جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-31@08:49:55 GMT

الأدب الفلسطيني في المهجر

تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT

الأدب الفلسطيني في المهجر

 

 

سالي علي

 

يمثلُ الأدب الفلسطيني تجسيدًا حيًا لمعاناة الشعب الفلسطيني وتاريخه العريق، حيث يعكس تجاربهم وآمالهم وآلامهم عبرَ الأجيال, ورغم أن العديد من الكتّاب الرواد، مثل غسان كنفاني ومحمود درويش، وضعوا أسس هذا الأدب، فإنّ أيضًا الأصوات المعاصرة التي نشأت لاحقًا أثرّت بشكلٍ كبير على المشهد الأدبي الفلسطيني.

وساهم كُتّاب مثل سحر خليفة، وإدوارد سعيد، ومحمود شقير، في تشكيل أبعاد جديدة للأدب الفلسطيني، مضيفين إليه رؤى فريدة تتعلق بالهوية، والمقاومة، والشتات، وكذلك قضايا المرأة والمجتمع.

لذا ستتناول هذه المقالة الأصوات المتعددة في الأدب الفلسطيني المعاصر، مُستعرضةً كيف يُعبر كل كاتب عن تجربته الخاصة، ويجسد التحديات اليومية التي يواجهها الشعب الفلسطيني وذلك من خلال تحليل الأعمال الأدبية المختلفة، وسنكتشف معًا كيف يظل الأدب وسيلة فعّالة للحفاظ على الهوية الوطنية، ولتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية التي تمس حياة الأفراد والمجتمع في ظل التحديات المستمرة، يبقى الأدب الفلسطيني منبرًا سامقًا للتعبيرِ عن القضايا الإنسانية والوطنية، مؤكدًا على أنّ الكلمة لا تزالُ سلاحًا قويًا في مواجهة الظلم والاحتلال.

الأدب الفلسطيني في المهجر

عبر التاريخ، عانى الشعب الفلسطيني من تحديات كبيرة أدت إلى تشتته في العديد من البلدان، مما خلق واقعًا جديدًا يتطلبُ تعبيرًا أدبيًا مختلفًا.

إنّ الأدب الفلسطيني في المهجر يمثلُ تجربة فريدة تُعبر عن التوق إلى الوطن، وتسلّط الضوء على الهوية الفلسطينية من خلال روايات وأعمال أدبية مستوحاة من واقع اللجوء والغربة

إدوارد سعيد.. صوتٌ من المهجر

وإدوارد سعيد من أبرز الكتاب الفلسطينيين الذين عاشوا في المهجر، وهو يُعد واحدًا من أهم المفكرين في الأدب والنقد الأدبي, في كتابه : الاستشراق، قدم سعيد رؤية نقدية حول كيفية تصوير العرب والفلسطينيين في الثقافة الغربية، مما أسهمَ في إعادة تعريف الهوية الفلسطينية في السياق الدولي.

تبرز أعماله الأبعاد السياسية والاجتماعية للنزاع الفلسطيني، وتوضّح كيف يمكن للأدب أن يكونَ أداة لمواجهة الصور النمطية وتقديم سرديات جديدة تعكسُ التجربة الفلسطينية المعاصرة

سحر خليفة: البحث عن الهوية

سحر خليفة من الأسماء اللامعة في الأدب الفلسطيني المعاصر وذلك من خلال رواياتها المتعددة، ومنها "الصبار". وتتناول خليفة قضايا الهوية والأنثوية والمقاومة في ظل التشتت وهي تصفُ في أعمالها الحياة اليومية للفلسطينيين، وتتناول مواضيع مثل الحب، والفقد، والحنين إلى الوطن، مما يعكس التوتر بين الحياة في الغربة والارتباط العميق بالوطن. كما إن أسلوبها السردي المتميز يجعلُ من رواياتها بمثابة تجاربَ عاطفية غنية تلامسُ القلوب، مما يساعد في إعادة تشكيل الذاكرة الجماعية للفلسطينيين في المهجر.

