سنبدأ هذا التقرير بتتبع الأحداث الزمنية ذات الصلة:

حيث تولى المحافظ المقال إدارة مصرف ليبيا المركزي في عام 2011، حاملًا معه احتياطيات بقيمة 137 مليار دولار، في حين أشارت تقارير دولية إلى أن مجلس الأمن الدولي جمد نحو 200 مليار دولار من الأموال الليبية في الخارج خلال ذات الفترة. مما يعني أن إجمالي الارصدة التي خلفها النظام السابق بلغت 337 مليار دولار، إلى جانب دخل محلي إجمالي للفترة من 2012 إلى 2023 بلغ 753.

4 مليار دولار، ليصل إجمالي الدخل المحلي الإجمالي الليبي مع الاحتياطيات إلى 1.126 تريليون دولار.

وعلى الرغم من هذه الثروات المالية الضخمة، شهدت ليبيا خلال هذه الفترة سياسات اقتصادية وإجراءات نقدية أدت إلى تدهور حاد في الاقتصاد الليبي وانهيار قيمة العملة المحلية ففي الفترة من 2012 إلى 2016 أنفق المحافظ السابق نحو 146 مليار دولار على الاعتمادات وفقًا للتقارير الرقابية حيث ذهب معظم هذا المبلغ إلى السوق السوداء.

وعلاوة على ذلك قام المركزي بطباعة نحو 100 مليار دينار ليبي كعملة جديدة رغم أن هذه الكمية يمكن امتصاصها بمبلغ 13.8 مليار دولار فقط، أي ما يعادل نحو 10% فقط من جريمة الاعتمادات للفترة 2012-2016 – أيضا تفاقمت الأزمة بسبب العمالة الأجنبية غير المقننة، حيث اعترف مسؤولو المركزي في ندوة عام 2024 بأنها تستنزف نحو 5 مليار دولار سنويًا عبر السوق السوداء.

وفي عام 2017 كشف تقرير ديوان المحاسبة صفحتي 261 و262 عن فرض قيود انتقائية على توفير العملات الأجنبية للمواطنين العاديين، بينما تم منحها لفئة محدودة من ذوي النفوذ والمصالح  إضافة إلى ادعاءات كاذبة بحظر توريد العملات الأجنبية، مما أدى إلى خسارة المواطنين لمدخراتهم والمزيد من تفشي السوق السوداء.

وعلى صعيد الإنفاق الحكومي أظهر تقرير ديوان المحاسبة لعام 2023 أن إجمالي الإنفاق الحكومي خلال الفترة من 2012 إلى 2023 بلغ 830 مليار دينار ليبي مع عدم معرفة الإنفاق بحكومة شرق البلاد.

وفي عام 2023 وحده خصصت ميزانية بمبلغ 9 مليار دينار ليبي لشركة الكهرباء، تبعه تخصيص 1.35 مليار دينار ليبي كميزانية مستقبلية إضافة إلى ميزانية الإنفاق الاعتيادي البالغة 101 مليار دينار ليبي ليصل إجمالي الإنفاق على الشركة إلى 144.4 مليار دينار ليبي في 2023 كما خصصت ميزانية أخرى بقيمة 6.227 مليار دينار ليبي لوزارة الدفاع كميزانية مستقبلية في ذات العام في ظل الأزمة السياسية والأمنية وغياب الاستقرار في البلاد.

وبلغت الميزانية الكلية لعام 2023 نحو 144.4 مليار دينار ليبي وهي قيمة تتجاوز بشكل كبير الموارد المتاحة للدولة في ظل استمرار العجز في الإيرادات غير النفطية حيث إن هذا الإنفاق المفرط والسياسات الاقتصادية غير المدروسة أدت إلى عجز مالي كبير وصل إلى حوالي 86 مليار دينار ليبي خلال السنوات الأخيرة إلى جانب اعتماد مفرط على النفط بنسبة تصل إلي 94% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين لم تتجاوز باقي مصادر الدخل كالضرائب والرسوم سوى نسبة ضئيلة جدا.

