إنكار المجاعة: الجريمة الكبرى لعصابة بورتسودان.

فتحي محمد عبده
1 يناير 2025

في مسرحية تعبر عن التفسخ الأخلاقي والسياسي، تواصل حكومة بورتسودان الانقلابية، بقيادة الحركة الإسلامية، تجاهل معاناة ملايين السودانيين الذين يواجهون الموت جوعاً. فبدلاً من مواجهة الكارثة الإنسانية التي تعصف بالبلاد، اختارت السلطة الانقلابية إنكار الواقع وسحب عضوية السودان من الآلية الدولية للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي مطلع هذا الأسبوع، في خطوة تُظهر انعدام الإحساس بالمسؤولية تجاه حياة وكرامة السودانيين والسودانيات.

القرار الذي اتخذته حكومة بورتسودان يكشف عن عقلية تتشبث بالسلطة على حساب ملايين الجوعى والمحتاجين. في وقت يحتاج فيه السودان وأهله إلى دعم دولي عاجل لمواجهة انهيار الأوضاع الإنسانية، فضلت عصابة بورتسودان الانخراط في معارك سياسية واتهامات وإشاعات ضد الحركة المدنية والسياسية السودانية التي استشعرت هذا الخطر، وبدأت تحذر منه وتعمل على مواجهته، بما في ذلك مناشدات ونداءات استغاثة للمجتمع الدولي والإقليمي وأصدقاء الشعب. فقد تجاهلت سلطة بورتسودان الحقائق الدامغة التي قدمتها المنظمات الدولية بشأن تفشي المجاعة في أجزاء واسعة من البلاد. والأرقام لا تكذب؛ 24 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينما يقترب 1.5 مليون من الموت جوعًا. ومع ذلك، تواصل هذه المجموعة المجرمة إنكارها، متذرعة بمؤامرات “خارجية” متوهمة.

منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، ظل السودانيون يدفعون ثمنها من دمائهم وأرواحهم وقوتهم وسكينتهم، والآن تسعى الحكومة للاستفادة من شرعية “شكلية” وهمية لإسكات المنظمات الإغاثية وتقويض جهود المساعدات الإنسانية، واستخدام “السيادة” كدرع لحماية مصالحها السياسية وغطاء للفساد والتقصير.

أوضاع النازحين واللاجئين في جميع ولايات السودان تفضح أكاذيب بورتسودان. آلاف الأسر تتكدس في مخيمات لا تصلها المساعدات، بينما تتفاقم معدلات سوء التغذية بين الأطفال، وتزداد الوفيات بسبب الأمراض المرتبطة بالجوع. هذه هي النتيجة الحتمية لسياسة الأرض المحروقة التي تنتهجها هذه المجموعة المجرمة في بورتسودان، غير مكترثة بمصير الشعب الذي من المفترض أن تحميه.

أن قرار الانسحاب من آلية التصنيف المرحلي المتكامل ليس إلا وسيلة لإخفاء حجم الكارثة ومنع الرقابة الدولية بتشويه الحقائق وتسييس قضية المجاعة فبدلاً من التعاون مع المنظمات المعنية ووضع خطط عاجلة للتخفيف من الأزمة، تختار اختار هولاء صب الزيت على النار بتصريحات متعجرفة واتهامات باطلة، متجاهلين أن هذا السلوك يدفع الملايين نحو الهلاك حرفيا.

في ظل هذا الواقع المأساوي أمام السودانيين ومستقبلهم العاتم، تبرز ضرورة ملحة لتوافق سياسي بين السودانيين والسودانيات، وتقرير مصيرهم دون ارتهان لعصابة آخر همها السودان وأهله. هذا التوافق يكون مؤسسًا على أهداف ومقاصد وطنية واضحة، على رأسها مجابهة الأوضاع الإنسانية في البلاد، بما في ذلك الجوع الذي يحاصر الناس من جميع الاتجاهات. ومستندًا إلى شرعية ثورة ديسمبر المجيدة، فالامن والخبز، السلطة كل السلطة للشعب. فالثورة فتحت الباب لبناء عقد اجتماعي جديد يؤسس لسودان يسوده السلام والحرية والكرامة. وما أحوجنا إلى مشروع وطني يحقق تطلعات الشعب في العدالة والحكم الديمقراطي، وينهي سياسات وحِقب القمع والاستبداد.

ولا داعي للإشارة إن الحركة الإسلامية التي تتحكم بمفاصل النظام في بورتسودان اليوم لا تمثل إلا مصالحها الضيقة ونهجها الاستبدادي، مستعدة للتشبث بالحكم حتى لو تطلب ذلك إقامته فوق مدفن آخر طفل سوداني جائع. فحياة السودانيين لا قيمة لها في ميزان هذه العصابة الإجرامية.