تأثير التشتت على الأدب

الأدب الفلسطيني في المهجر لم يقتصر فقط على التعبير عن الألم والفقد؛ بل أيضًا ساهم في تطوير هويات جديدة متعددة، تعكسُ التباين في التجارب الحياتية للأفراد. ويُسهم هذا الأدب في تسليطِ الضوء على تجارب جديدة لأجيالٍ من الفلسطينيين الذين نشأوا في الشتات، ويعبّر عن أسئلة الهوية والانتماء التي تلاحقهم من خلالِ قصصهم، يتمكّن الكتاب من خلقِ مساحات للتفكيرِ النقدي حولَ الهويّة الفلسطينية، مما يسمح بوجودِ سرديّات جديدة تتحدى الأُطر التقليدية للأدبِ الفلسطيني.

إعادة بناء الهوية من خلال الأدب

وتحرص الأعمال الأدبية للكتاب الفلسطينيين في المهجر على إعادة بناءِ الهوية الفلسطينية وتحدي النماذج السائدة التي تحاولُ تهميش التجربة الفلسطينية.

وقدرة الأدب على تجاوز الحدود الجغرافية والسياسية تجعله أداة فعالة لنقل تجارب المعاناة والأمل، مما يتيح للكتّاب تقديم رؤى جديدة للواقع الفلسطيني. ويسهم هذا الأدب في خلق حوار مستمر بين الأجيال المختلفة، ويعزّز من أهمية التفاعل الثقافي بين الفلسطينيين في المهجر، ويحفّز النقاشات حول الهوية، والذاكرة، والمقاومة.

القلم النسائي في الأدب الفلسطيني

تتميز الكتابة النسائية في الأدب الفلسطيني بتنوعها وغناها، حيث تعكس تجارب النساء الفلسطينيات وتصوراتهن للهوية والواقعِ السياسي والاجتماعي، ولا شك أن تعبيرهن عن أنفسهن من خلال الأدب يمثلُ خطوة مهمة نحو تغيير التصورات التقليدية عن المرأة الفلسطينية، ويعزز من صوتها في السرديات الأدبية.

وتُعبِّر الكاتبات الفلسطينيات عن قضايا الهوية بطريقة تتداخل فيها التجارب الشخصية مع المعاناة الجماعية من خلال كتاباتهن، تسلطُ الكاتبات الضوء على تجاربهن كنساء فلسطينيات، مما يساهُم في تشكيلِ صورة جديدة للمرأة التي لا تقتصرُ على الأدوار التقليدية.

وعلى سبيل المثال، تستخدم الكاتبة فدوى طوقان في قصائدها ورواياتها صوتًا قويًا لتوثيقِ تجربتها الشخصية كامرأة فلسطينية تعيشُ في ظل الاحتلال، معبرةً عن مشاعر الفقد والحنين والتمسك بالوطن.

كما تتناول الكاتبات الفلسطينيات في أعمالهن التحديات التي تواجهها المرأة الفلسطينية في ظل الاحتلال، بدءًا من العنف والحصار وصولًا إلى القيود الاجتماعية والثقافية, لقد تناولن بالعموم مواضيع كثيرة مثل الأنوثة، والعلاقة بالأسرة، والتحديات الاقتصادية، مما يعكسُ تعقيدات الحياة اليومّية للنساء في فلسطين من خلال سردهن لتلكَ التحديات، وتمكن بذلك من تسليطِ الضوء على دور المرأة كعنصرٍ حيوي في المجتمع الفلسطيني، فهم يسعنّ للحفاظ على الهوية الثقافية رغم الظروف القاسية.

لقد شكلت الكتابة النسائية جزء مهم من حركة المقاومة الفلسطينية، فهي تُعتبر أداة للتعبير عن المقاومة والصمود، وقد استخدمتها الكاتبات الفلسطينيات لنقلِ تجارب النساء اللواتي يواجهن الاحتلال والتمييز، مما يساهمُ في توسيع نطاقِ الفهم حولَ دور المرأة في النضال الفلسطيني.

إنَّ الأدب الفلسطيني قد عبّر عن تنوعه وثراء أصواته، و شّكل مرآة تعكسُ تجارب الشعب الفلسطيني، وعبرُ عن قضايا الهوية والمقاومة والحنين ذلك من خلال تجسيد التحديات اليومية والمشاعر المعقدة

وقد تمكّن الكتاب الفلسطينيون، سواء في المهجر أو في الداخل، من بناءِ سرديات غنية تعززُ من الوعي بالحقوق ِالفلسطينية وتجسدُ التجارب الإنسانية.

