فى تصورى الإنسانى لا بقاء فى التاريخ إلا للوطن والشعب، الزعماء، القادة، بكل تصنيفاتهم ومسمياتهم يأتون ويرحلون مهما طال بهم الزمن فهم إلى انتهاء، سواء برحيل ديمقراطى محترم بتداول السلطة، أوموت طبيعى أو اغتيال أو ثورة تقتلعهم من مقاعدهم خاصة لهؤلاء الذين يعشقون الكرسى مهما كان وجودهم منبوذا ومرفوضا من الشعب، هؤلاء وهؤلاء يسجل التاريخ أسماءهم بصورة سوداء أو بيضاء حسب إنجازاتهم والبقاء للأوطان وللشعوب بمقدراتهم.
ما سمى بثورات الربيع العربى والتى جرى بها اقتلاع بعض رؤساء دول عربية من مقاعدهم لم يكن درسا واعيا لبشار الأسد والذى طال مقامة لمدة تصل إلى ١٤ عاما بعد تلك الثورات العربية أيا كان منتجها ومحركها، فبقى على كرسيه وقد اختار حوله جيشا بموصفات طائفية لتحميه وعائلته وشيعته، وأطلق يد الجيش لتصفى كل من رأوا فيه المعارضة السياسية أو الاختلاف الطائفى اللا علوى، ولا يمكن لأحد أن يتجاهل تلك الجرائم الدموية التى ارتكبتها عناصر الجيش ضد أبناء الشعب، ولا مبرر أبدا لجيش لأن يوجه دوره الأساسى لحماية الجبهة الخارجية من أعداء الوطن، أن يوجه دوره إلى تصفية أبناء الشعب ممن يعتبرهم أعداء النظام والرئيس، ويعتبرها حربا ضروسا ليترك فى كل عائلة وأسرة سورية سنية الجرح والثأر ورغبة الانتقام ويتسبب فى الشتات لأهل سوريا فى مراكز اللجوء الغربية وغير الغربية، ويسمح لقوى خارجية بالتدخل واللعب على المكشوف أو المستور لأجل مصالحها فى بلاده، لا مبرر أبدأ لأى جيش نظامى مفترض أنه وطنيا ليفعل ذلك، وحين أقارن بينه وبين جيشنا المصرى العظيم، أجد فارق السماء والأرض، فقد انحاز الجيش للشعب وحقن الدماء وتصدى لمخططات التخريب والتقسيم الطائفى ولم يسمح بأى تدخلات خارجية، حفظ الله جيش مصر لأنه قوة وطنية تحمى الوطن والشعب.
وأعود إلى سوريا الأن، وتتنازعنى نظرة خوف تختلط بنظرة حالمة حيال المشهد المرتبك سياسيا وعسكريا، أخاف أن يتشبث محمد البجلاوى بالسلطة ويفرض نفسه رئيسا على البلاد وهو المنتمى السابق للقاعدة والمطلوب فى أمريكا مقابل ١٠ مليون دولار، أخشى أن تطل رؤوس أخرى تتصارع للقيادة بقوة السلاح داخل فصائل المعارضة نفسها متقنعين بوصفهم صناع الثورة وقادتها، لأن زهوة السلطة تسلب عقول الرجال، وأخشى أن يكون الشعب السورى قد استجار من نار الأسد برمضاء متطرفين أو متأسلمين، وأتصور أنه لا مفر من التفكير الموضوعى من منطلق وطنى، الميليشات المسلحة المنتصرة الأن لا يمكن أن تصبح جيشا يحمى وطن، ومنذ إعلان الأسد تنحيه الذى جاء متأخرا كثيرا تصورت أن الحل فى سوريا هو إعلان الجيش النظامى على الفور وكل قادته الإنحياز للشعب، والبقاء فى ثكناته العسكرية لحماية جبهة سوريا الخارجية، وإعلان وقف المواجهات المسلحة مع المعارضة، وعدم الإنصياع لأى مواجهات واقتتال فى الداخل حتى تتضح ترسيمات الخارطة السياسية، وأن تحترم المعارضة قرار الجيش من أجل الجبهة الخارجية وتوقف تلك التصفيات الدموية الإنتقامية لعناصر الجيش، أما تسليم الجيش مواقعة وأسلحته للمعارضة المسلحة نتيجته فوضى داخلية دموية العواقب مع وصول الأسلحة لأيدى لا تجيد التعامل كجيش نظامى للدولة ولا تجيد القيادة الدفاعية، وسيعنى هذا انتهاء أمن سوريا تماما على جبهتها الخارجية وفى مواجهة إسرائيل، والتى ستجدها فرصة ذهبية للتغلغل فى مزيد من الأراضى السورية لتضمها إلى الجولان المسلوب.