وفي السياق ذاته، كشف تقرير ديوان المحاسبة لعام 2022 أن المركزي استثمر نحو 24 مليار دولار في شكل ودائع ببنوك ذات تصنيف ائتماني عالي المخاطر كما حققت محفظة السندات خسائر دفترية بلغت 2.3 مليار دولار، أي ما يعادل 14.1 مليار دينار ليبي و في عام 2024 قدرت مؤسسة الإحصاء والتعداد الليبية معدل التضخم بنسبة 1.4% إلا أن الاقتصادي الأمريكي البارز ستيف هانكي رد عليها بأن معدل التضخم الحقيقي بلغ 36.4%، أي 26 ضعفًا عما نشرته المؤسسات الرسمية الليبية  في خطوة تكشف مدى تزييف البيانات وتجاهل حقيقة انهيار العملة المحلية كما أقر المحافظ المقال في مقابلة تلفزيونية بقناة الوسط في سبتمبر 2024، بحظر توريد العملات الأجنبية للمركزي بسبب المخاطر العالية في ليبيا، وهو ما نفته تقارير ديوان المحاسبة التي أشارت إلى القيود الانتقائية التي فرضها على توفير العملات الأجنبية.

التحليل:

من الناحية الاقتصادية، تشير هذه الأرقام والمؤشرات إلى أن ليبيا عانت خلال هذه الفترة من مشاكل هيكلية عميقة في اقتصادها بما في ذلك الاعتماد المفرط على النفط كمصدر رئيسي للدخل وغياب التنوع الاقتصادي والبطالة المقنعة في القطاع العام والفساد المستشري والهدر في الإنفاق الحكومي، وتفشي السوق السوداء للعملات الأجنبية وهذه العوامل إلى جانب الانقسامات السياسية والأمنية أدت إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وانهيار قيمة الدينار الليبي.

ويمكن القول إن السياسات النقدية والمالية المتبعة خلال هذه الفترة كانت غير فعالة وغير مدروسة حيث ساهمت في زيادة التضخم وتدهور قيمة العملة المحلية فقرارات مثل طباعة العملة بكميات مهولة وفرض قيود على توفير العملات الأجنبية وتبني سياسات غير فعالة مثل فتح محلات الصرافة لم تفعل سوى تعزيز الأزمة وزيادة تفشي السوق السوداء والفساد وعلى المدى الطويل سيؤدي استمرار هذه السياسات الاقتصادية إلى تداعيات خطيرة على الاقتصاد الليبي مثل استمرار التضخم وانهيار العملة وانكماش الاقتصاد وزيادة هجرة العقول واليد العاملة والعجز المستمر في الموازنة.

لذلك من الضروري إجراء إصلاحات اقتصادية جذرية تركز على تحسين إدارة المال العام والاستثمار في القطاعات الإنتاجية وتفعيل الشفافية والمساءلة في الإنفاق الحكومي وتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد الحصري على النفط.

الخاتمة:

يتضح من هذا التقرير أن الفترة من 2011 إلى 2024 شهدت تدهورًا حادًا في الأوضاع الاقتصادية في ليبيا، نتيجة لسياسات اقتصادية وإجراءات نقدية خاطئة إلى جانب المشاكل الهيكلية والانقسامات السياسية والأمنية و يجب على صناع القرار الاقتصادي في ليبيا التعلم من هذه التجربة والعمل على وضع استراتيجية شاملة للإصلاح الاقتصادي تستهدف تحقيق الاستقرار النقدي وإعادة بناء الثقة في العملة المحلية وتعزيز الشفافية والمساءلة في الإنفاق الحكومي وتنويع مصادر الدخل وتشجيع الاستثمار في القطاعات الإنتاجية وذلك بهدف تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتوفير حياة كريمة للشعب الليبي.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: الاقتصاد الليبي مصرف ليبيا المركزي العملات الأجنبیة ملیار دینار لیبی الإنفاق الحکومی العملة المحلیة دیوان المحاسبة السوق السوداء ملیار دولار الفترة من إلى جانب فی عام