ومثّلت الكتابة النسائية في الأدب الفلسطيني حجر الزاوية في إعادة صياغة الهوية، حيث برزت النساء كقوة فاعلة تسهم في تشكيل المشهد الأدبي, برزت أيضًا تجارب الكاتبات، مثل من ذكرناهم مسبقًا، كانوا بمثابة مصادر إلهام عكسوا التحديات والمقاومة بأسلوبٍ فني عميق، مما عكسَ لنا صمودهن والتحدي في وجهِ الاحتلال.

علاوة على ذلك، ظهر الأدب الفلسطيني في المهجر كنافذة تُفتح أمام القارئ العالمي لتفهمِ واقع الشعب الفلسطيني، حيث تجلّت الأصوات المتعددة في أعمال كتّاب مثل إدوارد سعيد وسحر خليفة، مما ساهمَ في تشكيل هوية فلسطينية جديدة تستلهمُ من النضال والتاريخ، وتعيدُ تعريف الانتماء.

ومع تطور الأدب الفلسطيني، يبقى السؤال مطروحًا: كيف يمكن للأدب أن يكون جسرًا للتواصل بين الثقافات والشعوب؟

لنقُل إن الأدب من خلال قلمهِ، يُعيد تشكيل الذاكرة الجماعية، ويخلق مساحات للحوار حول حقوق الإنسان، وضرورة العدالة، مما يجعل من الكلمة سلاحًا قويًا في مواجهة الظلم

وفي ختام هذه المقالة.. يتضحُ لنا أن الأدب الفلسطيني هو أكثرُ من مجرد كلمات؛ إنه صرخة احتجاج، ومصدر إلهام، ووسيلة للحفاظ على الذاكرة، يُحافظ على الهوية ويُعبر عن الأمل في غدٍ أفضل. في ظل جميع التحديات، يظل الأدب الفلسطيني متجذرًا في التربة الثقافية والوطنية، مُكرسًا رسالته في النضال من أجل الحرية، مما يؤكد أن الفنون الأدبية، رغم كل الصعوبات، ستظل شعلة تُضيء درب الإنسانية نحو العدالة والسلام.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

نغوغي وا ثيونغو.. أديب أفريقيا الذي خلع الحداثة الاستعمارية

توفي الروائي الكيني البارز نغوغي وا ثيونغو في الولايات المتحدة أمس الأربعاء عن عمر ناهز 87 عامًا، حيث كان يتلقى علاجًا لغسيل الكلى. وهو يعد رمزًا للمقاومة الثقافية وصوتًا قويًا في الأدب الأفريقي والعالمي. كما أنه أحد أبرز الأدباء والمفكرين في أفريقيا، وقد اشتهر بأعماله القوية التي تتناول آثار الاستعمار، وتأثيرات القمع، والنضال من أجل الهوية الثقافية. ويُعتبر "روائي شرق أفريقيا الرائد" وقد تم ترشيحه لجائزة نوبل في الأدب عدة مرات.

وُلد نغوغي في 5 يناير/كانون الثاني 1938 في قرية كاميرييثو بالقرب من ليمورو في كينيا، وكان من أبرز الأصوات الأدبية والسياسية في أفريقيا، حيث كرّس حياته لمناهضة الاستعمار الثقافي والدفاع عن اللغات الأفريقية الأصلية، خاصة لغته الأم الكيكويو. وقد ترك نغوغي وراءه إرثًا أدبيًا غنيًا ونضالًا لا يتزعزع من أجل العدالة الاجتماعية والهوية الثقافية الأفريقية.

بدأ نغوغي مسيرته الأدبية بكتابة روايات باللغة الإنجليزية، مثل "لا تبكِ يا ولدي" (1964) و"النهر الفاصل" (1965) و"حفنة من القمح" (1967)، والتي تناولت آثار الاستعمار البريطاني على المجتمع الكيني، لكن بعد اعتقاله عام 1977 بسبب مشاركته في تأليف مسرحية سياسية بلغة الكيكويو، قرر التحول إلى الكتابة بلغته الأم كجزء من مقاومته الثقافية.

