطويلة الأمد لتعطيل طموحات طهران النووية؛ فقد استهدفت فيها قلب البنية التحتية النووية الإيرانية، في أكبر هجوم معروف لها على البلاد حتى الآن، وفقا لتقرير بصحيفة نيويورك تايمز.

الصحيفة نقلت في البداية وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العملية التي استهدفت منشأة نطنز النووية -المحور الرئيسي لبرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني- بأنها ضربة على "منشأة التخصيب الرئيسية في إيران".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نيويورك تايمز: لماذا تفكر إسرائيل في مهاجمة إيران الآن؟list 2 of 2فادي صقر: لم يعف عني أحد وهل يقبل الثوار بشركاء خدموا الأسد؟end of list

ووفقًا لتقرير محرر الشؤون الخارجية بالصحيفة ديفيد إي. سانجر، فإن الهدف هو تأخير أو ربما عرقلة قدرة إيران على تطوير أسلحة نووية، على الرغم من أن المدى الكامل للضرر لا يزال غير واضح.

 

الكاتب زعم أن منشأة نطنز التي تنتج غالبية اليورانيوم المخصب في إيران كدست مواد تقترب من المستويات المطلوبة لصنع القنابل النووية، لافتا إلى أن جزءًا كبيرًا من التقدم النووي الإيراني منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015 قد تركز في نطنز، حيث تم تركيب أجهزة طرد مركزي أكثر كفاءة وتسارعت وتيرة التخصيب.

لكن الصحيفة أوضحت أن فوردو، موقع التخصيب الرئيسي الآخر في إيران، وهو هدف أكثر تحصينًا مدفون في أعماق الأرض، ليس هناك حتى الآن ما يؤكد تعرضه للهجوم. ويرى خبراء استشهدت بهم صحيفة نيويورك تايمز أنه إذا بقي فوردو سليما، فقد تحتفظ إيران بالقدرة على إنتاج يورانيوم صالح للاستخدام في صنع الأسلحة.

إعلان

الكاتب قال إن هذا الهجوم يأتي في أعقاب عقدين من الإجراءات السرية والعلنية التي اتخذتها إسرائيل والولايات المتحدة بهدف عرقلة التطوير النووي الإيراني، والتي شملت، حسب قوله، الهجوم الإلكتروني "ستاكسنت"، وتخريب مكونات أجهزة الطرد المركزي، واغتيالات مستهدفة لعلماء نوويين.

وبينما أعاقت هذه الإجراءات تقدم إيران في بعض الأحيان، إلا أنها فشلت في إيقافه. وكثيرًا ما أعادت إيران بناء قدراتها وطورتها ردا على ذلك، وفقا للكاتب.

 

وقد مثّل الاتفاق النووي لعام 2015 نجاحًا مؤقتًا في الحد من برنامج إيران، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، إذ أجبر إيران على التخلي عن 97% من اليورانيوم المخصب لديها، وحدد مستوى التخصيب إلى مستوى غير مخصص للأسلحة.

ومع ذلك، وبعد انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018، استأنفت إيران أنشطة التخصيب، بل سرّعتها في نهاية المطاف، وهي الآن تُخصّب اليورانيوم إلى درجة نقاء 60%، أي أقل بقليل من نسبة 90% اللازمة لصنع قنبلة نووية.

وتبرز الصحيفة هنا إفادة المفتشين الدوليين مؤخرًا بأن إيران تمتلك ما يكفي من المواد لإنتاج 9 أسلحة نووية، وهو ادعاء استشهد به نتنياهو لتبرير الضربة.

وبالإضافة إلى استهداف البنية التحتية، استهدفت إسرائيل أيضًا القيادة الإيرانية، سعيا للقضاء على القادة العسكريين والنوويين البارزين، مما وسع نطاق العملية إلى ما هو أبعد من المنشآت المادية.

ومع ذلك، وكما يؤكد التقرير، لا تزال هناك شكوك كبيرة، فمن دون إلحاق الضرر بمنشأة فوردو، ربما لم تتمكن إسرائيل من إعاقة الإمكانات النووية الإيرانية بشكل كبير، وقد حذّر محللون نقلت عنهم صحيفة نيويورك تايمز من أنه ما لم يُخترق الموقع الإيراني الأكثر تحصينا، فإن جوهر قدرة طهران على التخصيب ستظل صامدة.

في نهاية المطاف، وبينما تُمثّل هذه الضربة خطوة جريئة ومحفوفة بالمخاطر، فإن صحيفة نيويورك تايمز خلصت إلى أنه من السابق لأوانه الجزم بما إذا كانت إسرائيل قد أعادت تشكيل التوازن الإستراتيجي حقا، أم إنها ببساطة أطلقت شرارة مرحلة جديدة أكثر خطورة في الصراع.

إعلان

مقالات مشابهة

  • ترامب: كميات كبيرة من الأسلحة الأمريكية الأكثر فتكا في العالم في طريقها إلى إسرائيل
  • من هو محمد حسين باقري رئيس الأركان الإيراني الذي اغتالته إسرائيل؟
  • ما الذي حققه هجوم إسرائيل على قلب إيران النووي؟
  • ما الذي حدث في إيران ؟ ولماذا لم تُطلق المضادات؟
  • تعقيد للمباحثات.. عراقجي يعلق بشأن قرار الوكالة الذرية والجولة السادسة
  • قوّة إسرائيليّة دخلت اليوم إلى بلدة جنوبيّة... ما الذي قامت به؟
  • بالفيديو.. ما هي مرتبة لبنان بين البلدان الأكثر تلوثاً عربياً وعالمياً؟
  • مؤرخ في جحيم غزة.. خبير فرنسي يكتب عن القطاع الذي اختفى
  • جارف الثلوج الذي دَوَّخ فرنسا وأميركا.. من يكون هو شي منه؟
  • الجميل استقبل لودريان: لضرورة انسحاب إسرائيل وسحب سلاح الحزب لضبط سيادة لبنان