جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-16@14:11:10 GMT

نور الختام

تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT

نور الختام

 

سلمى بنت حمود البطاشي

«28 جمادى الآخرة.. في ذكرى رحيل والدي رحمه الله»

رجل عاش حياته بين العطاء والإيمان، لم يكن يركض خلف الدنيا، بل كان يسير فيها بقلب مُطمئن، يسعى ليرضي ربه، كان رجلًا تُعرف هيبته من سكينته، وعظمته من تواضعه، عاش وهو يُوقن بأن الدنيا محطة عبور.

هو رجل استثنائي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يجمع بين الإيمان العميق والقوة الروحية ليبقى قويًا رغم ضعفه الجسدي.

استثنائيته لم تكن في مظهره بل في جوهره، رجل عاش ليُختتم له بأفضل صورة؛ قلب مطمئن، لسان رطب بذكر الله، ووجه مشرق بالرضا.

مشهد في أواخر أيامه وهو ضعيف في جسده لكنه قوي الروح مستعد للقاء الله برضا، مشهد يعكس أسمى معاني الإيمان، حيث تتجلى معاني: الصبر، التسليم، واليقين، كان يجلس بهدوء، يردد الحوقلة، التسبيحات، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، عيناه تحملان نظرات سلام، وكأنَّ الدنيا بأكملها لم تعد تعنيه، لأنه متصل بعالم آخر أكثر رحمة وبهاء، مستعد لملاقاة ربه بكل حب ويقين، الطمأنينة والسكينة وكأنه قد أتم أعماله على الوجه الذي يرضي به الله، وأدى واجباته الدينية والدنيوية بإخلاص، يشير إلى استعداد داخلي للرحيل عن الدنيا بقلب راضٍ، متوكلًا على رحمة الله وعفوه، ومتيقنًا أن لقاء الله هو المصير الحتمي.

ومع شدة الألم الذي كان يعتصر جسده وهو ينازع أنفاسه الأخيرة كان لسانه مغمورًا بذكر الله، يردد سورة الإخلاص مرات عدة بثبات عجيب، وكأن آلام الجسد لم تعد تعنيه أمام عظم ما يترقبه من لقاء ربه، حتى استودع روحه في لحظات الوداع.

شيئًا فشيئًا صار وجهه يشع نورًا، وجلده ناعماً كالحرير، وجسده ممتلئاً كأن العافية دبت فيه، وكأن طوله قد ازداد، فيبدو جسده للرائي أطول مما كان عليه في حياته، وكأن الله قد أكرمه برفعة في الهيئة والمظهر بعد وفاته، ويبشره برحمته ويكرمه بنهاية مشرقة، يعلمنا أن الطاعة مع الله وأن السعي لرضاه في كل خطوة هما الطريق الأكيد للنجاة.

وبعد ساعات كانت أنفاسه الأخيرة تتسارع ببطء وهي تتهيأ للرحيل إلى أن جاء آخر نفس، التفت ونظر نظرة الوداع، حينها كانت عيناه تحملان في بريقهما كل ما لم يستطع لسانه أن يلفظه. عندما فارقت روحه جسده كأن الزمن توقف احترامًا لتلك السكينة التي غمرت المكان، ليترك خلفه دروسًا في كيفية اللقاء الأبدي مع الخالق.

إن لحظاته الأخيرة لم تكن مجرد نهاية بل بداية لرسالة عظيمة، تذكرنا بأن الإيمان والعمل الصالح هما أعظم ما نحمله معنا في رحلتنا إلى الله، فأيامه الأخيرة تحمل في طياتها دروسًا عميقة وعبرًا مؤثرة تلهم كل من تأملها وعايشها أو حتى من سمع عنها.

إن لحظاته الأخيرة ليست فقط لحظات وداع بل صفحات من الإلهام والدروس التي تظل تنير الطريق لمن أحبوه وعرفوه.

إنها صورة لا تُنسى، مشهد مهيب يعلمنا أن من يجعل الله في قلبه وذكره يواجه أصعب اللحظات بطمأنينة لا توصف. رؤيتي له في هذه الحالة رؤية تخترق القلوب، وهي ولا شك تركت أثرًا عظيمًا في نفسي، وستظل محفورة في ذاكرتي مُلهمة لي في الأوقات الصعبة. حسن خاتمته دليل على رضا الله عنه، ولا نُزكِّي على الله أحدًا، وهو أعظم ما يُمكن للإنسان أن يرزق في حياته وآخرته.