إقرأ أيضاً:

منظمة التجارة العالمية: 341 مليار درهم تجارة الإمارات من الخدمات الرقمية

مصطفى عبد العظيم (أبوظبي)

أخبار ذات صلة إقبال واسع على المشاركة في «الدولي الثالث للأرشيف الرقمي» منصور بن محمد يفتتح الدورة العاشرة لمعرض «إكسباند نورث ستار»

بلغ إجمالي تجارة دولة الإمارات من الخدمات الرقمية خلال العام 2024 أكثر من 341.1 مليار درهم (93 مليار دولار)، وفقاً لأحدث بيانات منظمة التجارة العالمية، التي صنفت الدولة ضمن قائمة كبار المصدرين للخدمات الرقمية عالمياً بحلولها في المرتبة 21 عالمياً والأولى عربياً.
ووفقاً لبيانات المنظمة الواردة ضمن تحديث أكتوبر لتقرير «توقعات وإحصاءات التجارة العالمية» بلغت قيمة صادرات دولة الإمارات من الخدمات الرقمية خلال العام الماضي 187.1 مليار درهم (51 مليار دولار)، شكلت ما نسبته %1.1 من صادرات العالم من الخدمات الرقمية، متقدمة على هونج كونج والدنمارك وفنلندا والنمسا والبرازيل وأستراليا والنرويج.
وجاءت الدولة كذلك في المرتبة 21 عالمياً في الواردات من الخدمات الرقمية خلال العام الماضي بقيمة بلغت 154 مليار درهم (42 مليار دولار) وبحصة بلغت 1.0%.
وبحسب تقرير منظمة التجارة العالمية، فقد بلغت صادرات العالم من الخدمات الرقمية نحو 4.2 تريليون دولار خلال عام 2024. وقالت المنظمة في تقريرها الذي أظهر تجاوز تجارة السلع العالمية التوقعات في النصف الأول من عام 2025، مدفوعة بزيادة الإنفاق على المنتجات المتعلقة ب الذكاء الاصطناعي (AI)، أن دولة الإمارات تأتي في صدارة برامج التحول الرقمي التي تقودها حكومات منطقة الشرق الأوسط التي سجلت زيادة ملحوظة في واردات الخوادم ومعدات الاتصالات في النصف الأول من عام 2025.
ورفع خبراء الاقتصاد في منظمة التجارة العالمية توقعات نمو تجارة السلع لعام 2025 إلى 2.4% (ارتفاعاً من 0.9% في أغسطس) وتم تخفيض التوقعات لعام 2026 إلى 0.5% (من 1.8%). ومن المتوقع أن يتباطأ نمو صادرات الخدمات العالمية من 6.8% في عام 2024 إلى 4.6% في عام 2025 و4.4% في عام 2026.

خدمات الاتصالات
وفي السياق ذاته سجلت تجارة الدولة في خدمات الاتصالات نمواً ملحوظاً خلال عام 2024، محققة ارتفاعاً بنسبة 4.3% لتصل إلى 10.2 مليار درهم، مقارنة ب9.8 مليار درهم في عام 2023، وذلك وفقاً لبيانات المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء، التي أرجعت الأداء الإيجابي إلى النمو القوي المسجل في الربع الرابع من عام 2024، والذي بلغت نسبته 12.95%.
وأظهرت أحدث بيانات للمركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء، ارتفاع صادرات خدمات الاتصالات، بنسبة 6.49% في عام 2024، لتصل إلى 4.9 مليار درهم، مقارنة مع 4.6 مليار درهم في العام 2023، كما ارتفع إجمالي واردات الدولة من خدمات الاتصالات بنسبة 2.38% في عام 2024، لتصل إلى 5.3 مليار درهم، مقارنة مع 5.2 مليار درهم في عام 2023.
وعلى مستوى الأداء الربعي، شهد الربع الرابع من عام 2024 مساهمة لافتة في إجمالي تجارة خدمات الاتصالات، حيث بلغت 26.45%، لتكون المساهمة الأعلى بين جميع الأرباع، كما حقق الربع الرابع نمواً قوياً بنسبة 12.95%، ليصل إلى 2.70 مليار درهم، مقارنة مع 2.39 مليار درهم للربع ذاته من العام 2023، وهو النمو الأكبر بين باقي الأرباع خلال العام. وبلغت نسبة مساهمة الربع الثالث في إجمالي تجارة الخدمات خلال العام نحو 25%، بقيمة بلغت 2.59 مليار درهم، مقارنة مع 2.46 مليار درهم في الربع ذاته من العام 2023، في حين بلغت نسبة مساهمة الربع الثاني نحو 25%، بقيمة بلغت 2.56 مليار درهم، مقارنة مع 2.49 مليار درهم، في الربع ذاته من العام 2023، فيما بلغت مساهمة الربع الأول من العام نحو 23%، بقيمة 2.37 مليار درهم، مقارنة مع 2.46 مليار درهم في الربع ذاته من العام 2023.

