لسنا أول من يزور مسقط رأس خالد محيي الدين، كثيرة هي تقارير الزيارات التي سبق كتابتها سواء بعد وفاته أو في مناسبة احتفال المئوية، لكننا قررنا أن تكون زياراتنا لنشاهد بأنفسنا ما تبقى من الكلمات، فالحكايات تبدأ كبيرة ذات وهج ثم تخفت حتى يتلاشى بعضها، لكن حكايات الكبار يجب أن تظل.. أن تعيش.. أن تتناقلها الأجيال، لأنها ليست حكايات لأشخاص ولكنها جزء من عمر الوطن.

. ولأنه بات عصيا علينا أن نبني أهرامات بات لزاما أن نحافظ على ما كان منها.. في طريق الأجيال الحالية هناك من يتعمد إطفاء المصابيح.. تحطيمها.. لتتعثر الخطى وتتوه المعالم وتضل الأقدام مقصدها.. نحن هنا لنقول لمحمد ذلك الطالب في الصف الخامس الذي حين سألناه عن جده خالد قال: "جدتي كان تقدم له الخبز".. قلت له تعالى معي يا محمد لجدتك ولأهل كفر شكر وعزبة خالد محيي الدين لنسمع سويا الكثير من الحكايات ثم في عدد "البوابة الخاص عنه" ستعرف أكثر عن جدك خالد.
كنا نظن أن السيرة ستجري على ألسنة الصغار قبل الكبار، فإذا لم نحك عن هؤلاء عن ماذا سنحكي! وجدنا بقايا حكايات في ذاكرة الكبار ولافتات متهالكة على الشوارع وشواهد على القبور تأبى وحدها النسيان، حيث تنام الجثامين داخل مقابر الأسرة في عزبة خالد محيي الدين ذلك الاسم فقط الذي تبقى من كل ذلك التاريخ وزيارات متباعدة من الأحفاد لمسقط رأس العائلة حيث لا جداريات ولا تمثال في ميدان ليشهد أن عظيمًا عاش هنا.
اعتصرني الألم وأنا أسال الشباب فلا أجد أدنى معرفة تسلمنا شاب لأكبر منه عمرا، لا دلالات سوى سبابة تشير إلى مضيفة صمت ضجيجها وبيوت بيع بعضها وهاتف يمنحه لك أهل العزبة لرجل يدعى الحاج أحمد عبد السلام..
"كانت هذه القرى عامرة حينما كان هؤلاء المصابيح يضيئونها، أياديهم كانت ممتدة بالخير داخل كل دار لم تغرهم القاهرة ولم تنقطع صلتهم بأهاليهم قط لم تكن هناك شكوى لا تجاب ولا مسألة إلا ولها حل.
كانوا كما يقول شيوخ العزبة "ضهر وسند وعون".. كانت هناك حياة لها عنوان الآن عنوان بلا حياة.. حتى العنوان بات لا يليق بمن كان يشار إليهم بالبنان.
تعثرت أقدامنا في مشروع الصرف الصحي الذي من الواضح أنه أتى للعزبة التي تعدادها يقارب الألفين كضيف متأخر.. كل الخدمات من كفر شكر بالبر الآخر يقف كوبري حديث الإنشاء لم يكتمل ليصل أهل العزبة بالمدينة.. على الطريق منازل عريقة شاخت لكن عبقها ما زال مختلفا عما جاورها من أبنية خرسانية وطريق أسفلتي أصم حال بين وصول خرير مياه النيل إلى سامعها، بوابات تنفرج كأفواه كفت عن الحديث منذ سنوات.. لا رخامة عليها أسماء ولا إشارة عن الحكاية.. وحدهم بعض المارة يقولون بعضها لآل محيي الدين وبعضها تم بيعه.


