التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي نقلتها قناة “14” العبرية، يهدّد فيها بحرق فلسطين، تعدّ بمثابة نقطة تحوُّل خطيرة في الخطاب الأمريكي- الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
هذه التصريحات ليست مجرد كلمات عابرة، بل تعكس تحالفا خطيرا بين السياسات الأمريكية المتطرّفة والنهج الصهيوني القائم على الاستعمار والإبادة الجماعية.
منذ بداية ولايته الأولى (20 جانفي 2017- 20 جانفي 2021)، أظهر ترامب انحيازا غير مسبوق للاحتلال الإسرائيلي، إذ أقدم على خطوات غير قابلة للتراجع مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وطرح ما عُرف بـ ”صفقة القرن” التي تتجاهل حقوق الفلسطينيين بشكل صارخ. هذه السياسات مهّدت لخطاب عدواني يتماهى مع التصريحات الأخيرة لترامب، الذي يعكس رغبة في القضاء على أي أمل لفلسطين حرة ومتصلة. وبذلك، لا تُعدّ تصريحات ترامب سوى امتداد لإستراتيجية تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بكل ما تحمل من حقوق ومطالب مشروعة.
إن الإعلام الإسرائيلي، الذي اختار بثّ هذه التصريحات في هذا التوقيت، يؤدّي دورا مركزيا في ترسيخ خطاب التحريض والكراهية ضد الفلسطينيين. قناة “14” العبرية ليست مجرد قناة إعلامية، بل تعمل أداة دعاية رسمية تدافع عن سياسات القمع والتهجير التي يعتمد عليها الاحتلال. وفي هذا السياق، يتعاون الإعلام الإسرائيلي مع السياسة الأمريكية لتخويف الفلسطينيين ودفع المجتمع الدولي للتغاضي عن انتهاكات الاحتلال، فالإعلام الإسرائيلي يساهم في صناعة بيئة تشرّع الجرائم الإسرائيلية وتحرّض على المزيد من العنف ضد الشعب الفلسطيني.
أما على الأرض، فتتجسّد تهديدات ترامب في واقع مرير يعيشه الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية.
العدوان المستمر على غزة، الذي أسفر عن استشهاد عشرات الآلاف وتدمير رهيب للبنية التحتية، وسياسات الهدم والتشريد في القدس والضفة الغربية، تعكس حقيقة أن الاحتلال الإسرائيلي يتبنى نهجا تصعيديا لا يتوقف. عمليات التهجير، والاقتحامات العسكرية اليومية، وتصاعد الاستيطان، هي أدوات منطقية لتطبيق الأجندة الإسرائيلية التي تتلاقى مع الخطاب العدواني لترامب. هذا كله يتطلب من الفلسطينيين تصعيد المقاومة بكل أشكالها.
في السياق ذاته، تبرز ازدواجية المعايير الغربية التي ترفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان بينما تقدم الدعم الكامل للاحتلال الإسرائيلي في المحافل الدولية.
ترامب، الذي يسعى إلى استعادة قاعدة شعبية متطرفة في الولايات المتحدة، يستغل تحالفه مع اليمين الإسرائيلي لتعزيز صورته كمدافع عن المشروع الصهيوني. هذا التحالف يضع الفلسطينيين في مواجهة جبهة متكاملة من الاستعمار والاستبداد، وتزداد التحدّيات السياسية والاقتصادية على خلفية غياب الدّعم الدولي الفاعل للقضية الفلسطينية.
وبناء على ذلك، فإنّ التحديات التي تفرضها هذه التصريحات تستدعي من الفلسطينيين توحيد صفوفهم وتعزيز مقاومتهم. خطاب ترامب، الذي يهدّد بحرق الأرض الفلسطينية، ينبغي أن يحسّن الفلسطينيون استغلاله كشرارة لإعادة بعث الانتفاضة الشعبية والسياسية. المقاومة الشعبية هي الخيار الأوحد الذي يعيد للقضية الفلسطينية ألقها في محافل العالم، حتى يثبت الفلسطينيون مجدّدا أن مقاومتهم ستكون أداة لاستعادة حقوقهم المغتصبة.
