د. سعاد صالح: زنا.. ومروجوه يهدفون لهدم المجتمعأمين الفتوى بالإفتاء: يضر بالمرأة والمجتمع ويحول الفتاة إلى سلعة تباع وتشترىتصدير النماذج الفاشلة عن الزواج وزيادة نسب الطلاق وارتفاع العنوسة أهم الأسباب«الإفتاء» تحذر الشباب من الدعوات والمبادرات الهدامة: تزعزع القيم وتؤدى إلى تفكك الأسرة
دعوات هدامة ظهرت داخل المجتمع وتتجدد باستمرار ولكن بأسماء مختلفة، ودائماً ما تكون متعلقة بالزواج، أطلقت عليها أسماء كثيرة لكى تتماشى مع «الموضة»، فقديمًا عُرفت باسم «زواج المصلحة» وبعدها ظهر نوع آخر عرف بـ«زواج التجربة» والرائج الآن هو «زواج الإنتاج المؤقت» والهدف منه هو ارتباط الطرفين بغرض الإنجاب فقط، وبعد ذلك ينفصل الطرفان وكأن شيئًا لم يكن.
يبدو أن فيلم «بشترى راجل» الذى تم إنتاجه عام 2017، بطولة نيللى كريم ومحمد ممدوح، تحقق على أرض الواقع، فمؤخراً ظهرت مبادرات ودعوات للزواج من أجل الإنجاب تحت مسمى زواج الإنتاج المؤقت، وفيه يتفق الرجل والمرأة على الزواج وحينما يتم الحمل ينفصل الطرفان، وبذلك تكون الفتاة حققت حلم الأمومة دون التقيد بقيود الزواج طوال العمر.
هذه الدعوات والمبادرات السلبية ظهرت مع ارتفاع نسب العنوسة وتكاليف الزواج الباهظة، بالإضافة إلى زيادة معدلات ونسب الطلاق وخاصة خلال «سنة أولى زواج»، ومن هنا ظهرت الصيحة الجديدة فى الزواج المعروفة بـ«الإنتاج المؤقت» ليكون الوسيلة أمام الفتاة للإنجاب، ثم الاستقلال عن الزوج –بعد انتهاء المصلحة– مع الحفاظ على حق المولود فى كل النسب لكلا الأبوين وتسجيله فى الجهات الحكومية باسم والده.
كل هذه التقاليع غريبة عن عادات وتقاليد المجتمع المصرى، وبعيدة كل البعد عن تعاليم الدين والشريعة الإسلامية، لذلك قوبلت بالرفض والاستنكار من قبل دار الإفتاء وعلماء الأزهر الشريف الذين أكدوا أن أى زيجة تكون محددة بمدة معينة وعلى غير تعاليم الدين والشرع والقانون تعتبر زنا.
علاقات مشبوهة
الدكتورة سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، رفضت الفكرة جملة وتفصيلاً وقالت إن زواج الإنتاج المؤقت ليس زواجاً شرعياً، بل هو علاقة غير مشروعة، تسعى لهدم القيم المجتمعية. وأكدت «صالح» أن الزواج الشرعى هو علاقة بين رجل وامرأة مبنية على المودة والرحمة، وليس علاقة تهدف فقط إلى الإنجاب. مشيرة إلى أن زواج الإنتاج المؤقت هو نوع من الزنا، لأنه لا يقوم على المودة والرحمة، بل على مصلحة مؤقتة.
وحذرت أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر من مروجى هذه العلاقات، الذين يهدفون إلى هدم القيم المجتمعية، مؤكدة أن الشريعة الإسلامية لها ضوابط وقيود للزواج، يجب أن تحترمها المجتمعات المسلمة. واستشهدت بقول الله تعالى فى سورة الإسراء: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً».
وعقبت «صالح» على الزواج المحدد بمدة معينة، قائلة إن الدين حرم ذلك مستشهدة بقول الله تعالى فى سورة الأعراف «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّى الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»، مشددة على أن كلمة الفواحش تعبير عن كل ما هو مخالف للفطرة الإنسانية، والرسول صلى الله عليه وسلم أكد الفرق بين الحلال والحرام قائلاً: «الحلال بين والحرام بين».
وأوضحت أن الله شرع الزواج كسنة من السنن الكونية لإنشاء الأسرة وإعمار الكون بالذرية، لافتة إلى أن الشريعة الإسلامية لها ضوابط وقيود لا بد أن تقوم عليها هذه العلاقة الحلال والشريفة.
