الجزيرة:
2025-12-05@03:37:51 GMT

مدن سودانية تنهض من رماد الحرب والخرطوم تتراجع

تاريخ النشر: 12th, July 2025 GMT

مدن سودانية تنهض من رماد الحرب والخرطوم تتراجع

في وقت ينهار فيه قلب السودان، تقف مدن أخرى على هامشه لتعلن عن صعود جديد يُعيد رسم الخارطة الجغرافية للنفوذ الاقتصادي والعمراني. الخرطوم، العاصمة التي كانت ترمز إلى مركز القرار والسيطرة، تشهد انحسارا مدمرا بفعل الحرب التي اندلعت قبل أكثر من عامين، تاركة خلفها فراغا سكانيا ومؤسساتيا، في حين تنمو على أطراف المشهد مدن مثل بورتسودان وعطبرة والقضارف وشندي والدبة، لتتحول إلى حواضن بديلة للدولة والاقتصاد والمجتمع.

هذا التقرير يرصد تحولات هذه المدن في ظل الانهيار المتسارع للعاصمة، ويستعرض كيف بات الهامش مركزا مؤقتا وربما دائما.

حركة مواصلات نشطة في بورتسودان (الجزيرة) بورتسودان العاصمة المؤقتة

مدينة بورتسودان، المعروفة بـ"دُرّة الشرق"، تقع على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وقد شهدت تغييرات عميقة منذ اندلاع الحرب في الخرطوم. حيث تحولت المدينة إلى مركز إداري بديل للحكومة، وأصبحت ملاذا للنازحين والفارين من مناطق الصراع، ومقصدا للعابرين بحرا وجوا.

كما جذبت المدينة المستثمرين ورجال الأعمال الذين نقلوا إليها نشاطهم التجاري، وأصبحت مقرا للمنظمات الدولية والإنسانية والسفارات الأجنبية.

ويُعدّ مطار بورتسودان الدولي الآن المنفذ الجوي الوحيد الذي يربط البلاد بالعالم الخارجي، مما ضاعف من أهميته الاستراتيجية. أما الميناء البحري الوحيد في السودان، فقد اكتسب بدوره أهمية اقتصادية متزايدة منذ إنشائه في أوائل القرن الماضي، وأصبح أحد أركان الاقتصاد الوطني في ظل انقطاع العاصمة.

وفي ظل هذا الانتعاش، شهد القطاع العقاري في المدينة تضخما كبيرا في الأسعار، حيث تضاعفت إيجارات العقارات بشكل جعلها بعيدة المنال عن أصحاب الدخل المحدود، مما أدى إلى ظهور تفاوتات اقتصادية بين الوافدين الجدد والسكان الأصليين.

عطبرة وشندي والقضارف.. صعود صناعي وزراعي وعمراني

في شمال السودان، برزت مدينة عطبرة -التي تُعرف بـ"مدينة الحديد والنار"- كواحدة من أبرز المدن التي نهضت بوتيرة متسارعة.

إعلان

عطبرة التي كانت مركزا تاريخيا للسكك الحديد، استفادت من موقعها الجغرافي عند تقاطع الطرق القومية بين الخرطوم وبورتسودان وحلفا، ومن تدفق رؤوس الأموال الهاربة من مناطق النزاع، خاصة تلك العاملة في قطاع التعدين الأهلي للذهب.

وانتقل إلى المدينة عدد كبير من العمالة التي كانت تعمل في القطاعات غير المنظمة، وارتفع عدد السكان من نحو 75 ألفا إلى نحو مليوني نسمة، وفقا لما صرّح به علي عسكوري، المسؤول السابق في وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، لموقع الجزيرة نت.

وقال عسكوري: "في كل مكان في عطبرة ترى العمارات ترتفع، والمراكز التجارية تنمو، والشركات والمناطق الصناعية تتسع". وقد رافق هذا التوسع نمو في سوق الذهب، حيث أصبحت ولاية نهر النيل (التي تنتمي إليها عطبرة) مع ولاية البحر الأحمر تنتج نحو 70% من الذهب في السودان، بعد انتقال مصفاة الذهب إليها وبناء برج خاص بسوق الذهب.