الوسومالمجاعة انكار فتحي محمد عبده كارثة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: المجاعة انكار كارثة

إقرأ أيضاً:

سفير أنقرة بالخرطوم: إفريقيا شريك استراتيجي وندعم السودان لحل أزمته الإنسانية

الأناضول: قال السفير التركي في السودان، فاتح يلدز، إن بلاده تعتبر إفريقيا "شريكًا استراتيجيًا مهمًا" للمستقبل، وأكد أن أنقرة تدعم جهود الحكومة السودانية الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية بالبلاد، جاء ذلك في مقابلة أجرتها الأناضول مع يلدز بمناسبة يوم إفريقيا، الذي يصادف 25 مايو/أيار من كل عام، حيث تطرق إلى العلاقات بين تركيا وإفريقيا بشكل عام، وتركيا والسودان بشكل خاص.


وأشار يلدز إلى أهمية التركيبة السكانية في إفريقيا، قائلًا: "هذا الأمر لا يهم تركيا فقط، بل يهم أيضًا مستقبل العالم وازدهاره".


وأضاف: "عندما تنظرون إلى القارات الأخرى، لا تجدون مثل هذا الثراء في الموارد البشرية. ومن هنا يمكننا أن نفهم بشكل أفضل لماذا ستكون إفريقيا قارة المستقبل المشرقة".


ولفت يلدز إلى أن تركيا تأخذ هذه الخصوصية الديموغرافية بعين الاعتبار في مقاربتها تجاه القارة الإفريقية.


وأوضح أن بلاده تركز على مجالات مثل بناء القدرات والتنمية الاجتماعية، وأن هذه المجالات تحتل مكانة مركزية في سياسة تركيا تجاه إفريقيا.


وتابع: "نحن لا ننظر إلى إفريقيا كمكان لتقديم المساعدات الإنسانية فحسب، بل نعتبرها شريكًا استراتيجيًا للمستقبل".


وشدد على أهمية تنمية القارة الإفريقية باعتبارها تضم شريحة واسعة من الشباب الذين يمثلون مستقبل العالم.


وزاد: "إفريقيا تنهض. وتأهيل الكوادر البشرية لهذه القارة، خاصة في مجالات مثل التعليم، سيكون له أهمية كبيرة ليس فقط لمستقبل إفريقيا، بل أيضًا لمستقبل العالم بأسره".


وأردف: "استراتيجيتنا تجاه إفريقيا هي نتاج مقاربة بدأت منذ أكثر من 25 عامًا بما يُعرف بسياسة الانفتاح على القارة، ثم تطورت لاحقًا إلى سياسة الشراكة معها. ووزارة الخارجية التركية تلعب دورًا مهمًا ومحوريًا في هذا الإطار"


وأوضح يلدز أنه لدى تركيا حاليا تمثيل دبلوماسي في 44 دولة إفريقية، وتخطط لرفع هذا العدد إلى 50 دولة.


وأضاف: "نظرًا لتركيزنا على قضايا التنمية الاجتماعية وبناء القدرات، لدينا أيضًا 22 مكتبًا تابعًا للوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا) في إفريقيا"، مشيرا إلى أن الوكالة نفذت حتى اليوم أكثر من 7 آلاف مشروع في القارة.


- التجارة البينية
وأشار يلدز إلى أن الخطوط الجوية التركية تُسيّر رحلات إلى أكثر من 40 دولة إفريقية، موضحًا أن حجم التجارة بين تركيا وإفريقيا الذي كان قبل نحو 22 عامًا يبلغ حوالي 5 مليارات دولار، وصل اليوم إلى 40 مليار دولار.


كما تطرق السفير التركي إلى القمم المشتركة بين تركيا وإفريقيا، لافتًا إلى أن القمة المقبلة ستُعقد في عام 2026، وأن العمل جارٍ على تحديد أهدافها سواء على مستوى الدول أو في إطار العلاقات مع الاتحاد الإفريقي.


وفيما يتعلق بالأوضاع في السودان، قال يلدز إن الاشتباكات المستمرة في البلاد منذ أبريل/نيسان 2023 تسببت في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.


وشدد على أن تركيا لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الأزمة، بل تواصل جهودها للحفاظ على العلاقات الثنائية رغم الظروف الصعبة.


وأوضح يلدز أن تركيا تدعم جهود الحكومة السودانية الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية التي تُعد أولوية قصوى للشعب السوداني.


وأشار إلى أن بلاده أرسلت، خلال فترة عمله بالخرطوم الممتدة لنحو 10 أشهر، أربع سفن مساعدات أُطلق عليها اسم "سفن الخير"، حملت إجمالًا أكثر من 8 آلاف و500 طن من المساعدات الإنسانية إلى السودان.


واستطرد: "رغم ذلك، فإن هذه الجهود لا تكفي أمام حجم الأزمة الإنسانية في السودان."


