د. نرمين سامي تكتب: من مدينة السلام.. السيادة المصرية تتحدث
تاريخ النشر: 11th, October 2025 GMT
ليست العبرة في تاريخ الأمم بسنوات الرخاء والسلام وحسب، بل بمواقفها في ساعات المحن والأزمات، حين تُختبر المواقف ، وتُكشف النوايا، ويُوزن الرجال والدول بميزان المبدأ والشجاعة.
واليوم، تمر أمتنا بمنعطف تاريخي ستُسجل صفحاته بأحرف من نور أو جمر ، ومصر بحكمتها وثقلها وتاريخها تقف في قلب هذا المنعطف. إنها لا تدير أزمة عابرة فحسب ، بل تتقمص دورًا مصيريًا في واحدة من أعقد القضايا التي شهدها العالم؛ القضية الفلسطينية.
فالمتأمل في الموقف المصري يدرك أنه لا يلعب دور الوسيط العادي، بل إنه يحمل راية الصمود والإنسانية في وجه عاصفة عاتية. إنه يحاول، برغم كل الضغوط الهائلة، أن يكون الضمير النابض للأمة، والحصن الذي يحمي ما تبقى من مبادئ العدل والكرامة. فهل ندرك نحن، كأبناء لهذه الأمة حجم المسؤولية التي تتحملها مصر؟ وهل نعي ثمن هذا الموقف؟
إن مصر اليوم، وبكل وضوح، تضع نصب عينيها استقرار المنطقة كلها، وهي تدرك أن أي حل حقيقي وعادل للقضية الفلسطينية لا يمكن أن يمر إلا من خلالها. هذا ليس ادعاءً، بل هو استحقاق تاريخي وجغرافي وسياسي. والسؤال الذي يجب أن نوجهه لأنفسنا هو: أين نقف نحن من مصر في هذا الوقت بالذات؟
إننا إن لم نقف مع مصر اليوم، بقلوبنا وعقولنا وكلمتنا، فلا نستحق أن نتحدث غدًا عن "شرف الانتماء" للوطن. فالوطن ليس أرضًا نستظل بظلها في أوقات الرخاء فقط، الوطن هو أن نكون سندًا له حين يحتاج إلى صوتنا، إلى تأييدنا، إلى فهمنا لسياساته الصعبة في بحر متلاطم الأمواج. الوفاء للوطن في أوقات الشدة هو الذي يصنع الفرق بين المواطن والمساكن.
أما القضية الفلسطينية فتمر بمنعطف بالغ الحساسية، تتقاطع فيه المبادئ مع المصالح، والمشاعر مع التحديات الجيوسياسية الواقعية. وفي خضم هذا المشهد الملتهب، تبرز حاجة ماسة إلى التمييز بين حقائق ثابتة وأجندات متحركة.
فالحق الثابت في المقاومة والتحرير لا شك ولا جدال فيه ؛ إن لأي شعب تحت الاحتلال الحق الطبيعي والشرعي في مقاومة محتليه، وفقًا لمواثيق القانون الدولي نفسه. ففلسطين، بأرضها المغتصبة وشعبها المُشرَّد، لها الحق الكامل في الدفاع عن وجودها، واستعادة سيادتها، وتحرير أراضيها. هذا مبدأ ثابت لا يمكن المساس به .
وكلنا تربينا على أن فلسطين هي جزء منا، يؤلمنا ما يؤلمها ويفرحنا ما يفرحها. هذا الارتباط لم ينشأ فقط لأن قضيتها تمثل "أمنا قوميا" لمصر فحسب، بل هو أعمق من ذلك بكثير. لقد تشربنا القضية كجزء من عقيدتنا ووجداننا وتاريخنا المشترك، وهي رابطة دم وتضحية أصبحت جزءًا من هويتنا، ندافع عنها بكل ما أوتينا من قوة .
وهذا بالضبط ما يفسر الموقف الثابت للرئيس السيسي برفض أي عملية تهجير للفلسطينيين إلى الأراضي المصرية ؛ فما يضير مصر بإثنان مليون فلسطيني في الوقت التي تحتضن فيه ملايين الأشقاء من السودان وسوريا على أراضيها طيلة أكثر من أحد عشر عامًا !
