عندما تنتصر الإرادة تُستعاد السيادة
تاريخ النشر: 12th, October 2025 GMT
سُلطان اليحيائي
ما عادت "الدّولة" تعني ما كانت تعنيه يومًا. كانت تُشير إلى كيانٍ له سيادة وحدود وقرار، فإذا بها اليوم تُشبه شركةً متعددة الجنسيات، لا تملك من استقلالها إلّا الاسم والعَلَم. تُدار من الخارج وتُدارى من الداخل، ويُراد لشعوبها أن يصدّقوا أنّهم أحرار داخل سجنٍ كبير اسمه "الاستقلال".
مفهومُ الدولة حين تهتزّ الأرض من تحتها
الدولة ليست قطعة أرضٍ مرسومة على الخريطة، بل إرادةٌ تُعبّر عن نفسها.
الخديعة الكبرى دولة فلسطين
وعندما اجتمع الغرب بكل دهائه، وثلّة من العرب بكل غبائهم، ليقنعوا العالم بأن هناك "دولة فلسطينيّة" ستُقام على أرض عام 1967، كانت المسرحيّة في ذروتها. سبعون عامًا من الوهم، والناس ما زالوا ينتظرون ميلاد دولة وُئدت قبل أن تُولد.
لكن السابع من أكتوبر كشف المستور. جاءت غزوةُ طوفان الأقصى لتُسقط القناع عن الجميع. فإذا "الدولة" التي وعدوا بها لم تكن سوى سراب سياسي في صحراء الكذب. لم تُحرّرها المفاوضات، بل حرّرها الدم. لم يُثبّت وجودها القرار الأممي، بل ثبّتَه صمود غزّة وثبات رجال المقاومة الإسلاميّة.
غزّة: الدولة التي لم يُعترف بها
غزّة وحدها اليوم تُعيد تعريف الدولة. بلا مقعد في الأمم المتّحدة، وبلا جيش نظامي، وبلا سفارات، ومع ذلك أرغمت العالم أن يعترف بها - لا بالاسم، بل بالفعل. هي دولة في الإرادة، في الكرامة، في العقيدة. أسقطت أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر"، وفرضت معادلة جديدة على من ظنّ أنّه يملك القرار وحده.
محلّلو الهزيمة وجنرالات الورق
وفي الطرف الآخر يقف المتشدّقون المتفيقهون في شاشات التحليل، يملؤون الدنيا صخبًا بمصطلحات عسكرية لا يعرفونها إلا من كتب المناهج القديمة. يضعون النظريات على الورق ثم يقيسون عليها دماء الميادين. يعيشون وهْم البطولة خلف الميكروفون وكأنّ الشجاعة لا تكون إلا صوتًا مرتفعًا وتحليلًا باردًا.
يتحدّثون عن "تكتيك" و"خطط محكمة"، وهم الذين لم يختبروا رائحة بارود العدو، ولم تطأ أقدامهم ساحة قتال حقيقية. خاضوا حروبًا تمثيلية في الصحراء، وكتبوا تقاريرهم في القاعات المكيّفة، ثم خرجوا ليُقيّموا حرب غزّة كما لو كانت مناورات تدريبية. ينظرون إليها ماديًا لا معنويًا، لأنهم أبعد ما يكونون عن الإيمان بالله، وبأنّ النصر وعدٌ من عنده لا من عند سلاحهم. أولئك ليسوا محلّلين؛ بل شهود زور على بطولة لم يفهموا معناها.
أمّا أولئك المجاهدون في غزّة، فهم أحفاد حمزة وخالد وجعفر الطيّار وعبد الله بن رواحة، لم تكن على أكتافهم النجوم ولا الأوسمة المزيّفة، ولم يحملوا الكيلوغرامات من المعادن التي تُعلّق على صدور الجبناء في العروض العسكرية. سلاحهم الإيمان، ودرعهم الصبر، ورايتهم الحق. لم يدخلوا حربًا في ألعاب الفيديو، ولا تدربوا على القتال مع أعدائهم في صحاري التبعيّة وعلى نفقة بلدانهم، بل دخلوا النار بأقدام ثابتة وقلوب مطمئنّة بأنّ وراءهم وعد الله بالنصر أو الشهادة. فمن أراد أن يرى الإسلام حيًّا، فليذهب إلى غزّة، ففيها يسكن الشرف ويتنفّس الإيمان.
المُثبّطون بالأمس المُشكّكون اليوم
ويأتي أحدهم من هنا وهناك ممن لم يكن لأهل غزّة به صلة إلا بالتقليل من نضالهم، وبالتشكيك في صبرهم، وبالتخوين لمن يساندهم. يتحدّث اليوم كأنّه العارف بخفايا الميدان، فينظّر ويُشكّك، ولا يترك للناس بارقة أمل أو خيط تفاؤل بقيام دولة لأطهر وأشرف خلق الله على وجه الأرض في زماننا، وهم أهل غزّة ومقاومتهم الشريفة.