سلع الذكاء الاصطناعي 
في تحديث أكتوبر من تقرير«توقعات وإحصاءات التجارة العالمية»، قدم خبراء الاقتصاد في منظمة التجارة العالمية تحليلاً جديداً حول تراكم المخزونات في عام 2025 والتجارة القوية في السلع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي مثل أشباه الموصلات، والخوادم، ومعدات الاتصالات. ومع ذلك، أشاروا إلى أن نمو التجارة سيتباطأ على الأرجح في عام 2026 مع بدء تأثير تباطؤ الاقتصاد العالمي والرسوم الجمركية الجديدة.
ونما حجم التجارة العالمية للسلع، مقاساً بمتوسط الصادرات والواردات، بنسبة 4.9% على أساس سنوي في النصف الأول من عام 2025. وارتفعت قيمة التجارة العالمية للسلع بالقيمة الحالية للدولار الأميركي بنسبة 6% على أساس سنوي في الأشهر الستة الأولى من عام 2025، بعد زيادة بنسبة 2% في عام 2024.
وشملت محركات نمو التجارة في النصف الأول السلع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي - بما في ذلك أشباه الموصلات والخوادم ومعدات الاتصالات -التي دفعت ما يقرب من نصف إجمالي التوسع التجاري في النصف الأول من العام، حيث ارتفعت بنسبة 20% على أساس سنوي من حيث القيمة. 
وشمل نمو التجارة سلسلة القيمة الرقمية بأكملها، بدءاً من السيليكون الخام والغازات المتخصصة وصولاً إلى الأجهزة التي تشغل منصات الحوسبة السحابية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. وكان أداء صادرات آسيا قوياً في المنتجات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، وهو ما يتماشى مع الارتفاع العالمي في الاستثمار في هذا القطاع.

مقالات مشابهة

  • إي فواتيركم يكسر حاجز الـ11 مليار دينار… أرقام قياسية في المدفوعات الرقمية
  • الرقابة المالية: 38 مليار جنيه تمويلات لشراء سلع استهلاكية خلال 6 أشهر
  • منظمة التجارة العالمية: 341 مليار درهم تجارة الإمارات من الخدمات الرقمية
  • 22 مليار أرباح «QNB» خلال 9 أشهر
  • مؤسسة البترول الكويتية تحقق أرباحا صافية تتجاوز المليار دينار عن سنة 24/25
  • كلمات للسيسي رسمت موقف مصر من حرب غزة - تحليل خطاب 24 فعالية رسمية
  • الوزراء: تحسن التصنيف الائتماني لمصر يؤكد نجاح مسار الإصلاحات الاقتصادية
  • انا والسياسة الاقتصادية والكورنة
  • خلال شهر.. البورصة العراقية تتداول 37 مليار سهم بـ28 مليار دينار
  • وزير المالية: الإصلاحات الاقتصادية أصبحت محل اهتمام المستثمرين والمؤسسات الدولية