سقوط النظام السوري كان حدثا مدوّيا ومفاجئا بالنسبة لعموم المراقبين، مع أنه قد يكون منتَظرا بالنسبة للدوائر الفاعلة في المشهد الإقليمي والدولي والتي لها قدرةٌ على صناعة الأحداث أو على توجيهها، أو على الاستفادة منها حتى وإن حصلت دون علمها وتأثيرها.
المفاجأة كانت بسبب سرعة تقدم المسلحين دون وجود مقاومة من جيش النظام، وقد كان بعض المحللين يظنون أن النظام سحب قواته من حلب ودرعا وحمص لتحصين العاصمة، ولكن كانت المفاجأة الكبرى أن العاصمة دمشق كانت مفتوحة وأن الرئيس كان قد غادر البلاد.
هذه السرعة تذكر أيضا بسرعة هروب بن علي وبسرعة سقوط حسني مبارك رغم اختلاف الأساليب، ففي الحالتين الأخيرتين كانت الاحتجاجات سلمية ولم يرفع المتظاهرون السلاح بوجه قوات الأمن والجيش كما هو الحال في سوريا.
ما يعني ضحايا الاستبداد هو سقوط المستبد وانهيار منظومة القمع وعصابات النهب وجلاوزة التعذيب، ولا يعني الضحايا إن كان سقوط المستبدين إنجازا شعبيا ثوريا أم كان إكراها خارجيا لأولئك المتجبرين على ترك الحكم والبلاد
إنّ ما يعني ضحايا الاستبداد هو سقوط المستبد وانهيار منظومة القمع وعصابات النهب وجلاوزة التعذيب، ولا يعني الضحايا إن كان سقوط المستبدين إنجازا شعبيا ثوريا أم كان إكراها خارجيا لأولئك المتجبرين على ترك الحكم والبلاد. وهنا لا يجوز الانشغال بمقارنات إن كانت جرائم النظام السوري أبشع أم ألطف من جرائم أمريكا والكيان الصهيوني، ولا يليق تنغيص فرحة المضطَهدين بطرح الأسئلة المبكرة حول الموقف من التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية وحول ضرب مخازن الأسلحة وترسانة الذخائر، فتلك معركة ليست طارئة إنما هي قديمة مع عدو محتل متوحش لا تقاومه إلا الشعوب المتحررة من القمع والظلم.
لقد كان شنق صدام حسين وقتل القذافي "بحجارة" عملا مهينا للعرب، إذ كان من حق الشعوب العربية المضطهدة محاكمة حكامها المجرمين محاكمات علنية عادلة تتحقق بها العدالة وتعبر بها عن التحضّر والتمدن، غير أن المقهورين لم يروا في ذلك إهانة للعرب بل اعتبروها عدالة إلهية أجراها الله تعالى على أيدي من قدروا على الظالمين وتلك عندهم قاعدة "ضرب الظالمين بالظالمين وإخراج المظلومين سالمين".
العديد من المتابعين للحدث السوري وخاصة من المنتمين إلى التيار الإسلامي، اعتبروا أن اللحظة تفتح على موسم "الاستئناف"، بعد أن أجهضت قوى معادية للربيع العربي مسار التجريب الديمقراطي في كل من تونس ومصر وليبيا وحتى اليمن. "الاستئناف" يعني زوال مكونات المشهد السياسي الحالي في أكثر من قُطر عربي، واستعادة قوى الربيع العربي حضورها في المشهد لإحياء مسار ديمقراطي بعد أن تعثّر ثم اغتيل.