زواج الأنس واليأس والإنتاج.. حرام
وبدوره، حذر الدكتور عمرو الوردانى، أمين الفتوى، ومدير مركز الإرشاد الزوجى بدار الإفتاء المصرية، من أنواع جديدة من الزواج ظهرت فى المجتمع، بسبب التدين الكمى وتدين المتشددين.
وانتقد «الوردانى»: تلك الظواهر السلبية مؤكدًا أن العلاقات من هذا النوع تقوم على المصالح وليس الزواج القائم على المودة والسكينة التى حث عليها الإسلام قائلًا: «أصبحت هناك ظواهر جديدة فى الزواج، مثل زواج البيزنس، القائم على المصلحة، وزواج التجربة، يعنى يكونوا فى خطوبة بس متزوجين، ويمارسوا كل أمور الأزواج بدون زواج».
وتابع: «فى زواج الإنتاج اثنين يتزوجوا عشان ينجبوا طفل وبعدين يتم الطلاق، وهناك أيضا زواج اليأس وفيه تتزوج الفتاة لتتخلص من وصمة العنوسة، وهناك أيضا زواج الخروج من الوحشة، يعنى يتزوج عشان يجيب حد يؤنسه، حتى لو كانت له علاقات أخرى خارج الزواج، وكلها أمور يرفضها الشرع».
وعن زواج البيزنس، قال مدير مركز الإرشاد الزوجى بدار الإفتاء: «يتعامل الزوجان على أساس شركة تربح وتخسر، والأساس فيه المصلحة»، مضيفًا أن المتشددين دعموا زواج البيزنس، وبالتالى أصبح الزواج غير قائم على الاستقرار، قائلًا: «خلصت المصلحة يبقى يفض الشركة، ويشوف شركة تانى».
الزواج مسئولية
وفى نفس السياق، أجاب الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عن سؤال هل يختلف زواج المتعة عن الزواج المؤقت؟ وقال إن الزواج المؤقت أو زواج المتعة الاثنين واحد، هو عقد يكون فيه الزواج مؤقت بفترة معينة، وهو زواج ضار بالمرأة والمجتمع والأمة، إذ يحول المرأة إلى سلعة تباع وتشترى.
وتابع «عثمان»: أن النبى نهى عن نكاح المتعة، فالمرأة ليست سلعة، ولا يمكنها أن تجلس فى بيت بشكل مؤقت مثل الموظفة، وحذر أمين الفتوى كل شخص بالتفكير جيداً قبل اتخاذ أى خطوة ودراستها، وأن يضع خطة لما هو مقبل عليه لافتاً إلى أن هذا الأمر منتشر فى الغرب، مضيفا: «هنا لو شاب هيتزوج لازم يدرس الخطوة المقدم عليها، هل هو قادر على الزواج وتكاليفه هل يستطيع تربية الأطفال وتحمل مسئوليتهم».
دعوات هدامة
وتأكيدا لهذا أصدرت دار الإفتاء فتوى حرّمت الزواج المشروط أو المحدد بفترة، وحذرت جميع فئات المجتمع من الانسياق وراء دعوات حداثة المصطلحات فى الزواج التى تكمن فى طياتها زعزعة القيم، وإحداث البلبلة فى المجتمع، وتؤثر سلبا على معنى استقرار الأسرة وتماسكها.
وأكدت الدار فى إحدى الفتاوى المتعلقة بالزواج المؤقت أو التجربة أن هذا المسمى الجديد للزواج يحمل معانى سلبية دخيلة على قيم المجتمع المصرى المتدين، الذى يأبى ما يخالف الشرع أو القيم الاجتماعية؛ فالزواج فى الإسلام عقد مصون، عظمه الشرع الشريف، وجعله صحيحا بتوفر شروطه وأركانه وانتفاء موانعه، شأنه كشأن سائر العقود.
وقالت الدار: «إن تجنب الخلافات الزوجية لا يكون مسلكه وضع الشروط الخاصة والحرص على كتابتها تفصيلاً فى وثيقة الزواج الرسمية، أو إنشاء عقد آخر منفصل مواز لوثيقة الزواج الرسمية، بل سبيله مزيد من الوعى بمشاورة المختصين، والتنشئة الزوجية السليمة، والتأهيل للزوجين بكافة مراحله».