القضارف جذبت عشرات المصانع الكبرى، وأصبحت من أبرز بؤر النمو الزراعي والصناعي (الجزيرة)

أما في شرق السودان، فقد جذبت ولاية القضارف -التي تُعد من كبريات مناطق الإنتاج الزراعي- رؤوس أموال ضخمة وكبريات الشركات، حيث شُغّل نحو 32 مصنعا في مجالات متنوعة، مما أسهم في تقليص الفجوة الغذائية، وتوفير فرص عمل واسعة للشباب والعمالة في المجالات الحرفية والمهنية.

وقد أدى توافد المستثمرين إلى انتعاش سوق العقارات وارتفاع أسعار الإيجارات، لا سيما في سوق القضارف والسوق العمومي والمحال التجارية، إلى جانب تحسن ملحوظ في القوة الشرائية ومعدل الدخل، رغم تصاعد البطالة والتضخم في بقية مناطق السودان.

وفي مدينة شندي الواقعة شمالي الخرطوم، استقرت عشرات المصانع التي غادرت العاصمة بعد الحرب. وقد خصصت المحلية مدينة صناعية متكاملة استوعبت هذه المصانع، بحسب ما أوضح المدير التنفيذي لمحلية شندي، خالد عبد الغفار، للجزيرة نت.

وتشمل الصناعات الجديدة في شندي إنتاج المواد الغذائية، والكراسات، والمياه المعدنية، والعصائر، والشاي، والصابون، واللحوم، بالإضافة إلى صناعات البلاستيك والعطور والأواني المنزلية، ومعدات الكهرباء، والسباكة، وتعليب الخضروات، وتجفيف البصل.

كما خصصت شندي مواقع لمعارض السيارات التي كانت تتركز سابقا في الخرطوم، وسوقا جديدا لمواد البناء، إلى جانب انتقال تجارة الأحذية والملابس والعطور من سوق سعد قشرة الشهير في بحري إلى أسواقها. وتشير بيانات محلية إلى أن عدد سكان شندي تضاعف أكثر من 5 مرات، وارتفعت إيجارات السكن والمتاجر بدرجة غير مسبوقة.

شندي تحولت إلى قطب صناعي بديل، مع انتقال عشرات المصانع من الخرطوم إلى أراضيها (الجزيرة) الدبة.. الميناء البري

وفي شمال السودان، تحولت مدينة الدبة الواقعة على منحنى نهر النيل إلى ميناء بري ضخم، وأصبحت مركزا حيويا يربط بين الأقاليم الشمالية والغربية والشرقية.

تُستقبل في المدينة السلع والبضائع القادمة من المثلث الحدودي مع مصر وليبيا، بالإضافة إلى الواردات القادمة من مصر مباشرة.

وباتت المدينة نقطة توزيع مركزية للسلع إلى ولايات دارفور وكردفان، كما أصبحت ملتقى للنازحين الذين هربوا من تدهور الأوضاع الأمنية والخدمية في تلك الأقاليم، بحثا عن الاستقرار والتعليم والخدمات الصحية لأطفالهم.

إعلان

وقد ارتفع عدد سكان الدبة من نحو 50 ألفا إلى أكثر من 500 ألف نسمة خلال عامين فقط، مما جعلها تتحول من مدينة صغيرة إلى مركز اقتصادي ناشئ. ويُعزى ذلك إلى موقعها المفتوح على الصحراء، مما سهّل تحوّلها إلى نقطة عبور لسلع التصدير من كردفان ودارفور نحو بورتسودان أو شمالا نحو معبر أرقين الحدودي مع مصر.