أهالي كفر شكر عن خالد محيي الدين: كان عظيمًا في القول والفعل

يقول ناظر العزبة الحاج أحمد عبد السلام محمد حجازي: "تعاملت مع الاستاذ خالد عن قرب ٧٦ عامًا وكان عادة يأتى إلى كفر شكر يوم الأربعاء أو الجمعة، يجلس في العزبة باب مفتوح للجميع، كنت حينها شابًا أراه يتعامل مع الجميع ويلبي مطالب الأهالي، أنا نفسي حصل لي موقف شخصي حينما أنجبت زوجتي كنا محتاجين حضانة وهذا أمر كان جديدًا وصعبًا، اتصلت به وبعدها وجدت تليفون من الصحة يخبرني بتوفير عناية في أحد المستشفيات، فاتصلت به أشكره فكان رده علي: "شكر إيه ده واجبي يا بني".
وأضاف الحاج أحمد: كنت أسمعه وهو يقول لمديرة مكتبه (أي وقت حتى لو كنت نايم وحد جه يدخل)، لم يقصد أحد بابه ورجع دون حل، ولم يكن يفرق بين أهالي قريته وأي مواطن آخر كان قدوة في كل شيء، حتى أنه حينما صدر قانون ٩٦ لسنة ٩٢ برد الأراضي لأصحابها رفض نزع الأراضي من أهل العزبة وظلت معهم طيلة حياته".
وواصل حديثه: «لا تذكر مدينة كفر شكر ولا القليوبية إلا وذكر آل "محيى الدين"، فتاريخها طويل وتعتبر أكبر عائلات القليوبية وأشهرها على مستوى الجمهورية، فالجد الأكبر كان يتاجر في القطن وتوسع فى شراء الأراضى الزراعية، وبالفعل نجح فى تكوين ثروة كبيرة، ثم حصل على لقب "البكوية" كان لديه ١٠ أولاد و٤ بنات وحرص على تعليمهم.
وعن تخليد ذكرى خالد محيي الدين في مدينة كفر شكر، قال هنا يوجد ميدان باسمه لكن كنا نتمنى أن يوضع فيه جدارية وتمثال فهو يستحق ذلك، كما كنا نتمنى أن يقام له متحف في بيته بكفر شكر، لكن الورثة باعوه ولا يتبقى الآن سوى المضيفة أو كما كان يطلق عليها تختبوش، وكان يجتمع فيها خالد مع أعضاء قيادة مجلس الثورة.
ويلتقط أحد الأهالي طرف الحديث قائلا: "والدي كان مأجر منه الأرض وكان دائم التردد على العزبة، وكان له مكتب في كفر شكر يقابل فيه الناس، كنا مأجرين منه الفدان بـ٤٥٠ جنيه.. وكان هو اللي بيشجع الفلاحين على زراعة العنب والمانجو والبرتقال بها، وما زلنا نحكي لأولادنا وأحفادنا عن هذه الأيام التي كانت مليئة بالخير». 
أما عبد الرؤوف حسن خليفة فيقول: «أنا مواليد ٦٢ اتربيت في وسط هؤلاء العظماء، كانوا كآبائنا، بيوتهم مفتوحة للجميع حتى لو طفل صغير يضيفوه وكانت كلمتهم واحدة، وعينوا ناس كتير في عدد من الوظائف منهم والدي ثم أنا».
ويضيف عامر عبد الصادق محمود: هؤلاء كانوا أشراف لم يستغلوا السلطة لتطوير منطقتهم، أنا طلبت منهم في يوم من الأيام طلب شخصي وكان رده: نخدم الجميع في نفس المشكلة ولا نحابي أحدًا على حساب الآخر.
أما الشيخ إبراهيم محمد إبراهيم سليمان إمام مسجد العزبة فيقول: أهل البلد جميعا يحبونه.. المضيفة الخاصة به، كانت تستقبل الفرق الصوفية، والتى تقدم عروضًا للمدح النبوى، بحضور الزعيم خالد ومعه أهالى كفر شكر. 
وكان يقوم فى شهر رمضان الكريم من كل عام بتقسيم مراكز المحافظة، ليقوم بزيارة أهلها طوال الشهر، وكنا نطلق عليها «الزيارات الرمضانية».
في كفر شكر يقف الأستاذ علي إبراهيم في ميدان خالد محيي الدين يتدخل في الحديث: "شوف يا أستاذ إحنا ما بنعرفش نحافظ على تاريخ، حتى لما بنيجي نعلم ولادنا، بنحفظهم الحملة الفرنسية ونابليون وكليبر وصلاح الدين الأيوبي وريتشارد قلب الأسد ونيجي عند التاريخ بتاعنا ونسكت، حد يقول إن معندناش متحف لكل عضو من أعضاء ثورة ٥٢ وأجيال كاملة ما تعرفش منهم غير عبد الناصر والسادات، كنا هنعرفهم إمتى؟ لو الثورة فشلت واتعلقوا على المشانق؟!".
وتابع: "اكتب يا أستاذ إنه ما يصحش تكون دي مكافأة ناس شالت أرواحها على كفوفها، وعملت للبلد دي، اعملوا متحف في بلد كل واحد منهم، خلوا العيال تعرف تاريخ البلد، اعملوا عنهم أفلام ومسلسلات بدل الرقص والمخدرات، مش معقول زكريا محيي الدين وخالد محيي الدين تبقى مكافأتهم لافتة على شارع ممكن يجي رئيس مجلس مدينة يغيرها، في ناس كانت فرسان في زمانها وأصحاب مواقف ولازم تتكرم تكريم يليق بيها".
ومن المبكيات المضحكات ما فعله أحد الشباب حينما سألناه عن خالد محيي الدين فقال: "سهلة جدا نسأل جوجل وهو هيقولنا على كل حاجة!".
امتعضت سيدة كبيرة من قول ذلك الشاب وقالت له:" اسأل أبوك أو جدك يا بني مفيش بيت هنا في كفر شكر ما شفش منهم خير، ياما ساعدوا ناس ووقفوا جنب الغلابة كتير".

