ترامب سيواصل في ولايته الثانية من حيث انتهى في الأولى
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
بدأت ملامح إدارة دونالد ترامب في السياسة الخارجية بالتشكل، خاصة تلك المتعلقة بإسرائيل وفلسطين وبالشرق الأوسط بشكل عام، من خلال سلسلة التعيينات التي شملت ماركو روبيو وزيرا للخارجية، ومايكل والتز مستشارا للأمن القومي ومايك هاكابي سفيرا في إسرائيل وإليز ستيفانيك سفيرة لدى الأمم المتحدة، والقاسم المشترك بينهم جميعا التأييد المطلق لإسرائيل، والعداء للحقوق الفلسطينية، كما عكست ذلك تصريحات مايك هاكابي لإذاعة الجيش الإسرائيلي، التي لم يستبعد فيها إمكانية موافقة إدارة ترامب على ضم الحكومة الإسرائيلية الضفة الغربية لإسرائيل.
وبهذه التعيينات، وبالإطلاع على السير الذاتية لكبار المسؤولين عن السياسة الخارجية الأمريكية، أصبح من السهل استشراف ماذا ستكون عليه سياسة دونالد ترامب خلال الأربع سنوات المقبلة، تجاه فلسطين وإسرائيل والمنطقة بشكل عام.
وكذلك يمكن توقع ما ستكون عليه هذه السياسة، إذا أخذنا بعين الاعتبار سياسته التي انتهجها في ولايته الأولى، والتي لا تزال حاضره في ذاكرة الفلسطينيين، عندما نقل سفارة أمريكا من تل أبيب للقدس، وأعلن عن حق إسرائيل بضم الجولان السوري المحتل، وأعطى الضوء الأخضر لإسرائيل لضم مناطق غور الأردن، وأجزاء من الضفة الغربية، وطرحه لخطة صفقة القرن للتسوية السلمية، التي تنتقص حقوق الشعب الفلسطيني لدرجة كبيرة، بالإضافة لإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن..
ومن المؤشرات الأخرى على احتمال أن يستمر ترامب من حيث انتهى في ولايته الأولى، ثبات الإدارات الأمريكية، جمهورية كانت أم ديمقراطية، على دعم إسرائيل اللامحدود منذ إقامتها إلى اليوم، لأسباب دينية وللتأثير الصهيوني في المؤسسات السياسة في الولايات المتحدة، ولمصالح واشنطن في منطقة الشرق الأوسط.
يضاف الى ذلك أن ترامب بدأ بحساب تسديد فواتيره لمن ساندوه قبل دخوله البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير 2025 ، مثل سداده لـ100 مليون دولار للمليارديرة اليهودية ميريام أديلسون، مقابل دعمه لضم الضفة الغربية لإسرائيل، هذا بالإضافة إلى احتمال سيطرة الحزب الجمهوري على مجلسي الشيوخ والنواب، ما سيعزز دعم إسرائيل.
إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزراء في حكومته يبدون تفاؤلا يصل إلى درجة اليقين، بأن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستفسح الطريق لهم لضم الضفة الغربية، أو أجزاء منها، حيث نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن نتنياهو تأكيده، في محادثات مغلقة في وقت سابق، ضرورة إعادة قضية ضم الضفة الغربية لجدول أعمال حكومته، عند تسلم ترامب مهام منصبه رئيسا للولايات المتحدة في 20 يناير المقبل. وترافق تصريح نتنياهو هذا بتصريح لوزير المالية والوزير في وزارة الدفاع بتسلئيل سموتريتش، نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، جاء فيه أن عام 2025 هو عام السيادة الإسرائيلية على «يهودا والسامرة»، وبأنه أصدر تعليماته لإدارة الاستيطان والإدارة المدنية للبدء بإعداد البنية التحتية اللازمة لتطبيق السيادة على الضفة الغربية.
وفي ما يتعلق بموقف ترامب من الحرب الإسرائيلية على غزة وكيفية إنهائها، فإنه كان قد أشار أكثر من مرة خلال حملته الانتخابية، إلى موقفه بشأن ذلك، كقوله مثلا إنه لو كان في الحكم لما وقعت هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، ومخاطبته لنتنياهو بأن عليه أن ينهي الحرب وبسرعة وحصوله على انتصاره.
