أحداث سوريا وضرورة العض بالنواجذ على السيادة الوطنية
تاريخ النشر: 13th, December 2024 GMT
بقلم : تاج السر عثمان
١
نتابع بمناسبة الذكرى السادسة لثورة ديسمبر قضية السيادة الوطنية، وكيف فرط نظام الانقاذ فيها، مما أدي للتدخل الإقليمي والدولي في الشأن الداخلي، بهدف نهب ثروات البلاد، واستمر التفريط في السيادة الوطنية بعد ثورة ديسمبر، حتى قيام انقلاب ٢٥ أكتوبر 2021 الذي أدي للحرب اللعينة الجارية حاليا، التي عمقت من كثافة التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية االتي تسلح طرفي الحرب مثل: روسيا، الإمارات، تركيا، ايران، ومصر.
لقد أكدت تجارب التدخلات الدولية فشلها في حل مشاكل البلاد كما في تجربة انفصال الجنوب.
وجاء درس جديد من أحداث سوريا الذي يؤكد ضرورة العض بالنواجذ على السيادة الوطنية، فقد اكد سقوط نظام بشار الأسد الأخير الذي اعتمد على الخارج (روسيا، إيران، حزب الله. الخ) بتدخل من تحالف أمريكي اسرائيلي تركي داعم للمليشيات المسلحة في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير الهادف لتقسيم بلدان المنطقة الي كيانات دينية وعنصرية، وتفكيك جيوشها الوطنية وتحطيم أنظمة دفاعاتها في مواجهة الكيان العنصري الصهيوني، ونهب ثرواتها وجعلها تابعة مرتهنة للخارج، وفرض السياسات النيوليبرالية عليها التي تقود لمزيد من الافقار لشعوب المنطقة ونهب مواردها.
كما وضح من الهجمات العدوانية التي شنها الكيان الصهيوني مستهدفاً عشرات المواقع العسكرية في ارجاء سوريا ، وتوغل قواته في محيط الجولان المحتل، وإلغاء اتفاقية وقف إطلاق النار عام 1974، إعلان نيته فرض السيطرة على مناطق حدودية واسعة، مستغلا الأوضاع الصعبة والمعقدة التي يواجهها الشعب السوري بعد انهيار النظام السابق..
مما يتطلب اوسع تضامن َمع الشعب السوري حتى يتمكن من ممارسة حقه في قيام نظام حكم مدني ديمقراطي ودولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن العرق أو اللون أو العقيدة أو الفكر السياسي اوالفلسفي، وتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية واستعادة السيادة الوطنية، والحفاظ على وحدة أراضيه وسيادته الوطنية.
كما أكدت التجربة ان الخارج لن يحميك من الانهيار كما حدث لبشار الأسد فلم تنقذه روسيا أو إيران اوحزب الله . الخ ، اضافة لخطر تمزيق سوريا وتقسيمها لمصلحة التحالف الاسرائيلي التركي الأمريكي بعد تدمير جيشها الوطني و بنيتها التحتية و قواعدها العسكرية وصناعتها ، وتخريب مراكز بحثها العلمي، ونهب ثرواتها وكنوزها وآثارها الثقافية. الخ كما هو جارى الان في، كما سبقه نظام البشير وغيره من المجرمين الطغاة الذين ساموا شعوبهم سوء العذاب.
٢
كما اشرنا في دراسات ومقالات سابقة، بعد انقلاب الاسلامويين في ٣٠ يونيو 1989 ، رفض شعبنا الانقلاب وتفريطه في السيادة الوطنية، وتدخله الإرهابي في شؤون الدول الأخرى، ومسؤوليته في احتلال حلايب وشلاتين من قبل النظام المصري ، والفشقة من النظام الاثيوبي ، ودوره في فصل الجنوب بعد اتفاقية نيفاشا، واشعال نيران الحرب في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ، مما ادي للتدخل الكثيف في الشؤون الداخلية للبلاد ، وتفكيك الجيش السوداني ، وقيام مليشيات " الجنجويد"، وكان من نتائج ذلك ابادة 300 ألف مواطن في دارفور وتشريد 3 مليون مواطن، وقرار محكمة الجنايات الدولية بتسليم البشير والمطلوبين للجنائية الدولية.
