هل يسمح العالم بمنع الأونروا من إنقاذ الأرواح في غزة؟
تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT
كان يفترض بوكالة أونروا التابعة للأمم المتحدة، والمكلفة بحماية ورفاهية اللاجئين منذ ثلاثة أرباع القرن، والتي أرأسها حاليا، أن يكون عملها مؤقتا. وكان انتهاء تفويضها متوقعا منذ إنشائها. والخيار الذي نواجهه اليوم هو ما إذا كان علينا أن نتخلص من استثمار عقود من الزمن في التنمية البشرية وحقوق الإنسان من خلال التفكيك الفوضوي للوكالة بين عشية وضحاها، أم أن نواصل عملية سياسية منظمة تستمر من خلالها أونروا في إمداد ملايين اللاجئين الفلسطينيين بالتعليم والرعاية الصحية إلى أن نسلِّم مهامنا لمؤسسات فلسطينية قادرة؟
قد تضطر الوكالة إلى أن توقف عملها في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال الشهر القادم في حال تنفيذ القرار الذي أجازه البرلمان الإسرائيلي.
لقد رأينا جهود حكومة إسرائيل السافرة لإحباط إرادة المجتمع الدولي ـ مثلما عبرت عنها قرارات عديدة من الأمم المتحدة ـ وتفكيكها منفردة وكالة أممية، ورأينا كيف قوبلت هذه الجهود بإدانة وغضب عامين تلاشيا إلى حد كبير بسبب الجمود السياسي. ولا خير يرجى لنظامنا متعدد الأطراف من الافتقار إلى الشجاعة السياسية والقيادة القائمة على المبادئ عندنا تمس الحاجة إليهما.
ما الذي يوجد على المحك بالضبط؟ بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، يتعلق الأمر بحياتهم نفسها ومستقبلهم. فتأثير حرمانهم من التعليم والرعاية الصحية وغيرهما من الخدمات الاجتماعية سيكون تأثيرا مدمرا وممتدا لأجيال عدة. كما أن التواطؤ في هذا السعي ينال لا من إنسانيتنا وحدها وإنما ينال أيضا من شرعية نظامنا التعددي. فالغياب شبه التام للعقوبات السياسية أو الاقتصادية أو القانونية على الانتهاكات الصارخة لمعاهدة جينيف، والتجاهل التام لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، والتحدي السافر لقواعد محكمة العدل الدولية، إنما هي استهزاء فج من النظام الدولي القائم على القواعد.
يترافق مع حرب غزة هجوم استثنائي على من يدافعون بالقول أو العمل عن حقوق الإنسان والقانون الدولي وضحايا حرب همجية. فعمال الإغاثة الإنسانية العاملون منذ عقود في خدمة الشعوب المتضررة من الحرب باتوا بغتة يصنفون من جملة الإرهابيين أو المتعاطفين مع الإرهابيين. ومنتقدو سياسات الحكومة الإسرائيلية وأفعالها باتوا يتعرضون للترهيب والتحرش. والدعاية التحريضية التي تتم برعاية وزارة الخارجية الإسرائيلية معروضة الآن على لافتات في مواقع بارزة بالولايات المتحدة وأوروبا، ويكتمل ذلك بإعلانات في جوجل تروج مواقع الإنترنت المليئة بالمعلومات المضللة. وهذه جهود ممولة غايتها الإلهاء عن القسوة والاحتلال غير المشروع والجرائم الدولية المقترفة في ظل حصانة تامة تحت سمعنا وأبصارنا.
وتبرر حكومة إسرائيل وأتباعها ما يجري من أفعال ضد أونروا بزعم أن الوكالة مخترقة من حماس، برغم التحقيق بدقة في جميع الادعاءات التي تم تقديم أي دليل عليها. في الوقت نفسه، تتهم حماس قيادة أونروا بالتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي وتعارض جهود الوكالة لتعزيز حقوق الإنسان والمساواة الجندرية. والوكالة بعيدة كل البعد عن كونها طرفا في الصراع، فهي ضحية من ضحايا هذه الحرب. وهدف الجهود الرامية إلى تشويه سمعة أونروا وتفكيكها في نهاية المطاف هدف بسيط، هو القضاء على وضع اللاجئين الفلسطينيين والتحويل من جانب واحد للمعايير الراسخة منذ أمد بعيد لحل سياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولقد تجاهل السعي الأعمى لتحقيق هذا الهدف حقيقة مفادها أن وضع اللاجئين الفلسطينيين ليس مرتبطا بوكالة أونروا، بل إنه محمي بقرار للجمعية العامة سابق على إنشاء الوكالة.
إن المجتمع الدولي يقف اليوم عند مفترق طرق. ففي أحد الاتجاهات يكمن عالم نتراجع فيه عن التزامنا بتقديم استجابة سياسية للقضية الفلسطينية. وهذا عالم الدستوبيا الذي تنفرد فيه إسرائيل، باعتبارها القوة المحتلة، بتحمل المسؤولية الوحيدة عن سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة، وربما تعهد بالمسؤولية من الباطن إلى جهات خاصة أقل مسؤولية أمام المجتمع الدولي.