أرى وجوب ذلك، هذا إن فكر المتصارعون فى مستقبل سوريا وطن وشعب، وألا يتوقف تفكيرهم على حجم قطعة التورتة التى سيفوزون بها من خلال هذا الوضع الشائك، فاللأسف الخارطة الداخلية متوزعة وبها تقسيمات للموالى هنا وهناك، وبدت صورة عناصر المعارضة المسلحة فى الإعلام كالدواعش، وهو ما يجب أن ينفيه هؤلاء بالفعل لا القول، بإعلان الوفاق الوطنى، إعلان المرحلة الحالية مرحلة انتقالية مؤرجة ومجدولة بالاستحقاقات الدستورية للشعب، فتح الباب أمام إنتخابات رئاسية حرة ونزيهة، إجراء إنتخابات برلمانية تتشارك فيها كل طوائف الشعب.
حقيقة، راغبة أنا فى التفاؤل لأجل شعب سوريا الذى ذاق الويلات على يد الأسد وجيشه العلوى، وغرق فى بحور الدماء قرابة عقد ونصف، وذاق ذل الشتات فى ملاجيء الدول الغربية وغير الغربية، أتمنى أن يكون بينهم رجل رشيد وطنى حقيقى يدعو إلى الوفاق الوطنى والمصالحة العامة الفعلية، وقف التصفيات الإنتقامية ضد الجيش من أجل مصلحة وطن مقدراته تتراهن وتتنافس عليها خمس دول خارجية هى أمريكا، روسيا، تركيا، إيران وإسرائيل، كل واحدة أخطر من الأخرى، أما تفكيك الجيش والقضاء عليه لإحلاله بعناصر ميليشيات مسلحة لهى أول كارثة ومستنقع موحل للعهد الجديد، وأحلم أن تقوم الجامعة العربية من غفوتها وتلعب دورا ملموسا فى مساعدة وتوجيه خارطة الطريق الديمقراطية فى سوريا، ليس لمصلحة سوريا فقط بل لمصلحة كل الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط التى تحاول أجندات الغرب تفتيتها فى شرق أوسط جديد تسود فيه إسرائيل. اللهم احفظ سوريا أرضا وشعبا من التمزق والقتل والشتات واهدهم إلى خارطة الإستقرار والسلام والأمن.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: فكرية أحمد
إقرأ أيضاً:
"الوعي" يدين قرار الاحتلال الإسرائيلي بإنشاء 22 مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة
يتابع "حزب الوعي" بقلق بالغ القرار الخطير الذي اتخذته سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالموافقة على إنشاء 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة بدولة فلسطين، في خطوة تصعيدية تمثل انتهاكًا صارخًا لكافة المواثيق والقرارات الدولية، واستفزازًا لمشاعر ملايين العرب والمسلمين والمسيحيين وشرفاء العالم، وللرأي العام العالمي المنادي بالعدل والحرية وإنهاء الاحتلال.
وإذ يدين الحزب بأشد العبارات هذا القرار الاستيطاني غير الشرعي، فإنه يؤكد أن السياسات الاستعمارية التي تنتهجها سلطات الاحتلال تمثل تهديدًا مباشرًا لما تبقى من فرص لتحقيق السلام العادل والشامل، وتكشف عن نوايا توسعية تسعى إلى تكريس واقع الفصل العنصري، ونهب الأراضي الفلسطينية، وتهجير سكانها الأصليين.
ويشدد "حزب الوعي" على أن هذا القرار يشكل خرقًا سافرًا لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تحظر على قوة الاحتلال نقل سكانها المدنيين إلى الأراضي المحتلة، فضلًا عن مخالفته الفادحة لقرارات مجلس الأمن، لا سيما القرار 2334 لسنة 2016، الذي يعتبر جميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي المحتلة غير قانونية، بالإضافة إلى تجاهله الكامل للرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية بشأن الجدار العازل وممارسات الاحتلال في الأرض الفلسطينية المحتلة.
إن هذا القرار لا يمكن فصله عن مسلسل التصعيد المستمر ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، بما في ذلك التمهيد لعمليات التهجير القسري أو الطوعي عبر إحالة سُبل العيش إلى المستحيل، والعدوان العسكري المتكرر، ومخططات تهويد القدس، وهو ما يستوجب من المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، والتحرك العاجل لوقف هذه الممارسات الأحادية، وحماية الشعب الفلسطيني، والعمل الجاد على إنهاء الاحتلال، وتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
ويؤكد "حزب الوعي" دعمه الكامل والثابت للموقف المصري الراسخ من القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية العرب المركزية، ويجدد دعوته إلى توحيد الجهود العربية والدولية للرد على هذا التصعيد، من خلال المسارات الدبلوماسية والقانونية والشعبية، وتفعيل آليات المحاسبة الدولية تجاه سلطات الاحتلال.
تحيا فلسطين حرة عربية
كل التحية لصمود شعبها المقاوم
وليبقَ الشعب المصري والدولة المصرية صوتًا وطنيًا وعربيًا حُرًا، مدافعًا عن الحق والعدل، وعن القضية الفلسطينية حتى تتحقق تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.