رفض شعبنا قرار نظام البشير في مارس 2015 بمشاركة السودان في الحلف العربي – الإسلامي لحرب اليمن بقيادة محورالسعودية والإمارات ومصر، وقرار ارسال مرتزقة للمشاركة في حرب اليمن ، علما بأن السودانيين كانوا يرسلون معلمين لنشر العلم والمعرفة في اليمن!!، وبدلا من رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخري ، والمطالبة بحل المشكلة سلميا في اطار الأمم المتحدة ، زج البشير بقواتنا في محرقة الحرب في اليمن ، في حرب لا ناقة ولا جمل فيها لشعب السودان.
كما فرط البشير في السيادة الوطنية وفتح ابواب البلاد علي مصراعيها للنشاط الارهابي ، كما في انشاء المؤتمر الشعبي الاسلامي في تسعينيات القرن الماضي الذي جمع كل صنوف الارهابيين المتعددي الجنسيات مثل : بن لادن ، وكارلوس ، وغيرهم من الارهابيين المصريين والليبيين، والفلسطنيين ، والأفارقة ومنظماتهم " بوكو حرام ، الشباب الصومالي . الخ" ، وتفريخ جامعة افريقيا لهم وارسالهم للبلدان الافريقية.
وتمّ فتح البلاد للشركات ولرجال الأعمال الفاسدين من الإسلامويين وغيرهم ، الذين نهبوا ثروات البلاد من عائدات الذهب والبترول التي تقدر بمليارات الدولارات وتهريبها خارج السودان، وتدمير الغطاء النباتي بالقطع الجائر للاشجار ، والصيد البري الجائر، وفتح الباب للاستثمارات السعودية والإماراتية. الخ للاستثمار المجحف ، وضد أصحاب المصلحة من المزارعين والرعاة السودانيين ، وبعقود ايجار يصل بعضها لملايين الأفدنة، وفترات زمنية تصل إلي 99 عاما!!، وتم تقدير الاستثمارات السعودية والاماراتية بعشرات مليارات الدولارات لإنتاج القمح والبرسيم وبقية الحبوب وتصديرها للاستهلاك المحلي في تلك الدول ، في استنزاف للمياه الجوفية ، وعدم تخصيص جزء من العائد لتنمية مناطق الانتاج، وتشغيل العمالة المحلية، وتوفير خدمات التعليم والصحة والمياه والكهرباء والطرق والبنيات التحتية.
كل ذلك في تفريط بشع وفاسد من نظام المؤتمر الوطني ورموزه، إضافة لاطماع الإمارات في الموانئ السودانية ، حيث قاوم عمال الشحن والتفريغ مؤامرة تأجير الميناء الجنوبي، حتى تم الغاؤها، كما تم ابعاد الاتراك عن ميناء سواكن.
٣
كان من المفترض بعد نجاح ثورة ديسمبر 2018 إلغاء كل تلك الاتفاقات التي فرطت في السيادة الوطنية ، ولكن التسوية أو " الهبوط الناعم " في الاتفاق الذي حدث بضغط ابوظبي والرياض والقاهرة وأمريكا والاتحاد الاوربي.الخ، أدي الي التفريط في السيادة الوطنية، كما في الفصل الأول من الوثيقة الدستورية التي تمّ التوقيع عليها، نصت علي الزامية المراسيم التي أصدرها المجلس العسكري منذ 11 أبريل 2019 حتى يوم التوقيع علي الوثيقة ، ومن ضمن هذه المراسيم ذلك الذي أصدره المجلس العسكري باستمرار مشاركة السودان في حرب اليمن.
بالتالي ابقي المجلس العسكري علي اتفاقات السودان العسكرية واستمراره في محور الإمارات – السعودية – مصر" ، والحلف العربي الإسلامي لحرب اليمن ، واستمرار التدخل في شؤونها الداخلية ، ودخول السودان طرفا ضد ايران ، مما يفقد البلاد استقلالها وسيادتها الوطنية، واستمرار وجود السودان ايضا في القوات العسكرية الأفريقية " الآفرو- كوم" ، والقواعد العسكرية والتعاون الاستخباراتي والأمني لمصلحة أمريكا وحلفاؤها في المنطقة ، هذا اضافة للابقاء علي القوانين المقيدة للحريات وقانون الأمن ، وقوات الدعم السريع ، وبقية المليشيات والتنظيمات الارهابية، وهيمنة المجلس العسكري في الاتفاق ليضمن استمرار مصالح تلك الدول التي ضغطت لتوقيع الاتفاق ، بهدف قطع الطريق أمام ثورة شعب السودان والتحول الديمقراطي فيه ، والذي يؤثر علي مصالح تلك القوى في المنطقة ، إضافة لضمان استمرار نهب موارد البلاد وأراضيه الزراعية ، ونهب الذهب والسيطرة علي عائداته خارج وزارة المالية.