وعلى المستوى الإقليمي، فإن هذه التصريحات يجب أن تشكّل حافزا لإعادة تقييم العلاقات مع الولايات المتحدة، لاسيما في ظل موقفها المتعنّت والمناصر للاحتلال. الشارع العربي الذي لم يفقد إيمانه بالقضية الفلسطينية، مطالب اليوم بأن يظهر مزيدا من التضامن الشعبي مع فلسطين وأن يقف ضد المحاولات الرامية إلى تصفية الحقوق الفلسطينية عبر المشاريع الأميركية- الإسرائيلية. لا يمكن للأنظمة العربية أن تظل صامتة أمام هذه الهجمات الشرسة، ويجب على الدول أن تبذل جهدها في تبني مواقف قوية تدعّم الحقوق الفلسطينية على جميع الأصعدة.
وفي الوقت نفسه، فإنّ المجتمع الدولي الذي يدعي التزامه بالقانون الدولي، أمام اختبار حقيقي؛ فالمطلوب من الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية ليس مجرد الإدانة الكلامية، بل اتخاذ خطوات ملموسة لوقف التصعيد الإسرائيلي المدعوم أمريكيا. تاريخ الأمم المتحدة يثبت أنها عاجزة عن محاسبة الاحتلال بسبب الهيمنة الأمريكية على القرارات الدولية. إلا أن استمرار هذا الفشل يعمّق أزمة الثقة بين العالم العربي والمجتمع الدولي، ويهدّد بفقدان الشرعية الدولية.
وفي الختام، يبقى الشعب الفلسطيني، الذي قاوم الاحتلال عقودا طويلة، يقف صامدا أمام كافة التهديدات. تهديد ترامب بحرق فلسطين قد يكون بمثابة دعوة إلى إعادة توحيد الصفوف الفلسطينية، لتهيئة الأرضية لمقاومة شرسة ومتجدّدة تستهدف تغيير المعادلة السياسية. الفلسطينيون سيبقون على درب النضال حتى تحقيق أهدافهم في التحرير والعودة، وهو حقّ غير قابل للتصرّف مهما كانت الظروف والتحدّيات.
الشروق الجزائرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب الاحتلال غزة المقاومة غزة الاحتلال المقاومة ترامب مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه التصریحات
إقرأ أيضاً:
ماذا وراء تهديد إسرائيل بـضغط عسكري حقيقي في غزة؟
رغم مرور 22 شهرا على الحرب، فإن إسرائيل صعّدت على المستويين السياسي والعسكري من نبرة تهديدها لقطاع غزة، بعد تمسك المقاومة بمطالبها لإبرام صفقة تفضي إلى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وفي وقت كثفت فيه المقاومة عملياتها وكمائنها المركبة على الأرض، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إيفي دفرين إن المؤسسة العسكرية ستقدم خططا للمستوى السياسي لاستمرار القتال في غزة.
ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر أن العملية العسكرية في غزة ستنتقل إلى مرحلة "أكثر تصعيدا إذا لم يحدث تقدم في المفاوضات".
كما نقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله إن الجيش سيعمل على إيجاد "تهديد عسكري حقيقي في مناطق معينة، أملا أن يدفع ذلك نحو التوصل إلى صفقة جزئية".
وأشارت الصحيفة إلى أنه من المحتمل أن التنسيق يجري حاليا وراء الكواليس بين إسرائيل والولايات المتحدة بهدف زيادة الضغط على حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
مأزق مزدوجويخفي هذا التوجه الجديد مأزقا سياسيا وعسكريا إسرائيليا في قطاع غزة يترجم بتعميق التجويع وزيادة وتيرة القتل، وفق الخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى.