ليس هذا تناقضًا بل هو ذروة الحكمة والمسؤولية ، فالرفض هنا ليس رفضًا للشعب الفلسطيني، بل هو رفض لتصفية القضية بأكملها. لأن دخول الفلسطينيين إلى مصر يعني انتهاء القضية الفلسطينية وفقدان الحق التاريخي في العودة إلى غزة وتنتهي القضية وهو ما تسعى إليه إسرائيل منذ عشرات السنين ، وساعدها فيه ما فعلته حماس في السابع من أكتوبر لعام ٢٠٢٣ ، سواء اتفقنا أو اختلفنا على كونه حدث مقصود ومدبر بالفعل .
لذلك، يكون الرفض هنا هو أعلى درجات الدفاع عن القضية، وهو موقف يستحق الإشادة والفهم قبل النقد. مصر ترفض أن تكون شريكًا في إنهاء قضية عربية إسلامية، وتؤكد أنها لن تسمح بمسح هوية فلسطين من على خارطة التاريخ.
وهنا ثمة سؤال يطرح نفسه .. هل كانت حماس مستعدة لعواقب ما فعلته في السابع من أكتوبر؟
الأيام والوقائع أثبتت أن الإجابة واضحة: كلا. فما نشهده الآن هو مشهد مأساوي يعيد نفسه، حيث تطلب حماس وقف إطلاق النار والعودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر.!
وهو ما يشبه اعترافًا ضمنيًا بأنها خاضت معركة لم تكن مجهزة لتحمل تبعاتها الاستراتيجية. لقد أقدمت على خطوة مصيرية دون امتلاك الرؤية أو الأدوات لتحويل الانتصار إلى مكاسب استراتيجية حقيقية للشعب الفلسطيني، تاركةً غزة وشعبها يدفعون الثمن وحدهم..!
وعلى الجانب الآخر .. من ينتصر فعليًا في الصراع القائم ؟
فالناظر إلى المشهد الإقليمي سيجد أن الصراع تجاوز غزة بكثير. فبغض النظر عن الدمار في القطاع، سواء قبل السابع من أكتوبر أو بعده، فإن النتيجة الأهم التي تحققت على الأرض هي تعزيز السيطرة الإسرائيلية الفعلية على معظم جوارها المباشر. فقد سيطرت بشكل شبه كامل على سوريا (من خلال الضربات المتكررة دون ردع حقيقي )، وأضعفت حزب الله في لبنان الذي بات محاصرًا سياسيًا وعسكريًا، وقضت بشكل شبه تام على أذرع إيران الممتدة في المنطقة. كما أن غزة، بؤرة الصراع، تعود بشكل أو بآخر إلى مربع الصفر، بل وأكثر تدميرًا وانقسامًا.
إسرائيل، من منظور استراتيجي بحت، حققت انتصارات جيوسياسية كبرى على حساب أجندة المقاومة، بينما وجدت حماس نفسها وحيدة في مواجهة العاصفة، تطلب العودة إلى نقطة البداية.
لذا، إن كنت تقف مع المقاومة هذا موقف تُحترم مشاعره النبيلة. لكن ينبغي أن تدرك أن تأييدك لحركة "حماس" يختلف عن تأييدك للمقاومة ذاتها، فهي لا تمثل وجه المقاومة الفلسطينية الوحيد، بل تتحرك وفق أجندات خاصة مرتبطة بفكر "الإسلام السياسي" الذي قد لا يعبر بالضرورة عن المصالح العليا للشعب الفلسطيني بأكمله.
وهذه الأجندة نفسها هي التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، حيث لم تتردد في توجيه سلاحها نحو من دافعوا عن القضية طوال تاريخهم، فكانت جريمة اغتيال الجنود المصريين في سيناء دليلاً دامغًا على أن دماء العرب أصبحت وسيلة مقبولة لتمرير مشاريعها، وذلك ثمن الأجندات الخفية التي جعلت من القضية الفلسطينية غطاءً لتصفية الحسابات.
لذا فمن عدم الإنصاف أن تقلل من دور مصر أو تتهمها بالتخلي عن القضية الفلسطينية ، بسبب عدم تبنيها للأجندة الكاملة لحماس.
يمكنك دعم حق الشعب الفلسطيني في التحرير دون تأييد كل ما تفعله حماس. ويمكنك أن تثق في أن الموقف المصري، بحكمته وثقله، هو من يحافظ على جذور القضية مشتعلة، ويحميها من الابتلاع والتصفية، حتى لو لم تكن خطواته تتصدر عناوين الأخبار.