وقال، «الحرب يجب أن تتوقف ويجب أن يتوقف القتل»، كما تعهد لزعماء العرب والمسلمين في مشيغان بإنهاء الحرب، إلا أن ترامب يعتبر أن إنهاء الحرب قرار يعود لإسرائيل، عندما هاجم منافسته الديمقراطية كامالا هاريس لدعوتها لوقف إطلاق النار، ما يؤكد أن رؤية ترامب لانتهاء الحرب يجب أن تتم بانتصار إسرائيل.
ولكن ما هي السياسة التي قد ينتهجها ترامب لإنهاء الحرب؟
رغم ضبابية تصريحاته بشأن وقف الحرب وتضاربها أحيانا، إلا أنه من المحتمل أن يتم ذلك من خلال تدخل دبلوماسي أمريكي ـ أوروبي، ولكن بشروط إسرائيلية، من خلال مفاوضات يميل الميزان فيها لصالح تل أبيب، ولأن ترامب رجل أعمال يسعى دائما لإنجاز الصفقات السريعة والمربحة، فقد يعمل على وقف لإطلاق النار، بفرض شروط على المقاومة، مقابل وعود تخفيف الحصار، وتحسين الأوضاع المعيشية في قطاع غزة وإعادة إعماره، وقد يترافق ذلك بزيادة الضغوطات على إيران لوقف دعمها لحزب الله وفصائل المقاومة الأخرى، وقد يعمل أيضا على التوصل لهدنة من دون تغييرات على الوضع القائم.
ومن المؤكد أن الشرق الأوسط في حقبة ترامب في الأربع سنوات المقبلة سيختلف عما قبله، والتوقعات تشير إلى أنه سيشهد عدة متغيرات لها علاقة بتوازنات القوة والضعف بين القوى الإقليمية والمصالح الأمريكية في المنطقة، وفي مقدمة هذه المتغيرات تصدع «الردع الاستراتيجي» في الشرق الأوسط، حيث إن الحرب على غزة هزت مجموعة من المسلمات المستقرة في المنطقة، ومنها أن هجوم 7 أكتوبر 2023 هدد وجود إسرائيل ككيان، ناهيك عن تهديد الحوثيين في اليمن للولايات المتحدة وإسرائيل ودول الغرب بشكل عام، بإغلاقهم الممرات البحرية في البحر الأحمر، ما ألحق أضرارا بالتجارة العالمية.
ترامب إذا ذهب إلى الاستمرار من حيث توقف في ولايته الأولى، بالسماح للمستوطنين وقادتهم المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية بضم مناطق الأغوار وأجزاء من الضفة الغربية، وللسماح لنتنياهو بتحقيق «نصره المطلق» و»شرق أوسطه الجديد»، فإن هذا يعني عمليا، تطهيرا عرقيا لأكثر من ثلثي الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، وتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى الأردن الذي قد يعتبر هذا أنه بمثابة اعلان للحرب.
وهذا يعني أيضا أن ترامب الذي تقوم سياسته على الصفقات وعلى الخيال واللامعقول، سيعجل بتدمير الوضع في الشرق الأوسط الذي بدأه في ولايته الأولى.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب نتنياهو نتنياهو الاحتلال الدولة الفلسطينية ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الضفة الغربیة الشرق الأوسط أن ترامب
إقرأ أيضاً:
زيارة مستشار ترامب: جديد السياسة الامريكية تجاه ليبيا
حل مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط وأفريقيا، ضيفا على طرابلس وبنغازي، ومع زياراته تعدد التكهنات حول أسباب الزيارة، ونوايا البيت الأبيض حيال الأزمة الليبية، وظلت تلك التكهنات رهينة القبول والرفض، ذلك أن تصريحات بولس أثناء الزيارة لم تتعد المتعارف عليه من المسائل التي تتقدم أجندة معالجة النزاع الليبي من منع الانزلاق للعنف ودعم المسار السياسي وتوحيد الميزانية...ألخ.
في ظل عدم الإفصاح عن أسباب الزيارة والتعتيم حول ما نقله بولس للساسة الليبيين في الغرب والشرق، فإن تلمس ملامح الموقف الأمريكي تجاه الأزمة الليبية في العهد الثاني من حكم ترامب يمكن أن يستجلى من خلال الرؤية والسياسات والخيارات التي تحكم سلوك ومواقف البيت الأبيض من مختلف القضايا خارج الحدود الامريكية، والتي يمكن أن تستنطق من تصريحات المسؤولين الأمريكين بداية من الرئيس ثم وزارئه ومستشاريه.