كما فرطت حكومتا الشراكة بعد "الوثيقة الدستورية "في السيادة الوطنية كما في عدم ضم شركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع لولاية وزارة المالية، وتجاهل حمدوك لمقررات وتوصيات المؤتمر الاقتصادي، والخضوع لشروط صندوق النقد الدولي القاسية في الخصخصة ورفع الدعم عن الوقود والكهرباء والتعليم والصحة والدواء، مما هدد الإنتاج الزراعي وتوفير الغذاء والاعتماد على الهبات والمعونات الخارجية والصناعي والحيواني والمزيد من التبعية والخضوع لإملاءات الخارج ، كما في التطبيع مع الكيان العنصري الصهيوني الذي يواصل حاليا اعتداءاته على غزة ولبنان وسوريا. الخ، و قبل ذلك القدس بدعم أمريكي والدول المطبعة مع الكيان العنصري الصهيوني ، ودفع حمدوك مبلغ 335 مليون دولار عن جرائم ارهاب ليس مسؤولا عنها شعب السودان، والموافقة علي اتفاق جوبا بتدخل خارجي ، والذي تحول لمناصب محاصصات ومسارات تهدد وحدة السودان كما في رفض مكونات من الشرق والوسط والشمال لها.
٤
واستمر التفريط في السيادة الوطنية حتى انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي اطلق رصاصة الرحمة على "الوثيقة الدستورية" وواصل في التفريط في السيادة الوطنية، ونهب ثروات البلاد، وجد الانقلاب مقاومة جماهيرية كبيرة مما فشل حتى في تكوين حكومة، وجاء الاتفاق الإطاري بتدخل إقليمي و دولي، وقاد الصراع حول السلطة والثروة بين الرأسمالية الطفيلية في قيادتي الدعم السريع والجيش الي الحرب الحالية، التي تتطلب أوسع جبهة جماهيرية قاعدية لوقف الحرب واسترداد الثورة، وقيام الحكم المدني الديمقراطي وانجاز مهام الفترة الانتقالية التي تفتح الطريق لاستدامة الديمقراطية والسلم الوطيد والتنمية المتوازنة ، وإعادة إعمار من دمرته الحرب وعودة النازحين لمنازلهم وقراهم، وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع ، وقيام علاقات خارجية متوازنة.
alsirbabo@yahoo.co.uk
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المجلس العسکری کما فی
إقرأ أيضاً:
د. نرمين سامي تكتب: من مدينة السلام.. السيادة المصرية تتحدث
ليست العبرة في تاريخ الأمم بسنوات الرخاء والسلام وحسب، بل بمواقفها في ساعات المحن والأزمات، حين تُختبر المواقف ، وتُكشف النوايا، ويُوزن الرجال والدول بميزان المبدأ والشجاعة.
واليوم، تمر أمتنا بمنعطف تاريخي ستُسجل صفحاته بأحرف من نور أو جمر ، ومصر بحكمتها وثقلها وتاريخها تقف في قلب هذا المنعطف. إنها لا تدير أزمة عابرة فحسب ، بل تتقمص دورًا مصيريًا في واحدة من أعقد القضايا التي شهدها العالم؛ القضية الفلسطينية.
فالمتأمل في الموقف المصري يدرك أنه لا يلعب دور الوسيط العادي، بل إنه يحمل راية الصمود والإنسانية في وجه عاصفة عاتية. إنه يحاول، برغم كل الضغوط الهائلة، أن يكون الضمير النابض للأمة، والحصن الذي يحمي ما تبقى من مبادئ العدل والكرامة. فهل ندرك نحن، كأبناء لهذه الأمة حجم المسؤولية التي تتحملها مصر؟ وهل نعي ثمن هذا الموقف؟
إن مصر اليوم، وبكل وضوح، تضع نصب عينيها استقرار المنطقة كلها، وهي تدرك أن أي حل حقيقي وعادل للقضية الفلسطينية لا يمكن أن يمر إلا من خلالها. هذا ليس ادعاءً، بل هو استحقاق تاريخي وجغرافي وسياسي. والسؤال الذي يجب أن نوجهه لأنفسنا هو: أين نقف نحن من مصر في هذا الوقت بالذات؟
إننا إن لم نقف مع مصر اليوم، بقلوبنا وعقولنا وكلمتنا، فلا نستحق أن نتحدث غدًا عن "شرف الانتماء" للوطن. فالوطن ليس أرضًا نستظل بظلها في أوقات الرخاء فقط، الوطن هو أن نكون سندًا له حين يحتاج إلى صوتنا، إلى تأييدنا، إلى فهمنا لسياساته الصعبة في بحر متلاطم الأمواج. الوفاء للوطن في أوقات الشدة هو الذي يصنع الفرق بين المواطن والمساكن.