فلنكن أذكياء في قراءة المشهد، وألا نسمح لعواطفنا أن تجعلنا أداة في أيدي من قد يضحي بالقضية نفسها من أجل مكاسب أخرى.
ولننظر إلى الدليل العملي على عظمة هذا الموقف ؛ لقد استطاعت مصر أن تؤمن الوفد الفلسطيني (وفد حماس) على أراضيها، ليجري مفاوضات مصيرية في مأمن من أي استهداف أو تهديد.
وفي ذكرى حرب أكتوبر وعلى أرض سيناء الحبيبة ، ورفرفة علم فلسطين جوار علم مصر في سماء مدينة السلام على أرض مصر الأمان ، ووقوف خليل الحية في وضح النهار في مأمن رجال المخابرات المصرية ، وفي الوقت الذي لم يذهب فيه الرئيس السيسي للولايات المتحدة ، يأتي الرئيس ترامب إلى مصر لتوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار بنفسه .
إنها سيادة تمنح الأمان لكل من وطئت قدماه أرضها، وتاريخ يثبت أن مصر عندما تتحدث بالسياسة، فإنها تدعم كلماتها بقوة قادرة على الحماية والتنفيذ.
لذا ينبغي أن نرى الصورة الكبيرة؛ أن مصر تَحمل أمانة، وتدفع ثمنًا باهظًا من أجلنا جميعًا. دورنا أن نكون جدارًا بشريًا يدعمها، لا أن نكون أحمالاً إضافية تثقل كاهلها.
لتكن كلمتنا واحدة، وموقفنا واضحًا ؛ نقف مع مصر.. لأن في وقوفنا معها وقوفًا مع كرامتنا، ومع مستقبلنا، ومع شرف نحتاج أن نثبت أننا نستحقه.
فمصريتنا شرف لا يدانى ، وواجب لا يتوقف ، وتضحية لا تتردد
فافخر بأنك مصري، فأنت من سلالة من علموا العالم أن الكرامة لا تُساوم، وأن الوطن لا يُمس بسوء ما دام فيه قلب ينبض ودماء تتدفق فداءً له.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: تاريخ الأمم القضية الفلسطينية القضیة الفلسطینیة السابع من أکتوبر
إقرأ أيضاً:
مكانة القضية الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر
خليل المعلمي
سلام عليكم يا أهل غزة، بما صبرتم، وسلام عليكم في كل وقت وحين، سلام عليكم ما عشتم وبقيتم صابرين محتسبين الأجر عند الله، فقد طبتم وطابت انتصاراتكم، وسيسجل التاريخ شجاعتكم وصبركم ونضالكم ومقاومتكم، لقد ضربتم مثالاً للتضحية والصبر والثبات على الحق، لقد قدمتم للعالم مثالاً حياً في الجهاد والنضال والبذل والوطنية، وما هذا الصبر والثبات والتضحيات الكبيرة إلا بوابة للفرج والنصر حتى تحرير كامل الأراضي الفلسطينية، فرحم الله شهداءكم وشفى جراحكم، وثبتكم على الحق ما حييتم.
فبكل المقاييس والحسابات فإن ما قبل السابع من اكتوبر ليس بعده، لقد انكشف للعالم مدى الظلم الذي يعيشه الشعب الفلسطيني الثابت على أرضه منذ آلاف السنين، كما اتضح حجم الإجرام الذي ارتكبته الصهيونية بحق هذا الشعب، وأن ما حدث لغزة خلال العامين الماضيين إلا جزءاً من سلسلة جرائم ومجازر ظل يرتكبها هذا الكيان الغاصب لأكثر من مائة عام، ولا شك أن مستقبل الأيام حبلى بالمفاجئات سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي خاصة بعد أن سطوع الازدواجية الدولية في تطبيق القرارات الأممية وسيطرة مصالح الدول الكبرى على مجريتات هذه القرارات.
الحدث المفصلي
يعتبر السابع من أكتوبر حدثاً مفصلياً في تاريخ الصراع مع الاحتلال الصهيوني، حيث انطلقت شرارة طوفان الأقصى فبعثرت كل الأوراق، وتحولت غزة مع حركة الطوفان، وما بعدها إلى قلب أشواق التحرر وأوجاع النهوض وكبد الإنسانية المجروحة ضد كل محاولات طمس الذاكرة، وتزييف الحقائق وتزوير السرديات وإنكار عمليات الإبادة.