خالد محيي الدين بين التختبوش والتكية


أما خالد محيي الدين فقد قال عن نشأته بكفر شكر في مذكراته: « أبي كان مقيما في كفر شكر يشرف على زراعة الأرض لثلاثة أيام في الأسبوع تقريبا، ثم يأتي ليقيم معنا، وعندما تنتهي أشهر الدراسة أنطلق إلى كفر شكر، هنا تبدو الحياة مختلفة، فالجد محيى الدين تاجر ومزارع شاطر، تاجر في القطن على زمان الحرب الأهلية الأمريكية وكسب كثيرا، وفي كفر شكر اشترى مئات الأفدنة، ولما عادت أسعار القطن إلى الانخفاض تحول إلى زراعة الفاكهة».
ويتابع عن بداياته: «برغم تميز الأسرة ببعض الثراء فإن المضيفة، التي كانت في قلب كفر شكر قد أتاحت لي خلال أشهر الصيف اندماجًا شبه كامل مع أبناء الفلاحين، كنا نلعب الكرة الشراب معا بحماس قادر على إزاحة أية فوارق طبقية.. وينتهي الصيف لأعود سريعا إلى دراويش التكية، لأنعم معهم بحالة من السلام النفسي يصعب تكرارها، كانوا متدينين في هدوء، وبلا تعصب، والإسلام عندهم محبة الناس وتفان في خدمتهم بلا مقابل، وتناول للحياة في تعفف بلا شره، وبلا ترفع.. كل سكان التكية كانوا يُصلّون معا فى الجامع، ولم يزل طيف عثمان أفندي يمنحني الكثير من السكينة عندما أتذكره وهو يعطى للناس كل وقته كي يعلمهم القراءة والكتابة، ويبدو طوال وقته معهم سعيدا وممتنا لأنهم يقدمون له صنيعا إذ يتيحون له الفرصة كي يتقرب أكثر إلى صحيح الدين، وكثيرا ما يحلق في خيالي: ماذا لو كنت قد واصلت رحلتى مع الطريقة النقشبندية؟
فعندما توفى جدى عثمان خالد وكنت أيامها ضابطا بالجيش، عرضوا علي مشيخة الطريقة من بعده، لكن عبق الدراويش كان قد اجتذبني نحو التعبد في طريق أكثر رحابة، خدمة الوطن والشعب ككل. 
واعتذرت عن عدم تولى المشيخة وتولاها ابن خالتي.
وفي التكية حيث الهدوء والسكينة النفسية لم يكن ثمة مجال للاقتراب من السياسة، حتى تفجرت مظاهرات ١٩٣١، كنت في التاسعة عندما شاهدت صخب المتظاهرين وتصادمهم مع البوليس، والتقطت أذناي المندهشة هتافاتهم الصاخبة، لكن هذا الصخب لم يهز هدوء التكية ولو بأقل قدر. حتى كان يوم تصاعد فيه الصخب داخل التكية ذاتها، أبي الذي يأتي لعدة أيام كل أسبوع، كان ساخطا على مظاهرات المعادين لصدقي، أما خالي العائد لتوه من فرنسا حيث حصل على ماجستير في الاقتصاد فكان معاديا لصدقي منددا بدكتاتوريته متشددا في المطالبة بالدستور.