إعلان

وبعد الإفراج عنه، واجه تهديدات بالقتل، مما اضطره إلى المنفى في بريطانيا ثم الولايات المتحدة، حيث واصل نشاطه الأدبي والأكاديمي، وعمل أستاذًا للأدب المقارن في جامعة كاليفورنيا.

كان نغوغي أيضًا ناقدًا ثقافيًا بارزًا، ومن أشهر أعماله النظرية كتاب "تفكيك العقل: سياسة اللغة في الأدب الأفريقي" (1986)، حيث دعا إلى تحرير الأدب والتعليم في أفريقيا من الهيمنة اللغوية والثقافية الغربية. ومن أبرز أعماله في المنفى رواية "ساحر الغراب" (2006)، وهي هجاء سياسي لحكم الطغاة في أفريقيا، كتبها أولاً بالكيكويو ثم ترجمها بنفسه إلى الإنجليزية.

ورغم تعرضه للسجن والمنفى، ظل نغوغي ملتزمًا بمبادئه في الدفاع عن العدالة والهوية الثقافية الأفريقية. وقد وصفه ريغاثي غاشاغوا نائب الرئيس الكيني السابق بأنه "عبقري أدبي ألهم العالم بلغة أفريقية وأسلوب فريد".

رغم تعرضه للسجن والمنفى، ظل نغوغي ملتزمًا بمبادئه في الدفاع عن العدالة والهوية الثقافية الأفريقية (رويترز) المقاومة الثقافية

في السرد الطويل لأدب ما بعد الاستعمار، يقف نغوغي وا ثيونغو كواحد من القلائل الذين لم يكتفوا بتفكيك سردية الاستعمار، بل مضوا إلى لغتهم الأم، إلى الكيكويو، متحدّين اللغة التي صنع بها الاستعمار حداثته المزيّفة، وسجونه الثقافية، ومقاييسه للكتابة والهوية.

وُلد نغوغي أواخر الثلاثينيات، في لحظة كانت كينيا فيها تتخبط تحت نير الاستعمار البريطاني. ومنذ روايته الأولى لا تبكِ يا ولدي (1964)، بدا أنه لا يكتب لمجرد الحكاية، بل لخلخلة الأسطورة الاستعمارية التي جعلت من اللغة الإنجليزية أداة للإخضاع لا للتعبير، ومن الأدب مدخلًا لقولبة الوعي. وحين كتب "حفنة من القمح والنهر الفاصل"، كان يمشي على حبل مشدود، وهو كيف يكتب بلغة المستعمِر عن مقاومة المستعمَر؟ وكيف يروي بالكلمات ذاتها التي دجّنت ذاكرة قارئه الأفريقي؟

إعلان

في عام 1977، وقعت لحظة الانفصال الكبرى. اعتُقل نغوغي إثر مشاركته في عرض مسرحي شعبي بلغة الكيكويو، عنوانه "سأتزوج حين أريد"، مسرحية أزعجت السلطة لأنها استدعت جمهورها الحقيقي من القرى والحقول، وتحدثت بلسانه، لا بلغة الدولة ولا أكاديمييها.

وفي زنزانته، كتب نغوغي روايته "شيطان على الصليب" على أوراق المرحاض، لكنه كتبها بالكيكويو، لا بالإنجليزية. كان ذلك إعلانًا مزلزلًا، فاللغة ليست مجرد وسيلة، بل هي ميدان الصراع ذاته. ومنذ ذلك الحين، لم يعد نغوغي إلى الكتابة بلغة الإمبراطورية الاستعمارية، بل كرّس حياته لاستعادة الكينونة اللغوية والثقافية للشعوب الأفريقية.

يمثل نغوغي مثالًا مغايرًا عن معظم كتّاب ما بعد الاستعمار، فهو لم يحاول قط إعادة تكييف السردية الاستعمارية، ولا خياطتها على مقاس الذات، بل رفضها من الأساس. لم يساوم، لم يلتبس، لم يُغرِه الاعتراف الغربي الذي أغرى كتّابًا آخرين، بل وقف على الضفة الأخرى من النهر، حيث لا ضوء سوى ذاك الذي يصدر عن لغته الأم، وتاريخ قريته، وإرث الجماعة التي خرج منها.

