لجريدة عمان:
2025-07-31@03:53:30 GMT

لنتحدث عن تبييض السجون

تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT

صباح الثامن من ديسمبر، ونحن مشدودون إلى الشاشات، يخرج السجناء بالعشرات، بالمئات، بالآلاف وكأنهم يمنحون لفظة «تحرير» تمثيلاً بصرياً وحرفياً. نتذكر ونحن أمام هذا المشهد المهيب معنى نجاتهم. نستدعي رجلاً أسمر، فمه الصغير بالكاد يُفتح وهو يتحدث، وعيناه في عزاء أبدي، حتى في اللحظات التي لا يبكي فيها فعليا.

وحين يُسأل ما الذي يحس به تجاه قاتليه، تشعر للحظة أنه سيصفح عنهم. لكن عيناه تجحظان فجأة وهو يستدعي وجوههم التي تتشفى بعذاباته، يرتفع حاجباه فيما يختلج وجهه، يُطبق جفناه أسرع من العادة. وكأن الدموع جزء ضروري من شهادته، أكثر ضرورة من حروف العلة، يتركها تأخذ مكانها في قصته. كان هذا مازن حمادة الذي ستصلنا بعد يوم أو نحوه صورة أخرى لجثته من مستشفى حرستا بريف دمشق.

على هامش تبييض السجون، شكك البعض في إن كان من الحكمة أن يُحرر جميع المساجين دون التوثق من تهمهم، إذ ليس جميعهم سجناء سياسيين. ويتساءلون ماذا لو أدى هذا لموجة من العنف والفوضى، ألا يتم استخدام المساجين كأداة تحديداً لهذا الغرض؟

أولا، إن عملية التوثق ستعني بقاء عشرات الآلاف (فكروا بالرقم الآلاف) من المساجين حتى تتم هذه العملية المرهقة والمعقدة، خصوصا أنه وكما هو الحال مع سجن صيدنايا كانت فرق الإنقاذ في حرب مع الزمن من أجل الإفراج عنهم قبل أن يختنقوا، والسوريون في تلهف لاستعادة أحبتهم أو أقله الاطمئنان على مصيرهم.

ثانيا، حتى فيما يخص السجناء غير السياسيين. كيف نتوقع من نظام وحشي ومستبد، أن يكون قد تثبت من تهمهم، أو أن يُحاكمهم محاكمات عادلة، ويجازيهم بما يتوافق مع جناياتهم. ومهما تكن جريمة المرء فثمة ظروف سجن يجب توفرها لحفظ كرامة المساجين، ظروف غير متوفرة في حالة النظام السوري.

فوق هذا فالجرائم التي تحدث - في ظل الحروب خصوصا - هي مشاكل هيكلية يتحمل النظام مسؤوليتها فوق ما يتحمله الأفراد.

أمر آخر حول هذه النقطة. على عكس ما حصل مع سقوط أنظمة أخرى في الربيع العربي، لم يبدُ أن الثوار يضعون القصاص والثأر كأولوية لهم. على العكس هم يؤمنون بأنها مرحلة تتطلب قدرا عاليا من التسامح والصفح، والإقرار بأن من شغّلوا آلة القمع والظلم هذه هم - بطريقة ما - ضحايا النظام أيضاً. لا يجب أن يعني هذا - بأي حال من الأحوال - أن لا يُحمّل الجناة مسؤولية أفعالهم. لابد من المساءلة، ولابد من أخذ الحق الذي حلم به الضحايا سنوات.

ثالثا، صحيح أننا نعرف عن أمثلة استُغل فيها السجناء للبلطجة. ولكن هذا لا علاقة بكونهم مساجين، بل بكونهم وُظفوا لهذا الغرض. ليس الأمر وكأنهم ذهبوا لإثارة الفوضى فور إطلاق صراحهم لطبيعة مؤذية فيهم. بل أن إثارة الفوضى كانت شرطاً لإطلاق سراحهم. أمر لا يختلف كثيراً عن استخدام المرتزقة، الفارق الوحيد أن المساجين في وضع أكثر هشاشة، والموظِف يستغل استماتتهم لكسب حريتهم، ويوظفها لصالحه. التصديق أنهم يذهبون إلى العنف فور إطلاقهم، قادم من فرضية متزمتة عن طبيعة الشر. بمعنى أن ثمة من هو بالفطرة شرير أو عنيف أو مثير للمتاعب.