أما القضية الفلسطينية فتمر بمنعطف بالغ الحساسية، تتقاطع فيه المبادئ مع المصالح، والمشاعر مع التحديات الجيوسياسية الواقعية. وفي خضم هذا المشهد الملتهب، تبرز حاجة ماسة إلى التمييز بين حقائق ثابتة وأجندات متحركة.
فالحق الثابت في المقاومة والتحرير لا شك ولا جدال فيه ؛ إن لأي شعب تحت الاحتلال الحق الطبيعي والشرعي في مقاومة محتليه، وفقًا لمواثيق القانون الدولي نفسه. ففلسطين، بأرضها المغتصبة وشعبها المُشرَّد، لها الحق الكامل في الدفاع عن وجودها، واستعادة سيادتها، وتحرير أراضيها. هذا مبدأ ثابت لا يمكن المساس به .
وكلنا تربينا على أن فلسطين هي جزء منا، يؤلمنا ما يؤلمها ويفرحنا ما يفرحها. هذا الارتباط لم ينشأ فقط لأن قضيتها تمثل "أمنا قوميا" لمصر فحسب، بل هو أعمق من ذلك بكثير. لقد تشربنا القضية كجزء من عقيدتنا ووجداننا وتاريخنا المشترك، وهي رابطة دم وتضحية أصبحت جزءًا من هويتنا، ندافع عنها بكل ما أوتينا من قوة .
وهذا بالضبط ما يفسر الموقف الثابت للرئيس السيسي برفض أي عملية تهجير للفلسطينيين إلى الأراضي المصرية ؛ فما يضير مصر بإثنان مليون فلسطيني في الوقت التي تحتضن فيه ملايين الأشقاء من السودان وسوريا على أراضيها طيلة أكثر من أحد عشر عامًا !
ليس هذا تناقضًا بل هو ذروة الحكمة والمسؤولية ، فالرفض هنا ليس رفضًا للشعب الفلسطيني، بل هو رفض لتصفية القضية بأكملها. لأن دخول الفلسطينيين إلى مصر يعني انتهاء القضية الفلسطينية وفقدان الحق التاريخي في العودة إلى غزة وتنتهي القضية وهو ما تسعى إليه إسرائيل منذ عشرات السنين ، وساعدها فيه ما فعلته حماس في السابع من أكتوبر لعام ٢٠٢٣ ، سواء اتفقنا أو اختلفنا على كونه حدث مقصود ومدبر بالفعل .
لذلك، يكون الرفض هنا هو أعلى درجات الدفاع عن القضية، وهو موقف يستحق الإشادة والفهم قبل النقد. مصر ترفض أن تكون شريكًا في إنهاء قضية عربية إسلامية، وتؤكد أنها لن تسمح بمسح هوية فلسطين من على خارطة التاريخ.
وهنا ثمة سؤال يطرح نفسه .. هل كانت حماس مستعدة لعواقب ما فعلته في السابع من أكتوبر؟
الأيام والوقائع أثبتت أن الإجابة واضحة: كلا. فما نشهده الآن هو مشهد مأساوي يعيد نفسه، حيث تطلب حماس وقف إطلاق النار والعودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر.!
وهو ما يشبه اعترافًا ضمنيًا بأنها خاضت معركة لم تكن مجهزة لتحمل تبعاتها الاستراتيجية. لقد أقدمت على خطوة مصيرية دون امتلاك الرؤية أو الأدوات لتحويل الانتصار إلى مكاسب استراتيجية حقيقية للشعب الفلسطيني، تاركةً غزة وشعبها يدفعون الثمن وحدهم..!