وحسب حديث مصطفى لبرنامج "مسار الأحداث"، فإنه لا يوجد في جعبة جيش الاحتلال من الناحية الإستراتيجية ما يمكن استخدامه لإجبار حركة حماس على القبول بالشروط الإسرائيلية في المفاوضات.
وشكلت عملية "عربات جدعون" -التي أطلقها جيش الاحتلال في مايو/أيار الماضي- أقصى تهديد عسكري حقيقي لحماس، إذ كانت ذروة عمليات جيش الاحتلال خلال الحرب، التي ينظر إليها المجتمع الإسرائيلي بأنها أصبحت عبثية.
واستبعد الباحث في الشؤون السياسية سعيد زياد نجاح إسرائيل في إخضاع المقاومة عبر أي تهديد عسكري جديد، مستدلا بالكمائن ضد جيش الاحتلال في بيت حانون شمالا ورفح جنوبا.
وحسب زياد، فإن استمرار سقوط القتلى والجرحى الإسرائيليين في رفح وبيت حانون "دلالة راسخة على استعصاء العمل العسكري في هزيمة قطاع غزة".
إعلانوبناء على ذلك، فإن انتهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية الكبرى قاب قوسين أو أدنى، في حين يبقى الهدف الإسرائيلي الأسمى تصفية القضية الفلسطينية عبر رفع شعار القضاء على المقاومة ونزع سلاحها وفرض حكم عسكري على القطاع ثم تهجير سكانه.
ضوء أخضر أميركيلكن المقاومة بدأت قراءة المتغيرات الميدانية، بعدما بات جيش الاحتلال يميل للاندفاع أكثر بما يحقق له احتلالا مباشرا للأرض وفرض حصار مطبق، كما يقول الخبير العسكري أحمد الشريفي.
وتحاول إسرائيل فرض واقعين على المقاومة الأول: "تفاوض تحت النار"، والآخر: "تفاوض تحت الحصار" عبر عمليات استطلاع متقدم -حسب الشريفي- ضمن هدف لم يعد تكتيكيا، وإنما في إطار إستراتيجية إدارة الأزمة.
وبناء على هذا الوضع الميداني، بات واضحا ارتفاع وتيرة عمليات المقاومة إثر تغير في الأهداف تبناه جيش الاحتلال، الذي يريد السيطرة على محاور متعددة لإسكات قدرة حماس على المشاغلة والمواجهة.
لكن استهداف المقاومة وحدات الاستطلاع يعني أنها "لم تؤمّن قاعدة بيانات وبنك أهداف جديدا"، مرجحا إطاحة عمليات المقاومة بإستراتيجية إسرائيل القائمة على الاحتلال والحصار.
وأعرب الشريفي عن قناعته بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعطى الضوء الأخضر لإنعاش جيش الاحتلال -الذي يعاني ضعفا وانهيار معنويا- من قبل الولايات المتحدة لإدامة زخم المعركة حتى تحقيق الأهداف الإسرائيلية والأميركية في غزة.
في المقابل، رأى المحلل الإستراتيجي في الحزب الجمهوري الأميركي أدولفو فرانكو في الهجمات الفلسطينية على القوات الإسرائيلية أنها بمنزلة "تقوية لحكومة بنيامين نتنياهو"، إذ تظهر أن هناك حربا لم تنتهِ، وضرورة القضاء على حماس وطرد قياداتها إلى الخارج.
وحسب فرانكو، فإن حماس تريد تجميع عناصرها وترتيب صفوفها والعودة إلى الحرب، مرجحا في نهاية المطاف التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار مع ضمانات أمنية إسرائيلية.
وكان ترامب قال -في أحدث تصريحاته- إنه "لا يعلم ما الذي سيحدث في غزة"، مطالبا إسرائيل باتخاذ قرار بشأن الخطوات التالية، في حين قال نتنياهو -المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب إبادة جماعية في غزة- إنه سيواصل التفاوض ويتقدم في القتال من أجل القضاء على حماس وتحرير الأسرى.