وفي اتجاه آخر يكمن العالم الذي تظل فيه حواجز النظام القائم على القواعد راسخة ويتم فيه حل القضية الفلسطينية بالسبل السياسية. وهذا هو المسار الذي يسلكه حاليا التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين، بقيادة المملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. ويهدف هذا الجهد، الذي يحيي مبادرة السلام العربية، إلى إرساء مسار لا رجعة عنه نحو حل الدولتين، وتكوين قدرة لإدارة فلسطينية كي تحكم دولة فلسطين المستقبلية، ومنها غزة.
وهذا هو المسار الذي أنشئت أونروا لدعمه. وإلى أن تقوم دولة فلسطينية، سيكون دور الوكالة حاسما لضمان ألا يعيش أطفال غزة بين الأنقاض، دونما تعليم ودونما أمل. فما لكيان آخر ـ إلا دولة قادرة ـ أن يوفر التعليم لمئات آلاف الفتيات والفتيان، والرعاية الصحية الأساسية لملايين الفلسطينيين. وفي إطار الحل السياسي، يمكن أن تنهي أونروا تفويضها تدريجيا، حيث يصبح معلموها وأطباؤها وممرضاتها قوة عاملة في المؤسسات الفلسطينية المتمكنة.
لا تزال لدينا مجال لفرصة نجتنب بها مستقبلا كارثيا يقام فيه النظام العالمي بقوة النار والدعاية فتحدد هذه القوة أين ومتى تنطبق حقوق الإنسان وسيادة القانون، إذ كان لها أن تنطبق أصلا. والأدوات والمؤسسات اللازمة للدفاع عن نظامنا المتعدد الأطراف والنظام القائم على القواعد وتعزيزهما موجودة وكافية، وليس علينا إلا أن نمتلك الشجاعة السياسية لاستخدامها.
فيليب لازاريني المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)
عن الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: اللاجئین الفلسطینیین
إقرأ أيضاً:
القضاء البريطاني يسمح لمجموعة فلسطين أكشن بالطعن في قرار حظرها
سمح القضاء البريطاني لمجموعة "فلسطين أكشن" المؤيدة للفلسطينيين بالطعن في قرار حظرها الذي اتخذته حكومة كير ستارمر العمّالية مطلع يوليو/تموز الجاري، ونددت به المجموعة باعتباره مساسا بحرية التعبير.
واتخذ قرار حظر "فلسطين أكشن" الذي دخل حيز التنفيذ في وقت سابق من هذا الشهر بالاستناد إلى قانون مكافحة الإرهاب في بريطانيا، بعدما اقتحم نشطاء في الحركة قاعدة جوية في جنوب إنجلترا، ورشوا طلاء أحمر على طائرتين فيها، متسببين بأضرار بقيمة 7 ملايين جنيه إسترليني (9.55 ملايين دولار).
وأودع 4 نشطاء في المجموعة الحبس الاحتياطي بعد مثولهم أمام القضاء على خلفية الواقعة.
ويجعل القرار البريطاني الحركة على قدم المساواة مع حركات أخرى مصنفة على أنها تنظيمات إرهابية في بريطانيا، كحركة حماس، وتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
وكانت وزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر قد اتهمت الحركة بمراكمة تاريخ طويل من الخروقات الجنائية والعنف والأضرار الجسيمة، ونهج سلوك لم يعد يرتبط بالاحتجاج السلمي، ويرقى لتصنيفها منظمة إرهابية.
ومنذ دخول الحظر حيز التنفيذ، أوقفت الشرطة البريطانية 200 متظاهر على الأقل، خصوصا خلال تظاهرات نظمت تأييدا للمجموعة.
وقامت هدى عموري، وهي إحدى مؤسِسات المجموعة، برفع التماس إلى المحكمة العليا في لندن لتخوّلها الطعن في قرار الحكومة البريطانية.
تدخل غير متكافئ
واليوم الأربعاء، اعتبر القاضي مارتن تشامبرلين أنه من الممكن "المجادلة على نحو معقول" في أن حظر "فلسطين أكشن" يشكّل "تدخّلا غير متكافئ" في حق الشاكية بحرية التعبير وحرية التجمّع.
وأثار حظر هذه المجموعة التي تؤكد أنها "ملتزمة بوضع حدّ للدعم العالمي لنظام الإبادة والفصل العنصري في إسرائيل" انتقادات شديدة من المنظمات الحقوقية.
وندّد به خبراء أمميون باعتبار أن "أضرارا مادية بسيطة لا تعرّض حياة أحد لخطر، ليست خطيرة لدرجة توصف بالإرهاب".
إعلانوالأسبوع الماضي، دعا المفوّض الأممي السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك حكومة كير ستارمر إلى إلغاء هذا الحظر باعتباره "غير متناسب".
وفي عام 2022، اقتحم نشطاء من "فلسطين أكشن" موقعا تابعا لشركة "تاليس" للصناعات الدفاعية في غلاسكو، كما اقتحموا العام الماضي فرعا لشركة الأسلحة الإسرائيلية "إلبيت سيستيمز" في بريستول.
وفي مارس/آذار الماضي، دخلوا ميدان غولف تابعا للرئيس الأميركي دونالد ترامب في جنوب غرب أسكتلندا وكتبوا على عشبه "غزة ليست للبيع".