كان نغوغي يعرف أنه بتبني الكتابة باللغات الأم، فإنه يختار الهامش عن طيب خاطر. لم يُغرِه "الاعتراف الدولي" ولم يكتب لجائزة، بل كتب للمرأة التي لا تعرف القراءة، للطفل الذي يتعلم الكيكويو قبل أن يسمع أولى مفردات المدرسة الإنجليزية. وفي روايته الكبرى "ساحر الغراب" (2006)، كتب هجاءً سياسيًا مريرًا لحكام أفريقيا الجدد، لكنه فعل ذلك من الداخل، لا بعيون الغرب بل بعيون الساحر الذي يعرف جغرافيا روحه، وتضاريس الكلمات المنسية. ولذلك، فإن نغوغي لا يُصنّف ضمن كتّاب التهجين، ولا كتاب التفاوض الثقافي، ولا حتى كتّاب المنفى، بل في خانة خاصة، إنه من كتّاب القطيعة الراديكالية.

في كتابه النظري المفصلي "تفكيك العقل: سياسة اللغة في الأدب الأفريقي" (1986)، يطرح نغوغي أطروحته الحاسمة والتي ملخصها أنه لا تحرير حقيقيا دون تحرير اللغة. وأن النضال الثقافي لا يقل أهمية عن النضال السياسي. فاللغة الاستعمارية، في نظره، ليست أداة بريئة، بل هي حاملة للقيم، ومُنتِجة للهويات الزائفة، وخزان الذاكرة المهيمن عليها. ولهذا، فإن الكتّاب الذين يستمرون في استخدام لغات المركز، مهما كانت مقاصدهم، يبقون أسرى لمقاييس خارجية لا تُنتج حرية حقيقية.

إعلان

وربما لهذا السبب ظل نغوغي، طوال حياته، يعيش في مفارقة مؤلمة، فهو أكثر الروائيين الأفارقة شهرة في الغرب، لكن أشهر كتبه كتبت بلغة لا يقرؤها أغلب جمهوره الغربي. بل إنه اضطر غالبًا لترجمة أعماله بنفسه من الكيكويو إلى الإنجليزية، لا ليخاطب الغرب، بل كي لا يُسلب معناه من جديد.

قراء يشترون كتاب "ساحر الغراب" الصادر عام 2007 الذي استغرق نغوغي في تأليفه أكثر من 6 سنوات (رويترز- أرشيفية))

رغم رحيل نغوغي ، فإن خطوته لا تزال تتقدمنا. لقد أكد في مشروعه الفكري والثقافي على أن ما بعد الكولونيالية ليست لحظة زهو أكاديمي أو هوية مُعلّقة بين منزلين، بل معركة قاسية، تبدأ من اللغة وتنتهي عند التمثيل. وأن الكاتب، في خضم كل هذا، لا يُقاس بعدد جوائزه أو ترجماته، بل بقدرته على تحدي السردية الكبرى المهيمنة، واستعادة الهوية التي سُرقت منه ذات استعمار.

أسلوبه الأدبي وأعماله البارزة:

تتميز أعمال نغوغي وا ثيونغو الغنية والمتنوعة بكونها لا تقتصر على نوع أدبي واحد، بل تشمل روايات، ومسرحيات، ومذكرات شخصية، وكتب أطفال، ومقالات نقدية عميقة. وفي جميع هذه الأعمال، ينخرط نغوغي في استكشاف شامل لعدة مواضيع محورية تشكل جوهر تجربته الأفريقية.

أحد أبرز هذه المواضيع هو إرث الاستعمار وما بعد الاستعمار، حيث يقدم نغوغي تحليلًا عميقًا لتأثيرات الحكم الاستعماري المدمرة والتناقضات المعقدة التي نشأت في مجتمعي كينيا والكيكويو بعد الاستقلال. وتتشابك مع هذه الثيمة مواضيع القومية الثقافية، حيث يؤكد بشدة على أهمية الحفاظ على التقاليد الأفريقية الأصيلة وتطوير هوية ثقافية أفريقية قوية ومستقلة.