والسؤال الذي قد يُطرَحُ هو: هل يفتح انتصارٌ مسلّحٌ في قُطر ما مجالا لمسار سلمي ديمقراطي في أقطار أخرى؟ سؤال يُزعج بعض الأنظمة التي تجد نفسها في مدار العواصف القادمة، خاصة وأن مجيء الرئيس الأمريكي المنتخَب أخيرا يُنذر بسنواتِ "بطش" بعدد من الأنظمة؛ لا بسبب كونها غير ديمقراطية وإنما ترامب سيعود بأسلوبه المحقّر للأنظمة العربية وسيعمل على فرض خارطة جديدة تكون فيها للكيان الغاصب "دولة أوسع" ونفوذا أكبر، ويكون فيها حكام العرب مطبعين علانية لا سرّا، ولا يكفي منهم مكاتب علاقات ولا حتى إسداء خدمات استخباراتية ومساعدات ماديةبسبب كونها لم تعد قادرة على الانتظام في "شرق أوسط جديد" تأخر تحقيقُه بسبب صمود المقاومة لحوالي عقدين من الزمن. ولعل ترامب يرى أن اللحظة صارت مناسبة بعد ما ترتب عن معركة الطوفان من أضرار كبيرة ألحقها الأعداء بمحور المقاومة.
ترامب سيعود بأسلوبه المحقّر للأنظمة العربية وسيعمل على فرض خارطة جديدة تكون فيها للكيان الغاصب "دولة أوسع" ونفوذا أكبر، ويكون فيها حكام العرب مطبعين علانية لا سرّا، ولا يكفي منهم مكاتب علاقات ولا حتى إسداء خدمات استخباراتية ومساعدات مادية.
هل معنى هذا أن "الاستئناف" سيكون حتما مقترنا بالتطبيع العلني؟ الإجابة عن هذا السؤال محفوفة بمقدمات "مرنة" تسمح لأصحابها باستعمال قاموس "الإكراهات"، ونظرية "التمكّن قبل التمكين"، وقاعدة "دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر" ونظرية "تسليط الله الكفار على الفجار"، وغيرها من الوَصفات التي "قد" يسهل بها تبريرُ تأجيل حكام "الاستئناف" الاستعصاء بوجه قوى الاستكبار العالمي. وهو ما سيفتح على سؤال آخر حول مدى قدرة أنظمة مطبّعة علانية على تجريع الشعوب "مُستحلب" الصهيونية العالمية؛ علّبته أيادي الخائنين والجبناء من حكام ونخب إعلامية وفكرية وفنية.
x.com/bahriarfaoui1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مقاومة سوريا العربية ترامب سوريا مقاومة عرب ترامب مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك من هنا وهناك اقتصاد سياسة من هنا وهناك سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
339 ألف زائر في جزيرة ياس خلال سباق جائزة الاتحاد للطيران الكبرى لـ«الفورمولا-1»
أبوظبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلة
أعلنت شركة إثارة، الجهة المنظمة لسباق جائزة الاتحاد للطيران الكبرى لـ «الفورمولا-1»، أن أسبوع سباق 2025 سجّل رقماً قياسياً في الحضور، حيث جذبت فعاليات جزيرة ياس 339 ألف زائر، في مؤشر يعكس الإقبال الكبير على الحدث.
وشهدت حلبة مرسى ياس واحدة من أكثر الجولات الختامية إثارة في تاريخ البطولة، مع احتدام المنافسة الثلاثية بين سائقي ماكلارين لاندو نوريس وأوسكار بياستري وسائق ريد بُول ماكس فيرستابن، حيث تابع 203 آلاف متفرج جولة حسم اللقب من المدرجات في زيادة ملحوظة مقارنة بـ192 ألف متفرج في العام الماضي.
وبالإضافة إلى أجواء الحماس التي شهدتها الحلبة مع فوز فيرستابن بالسباق، وتتويج نوريس بأول ألقابه في فئة السائقين، استقطب برنامج «ياسلام» الترفيهي المُقدَّم من e& رقماً قياسياً بلغ 136 ألف مشجع «بزيادة قدرها 9% تقريباً عن حضور عام 2024 البالغ 125300»، خلال أربع أمسيات من حفلات ما بعد السباق من بنك الإمارات دبي الوطني، بمشاركة بنسون بون، وإليانا وبوست مالون، وميلتالكا وكاتي بيري، إلى جانب حفلات الأفتربارتي الرسمية التي أحياها إدريس إلبا وكالفن هاريس، وفرقة كاين ميوزيك.