الخاتمة الحسنة ليست صدفة؛ بل نتيجة حتمية لحياة مفعمة بالإيمان، فتكون النتيجة بُشرى للعبد وذكرى طيبة للأحياء.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

قصة الوادي الصغير (45) .. الأخيرة

 حمد الناصري

في ساحة العِزّ، الواقعة أسفل الوادي الأصمّ، وسُمّي بالأصمّ، ساحة تُحيط بها الجبال من جهات ثلاثة وفي قُعرها عُمق، يُعرف ببطن الوادي الأصمّ، تنصبّ مياه السّيل في بطن ساحة العِزّ وتُكوّن حفرة عميقة تظهر كبطن ضخم.
قال الرجال بصوت عالٍ، تردّد على جنبات جبال صلدة شامخة، أصوات تُنادي إلى تكوين حِلف مُستقل عن قيادة الوادي الصغير بزعامة سامر بن علي.. وكأنّ الصُخور الصمّاء وقفت بشموخ عِز الرأس المُدبّر سامر بن علي..  وأخذ سامر بن علي يتأمّل وينظر في الجبال الشامخة وقرأ ما كتبه أبوه في كتابه الذي خطّه بيده، ويُعرف بالخط العربي، ذلك الخط، حروفه مُتداخلة التراكيب، وشكلها المائل لكأنّه ثمار شجرة مزخرفة، تتدلّى بعناقيدها بطريقة متشابكة رائعة، "وجبال شامخات وقدورٍ راسية نُحتت في جبال صمّاء، تحمل في أعماقها أثقالاً من كنوز غير متساوية الأحجام ونحاس وذهب عالي الأثمان.. وآثار باقية خلّدتها حضارة الأجداد، ذات مدلولات قويمة، وفي مُخيلة جدّي المنصور. وجدّي وما قبله من الآباء لم يترك بلدته التاريخية التي عُرفت بأرض الكنوز، ولأنّه لم يُغادرها أبداً، اشتهر باسم " المنصور بالجان".
    كان نهار اليوم طويلاً على الأمير سامر بن علي وصدى الأصوات لا يزال يتردّد في ساحة العِزّ، وكأنّ حناجر الرجال جاءت من كهوف الجبال العميقة، حقْناً لدماء مجتمع جبال العزّ، الذين أثّرت عليهم الانقسامات وبدوا مُشتّتين ومجيئهم إلى ساحة العِزّ، حفاظاً على سلامة الشيخ سامر بن علي ، لكن جماعة من بني حارث وبني راشد وعزّام وأولاد جنيب وعويس، اتخذت طرفاً معادياً للشيخ سامر بن علي، وتحصّنت على الجبال الشرقية التي تبدو أخفّ صلابة من جبال ساحة العزّ الصمّاء. وقالوا عن أنفسهم تفاخراً نحن نحرث الأرض ونقضم الحديد وفي أيدينا سيوفًا وربطنا بطوناً بالخناجر لا نَهاب ولا نخشى أولاد المنصور بالجن. ومنذ ذلك اليوم عُرفوا بآل مُحرث.
قال زعيم آل مُحرث نقلاً عن أحد جماعته ، نحن أشدّ عداوة من شرّ الشرقيين ذوي العيون الزرقاء والأنوف الفطحاء ومن شايعهم من رجال ثابت ومحسن الشيخ ومن سار على طريقتهم كالذين عُرفوا بالشرّ والظُلم والسُوء، من ذوي العيون السود وفارعي الطول وذوي العيون الجاحظة.
وقد تسارعت الأحداث بوادي العِزّ؛ وعَجِل الناس انطلاقاً من فطرتهم التي لا يستوطنها الهدوء، فإنْ جيئت أحداث، استعجلتها النفس الشرّانية بإجترار الاختلافات المرجعية، وإذا ما امتثلت للضغط، فصلت بين صناعة الشخصية الاريبة وبين صناعة الصورة اللامعة داخل او خارج الاحداث.؛ وتزداد وتيرة الاختلاف على كل المُستويات، وتلك مؤشرات لبداية هيمنة الغُرباء المُتنفذين في مجتمع أعراب الرمال.
 رجال يحملون على ظهورهم وفوق رؤوسهم صبية ونساء يركبن حميراً وبغالاً وأثقالاً من التمر والعسل والحبوب وصيد البحر المجفّف، وغدت الكهوف مفتوحة في عمق جبال صَماء تصل مساحتها أكبر من مساحة وادي العِزّ .. كهوف سرية لن يصل إليها غير العارفين بها من جماعة الأمير سامر بن علي، كهوف طبيعية كشريان لا ينقطع يمتد من الجبل الأصمّ إلى ساحة وادي العزّ في عمق الجبال الصمّاء وتحت وادي العزّ، وكأنّها حبل سريّ يُحيط بوادي العزّ.
 