- استعادة العاصمة
وفي السياق، أشار السفير التركي إلى أن استعادة الجيش السوداني السيطرة الكاملة على ولاية الخرطوم في 20 مايو/ أيار الجاري، وتعيين أول رئيس وزراء مدني منذ عام 2022، يحملان دلالات هامة للغاية.


وقال يلدز: "تركيا تُعد من أكبر الداعمين لسودان موحد ومستقل يتمتع بسيادته ووحدة أراضيه وخالٍ من التدخلات الخارجية".


وأضاف: "نعتبر استعادة الجيش السوداني السيطرة على العاصمة الخرطوم، ومن ثم انتقال كامل ولاية الخرطوم إلى سيطرة الحكومة الشرعية، أمر بالغ الأهمية، ليس فقط للشعب السوداني، بل للحكومة أيضًا".


وفي الآونة الأخيرة، سيطر الجيش السوداني على معظم مناطق ولاية الخرطوم التي تتكون من مدن العاصمة الثلاث الخرطوم وبحري وأم درمان، إضافة إلى منطقة شرق النيل.


وفي الولايات الـ17 الأخرى بالسودان، لم تعد قوات "الدعم السريع" تسيطر سوى على أجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بجانب 4 ولايات من أصل 5 بإقليم دارفور.


وأشار يلدز إلى أن تعيين رئيس وزراء مدني لأول مرة منذ نهاية 2021 يُعد مؤشرًا على التزام السودان بخارطة الطريق التي أعلنها رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان عبد الفتاح البرهان في فبراير/ شباط الماضي، معربًا عن ترحيب تركيا بهذا التطور.


وفي 19 مايو الجاري أصدر البرهان، مرسوما دستوريا بتعيين كامل إدريس رئيسا للوزراء في البلاد، ليصبح أول مدني يشغل هذا المنصب منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.


وأكد يلدز أن وجود حكومة تدير شؤون البلاد رغم الأزمة الإنسانية يُعد أمرًا في غاية الأهمية سواء للسودان أو لتركيا، التي تربطها علاقات وثيقة بالبلاد.


وأضاف: "رغم كل ما أحدثته الحرب من تأثيرات سلبية، خاصة على العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، فإننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على هذه العلاقات من التراجع في هذه المرحلة الانتقالية".


وأشار إلى أن تركيا تُعد ثالث أكبر دولة في العالم من حيث امتلاك شبكة دبلوماسية واسعة، وقال: "من الطبيعي أن يعمل الدبلوماسي التركي في أماكن صعبة مثل السودان. هذا جزء من طبيعة عملنا كدبلوماسيين أتراك".


وأعرب يلدز عن حزنه لأن الازمة الإنسانية في السودان لا تحظى بالاهتمام المطلوب من المجتمع الدولي.


وأكد على أن تركيا ستواصل تقديم الدعم للسودان، قائلا: "تركيا ستكون في طليعة الدول الداعمة للسودان خلال مرحلة إعادة الإعمار، وسنحرص على أن تحظى هذه القضية بالاهتمام الذي تستحقه على الساحة الدولية".


واختتم يلدز حديثه بالقول: "سنعمل بكل جهدنا للاستفادة من علاقاتنا القوية في مجالات التجارة والاقتصاد والاستثمار، وسنظل في مقدمة الدول الفاعلة في دعم السودان خلال عملية إعادة الإعمار".


ومنذ منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023، يخوض الجيش و"الدعم السريع" حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.


 

مقالات مشابهة

  • حماس: إنكار نتنياهو المجاعة بغزة يعكس "عقلية إجرامية مريضة"
  • سيفقد أولاد دقلو كل المدن التي سيطروا عليها وسيتحولون إلى مجرد مجرمين هاربين
  • الأمم المتحدة تدعو إلى فتح جميع معابر قطاع غزة وإدخال المساعدات الإنسانية
  • الطبيبة آلاء النجار.. أيقونة الإنسانية التي أحرق الاحتلال أبناءها التسعة
  • فاتح يلدز يؤكد دعم أنقرة لحل الأزمة الإنسانية في السودان وتمتعه بالسيادة ووحدة أراضيه
  • استقالة مفاجئة لمدير «مؤسسة غزة الإنسانية».. وبرنامج الأغذية العالمي: 500 ألف فلسطيني على شفا المجاعة
  • وزارة الزراعة تدين الجريمة التي ارتكبها صوماليون مسلحون بحق صيادين يمنيين
  • سي إن إن تكشف حجم المجاعة والموت بغزة.. واستمرار نتنياهو في إنكار الإبادة
  • الحرب على كرسي السلطة الخالي
  • سفير أنقرة بالخرطوم: إفريقيا شريك استراتيجي وندعم السودان لحل أزمته الإنسانية