وبدأت أتابع نقاشا صاخبا مرتفع الصوت بين مزارع ثرى يشعر بالامتنان لصدقى الذي أنقذ المزارعين من ديون تراكمت بحيث استحال سدادها، وقرر تسوية عادلة ومريحة لهذه الديون، فأنقذ بذلك أراضيهم المرتهنة من الضياع، وبين شاب منحمص يتمسك بالدستور ويعتبر انتهاكه معصية لا يغفرها أي إصلاح، لم أكن أعي أكثر النقاش، لكنها كانت اللمسات السياسية الأولى التي ظلت متبقية، في ذاكرتي، ولعلها أثارت لدى هواجس وأسئلة غامضة، لم تجد إجابة لها إلا بعد سنوات عديدة.
لكن أبي امتنع عن الحديث في السياسة بعد ذهاب صدقى، وظل خالي يتحدث دون مقاطعة أو معارضة عن الدستور والديمقراطية، وأنا أستمع في انبهار، ولعل كلماته وحججه وإلحاحه على ضرورة الديمقراطية قد تركت في تكوينى آثارا بقيت حتى الآن.
ومن المدرسة الابتدائية إلى الابراهيمية الثانوية لعامين، وبعدها أصر والدي على أن نترك التكية، إلى بيت جديد فى شارع الملكة نازلى "رمسيس حاليا" قرب شارع أحمد سعيد، وكان طبيعيا أن أنتقل إلى مدرسة جديدة، وهى مدرسة فؤاد الأول.. وكانت واحدة من أكثر المدارس إسهاما في التحركات الطلابية والمظاهرات، واندمجت بالطبع - وربما رغم أنفى - فى المناخ السياسي المتفجر عام ١٩٣٥.
****
تركنا كفر شكر وعزبة محيي الدين ونحن نحمل حزنًا وعلامات استفهام نتمنى أن يجيب عنها المسئولون: ماذا تبقى من سيرة خالد محيي الدين في مسقط رأسه سوى لافتة وبعض الذكريات؟ ما المانع في عمل تمثال له في الميدان؟ لماذا لا يتم تحويل المضيفة إلى متحف خاص بزكريا محيي الدين وخالد محيي الدين؟ ما المانع لعمل جدارية تحمل أسماء أعضاء مجلس قيادة الضباط الأحرار؟.. لماذا لا يتم عمل جناح لهم في مكتبة القليوبية؟.
هذه ليست أسئلتنا نحن فقط، بل أسئلة العديد من الأهالي.
الجدير بالذكر أن الجد محيي الدين عامر عطا الله كانت ذريته ١٢ ولدًا و٤ إناث من زوجتين، وأن خالد محيي الدين، ولد فى كفر شكر، دلتا مصر، بمحافظة القليوبية، عام ١٩٢٢، في أسرة إقطاعية، حيث عمل والده في الزراعة. ودرس في مدرسة العباسية الابتدائية، ثم مدرسة فؤاد الثانوية، حتى التحق بالكلية الحربية، التي تخرج فيها عام ١٩٤٢، برتبة ملازم ثان، وعمل في سلاح الفرسان، كما التحق بكلية أركان حرب، التي تخرج فيها عام ١٩٤٨.
خاض حرب فلسطين؛ حيث شارك في عدة معارك مثل: المجدل، عراق، سويدان، الفلوجة، بيت سنيد، بيت جبيل. وكلف بالاتصال بالقوة المحاصرة بـ"الفلوجة" مع صلاح سالم. وبعد انتهاء الحرب عاد للقاهرة.
في الفترة التي سبقت الثورة كان الرجل مشغولًا بالحصول على بكالوريوس التجارة، ليكون من أوائل الضباط الأحرار الذين قرروا دراسة العلوم المدنية حتى تساعده في إدارة الدولة لاحقًا. كما أكسبته مشاركته في حرب عام ١٩٤٨ خبرة عسكرية، وزادت من قناعته بضرورة إزاحة الملك.