  قال قائد تحالف الأعراب، الأمير سامر بن علي، وهو يرفع يديه، تحية للرجال الذين وثقوا به والتفوا حوله في ساحة وادي العزّ.. مُتعهّداً بالقيام بمسؤولياته الجسام وأمانة أمة الأعراب وشموخ رجال وادي العزّ بالتعاون مع حلف سامر والرمال الغربية، من أقصى شرق البحر الكبير إلى نهاية غرب بحر المرجان، حلفاً واحداً، يُرسِّخ القيم الإيجابية، ويعمل على نشر الأفكار التي تُبقي تحالف الأعراب كأمة فاعلة بهوية وإرث أمة واحدة، في عزّ وشموخ.
      نظرات الأمير سامر بن علي، تتبادل في عين طالب بن حبيب، وكأنّهم يتساءلون.. ما بال أبو صالح، أحدث شيء في نفسه.. لغة العيون هي التي تتحدّث فقط. قال "نعيم" من الوادي الصغير وتعود جذوره إلى الساحل المهادن وكأنّه قد اخترق جدار صمت الرجال الذين تحلّقوا حول الأمير سامر بن علي:
 
ـ فوالله لا زلت مقهوراً على الساحل الطويل والحارات المُهادنة ، فنحن ضحية كل تحالف مدعوم من الغُرباء، لا قاعدة لنا أبداً ولا ثبات مُجتمعنا بين رحمة ثابت ونار محسن وشرّانية الشرقيين ، واندفاع أبو صرعة وخبث لفيف الأحمر وعتيق التراث ولؤم طالب بن شحيح ابن القرية الأعلى أو رأس الممرّ الذي وافق بني الزهران آل الشيخ  وذلك الرجل ذو عينين ضيّقتين، الذي عُرف بـ أسد الزهران ، وكلام أجوف تبادل فيه الخائنين أفكار ميّتة ونوايا خفيّة وقيم لا صِلة لنا بها ، وكان مكرهم جميعاً هو الخطر ، مكرٌ هو الأكبر على مُجتمع الأعراب والرمال والساحل المهادن، مكرٌ لتزول منه المساكن الثابتة والبيوت المكينة، مكرٌ تتفطّر منه الرمال وتتفجّر منه الجبال وتنشقّ الصخور، مكرٌ لم يُظهرونه، تنقلع منه الثوابت وتزول القيم، مِقدارهُ الشدة والغلظة، إنه مكرُ الظالمين، وحقد الحاقدين وحسد المُغلّفة قلوبهم ، لا تحتمله قوة لا في الرمال ولا في البحار، مكرٌ مُفرط لا يُعزّز القدرة على تحمّله، مكرٌ قبيح لا طاقة لنا به ، مكرٌ فيه استكبار وغُلُوّ، مكرٌ سيّء خبيث لا يحيق السيء إلّا بفاعل سيئ مثله ولا يأتي الخبيث إلّا من خبيث أشدّ خبثاً منه.
 
   سكت قليلا وهَمْهم بكلام خفيّ، سمعه الرجال ولا يُفهم منه شيئاً، ولا مغزى منه.. والتفت إلى المُجتمعين بغضب، ثم أردف قائلا: ذلك بما كسبت عقولهم البائدة وأنفسهم الخائبة، والذي خبُث لا بركة فيه كالسّبخة المالحة.
لفيف الأحمر يشهر سلاحه ويُوجّهه فوراً إلى رأس نعيم ابن رمال الوادي الجنوبية فيرديه قتيلاً، وعلى الفور أخرج أبو صرعة سهماً حاداً وصوّبه ناحية محسن الشيخ وأسقطه ميّتاً..  صراع يحتدم بين الرجال يصل إلى ذروته، هامات تسقط، عهد جديد يتخلّق ويتشقّق في لحظة عابسة كالحة غير مسبوقة، تطاول الرجال على بعضهم، نتج عن قتلى، روائح الموت تشمّها الجبال، فتصغر في عين الموتى.
 