هؤلاء لا يُدافعون عن الحق؛ بل يُدافعون عن عجزهم، لأن قلوبهم خوَت من الإيمان، وأرواحهم بردت من شدّة الخنوع. مرادهم خَطف فرحة القلوب بالانتصار وبثّ في النفوس الهزيمة والإحباط والانكسار.
نحن المتفرّجين المرجِفين
ونحن اليوم أبناء اللسان والدين والجلد، نقف عند أسوار المجد متفرّجين، نُصفّق ولا نتحرّك، نرفع الشعارات ولا نحمل الهمّ. نُمارس البطولة في الكلام، ونخفي الجبن في صدورنا، نُدمن الجدل ونتقن النقد، لكن لا نملك الشجاعة أن نقف موقفًا يُغضب السيّد الأشقر أو يعبر عن غضبتنا أمام سفارات الظلم والظلال.
منّا من يعيش على فتات الإعلام، ومنّا من تهيّأ له أنّ الإيمان بالحق لا يتطلّب تضحية. نُكثر من التحليل، ونقلّل من العمل. نُفاخر ببطولة غزّة، ونحن في بُعدنا عنها شركاء في خذلانها بصمتنا وخوفنا وتبريرنا للباطل.
الحمد لله رب العالمين الذي جعل من غزّة ميزانًا تُوزَن به الأمم وتكشف الأستار الزائفة وتسقط الأقنعة عن الوجوه الكالحة.
من كان معها فهو في صف الحق، ومن خذلها فقد خذل الله.
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (آل عمران: 26).
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مندوب فلسطين في الأمم المتحدة: غزة كانت ولا تزال جزءًا من الدولة الفلسطينية
أكد مندوب فلسطين في الأمم المتحدة رياض منصور أن قطاع غزة كان وما زال جزءًا من الدولة الفلسطينية، لافتًا إلى أنه من الضروري تأكيد المعايير الدولية لإنجاز السلام الدائم والعادل.
وقال منصور في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم: "إن قضية فلسطين تمر بمرحلة حاسمة بالنسبة للشعب الفلسطيني والمنطقة والمجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة".
أخبار متعلقة ممثل "يونيسف" بفلسطين: الوضع في غزة كارثي والبرد يفتك بالعائلاتفلسطين: قرارات الأمم المتحدة تؤكد الدعم الدولي الواسع للقضية الفلسطينية"أونروا": الاحتلال يحتجز 6 آلاف شاحنة مساعدات تكفي غزة لثلاثة أشهروأوضح أن قضية فلسطين والإجحاف بحق شعبها لم تحسم بعد 80 عامًا من إنشاء الأمم المتحدة، الأمر الذي دفع الجمعية لمواصلة اهتمامها وبذل جهودها للإسهام في حل عادل وسلمي.محاولة استعادة الحياةوأشار المندوب الفلسطيني إلى أن الناجين من الإبادة يبقون ضحية حرب مستمرة ضد حقهم وبقائهم ووجودهم على أرضهم وكرامتهم البشرية، لافتًا إلى أنهم رغم ذلك، وفي خضم الظروف العصيبة، يواصلون محاولتهم للتعافي واستعادة الحياة، بينما يحيط بهم الموت.
وأضاف أن الطلاب يعودون إلى دراستهم على الأنقاض، والمستشفيات المنهارة تستأنف عملها بعد إصلاحات عاجلة، والآباء يحاولون توفير المأوى المؤقت لأطفالهم في الشتاء القاسي، بينما تغرق الأمطار ممتلكاتهم، والبرد يؤدي إلى انتشار الأمراض.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } مندوب فلسطين في الأمم المتحدة رياض منصور - شبكة فلسطين للأنباء
وأكد أن الفلسطينيين في غزة رحبوا أكثر من غيرهم باتفاق وقف إطلاق النار، لكنهم ما زالوا يقتلون بينما تواجه الإغاثة لإنقاذ الأرواح قيودًا، مشيرًا إلى أن الفلسطينيين يريدون نهاية لكل ذلك، وألا يفقدوا نصف غزة في تلك العملية، داعيًا إلى احترام وقف إطلاق النار بشكل كامل، فلا مبرر لقتل وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين.فلسطين ستكون حرةوأوضح مندوب فلسطين في الأمم المتحدة رياض منصور في ختام كلمته أن الجمعية اليوم تعتمد قرارًا تاريخيًّا يؤكد مجددًا القواعد التي ينبغي الامتثال لها حتى وقت الحرب ووقت السلام، مشيرًا إلى أن مشروع القرار يطالب إسرائيل بوضع حد للأنشطة الاستيطانية، مؤكدًا أن السلام سيسود وفلسطين ستكون حرة.