وأكدت الإفتاء أن شريعة الإسلام اتسمت بالمرونة، والواقعية، ومناسبة أحوال الناس على اختلافها، ففى الوقت الذى عظمت فيه من شأن رابطة الزواج، ودعت إلى تقويتها، ونسجت منظومة كاملة لحمايتها ووقايتها؛ لم تحرم الانفصال إن وجد سبب حقيقى يدعو إليه، مع إعطاء الزوجين الفرصة تلو الفرصة من خلال تشريع العدة والرجعة؛ مما يجعل حظر الانفصال افتئاتا على حق الزوجين فى اختيار الأنسب لحياتهما، التى من سنتها التغير والتبدل للحسن أو للسيئ.
وأشارت إلى أن كثرة وقوع الطلاق فى سنين الزواج الأولى لا يعالج بحظر الانفصال، وتحريم الطلاق؛ وإنما يواجه بالوعى، والمعرفة، وتنمية المهارات لدى الشباب والفتيات من المقبلين على الزواج؛ ليعرفوا قدره، ومعناه، وحدود الله فيه، وواجباته، ومسئولياته، وأحكامه، وكيفية اختيار شريك الحياة، والتعامل الأمثل معه، ومع النفس، وحدود تدخل الأهل فى الحياة الزوجية، وكيفية تجاوز عقبات الحياة ومشكلاتها، وكيفية تحقيق السعادة فيها.
فوبيا الطلاق
الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، تحدثت عن الظاهرة وقالت إن تصدير النماذج الفاشلة عن الزواج جعل شريحة من الفتيات يتمردن عليه بالبحث عن أهم ميزة منه بالأمومة، وهذا تتحمله المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية والتعليمية، والزيجات المشروطة بالإنجاب تسعى للانسجام مع النسق الأخلاقى للمجتمع فقط حفاظا على السمعة، لكن هذا لا يقى الأبناء من المشكلات النفسية مستقبلا.
وأضافت فى تصريحات لها أن هناك فتيات كسرن حاجز الخوف بالهروب من مسئوليات الزواج وأعبائه، فلا يردن منه سوى إنجاب طفل، لكن الخطر الأكبر على مستقبل الابن خاصة أنه سينشأ مع أمه، وبالتالى سيعتاد على عدم وجود أب، وقد يكرر هذا فى المستقبل ما ينعكس على إستقرار المجتمع كله.
ونوهت خضر إلى أن الزيجات المشروطة تنتهى دائما بالطلاق، لكن يحدث ذلك بطريقة سلسلة دون الدخول فى صدامات قضائية، أو تعرض الفتاة لعنف وترهيب وصراعات حول الحضانة والنفقة وحق الرؤية.
دعوات منبوذة
الوفد استطلعت آراء عدد من المواطنين حول زواج الإنتاج المؤقت وقوبلت الفكرة بالرفض من الجميع
تقول أسماء إنها ترفض أى فكرة تخالف تعاليم الأديان وقيم المجتمع، فإذا كان العروسان مسلمين فسيتزوجان وفقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية، أما إذا كانا مسيحيين فسيتزوجان وفقاً لتعاليم المسيحية، مشيرة إلى أن الزواج سواء كان على الإسلام أو المسيحية فهو قائم على المودة والرحمة وليس له مدة مؤقتة.
ويرى فريد أن الزواج على الشريعة الإسلامية أمان للفتاة لأن الأديان كرمت الفتيات وحرصت على إعطائهن حقوقهن كاملة، أما بالنسبة للخلافات وارتفاع نسب الطلاق، فأكد أنه لا بد من حسن الاختيار منذ البداية، مطالباً بعدم نشر مثل هذه الأفكار الشاذة بين الشباب فى المجتمع.
هذا واستنكرت هدى الزواج على أى طريقة غير الطريقة الشرعية المعتمدة، مؤكدة أنه إذا كانت تلك الدعوات الفاشلة حسب وصفها ظهرت بسبب ارتفاع تكاليف الزواج أو ارتفاع نسب الطلاق، فيجب مواجهة المشكلتين بالحد من تكاليف الزواج، والاتفاق بين الأسرتين منذ البداية والاستغناء عن العادات والمواريث التى لا مكان لها اليوم فى ظل الأزمة الاقتصادية.
وبخصوص ارتفاع نسب الطلاق قالت إنه يجب حسن الاختيار من البداية وأن يسود التفاهم والمودة بين الزوجين لكى يكونا قادرين على تخطى أى مشكلة تواجههما مستقبلًا.