ولفهم واستيعاب الأبعاد التاريخية والتحولات الجيوستراتيجية، نظم “مركز معارف المستقبل للبحوث والدراسات” في المغرب، بالتعاون مع “مركز أندلس للأبحاث والدراسات”، خمس ندوات علمية دولية كشكل من أشكال التفاعل والاستجابة الأكاديمية لقراءة المشهد السياسي بعد عملية السابع من أكتوبر ۲۰۲۳م، والإبادة الصهيونية في غزة التي تبعتها، وصدرت مخرجات هذه الندوات بالإضافة إلى أوراق علمية أخرى، أسهم فيها أكاديميون مغاربة وعرب، في كتاب بعنوان: “القضية الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر.. الأبعاد التاريخية والتحولات الجيوستراتيجية” عن مؤسسة “عقول الثقافة” بالشراكة مع “مركز معارف المستقبل للبحوث والدراسات”.
مضامين الكتاب
منذ إعلان وعد بلفور المشؤوم، شكلت القضية الفلسطينية محور الحراك العربي ومركز حركات الإضراب والاحتجاج على المشروع الاستيطاني الصهيوني، وجسدت حركات التضامن والتظاهر الشعبي مع حقوق الشعب الفلسطيني ودعم مختلف أشكال مقاومته، العنوان البارز في الفضاء العام العربي على امتداد القرن الماضي والحالي، كما اقترن نضال حركات التحرر الوطني بالعالم العربي من أجل الاستقلال، بالنضال ضد المشروع الصهيوني واستراتيجياته في الاستيطان والتهويد والتهجير وما ارتكبه من جرائم ومجازر وعمليات إبادة منذ النكبة وبعدها، حتى اعتبرت الحركات الوطنية في معظم الدول العربية القضية الفلسطينية قضية وطنية.
وقد واجهت المقاومة الفلسطينية تحديات التقسيم والتبعية الصهيونية التي تعيشها الأمة نتيجة لمسار تاريخي وحضاري طويل ومتراكم من الانحطاط والاستبداد والاستعمار والتخلف، منذ البدايات الأولى للمشروع الاستيطاني الإحلالي، بالرغم من لحظات التواطؤ على إسكات الحق الفلسطيني، وتنامي العدوان على القدس والضفة وإطباق الحصار على غزة العزة ومحاولة خنقها، وقطع الإمدادات من فصائل المقاومة وتجريمها خياراً للتحرر والتحرير.
محو كل أشكال التطبيع
انبعث طوفان “الأقصى” لإعادة الصراع إلى بداياته الأولى ومحو كل أشكال التطبيع والخنوع، وخروج المارد المستعصي على الترويض، وجاء هذا الإبداع ليعري الأوهام، وهم الجيش الذي لا يقهر ، ووهم موت المقاومة والممانعة، ووهم الاستكانة العربية والإسلامية، وغيرها من الأوهام.
إن أهمية حدث السابع من أكتوبر وتداعياته وتأثيره قد تجاوز مساحة فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي ليفرض نفسه على بنية النظام الدولي برمته، فيختبر مؤسساته وفاعليته وقوانينه ويضعها على المحك، ثم يخترق “هدير فلسطين” قلب الجامعات الغربية والنخب الأكاديمية بها، ليصبح التظاهرات الطلابية في أرقى جامعات أوروبا وأمريكا وأشهرها سمعة ومصداقية، مقرات للاعتصام والاحتجاج ضد الإبادة الإسرائيلية والتمويل الأمريكي للإبادة، وتطالب بوقف الحرب والتجويع والحصار، وتعلن الأجيال الشابة بأعلى صوتها: “فلسطين حرة”، وهي حالة غير معروفة في تاريخ الجامعة الغربية من حيث رمزية حضور العلم الفلسطيني وألوانه ولبس الكوفية الفلسطينية في الفضاء الجامعي، وإصرار الأساتذة والطلاب على الصمود في وجه الأجهزة التي تدخلت لفض الاعتصام واعتقال الطلاب وتهديدهم بالطرد في صيغة تذكر بالدول الديكتاتورية والقمعية.