المنفى الاختياري


تولى عديدًا من المناصب الإدارية في الدولة في فترة قصيرة. كان يمكن لتلك المناصب أن تتزايد لولا أن الرجل وقع في المحظور. فقد كان من الرفاق الذين دعوا إلى عودة رجال الضباط الأحرار لثكناتهم وترك السلطة للانتخابات. إثر تلك الدعوة دب خلاف قوي بينه وبين عبد الناصر ومعظم رجال مجلس قيادة الثورة. على إثر تلك الخلافات قرر الاستقالة من المجلس.
بعد الاستقالة فضّل الرجل أن يبتعد عن المشهد السياسي، فاختار سويسرا. تدور التكهنّات أن اختياره كان مدفوعًا بضغط من الرئيس جمال عبدالناصر. وهو ما أشار إليه في مذكراته أن سفره لسويسرا كان باتفاق، على حد تعبيره، بينه وبين عبدالناصر. ظل الرجل في عزلته الاختيارية حتى عام ١٩٥٧.
في ذلك العام، بعد عودته من سويسرا، التقى عبدالناصر وسأله عما يريد أن يفعل، فأجابه محيي الدين أنه يريد الاشتغال في الحياة العامة. لهذا قرر الترشح في انتخابات مجلس الأمة عن دائرة كفر شكر. نجح في الانتخابات، فبدأ يخطط للخطوة التالية.
أسس الرجل أول جريدة مسائية في الجمهورية الوليدة، جريدة المساء. يحكي الرجل في مذكراته أن تلك الجريدة كانت اقتراحًا، ضمن اقتراحات كثيرة، قدمها له عبدالناصر في لقائهما. فيقول إن الرئيس قال له إن كل الدول العربية بها صحف يسارية، ومن غير اللائق ألا تحتوي مصر على جريدة يسارية. لكن عبدالناصر أكدّ ضرورة أن تكون يسارية معتدلة، واشترط أن تكون مسائية. وحين سأله خالد لماذا مسائية تحديدًا، أجابه عبدالناصر بوضوح، كي تكون محدودة التأثير.
كما أنه شغل منصب أول رئيس للجنة الخاصة التي شكلها مجلس الأمة في أوائل الستينيات لحل مشاكل أهل النوبة أثناء التهجير. كذلك شغل الرجل منصب رئيس مجلس إدارة وتحرير دار أخبار اليوم خلال عامي ١٩٦٤ و١٩٦٥، بتكليف من عبدالناصر.
لم يقتصر عمله على المستوي المحلي فحسب، بل كان خالد محيي الدين أحد مؤسسي مجلس السلام العالمي، ورئيس منطقة الشرق الأوسط، ورئيس اللجنة المصرية للسلام ونزع السلاح. تتويجًا لهذه الجهود كلها حصل الرجل على جائزة لينين للسلام عام ١٩٧٠.
بعد الجائزة بست سنوات أسس الرجل حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوي. فناله الرئيس أنور السادات بتهمة كانت تُوجه لعديد من اليساريين في تلك الحقبة، وهى العمالة لموسكو. خصوصًا أن عديدًا من كوادر الحزب كانوا من المشاركين في انتفاضة الخبز عام ١٩٧٧.
رغم الخلاف الذي دب بين عبدالناصر وخالد محيي الدين، فإن الأخير كان مؤمنًا بضرورة الاستمرار في حركة التصنيع التي بدأها عبدالناصر. لهذا كان معارضًا شرسًا لحركة الانفتاح الاقتصادي، الاستهلاكي، التي أعلنها الرئيس السادات عام ١٩٧٤. كما كان معارضًا لبيع الأصول المملوكة للدولة.
كذلك كان معارضًا لمعاهدة السلام التي وقعها السادات مع إسرائيل عام ١٩٧٩، وكان يرى أن إسرائيل ما زالت تماطل في تحقيق السلام الحقيقي من خلال استمرارها في احتلال أراض مصرية وعربية. استمر الرجل في عمله المعارض. وكانت من أبرز لحظاته حين قرر ألا يخوض انتخابات رئاسية ضد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك. فقد رأى أن تلك الانتخابات لن تكون نزيهة، وسوف تُستخدم لمنح شرعية لوجود الرئيس مبارك.
شغل عضوية مجلس الشعب المصري من عام ١٩٩٠ حتى عام ٢٠٠٥، حين خسر مقعده لصالح مرشح الإخوان المسلمين. وتخلى الرجل طوعيًا عن قيادة حزب التجمع، كمثال منه لضرورة تداول السلطة. التخلي عن رئاسة الحزب كانت قبل خسارة مقعد مجلس الشعب بـ٣ أعوام، فقد اعتزل السياسة لظروف مرضه عام ٢٠٠٢. لكن عاد حزب التجمع ليُعلنه زعيمًا شرفيًا مدى الحياة.
برز اسمه على المستوى الرسمي مرة أخرى عام ٢٠١٣ حين حصل على قلادة النيل، أرفع وسام مصري، من الرئيس السابق عدلي منصور. لكن على المستوى الثقافي والعام كان الرجل حاضرًا طوال الوقت بأفكاره ومؤلفاته. منها مثلًا: حركة السلام.. الفكر والمنهج والتكوين، والدين والاشتراكية، والأهم هو كتابه «الآن أتكلم» الذي يسرد فيه مذكراته وكثيرًا من تفاصيل ثورة يوليو.