حطام السيارات على جنبات الطرق في العاصمة السودانية (الفرنسية) صعود المدن هل يعيد تشكيل السودان؟

التحولات العميقة التي تشهدها مدن مثل بورتسودان، وعطبرة، والقضارف، وشندي، والدبة لا تمثل مجرد رد فعل ظرفي على الحرب الدائرة في الخرطوم، بل تكشف عن إعادة توزيع حقيقي للثقل السكاني والاقتصادي في البلاد.

هذه المدن أصبحت في غضون عامين فقط محاور جديدة للنمو والعمران، واستوعبت موجات النزوح والاستثمار التي كانت تتركز سابقا في العاصمة.

لكن يبقى التساؤل الجوهري: هل سيقود هذا الصعود إلى تغيير دائم في الجغرافيا السياسية والاقتصادية للسودان؟ أم أنها لحظة طارئة ستتبدد مع نهاية الحرب؟ الأكيد أن واقع ما بعد الخرطوم لن يشبه ما قبلها، وأن المدن التي كانت على الهامش باتت تمتلك الآن مفاتيح جديدة لمستقبل البلاد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات التی کانت

إقرأ أيضاً:

تقرير صادم من السودان.. انعدام «الغذاء والخدمات» يهدد الملايين!

كشف تقييم جديد أجرته منظمتان دوليتان عن أوضاع مأساوية في ولاية الخرطوم، حيث يعاني 97% من الأسر من انعدام الأمن الغذائي، ما يضطرهم إلى اتخاذ تكيفات سلبية تشمل عمالة الأطفال والزواج المبكر، ويضع حياتهم اليومية في مواجهة تحديات قاسية.

وأجرت منظمة “المساعدات الكنسية النرويجية” ومنظمة “الفرق الطبية الدولية” التقييم في 70 مرفقًا صحيًا، شمل مقابلات مع 1250 أسرة وملاحظات ميدانية ومجموعات نقاش.

وأوضح التقرير أن الأسر تتلقى نحو 1800 سعرة حرارية في 74% منها، وتضطر إلى اقتراض الطعام، اختصار الوجبات، التسول، والعمل، مع اعتماد الأغلبية على أعمال يومية غير مستقرة وبيع الممتلكات والتحويلات الخارجية والدعم الاجتماعي، بينما تمتلك 16% فقط دخلًا ثابتًا.

وأشار التقرير إلى أن 35% من الأسر في الخرطوم تعيلها نساء، وأن زواج الأطفال ارتفع من 9% قبل اندلاع الصراع إلى 24%، فيما أفادت 17% منهن بممارسة الجنس مقابل المال أو الغذاء أو أشكال مساعدة أخرى كآلية تكيف قسرية مرتبطة بانعدام الأمن الغذائي.

وعلى صعيد الخدمات الصحية، تعمل 43% من المرافق من أصل 70 مرفقًا، بينما تقدم 13% خدمات تنويم و14% خدمات ولادة آمنة. وانخفض عدد العاملين في المرافق الصحية من 11.2 إلى 7.8 عامل لكل مرفق، منهم 62% يعملون دون رواتب، في حين يغطي التمويل الحكومي أقل من 10% من التكلفة التشغيلية، والبقية يأتي من المتطوعين والمجتمعات المحلية، بحسب موقع “سودان تربيون”.

وسجل التقرير نقصًا حادًا في الأدوية، حيث لا تحتوي 70% من المرافق الصحية على مضادات حيوية، ويعاني 85% منها نقصًا في أدوية الملاريا، كما أن 15% فقط تمتلك تبريدًا فعالًا للقاحات، مع إتلاف 23% من اللقاحات.

وأوضح التقرير أن 45% فقط من المرافق لديها مصدر مياه، ويستمر التزويد الفعلي عند 27% منها، فيما ترتفع معدلات الإصابة بالكوليرا في المرافق التي لا تملك مياه جارية بمقدار 2.8 مرة.