    غضب يتزايد، ملامح تفترس بعضها، انشقاق وانقسام، اتهامات ومُواجهات، ضجيج واهتزازات ونظرات حادّة متبادلة.. انقسم الجمع، اختلافات في الرؤية والأفكار، حركات تحرّرية تُعلن وأخرى مُناهضة، وقوميات وأحلاف تتشكّل.. غضب شديد يلوح في الأفق، تهديد مباشر، وتوعّد بالقتل وتصفية جسدية لمعارض عليه ملامح الوقار، حاول تهدئة الموقف كان برفقة الأمير سامر بن علي، بغية تثبيته أميراً على الوادي الصغير.. سيف بن زيد، يُعرف بـ حفيد الجد رعالْ من الرمال الغربية، ضحية الولاء وتثبيت الأمير سامر بن علي.
 
 إمرأة مُلثّمة الوجه وراءها رجال مُلثّمين كأنّهم أسود مُفترسة، يُفرّقون الجمع ويُطلقون رصاص أسلحتهم في الذين تشاقوا واختلفوا، ويشعلون النيران في كل مكان بعشوائية، طالت الجثث، تحترق أجساد رجال لا ذنب لهم غير أنّهم حضروا تنصيب الأمير سامر بن علي لقيادة تحالف الوادي الصغير أو حلف وادي العِزّ.

    تتجمّع الجثث وتُخرج روائح كريهة علت سماء الوادي الصغير.. أحداث ساحة وادي العزّ، غيّبت عزّ الرجال، وتبدّدت التحالفات وتفرّقت الأحلاف.. وذاعت أخبار هروب الأمير سامر بن علي إلى الرمال الغربية أو إلى أعراب الوادي الجاف.. يختفي ثابت ولا يُعرف مكان اختفائه، ولم يأتِ أحد عنه بخبر أو جذوة من عِلم يَصِلون إليها، تنفعهم لمعرفة كل الأسباب، فـ ثابت عُرف بالصدق والأمانة والرزانة . لكن الأقوال سارت إلى كونه أصيب برصاصة طائشة في الحادثة الشرّانية المؤسفة.
      غضب يتصاعد وصل حدّ الرمال الغربية والقعدان وبحر المرجان، قوة غربية مدعومة من أعراب الرمال الذهبية تتحرّك إلى بحر الوادي الكبير، والممرّ الضيّق هو الهدف، وقوة شرقية مضادّة تسير إلى بحر الأعراب العميق، وتأخذ مكانها في أقصى جنوب رمال الوادي، وقافلة رجال مُدجّجين بالسلاح تأخذ مكانها في رمال الجنوب باتجاه رملة ياكوف وشاطي مجدولة.
أعراب من رمال الوادي الجاف، يُؤمّنون سلامة الأمير سامر بن علي ، ويمنحوه صكّ الحماية ، استشعار بالخوف باتجاه الرمال الذهبية ، تأخذ حِذرها وتسير ناحية الوادي الجاف وتأخذ موقعها في البلدة العتيقة .
 
تمّت..

مقالات مشابهة

  • معالم جديدة في مزار سيدة لبنان في حريصا: دعوة للصلاة واختبار الإيمان والرجاء
  • خطيب الجامع الأزهر يكشف عن سلوك يرفع شأن الإنسان في الدنيا والآخرة
  • الحكمة الإلهية من الإحرام في الحج.. رحلة للتخلي عن الدنيا والتسليم لله
  • في عيد ميلادها الـ56.. شام الذهبي توجه رسالة مؤثرة لوالدتها أصالة: "كل عام وانتي الدنيا وما فيها وتاج راسنا"
  • ابنة الأبنودي: والدي كان مالي علينا الدنيا .. وزوجته: عاش رقيقا
  • الملقب بـحامى الإيمان..الكنيسة تحتفل بنياحة البابا أثناسيوس الرسولي
  • بعد زلزال كريت| حماية إلهية لأم الدنيا.. وعباس شراقي: موقع مصر الجيولوجي في أكثر الأماكن الآمنة بالعالم
  • يمن الإيمان يسقط الشيطان الأكبر
  • قصة الوادي الصغير (45) .. الأخيرة
  • الخارجية الإيرانية ترد على العقوبات الأمريكية الأخيرة