 


 


 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أهالي كفر شكر

إقرأ أيضاً:

أي أفق لمبادرات القوى الديمقراطية تجاه النظام في تونس؟

إذا ما أردنا التأريخ لبداية الأزمة المفتوحة بين النظام التونسي من جهة أولى وبين أغلب مكوّنات ما يُسمى بـ"القوى الديمقراطية" من جهة ثانية، فإننا سنجد أن "العلاج بالرضة" الذي مارسه "تصحيح المسار" على أحزمته السياسية والنقابية والمدنية قد بدأ منذ إصدار الأمر الرئاسي عدد 117 المؤرخ في 22 أيلول/ سبتمبر 2021، والمتعلق بالتدابير الاستثنائية. فمنذ ذلك التاريخ بدأ الكثيرون ممن مهدوا لإجراءات الرئيس وحرّضوا عليها في استيعاب أن "تصحيح المسار" ليس مشروعهم ولم يأت لتحقيق "فنطازاتهم السياسية" المرتبطة باستراتيجيتي الاستئصال الصلب والناعم، كما تأكدوا -بدرجات متفاوتة من الإنكار للواقع الجديد- من أنّ حالة الاستثناء ليست إلا لحظةً تأسيسية لوضع دائم، أي لجمهورية جديدة لا مكان فيها للشراكة مع الأجسام الوسيطة الداعمة لـ"تصحيح المسار" أو لتقاسم السلطة مع قياداتها، كما كان الشأن خلال "عشرية الانتقال الديمقراطي" أو حتى كما كان الشأن خلال فترة حكم المخلوع.

لقد حرص الرئيس على تأكيد أن مشروعه السياسي غير مدين لأي طرف سياسي أو نقابي أو مدني، وأنه "تأسيس ثوري جديد" يستمد شرعيته من الإرادة الشعبية غير المتلاعب بها، كما يستمد تلك الشرعية من عزمه القطع مع "العشرية السوداء" ومع الأجسام/المؤسسات الوسيطة التي هي "خطر جاثم" بحكم دورها المشبوه في التمكين لمنظومة الفساد. إننا أمام منطق سياسي يتحرك خارج مدار الشراكة والاعتراف بأي تمثيلية شعبية منافسة أو حتى رديفة، وهو منطق سيجد تجسيده في خارطة الطريق التي استوت على سوقها بدستور جديد (دستور 2022)، وبتغيير النظام السياسي إلى نظام رئاسوي، وتهميش الأحزاب ومجمل الأجسام الوسيطة، وسيطرة السلطة التنفيذية على كل "الوظائف" (أي على السلطتين التشريعية والقضائية وكذلك على السلطة الرابعة -السلطة "الإعلامية"- التي أصبحت مجرد وظائف محمولة على المساهمة في "حرب التحرير الوطني").