وعلى الجانب الآخر .. من ينتصر فعليًا في الصراع القائم ؟
فالناظر إلى المشهد الإقليمي سيجد أن الصراع تجاوز غزة بكثير. فبغض النظر عن الدمار في القطاع، سواء قبل السابع من أكتوبر أو بعده، فإن النتيجة الأهم التي تحققت على الأرض هي تعزيز السيطرة الإسرائيلية الفعلية على معظم جوارها المباشر. فقد سيطرت بشكل شبه كامل على سوريا (من خلال الضربات المتكررة دون ردع حقيقي )، وأضعفت حزب الله في لبنان الذي بات محاصرًا سياسيًا وعسكريًا، وقضت بشكل شبه تام على أذرع إيران الممتدة في المنطقة. كما أن غزة، بؤرة الصراع، تعود بشكل أو بآخر إلى مربع الصفر، بل وأكثر تدميرًا وانقسامًا.
إسرائيل، من منظور استراتيجي بحت، حققت انتصارات جيوسياسية كبرى على حساب أجندة المقاومة، بينما وجدت حماس نفسها وحيدة في مواجهة العاصفة، تطلب العودة إلى نقطة البداية.
لذا، إن كنت تقف مع المقاومة هذا موقف تُحترم مشاعره النبيلة. لكن ينبغي أن تدرك أن تأييدك لحركة "حماس" يختلف عن تأييدك للمقاومة ذاتها، فهي لا تمثل وجه المقاومة الفلسطينية الوحيد، بل تتحرك وفق أجندات خاصة مرتبطة بفكر "الإسلام السياسي" الذي قد لا يعبر بالضرورة عن المصالح العليا للشعب الفلسطيني بأكمله.
وهذه الأجندة نفسها هي التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، حيث لم تتردد في توجيه سلاحها نحو من دافعوا عن القضية طوال تاريخهم، فكانت جريمة اغتيال الجنود المصريين في سيناء دليلاً دامغًا على أن دماء العرب أصبحت وسيلة مقبولة لتمرير مشاريعها، وذلك ثمن الأجندات الخفية التي جعلت من القضية الفلسطينية غطاءً لتصفية الحسابات.
لذا فمن عدم الإنصاف أن تقلل من دور مصر أو تتهمها بالتخلي عن القضية الفلسطينية ، بسبب عدم تبنيها للأجندة الكاملة لحماس.
يمكنك دعم حق الشعب الفلسطيني في التحرير دون تأييد كل ما تفعله حماس. ويمكنك أن تثق في أن الموقف المصري، بحكمته وثقله، هو من يحافظ على جذور القضية مشتعلة، ويحميها من الابتلاع والتصفية، حتى لو لم تكن خطواته تتصدر عناوين الأخبار.
فلنكن أذكياء في قراءة المشهد، وألا نسمح لعواطفنا أن تجعلنا أداة في أيدي من قد يضحي بالقضية نفسها من أجل مكاسب أخرى.
ولننظر إلى الدليل العملي على عظمة هذا الموقف ؛ لقد استطاعت مصر أن تؤمن الوفد الفلسطيني (وفد حماس) على أراضيها، ليجري مفاوضات مصيرية في مأمن من أي استهداف أو تهديد.
وفي ذكرى حرب أكتوبر وعلى أرض سيناء الحبيبة ، ورفرفة علم فلسطين جوار علم مصر في سماء مدينة السلام على أرض مصر الأمان ، ووقوف خليل الحية في وضح النهار في مأمن رجال المخابرات المصرية ، وفي الوقت الذي لم يذهب فيه الرئيس السيسي للولايات المتحدة ، يأتي الرئيس ترامب إلى مصر لتوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار بنفسه .
إنها سيادة تمنح الأمان لكل من وطئت قدماه أرضها، وتاريخ يثبت أن مصر عندما تتحدث بالسياسة، فإنها تدعم كلماتها بقوة قادرة على الحماية والتنفيذ.
لذا ينبغي أن نرى الصورة الكبيرة؛ أن مصر تَحمل أمانة، وتدفع ثمنًا باهظًا من أجلنا جميعًا. دورنا أن نكون جدارًا بشريًا يدعمها، لا أن نكون أحمالاً إضافية تثقل كاهلها.
لتكن كلمتنا واحدة، وموقفنا واضحًا ؛ نقف مع مصر.. لأن في وقوفنا معها وقوفًا مع كرامتنا، ومع مستقبلنا، ومع شرف نحتاج أن نثبت أننا نستحقه.
فمصريتنا شرف لا يدانى ، وواجب لا يتوقف ، وتضحية لا تتردد
فافخر بأنك مصري، فأنت من سلالة من علموا العالم أن الكرامة لا تُساوم، وأن الوطن لا يُمس بسوء ما دام فيه قلب ينبض ودماء تتدفق فداءً له.