أما شيماء أم لطفلتين فقالت إن الخلافات موجودة داخل كل البيوت ولكن يجب تجاوزها بالتفاهم، أما البحث عن طريقة جديدة للمعاشرة والانجاب فقط تجنبا للمشاكل المستقبلية فهذا شىء منبوذ ومرفوض.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: زنا داخل المجتمع الإنجاب فقط الشریعة الإسلامیة ارتفاع نسب على المودة نسب الطلاق على الزواج إلى أن
إقرأ أيضاً:
لماذا يمنع الزواج في شهر صفر؟.. انتبه لـ13 حقيقة عليك معرفتها
بدأ منذ ساعات وللدقة مع أذان فجر اليوم السبت أول أيام شهر صفر الهجري لعام 1447، فطرحت قصصه المشئومة استفهامًا مضمونه لماذا يمنع الزواج في شهر صفر ؟، وهل حقًا هو شهر شؤم لا يتناسب مع ميثاق الزواج الغليظ، وبدء حياة زوجية فيه أو تكوين أسرة، فهذا كله وأكثر يتوقف على إجابة سؤال لماذا يمنع الزواج في شهر صفر؟، وبالتحقق من صحة تلك الروايات المنتشرة عن شهر صفر، والتي يأتي من بينها ما يصيب من يريد الزواج في شهر صفر من مصائب وسوء ، وحيث إن الزواج أحد الأرزاق التي يسعى الكثيرون لنيله، كما أنه من سُبل الاستقرار والسعادة ، من ثم ينبغي الوقوف على حقيقة لماذا يمنع الزواج في شهر صفر ؟.
قالت دار الإفتاء المصرية ، إن الشهور والأيام كلها – في نظر الإسلام – ترحب بالزواج لأنه شعيرة من شعائر الدين وسنة من سنن رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- .
وأوضحت “الإفتاء” في إجابتها عن سؤال: ( لماذا يمنع الزواج في شهر صفر الهجري؟)، أن من تزوج فقد أحرز شطر دينه وطوبى لمن أحرز شطر الدين، فلم يرد نصٌّ يمنع الزواج في أي وقت من الأوقات ما عدا الإحرام بالحج أو العمرة.
وأوصت من يريد الزواج في شهر صفر بألا يلتفت لروايات الجاهلية بشؤم هذا الشهر للزواج، منوهة بأن التشاؤم من بعض الشهور؛ كأن يعتقد المرء بأن يومًا معينًا أو شهرًا معينًا يوصف بحصول التعب والضغط والصعوبات معه، أو أَنَّ التوفيق فيه يكون منعدمًا، ونحو ذلك من خرافات لا أساس لها من الصحة، فيُحْجَم عن قضاء حوائجه أو أيّ مناسبة في هذا اليوم أو الشهر.
ونبهت إلى أن التشاؤم من الزواج في صفر يعد مما يدخل في التطيّر المنهي عنه شرعًا، مع ورود النهي الشرعي عن التشاؤم والتطيُّر عمومًا، باعتباره عادة جاهلية؛ فقد ورد النّهي النبوي عن التشاؤم من بعض الأزمنة والشهور خاصة؛ وذلك كما في الصحيحين عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-: «لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ». وفي رواية أخرى للبخاري: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَر».
واستشهدت بما يقول الإمام ابن عبد البر القرطبي في الاستذكار: [وأما قوله: "ولا صَفَرَ" فقال ابن وهب: هو من الصفار يكون بالإنسان حتى يقتله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يقتل الصفار أحدًا. وقال آخرون: هو شهرُ صَفَرَ كانوا يُحلِّونه عامًا ويُحَرِّمونه عامًا، وذكر ابن القاسم عن مالك مثل ذلك].
وتابعت: وقال الإمام الطيبي في شرح المشكاة: [«ولا صفر» قال أبو داود في سننه: قال بقية: سألت محمد بن راشد عنه فقال: كانوا يتشاءمون بدخول صفر، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا صفر". قال: وسمعت مَن يقول: هو وجعٌ يأخذ في البطن، يزعمون أنه يُعْدِي. قال أبو داود: قال مالك: كان أهل الجاهلية يحلون صفرًا عامًا ويحرمونه عامًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا صَفَرَ»].
وأشارت إلى أن التشاؤم من شهر صفر -الذي هو أحد أشهر السنة الهجرية؛ لزعم أنه شهر يكثر فيه الدواهي والفتن- هو من الأمور التي نهى عنها النص النبوي الشريف.
وقد ورد أنه عرف شهر صفر عند العرب في الجاهلية أنه شهر "التشاؤم"، فيما أن الأزمنة لا دخل لها في التأثير وفي تقدير الله عز وجل ، فهو كغيره من الأزمنة يُقدَّر فيه الخير والشر .