لقد اختارت قانون النخب الفكرية والأكاديمية العربية “الحياد السلبي” وقررت الصمت تجاه الإبادة الجماعية في غزة بدعوى الموضوعية أو المصلحة الوطنية، كما وظف بعضهم قدراته المعرفية وأدواته البحثية لتبرير الاحتلال بتحميل المقاومة المسؤولية عن هذه الجرائم البشعة وغير المسبوقة، فصار خطابها جزءاً من مشروع التطبيع الهادف إلى الصهينة الشاملة التي تتعرض لها المنطقة، فضلاً عن فقدان هذه النخب للمصداقية العلمية والأخلاقية في تحيزها لصالح الظلم والاستكبار العالمي، وانكماشها من إبداء أي موقف أخلاقي منحاز للمظلومين.
لقد بقي معظم الخطاب العربي حول القضية الفلسطينية، يقول الدكتور سلمان بونعمان حبيس خطاب اختزالي وتعبوي من جهة، ومستغرقاً في مقاربات الفعالية وانطباعية من جهة أخرى، في ظل غياب للخطاب التفسيري المركب والمقاربات الفكرية والاستراتيجية المتعددة التخصصات، والقادرة على تقديم رؤية أكثر تركيبية التحولات القضية الفلسطينية وتحليل تحدياتها، وهذا أحد أهداف هذا الكتاب الجماعي الذي يسعى إلى فهم عميق لطبيعة الصراع القائم في المنطقة، وأبعاد المشروع الصهيوني الفكري والاستراتيجية، ذلك أن الاشتعال المعرفي على دراسة المشروع الصهيوني وتياراته في علاقته بالقضية الفلسطينية، يقتضي الوعي المركب بالآخر العدو والتعرف العلمي على مشروعه وآليات اشتغاله، وكذا مناهج تفكيره وحركاته ونفسياته، والفلسفات المناظرة لفكره وسوسيولوجيا استيطانه، بالإضافة إلى فهم التحولات الاجتماعية والاقتصادية، وجغرافيا تمدده في المحيط وتحالفاته الإقليمية والدولية، رصداُ وتحليلاً واستشرافاً فضلاً عن وضع القضية الفلسطينية في سياق صراع المشاريع الكبرى، ورهانات القوى الدولية والسياسات الغربية في المنطقة.
ومن المحاور التي تتناولها الكتاب: “التأثيرات الإعلامية لعملية طوفان “الأقصى”، و “القضية الفلسطينية بين السينما الغربية والسينما العربية”، و”أسس ومرتكزات المشروع الصهيوني”، و”الاستعمار الاستيطاني”، و “الفشل السياسي والأخلاقي لمسؤولية الحماية”، و”موقع القضية الفلسطينية في تربية الأطفال”.
وقد شارك في الكتاب مجموعة من الأكاديميين، هم سلمان بونعمان، وإسماعيل حمودي، وفاطمة الزهراء هيرات، وإدريس قسيم، ومحمد أقديم، وعبد الحكيم أحمين، ومصطفى الطالب، وخالد عقب ونور الدين أحمد الشهب، وسعد عبد الرزاق السكندراني، ويوسف المتوكل، ومحمد السعيد الكرعاني، وأمنة مصطفى دلة، والحسن مصباح.
خاتمة
لقد حاول الكتاب استيعاب مختلف أبعاد القضية الفلسطينية في ظل تحولات معركة طوفان “الأقصى”، وما أفرزته من نماذج جديدة في الحروب العسكرية وأشكال المقاومة التحررية، وما ولدته من حروب إعلامية ورقمية ونفسية للبقاء بالصورة والدعاية والتحكم في المحتوى الرقمي، فضلاً عما حصل من ارتباك في التجارة والملاحة الدوليتين ومن تعثر في النظام الاقتصادي العالمي، وكذلك على المستوى القانوني والأخلاقي للمؤسسات الدولية..
وعلى الرغم من وقف اطلاق النار في غزة إلا ان المظاهرات الجماهيرية لاتزال تجوب معظم عواصم دول العالم مطالبة بمحاسبة حكومة الكيان الصهيوني لما ارتكبته من جرائم ومجازر على مدى عامين كاملين ضد شعب أعزل، تجاوز عدد الضحايا مئات الألاف من المدنيين وتمدير كافة البنى التحتية لقطاع يعيش عليه اكثر من 2.5 مليون انسان، وستستمر المطالبات حتى يتم تحقيقة العدالة للشعب الفلسطيني وانتصاره..