واقعيا، فإن ما قام به الرئيس بعد 25 تموز/ ليو 2021 لم يكن إلا تفعيلا لمشروعه السياسي الذي لم تحمله النخبة السياسية على محمل الجد: انتهاء زمن الأحزاب والديمقراطية التمثيلية وبداية زمن سياسي جديد أساسه الديمقراطية القاعدية أو المجالسية. ونحن نستطيع أن نقول دون أن نجانب الصواب بأن 25 تموز/ يوليو 2021 ليس في جوهره إلا صدى لتلك الصرخة التي أطلقها "الخبير القانوني" قيس سعيد بعد اغتيال المرحوم محمد البراهمي في اليوم نفسه من سنة 2013: "ليرحلوا جميعا حكومةً ومعارضةً". لقد كان "الخبير الدستوري" يتحرك بمنطق "البديل" لا الشريك، وهو ما أكده في "حملته التفسيرية" (أي الحملة الانتخابية سنة 2019) وفي حواره الشهير مع الصحفية كوثر زنطور في صحيفة الشارع المغاربي. ولكنّ النخب التونسية بمختلف مرجعياتها تعاملت مع مشروعه باعتباره نوعا من الفكر السياسي "الطوباوي" الذي تعوز صاحبه موارد القوة، مثل التنظيم الحزبي أو اللوبي الجهة أو التاريخ النضالي. ولذلك قدّرت أغلب النخب "الديمقراطية" إمكانية "توظيف" هذا المشروع لصالحها بمنطق التعامد الوظيفي.

بالنسبة إلى أغلب "القوى الديمقراطية"، فإن "تصحيح المسار" كان فرصة ذهبية للاستقواء بالدولة وأجهزتها الصلبة لإعادة هندسة الحقل السياسي بعيدا عن صناديق الاقتراع والإرادة الشعبية. وكان أغلب "الديمقراطيين" يظنون أن وصم منظومة الحكم بـ"منظومة النهضة" وإنكار أدوارهم فيها؛ يكفيان لإعادة تدويرهم في منظومة الحكم الجديدة. وفي البنية العميقة لهذا المنطق السياسي كان أولئك "الديمقراطيون" يقايسون "تصحيح المسار" على المنظومة الحاكمة قبل الثورة.

ففي تلك المنظومة كانت الترتيبات السياسية تقضي بإشراك بعض مكونات "العائلة الديمقراطية" في امتيازات السلطة، وعدم استهداف بقية الأطراف التي ارتضت "شرف" المعارضة المدجنة أو الوظيفية (الموالاة النقدية). ولم يفهم "الديمقراطيون" أن تشريكهم في الحكم أو حتى القبول بـ"حوار وطني" معهم يعني ضرب سردية تصحيح المسار في مقتل، فسردية الحكم تقوم على شيطنة الديمقراطية التمثيلية وأجسامها التي هيمنت على النظام البرلماني المعدّل. إننا أمام سردية لا تقبل بمنطق الشراكة، لأن الشراكة تعني تعدد "الشرعيات" وتعني اعتراف السلطة بعدم احتكارها لتمثيل الإرادة الشعبية، وتعني أخيرا وجود "قوى وطنية" غير فاسدة أو متآمرة ولكنها لا تنتمي إلى "تصحيح المسار".

بناء على ما تقدم، سيكون من المفهوم أن ترفض السلطة كل دعوات الحوار الوطني أو حتى تلك الدعوات المتكررة للانفتاح على الأجسام السياسية والمدنية والنقابية المساندة لها. فالحوار الوطني الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل مثلا يعني التشكيك في توجهات السلطة وفي الإرادة الشعبية التي تقف وراءها، كما يعني أن "الحقيقة الجماعية" ليست حكرا على السلطة وأنها نتيجة "التفكير معا" على الأقل مع أولئك الذين يساندون "تصحيح المسار". ولكن هذا الخيار سيعيد الزمن السياسي إلى الديمقراطية التمثيلية التي جاءت الديمقراطية المجالسية لإنهاء الحاجة إليها، وهو ما ينسف شرعية النظام وسرديته السياسية القائمة على أن الأجسام الوسيطة في الديمقراطية التمثيلية هي جوهر "الخطر الجاثم" على الدولة ومؤسساتها، وهو خطر أصلي لا يمثل "الخطر الداهم" المذكور في دستور 2014 إلا خطرا هامشيا إذا ما قورن به. أما ما دعت إليه الأحزاب المساندة لتصحيح المسار (مثل حركة الشعب أو الوطد الموحد أو حزب المسار.. الخ) من تشريك لها في السلطة، فإنه هو أيضا منطق سياسي غير واع بجوهر تصحيح المسار: رفض التعامل مع الأجسام الوسيطة والاعتراف بها شريكا في السلطة.