عاد بولس إلى واشنطن محملا بتقييمه النهائي واستشاراته إلى ترامب والمسؤولين الأمريكيين حيال النزاع، وإذا كانت مواقف ترامب ومساعديه على ما هي عليه فإن البصمة الأمريكية ستظهر بشكل جلي في خارطة الطريق التي ستعلن عنها المبعوثة الخاصة للأمين العام لليبيا الشهر القادم، وهذا يعني أن تطورات مهمة في الأزمة الليبية قد تطفوا على السطح قريبا.في تصريح للرئيس الأمريكي حول زياره بولس لليبيا ذكر بشكل صريح أنه لا يقبل بالوضع الراهن في البلاد، وأن هناك ضرورة للتقدم في المسار السياسي باتجاه التغيير على أسس ديمقراطية، وأن قادة جدد ينبغي أن يكونوا في مقدمة هذا التغيير.
بولس نفسه في كلام له عن تقييم الحالة الليبية سبق الزيارة بفترة أشار بوضوح إلى الحاجة لتغيير شامل يقلب المشهد الراهن رأسا على عقب، بداية من عدم قبول الطبقة السياسية الراهنة، مرورا بألية فعالة لدفع المسار السياسي إلى الامام، وصولا إلى تصدر قيادات مستقلة ليست متورطة في عبث السنوات الماضية للمشهد.
وتبدوا تصريحات الساسة الأمريكان جانحة لمصلحة ليبيا والليبية، غير أن هذا لا يلغي حقيقة دامغة وهي أن أي مقاربة لواشنطن لتسوية أزمة أو تفكيك نزاع تحركها أولا المصالح الأمريكية، والساسة الأمريكيون لا يسوسون بدافع إنساني بحت، فالولايات المتحدة متورطة في الكارثة التي تواجهها غزة، وتجويع سكان غزة هو ضمن خطة تقرها واشنطن.
في لقاء متلفز عقب زيارة مسعد بولس لخمس دول في القارة الأفريقية، وبالتركيز على النزاع بين الكنغو وروندا، والدور الذي لعبته الإدارة الأمريكية في التوصل إلى إعلان مبادئ بين الطرفين والدفع باتجاه اتفاقية سلام شامل، عرج بولس على المعادن التي تمتلك منها الكونغو مخزونا كبيرا، وحاجة الولايات المتحدة لهذه الثروة المعدنية، وكيف أنها تنافس الصين المستفيد الأكبر من خيرات القارة السمراء.
بولس في حديثه الحماسي حول ما تمتلكه أفريقيا من ثروات هائلة، إنما يعكس المنطق والتفكير الذي يؤطر عقل ترامب ونزوعاته، الرجل الذي يندفع في اختياراته بدافع مصلحي اقتصادي بحت، ولا يجد حرجا في التصريح بذلك، وبالتالي فإن الاقتراب من ليبيا لن يخلو من مصالح لا تخرج عن البعدين الاقتصادي والأمني.
بولس أشار في أكثر من مناسبة إلى ثنائية القوة والشراكات الاقتصادية لمعالجة الأزمات في المناطق التي تعتبرها الولايات المتحدة حيوية بالنسبة لها، فالقوة تفرض الحل وتبعد كل العراقيل أمامه، والشراكات تعززه وتكون أداة قطف الثمار بالنسبة لواشنطن، وهذا سيكون المسار ذاته في حال استمرت الولايات المتحدة في الدفع باتجاه تحريك المسار السياسي في ليبيا الذي أصابه الموات، واتجهت إلى تنفيذ خطتها للتغيير في البلاد، ذلك أن أي تطورات خطيرة تتعلق بقضايا كبرى كالحرب الروسية الأوكرانية والمواجهة المبطنة مع الصين والحرب على غزة قد تدفع البيت الأبيض إلى صرف النظر عن المسألة الليبية.
عاد بولس إلى واشنطن محملا بتقييمه النهائي واستشاراته إلى ترامب والمسؤولين الأمريكيين حيال النزاع، وإذا كانت مواقف ترامب ومساعديه على ما هي عليه فإن البصمة الأمريكية ستظهر بشكل جلي في خارطة الطريق التي ستعلن عنها المبعوثة الخاصة للأمين العام لليبيا الشهر القادم، وهذا يعني أن تطورات مهمة في الأزمة الليبية قد تطفوا على السطح قريبا.