رابعا، يقول لي حدسي - والذي اعترف أنه غير مدعم بأي معرفة - أن فكرتنا عن السجن، وما يفعله السجن بالإنسان، قادم من أسوأ نموذج موجود: السجون الأمريكية. لا أتحدث عن السوء بمعنى الوحشية، بل بمعنى تأديته للغرض الذي أُوجد من أجله، أي الإصلاح. على العكس تماماً، تنجح السجون الأمريكية في أن تأخذ يافعا بريئا وتحوله إلى كائن عدائي، جاعلة من مؤسسة السجن نظاما لتفريخ العنف.

وأنا لا أقول أن سجون الشرق الأوسط أفضل حالا، كل ما أقوله أننا لا نملك المعرفة الكافية عن التغيير الذي تحدثه على المستوى النفسي. أليس واردا أنها تصنع شبكة من التضامن، أن تكون مكانا للتثقيف، في ظل وجود نسبة كبيرة من المجتمع في السجون.

خامسا، فكرة العقاب، والعقاب عبر سلب الحرية بحاجة إلى مراجعة. خصوصا عندما نضع في الحسبان الأثر الاجتماعي على تغييب معيل الأسرة، أو الأثر النفسي على أبناء المساجين، واحتمالية أن يُصبحوا هم أنفسهم مساجين في المستقبل. أو حين نُفكر بالبعد السياسي لمؤسسة السجن التي تُوجد أحيانا كحلول لمشاكل اقتصادية واجتماعية: مثل الحاجة إلى أيد عاملة بالمجان كبديل للاستعباد فور إلغاء العبودية، أو حل لفشل الحكومة في توفير فرص متساوية للجميع تضمن لهم العيش الكريم، أو انعكاس للعنصرية في المجتمع.

الخلاصة، أننا عندما نضع التحرير الفوري للأبرياء الذين نُكل بهم دون رحمة، مقابل التخوف من إطلاق متهمين بارتكاب جنايات، نُدرك عدم وجود حجة مقنعة تدعم التردد في تبييض السجون.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

وزير المالية: التسهيلات الضريبية والجمركية أداة مؤثرة فى مسار الإصلاح الاقتصادي

أكد أحمد كجوك وزير المالية، أننا نتطلع إلى تعاون أكبر يفتح آفاقًا أوسع للقطاع الخاص فى عملية التنمية، لافتًا إلى أننا نسعى لتعزيز الشراكة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، فى مجالات الصحة والتعليم والطاقة والصناعة والزراعة والبنية التحتية.

قال الوزير، فى لقائه مع المهندس أديب الأعمى، الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، إننا نعمل مع الشركاء الدوليين على تحقيق أهداف التنمية الشاملة برؤية أكثر استدامة، موضحًا أن سياساتنا المالية تدفع النشاط الاقتصادي بمبادرات أكثر تحفيزًا للإنتاج والتصدير، وأن التسهيلات الضريبية والجمركية تعد أداة مؤثرة فى مسار الإصلاح الاقتصادي الجاذب للاستثمار.

أكد المهندس أديب الأعمى، الرئيس التنفيذى للمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، أننا حريصون على دعم الجهود الهادفة لتعزيز تنافسية الاقتصاد المصرى، ونتطلع للبناء على ما تحقق من نجاحات مشتركة، تمثل نموذجًا متميزًا للتعاون التنموي.

مقالات مشابهة

  • نتنياهو يدعم سياسة التصعيد ضد الأسرى
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • سارة خليفة مذيعة المخدرات مهددة بتغيير ملابسها بالسجن من الأبيض للأزرق
  • وزير المالية: التسهيلات الضريبية والجمركية أداة مؤثرة فى مسار الإصلاح الاقتصادي
  • ونش إنقاذ السخنة والسويس في خدمتك فورًا.. دعم كامل لأي عطل على طريق السخنة والسويس
  • المستشار الألماني: حل الدولتين هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني
  • مكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب..هذه أبرز الخطوات التي خطتها الجزائر
  • أريد أن أكون كريما.. ترامب يقلص مهلة الـ50 يوما لبوتين لقبول وقف إطلاق النار
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)
  • لواء البراء يكشف عن تطورات جديدة