كما يولي نغوغي اهتمامًا كبيرًا لدور المثقف في مرحلة ما بعد الاستعمار، ويؤكد على المسؤولية الأخلاقية للكتاب والمفكرين في قيادة التغيير الاجتماعي ودفع عجلة التقدم. ويرتبط هذا الدور بشكل وثيق بموقفه الثابت حول اللغة والهوية. ويرى نغوغي أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي أداة قوية لاستمرار إخضاع الشعوب، ولهذا يدعو بقوة إلى الكتابة باللغات الأفريقية الأصلية كوسيلة للمقاومة الثقافية ومكافحة الإمبريالية.

إعلان

وعموما تتخلل أعماله رؤية أيديولوجية واضحة للوصول إلى العدالة الاجتماعية والنضال الطبقي، حيث يسعى غالبًا لتقديم مجتمع عادل، اشتراكي، وخالٍ من الطبقات.

وعلى الرغم من تعقيد رؤيته ومحتواه المفصل، فإن أسلوب نغوغي يتميز بالوضوح غالبًا. ويستخدم جملًا بسيطة وقصيرة، وتقنيات سردية مثل الاسترجاع (flashback) واستخدام الأسماء الحقيقية، وغالبًا ما يدمج التراث الشفهي الأفريقي في أعماله.

نغوغي يرى أن النضال الثقافي لا يقل أهمية عن النضال السياسي، فاللغة الاستعمارية ليست أداة بريئة بل هي حاملة للقيم ومُنتِجة للهويات الزائفة (رويترز)

من أبرز أعماله:

"لا تبكي يا طفل" (Weep Not, Child) (1964): أول رواية له، ومن أوائل الروايات باللغة الإنجليزية التي نشرها كاتب كيني. "النهر الفاصل" (The River Between) (1965): يستكشف صراعات بين التقاليد والتغيير. "حبة قمح" (A Grain of Wheat) (1967): يركز على النضال الكيني من أجل الاستقلال. "بتلات الدم" (Petals of Blood) (1977): نقد للفساد في مرحلة ما بعد الاستعمار والاستعمار الجديد. "شيطان على الصليب" (Devil on the Cross) (1980): كُتبت بلغة الكيكويو في الأصل. "إزالة استعمار العقل: سياسة اللغة في الأدب الأفريقي" (Decolonising the Mind: The Politics of Language in African Literature) (1986): عمل نظري مؤثر يؤكد على دور اللغة في ديناميكيات القوة الاستعمارية.

الجوائز والتكريمات:

حصل نغوغي وا ثيونغو على العديد من الجوائز والأوسمة طوال حياته، بما في ذلك:

جائزة لوتس للأدب (1973) جائزة نونينو الدولية للأدب (2001) جائزة بارك كيونغ-ني (2016) جائزة كاتالونيا الدولية (2020) جائزة PEN/Nabokov للإنجاز في الأدب العالمي (2022) كما تم إدراجه في القائمة الطويلة لجائزة بوكر الدولية في عام 2021 عن روايته "التسعة المثاليون" "The Perfect Nine"، التي أصبحت أول عمل مكتوب بلغة أفريقية أصلية يُدرج في القائمة الطويلة للجائزة. إعلان

مقالات مشابهة

  • تجارب أدبية وإنسانية جديدة في أمسية «مكتبة محمد بن راشد»
  • 55 عملًا للمقاومة الفلسطينية في الضفة والقدس خلال أسبوع
  • العراق يعلن دعم العائدين من المهجر بقروض تصل إلى 50 مليون دينار
  • «جماليات الهوية في الفن التشكيلي».. أمسية أدبية وفنية بنادي الأدب ببنها
  • وزير الأشغال العامة الفلسطيني: نشكر مصر على دعمها للقضية الفلسطينية ودورها في منع التهجير
  • بهجة العيد في دبي.. تجارب لكل الأعمار
  • نغوغي وا ثيونغو.. أديب أفريقيا الذي خلع الحداثة الاستعمارية
  • الهلال الأحمر الفلسطيني يناشد المجتمع الدولي بالضغط لإدخال المساعدات لغزة دون شروط
  • رابط الضمان الاجتماعي المطور.. استعلام برقم الهوية في السعودية 2025
  • باتريك وايت..لماذا رفض النجومية والشهرة؟