وقال سيف راشد النعيمي، الرئيس التنفيذي لشركة إثارة: «سيظل سباق جائزة أبوظبي الكبرى لهذا العام محطةً بارزة في تاريخ «الفورمولا-1»، بعدما حُسم لقب البطولة تحت أضواء حلبة مرسى ياس، نفخر في شركة إثارة بتقديم فعالية ترتقي إلى مستوى هذا الحدث الاستثنائي».
وأضاف: «شهد السباق أكبر حضور جماهيري منذ انطلاقه، مدعوماً ببرنامج ترفيهي عالمي المستوى وابتكارات متميزة في تجارب المشجعين، شملت تقديم مفاهيم الضيافة الجديدة والمنصات والأنشطة المبتكرة في موقع السباق، إضافة إلى المزايا الموسعة للتذاكر، وأسهم ذلك كله في تقديم تجربة استثنائية لا تُنسى، ونجحت أبوظبي في ترسيخ مكانتها مجدداً كأفضل وجهة لاستضافة الجولة الختامية من بطولة العالم».
وكان من أبرز الإضافات هذا العام توسيع نطاق الأنشطة الجماهيرية، بما في ذلك جولتان مفتوحتان في منطقة الصيانة وجولات المشي على المسار من بنك أبوظبي الأول يوم الخميس، ومع الأداء المميز لبنسون بون ضمن حفلات ما بعد السباق، تحوّل يوم الخميس من مجرد بداية لعطلة نهاية الأسبوع، إلى يوم حافل بالترفيه وتجارب الجمهور، ليسجّل أكبر حضور ليوم خميس في تاريخ الحدث.
ومع تعزيز مكانة جائزة أبوظبي الكبرى كأحد أكثر السباقات تألقاً في عالم «الفورمولا-1»، شهدت منطقة البادوك ظهور عدد من النجوم العالميين، من بينهم مقدمي الحفلات الرئيسية بينسون بون، كاتي بيري، وميتاليكا، إلى جانب الممثلة آنا دي أرماس التي لوّحت بالعلم المربّع، والممثلين جيسون ستاثام وإيميلي راتاجكوسكي ومادلين بيتسش وجيسيكا تشاستين، ورجل الأعمال ورائد العمل الخيري بيل جيتس، وأساطير الرياضة تييري هنري ورونالدينيو ويانيك سينر.
ومع تزايد الإقبال الجماهيري عاماً بعد عام، تواصل شركة إثارة تطوير مبادرات مستدامة تعزّز مسؤوليتها البيئية، شهدت جائزة أبوظبي الكبرى 2025 زيادة بمقدار ثلاثة أضعاف في استخدام الطاقة الشمسية المؤقتة، حيث جرى تشغيل عدد من المناطق الرئيسة في الحلبة، ومنها المنعطفات 2 و5 و9- باستخدام الطاقة النظيفة بالكامل، كما اعتمدت جميع المولدات المؤقتة على وقود حيوي بنسبة 100% ضمن الفئات B5 وB20 ما أدى إلى خفض ملموس في الانبعاثات عبر العمليات التشغيلية طوال أيام الحدث.
وشكّلت الشراكة مع شركة «ما-هوا» الإماراتية، المتخصصة في إنتاج المياه بتقنية تحويل الهواء إلى ماء، إحدى أبرز مبادرات هذا العام، وأنتجت المحطات الموزعة في مواقع الجمهور أكثر من 260 ألف لتر من المياه، ما ألغى الحاجة إلى أكثر من 520 ألف عبوة بلاستيكية بسعة نصف لتر، خلال الأيام الأربعة للفعالية.
ومع كتابة التاريخ على الحلبة وتواصل الفعاليات الترفيهية في أرجاء جزيرة ياس كافة، جاء سباق جائزة أبوظبي الكبرى لعام 2025، ليكون النسخة الأضخم والأكثر تشويقاً على الإطلاق، وكان ختاماً يليق بالموسم الـ75 التاريخي لسباقات «الفورمولا-1».