في الفلسفة السياسية لتصحيح المسار باعتباره تبشيرا بزمن سياسي كوني جديد، فإن السلطة يمكن أن تنفتح على "الأفراد" ولكنها لا يمكن أبدا أن تنفتح على "الأجسام الوسيطة"، ولذلك لا مكان فيها للشخصيات "المعنوية" كالأحزاب والنقابات والجمعيات المدنية. فوجود تلك المؤسسات بصفتها "الجماعية" يناقض فلسفة "تصحيح المسار" وتبشيرها بنهاية زمن الأحزاب، بل نهاية الديمقراطية التمثيلية. ولذلك فإن على من يريد الاندارج في السلطة أن يأتيَ إليها فردا، وبمنطق "الموظف" لا بمنطق النظير أو الشريك. فلا وجود في تصحيح المسار لسلطات، بل توجد وظائف، ولا وجود لتقاسم سلطات، بل توجد سلطة أصلية واحدة هي سلطة الشعب وممثل أوحد لها هو الرئيس. وهو ما يجعل أي دعوة للنظام إلى الانفتاح على "القوى الديمقراطية" أو إلى الحوار الوطني -على الأقل مع "القوى الديمقراطية- مجرد تعبير عن منطق الرغبة، ولا علاقة لها بالاشتغال الفعلي للسلطة وما يؤسسها في مستوى الشرعية السياسية.

ختاما، فإن موازين القوى بين النظام وبين "العائلة الديمقراطية" تجعل السلطة في غنى عن أجسامها الوسيطة، وإن لم تكن مستغنية عن رساميلها البشرية باعتبارها خزانا استراتيجيا "للموظفين" بالمعنى السياسي للكلمة داخل سردية "تصحيح المسار". فالسلطة لا تحتاج إلى "شركاء" بل إلى "موظفين" لا يستقوون عليها بعصبيّاتهم الحزبية أو النقابية أو المدنية، وهو ما يعني أن كل الدعوات التي تنطلق من الأجسام الوسيطة "الديمقراطية" -سواء للمشاركة في الحكم أو على الأقل للحوار مع السلطة- هي دعوات بلا أفق واقعي ما دامت تطلب الاعتراف بها "شريكا" أو "نظيرا" للسلطة، وهي مجرد تنفيس عن إحساس عميق بالتهميش وعجز عن الخروج منه في ظل التوازنات الحالية بين السلطة وبين المعارضة الراديكالية والموالاة النقدية على حد سواء.

x.com/adel_arabi21

مقالات مشابهة

  • ألمانيا ترحب بالتقدم في المحادثات بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية
  • متطوع يساعد كبار السن في الحرم المكي.. وحاجة جزائرية: دعوت له كأنه ولدي (فيديو)
  • تسرب غاز سام يودي بحياة 3 عمال ويصيب آخرين في مصفاة بإيران
  • حامد فارس: إذا أفرجت حماس عن الأسرى الفلسطينيين ستتوسع آلة الحرب
  • حامد فارس: وقف الحرب في غزة قد يكون فاتورته سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية
  • الشيباني: عقد ليبيا انفرط.. فهل من فارس يعيد لها هيبتها؟
  • قائد قوات سوريا الديمقراطية: أحمد الشرع وافق على التطبيع مع إسرائيل
  • أي أفق لمبادرات القوى الديمقراطية تجاه النظام في تونس؟
  • قائد قوات سوريا الديمقراطية يكشف عن اتصالات مباشرة مع تركيا
  • بايدن يتحدث عن تشخيص إصابته بالسرطان ويحث الأمريكيين على الدفاع عن الديمقراطية