وأردفت: كما أنه ليس صحيحا أن للموت أيام أو شهور معينة فالأقدار توفى على مدار العام وفي أي ثانية من الثواني قد يفارق كل منا الحياة فرادا أو جماعات فكم من قرية أتتها صاعقة أو عذاب أو ريح وغيرها من الأمور التي جعلت عاليها سافلها، وكم من قرية بدلت من بعد عذابها أمنا.
وبناء عليه فإنه لا صحة لمن يحرِّم الزواج أو يكرهه في صفر، ولا دليل أيضاً يبنى عليه هذا الزعم الباطل الذي لا يستند إلى دليل شرعي، فهذا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – تزوج، وزوج ابنته؛ في شهر صفر، وينبغي أن نعلم أن هذه عادة باطلة جاهلية ينبغي أن تزال من المجتمع المسلم، ولا ينبغي للمسلم المؤمن بالله حق الإيمان التشاؤم بأي يوم.
الزواج في صفروقد كان المشركون يتشاءمون من شهر صفر لأنهم يعودون فيه إلى السلب والنهب والغزو والقتل بعد الكف عنها في الأشهر الحرم، وكانوا يعتقدون أن شهر صفر شهر حلول المكاره ونزول المصائب، حتى إنه لا يتزوج من أراد الزواج في هذا الشهر لاعتقاده أنه لا يوفق، ومن أراد تجارة فإنه لا يمضي صفقته في شهر صفر خشية ألا يربح.
وفي الإسلام ما يرد مزاعمهم بأن شهر صفر شهر شؤم، حيث فيه تزوج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالسيدة خديجة وهو نفى لتشاؤم العرب من الزواج في ذلك الشهر، كما حدثت به العديد من الأحداث الهامة في التاريخ الإسلامي منها غزوة الأبواء وهى أول غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك كان به فتح خيبر، وفيه أسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص.
هل يجوز عقد الزواج في شهر صفرلقد حرَص كثير من الناس على تحرِّي عقد الزواج في يوم معين من الأسبوع، أو شهر معين من السنة، تحرِّيًا يترتب عليه أحيانًا نزاع أو تشاؤم ورجم بالغَيب عن فشل الزواج إن خولِف فيه المعتاد من هذه الأوقات، ومهما يكن من شيء فلا ينبغي التشاؤم بالعقد في أي يوم ولا في أي شهر، لا في شوال ولا في المحرّم ولا في صفر ولا في غير ذلك، حيث لم يرد نصٌّ يمنع الزواج في أي وقت من الأوقات ما عدا الإحرام بالحج أو العمرة.
وينبغي العلم أن الأصل في المسلم أنه لا يتطير ولا يتشاءم لأن الطيرة والتشاؤم من الشرك والعياذ بالله فقد جاء في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الطيرة شرك الطيرة شرك ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وقال : حسن صحيح ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من ردتـه الطيرة عن حاجته فقد أشرك . قالوا : فما كفارة ذلك ؟ قال : أن تقول : اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك ) رواه أحمد وابن السني وإسناد ابن السني صحيح . وجاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ ) رواه البخاري، والتطيّر هو التشاؤم . واعتبر التطير شركاً لأن المتطيّر قطع توكّله على الله واعتمد على غيره، ولأنه تعلّق بأمر لا حقيقة له.
وجاء أن التشاؤم من الاعتقادات الجاهلية وما زال كثير منها منتشراً بين الناس في وقتنا الحاضر، والتشاؤم من الزواج في صفر من الأمور التي كانت معروفة عند العرب في الجاهلية ولا يجوز ذلك، بل هو كسائر الشهور ليس عنده خير ولا شر، وإنما الخير من الله سبحانه، والشر بتقديره، وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم أنه أبطل ذلك فقال: لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر متفق على صحته، وهكذا التشاؤم بتشبيك الأصابع أو كسر العود أو نحو ذلك عند عقد الزواج أمر لا أصل له، ولا يجوز اعتقاده، بل هو باطل.
شهر صفريعد شهر صفر هو أحد الشهور الإثنى عشر الهجرية وهو الشهر الذي بعد المحرم ، قال بعضهم : سمِّي بذلك لإصفار مكَّة من أهلها ( أي خلّوها من أهلها ) إذا سافروا فيه ، وقيل : سَمَّوا الشهر صفراً لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوا صِفْراً من المتاع ( أي يسلبونه متاعه فيصبح لا متاع له ) .