وأكد التقييم أن 80% من الأسر تستخدم مصادر مياه محسّنة، لكن 48% من هذه المصادر ملوثة، ويزداد الوضع سوءًا في شرق النيل حيث تعتمد 80% من الأسر على مياه الآبار الضحلة غير الآمنة. كما أن 18% فقط من الأسر تستخدم مراحيض محسّنة، بينما تمارس 31% التبرز في العراء، وترتفع النسبة إلى 46% في أطراف أمبدة، فيما انخفضت نسبة جمع النفايات من 68% قبل الحرب إلى 9% حاليًا، ما ساهم في انتشار الأوبئة والتلوث.

وأشار التقرير إلى أن أكثر من مليون شخص عادوا إلى الخرطوم من أصل 3.7 مليون غادروا منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، إلا أن العودة تحمل تحديات كبيرة بسبب استمرار العمليات العسكرية، وتدهور الوضع الاقتصادي، ونقص الخدمات الأساسية، ما يجعل كلفة العودة عالية على المستويين المعنوي والمادي.

وتأتي عودة الحكومة إلى الخرطوم في ظل تباطؤ اللجنة المكلفة بتهيئة البيئة للعودة، مع استمرار عدم توفر خدمات المياه والكهرباء للعديد من المواطنين.

وفي الوقت نفسه، رفض رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان أي مبادرة سياسية لا تشمل تفكيك قوات “الدعم السريع” وتجريدها من السلاح، مؤكدًا أن الحل الوحيد هو تفكيك هذه القوات رغم إعلانها هدنة مؤقتة مدتها ثلاثة أشهر.

واتهمت “قوات الدعم السريع” الجيش السوداني بخرق الهدنة ثماني مرات خلال ستة أيام، مع استمرار تنفيذ اعتداءات على مواقعها وعلى المدنيين، واستخدام الطيران الحربي والطائرات المسيّرة والمدفعية الثقيلة، فيما التزمت قوات الدعم السريع بالدفاع المشروع فقط، داعية المجتمع الدولي والآلية الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر) لضمان احترام الهدنة وفتح ممرات إنسانية آمنة وحماية المدنيين.

ويشكل انعدام الأمن الغذائي وتدهور الخدمات الأساسية في الخرطوم تهديدًا مباشرًا للحياة اليومية لملايين السودانيين، كما يؤدي إلى زيادة اللجوء إلى تكيفات قسرية مثل زواج الأطفال وعمالة الأطفال، ويضع المجتمع أمام تحديات إنسانية واقتصادية جسيمة، ما يستدعي تدخل المجتمع الدولي لتخفيف الأزمة.

وتفاقمت الأوضاع الإنسانية في السودان منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، مع نزوح جماعي للسكان وتدمير البنية التحتية، حيث أدت الحروب الداخلية والصراعات بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” إلى انهيار الخدمات الأساسية مثل الصحة والمياه والصرف الصحي، ما زاد من تفاقم الأزمات الغذائية والصحية في الخرطوم والولايات المجاورة.

مقالات مشابهة

  • خبراء ومحللون لـ«الاتحاد»: استخدام «سلطة بورتسودان» مواد كيمائية ضد المدنيين تصعيد خطير
  • السودان.. 47 قتيلًا بهجوم للدعم السريع في جنوب كردفان
  • تقرير صادم من السودان.. انعدام «الغذاء والخدمات» يهدد الملايين!
  • البرهان.. بين المفاوضات في الظلام وتهديدات في العلن
  • لن تعصمكم القاعدة الروسية من السقوط
  • السودان: عودة الحكومة إلى الخرطوم.. بين إعادة الاستقرار والسعي لتحقيق مكاسب سياسية
  • هل وافقت حكومة الخرطوم على إنشاء روسيا قاعدة بحرية في بورتسودان؟
  • أفورقي في السودان وسط استقبال شعبي حاشد .. ما سر الزيارة المفاجئة
  • تخريب الكنائس في بورتسودان.. السودان يعرض على روسيا قاعدة بحرية!
  • أمريكا:إنشاء قاعدة روسية في بورتسودان يزيد من عزلة السودان