بوابة الوفد:
2025-05-28@11:27:43 GMT

زواج «الإنتاج المؤقت» ..زنا

تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT

د. سعاد صالح: زنا.. ومروجوه يهدفون لهدم المجتمعأمين الفتوى بالإفتاء: يضر بالمرأة والمجتمع ويحول الفتاة إلى سلعة تباع وتشترىتصدير النماذج الفاشلة عن الزواج وزيادة نسب الطلاق وارتفاع العنوسة أهم الأسباب«الإفتاء» تحذر الشباب من الدعوات والمبادرات الهدامة: تزعزع القيم وتؤدى إلى تفكك الأسرة

 

دعوات هدامة ظهرت داخل المجتمع وتتجدد باستمرار ولكن بأسماء مختلفة، ودائماً ما تكون متعلقة بالزواج، أطلقت عليها أسماء كثيرة لكى تتماشى مع «الموضة»، فقديمًا عُرفت باسم «زواج المصلحة» وبعدها ظهر نوع آخر عرف بـ«زواج التجربة» والرائج الآن هو «زواج الإنتاج المؤقت» والهدف منه هو ارتباط الطرفين بغرض الإنجاب فقط، وبعد ذلك ينفصل الطرفان وكأن شيئًا لم يكن.

يبدو أن فيلم «بشترى راجل» الذى تم إنتاجه عام 2017، بطولة نيللى كريم ومحمد ممدوح، تحقق على أرض الواقع، فمؤخراً ظهرت مبادرات ودعوات للزواج من أجل الإنجاب تحت مسمى زواج الإنتاج المؤقت، وفيه يتفق الرجل والمرأة على الزواج وحينما يتم الحمل ينفصل الطرفان، وبذلك تكون الفتاة حققت حلم الأمومة دون التقيد بقيود الزواج طوال العمر.

هذه الدعوات والمبادرات السلبية ظهرت مع ارتفاع نسب العنوسة وتكاليف الزواج الباهظة، بالإضافة إلى زيادة معدلات ونسب الطلاق وخاصة خلال «سنة أولى زواج»، ومن هنا ظهرت الصيحة الجديدة فى الزواج المعروفة بـ«الإنتاج المؤقت» ليكون الوسيلة أمام الفتاة للإنجاب، ثم الاستقلال عن الزوج –بعد انتهاء المصلحة– مع الحفاظ على حق المولود فى كل النسب لكلا الأبوين وتسجيله فى الجهات الحكومية باسم والده.

كل هذه التقاليع غريبة عن عادات وتقاليد المجتمع المصرى، وبعيدة كل البعد عن تعاليم الدين والشريعة الإسلامية، لذلك قوبلت بالرفض والاستنكار من قبل دار الإفتاء وعلماء الأزهر الشريف الذين أكدوا أن أى زيجة تكون محددة بمدة معينة وعلى غير تعاليم الدين والشرع والقانون تعتبر زنا.

علاقات مشبوهة

الدكتورة سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، رفضت الفكرة جملة وتفصيلاً وقالت إن زواج الإنتاج المؤقت ليس زواجاً شرعياً، بل هو علاقة غير مشروعة، تسعى لهدم القيم المجتمعية. وأكدت «صالح» أن الزواج الشرعى هو علاقة بين رجل وامرأة مبنية على المودة والرحمة، وليس علاقة تهدف فقط إلى الإنجاب. مشيرة إلى أن زواج الإنتاج المؤقت هو نوع من الزنا، لأنه لا يقوم على المودة والرحمة، بل على مصلحة مؤقتة.

وحذرت أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر من مروجى هذه العلاقات، الذين يهدفون إلى هدم القيم المجتمعية، مؤكدة أن الشريعة الإسلامية لها ضوابط وقيود للزواج، يجب أن تحترمها المجتمعات المسلمة. واستشهدت بقول الله تعالى فى سورة الإسراء: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً».

وعقبت «صالح» على الزواج المحدد بمدة معينة، قائلة إن الدين حرم ذلك مستشهدة بقول الله تعالى فى سورة الأعراف «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّى الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»، مشددة على أن كلمة الفواحش تعبير عن كل ما هو مخالف للفطرة الإنسانية، والرسول صلى الله عليه وسلم أكد الفرق بين الحلال والحرام قائلاً: «الحلال بين والحرام بين».

وأوضحت أن الله شرع الزواج كسنة من السنن الكونية لإنشاء الأسرة وإعمار الكون بالذرية، لافتة إلى أن الشريعة الإسلامية لها ضوابط وقيود لا بد أن تقوم عليها هذه العلاقة الحلال والشريفة.

زواج الأنس واليأس والإنتاج.. حرام

وبدوره، حذر الدكتور عمرو الوردانى، أمين الفتوى، ومدير مركز الإرشاد الزوجى بدار الإفتاء المصرية، من أنواع جديدة من الزواج ظهرت فى المجتمع، بسبب التدين الكمى وتدين المتشددين.

وانتقد «الوردانى»: تلك الظواهر السلبية مؤكدًا أن العلاقات من هذا النوع تقوم على المصالح وليس الزواج القائم على المودة والسكينة التى حث عليها الإسلام قائلًا: «أصبحت هناك ظواهر جديدة فى الزواج، مثل زواج البيزنس، القائم على المصلحة، وزواج التجربة، يعنى يكونوا فى خطوبة بس متزوجين، ويمارسوا كل أمور الأزواج بدون زواج».

وتابع: «فى زواج الإنتاج اثنين يتزوجوا عشان ينجبوا طفل وبعدين يتم الطلاق، وهناك أيضا زواج اليأس وفيه تتزوج الفتاة لتتخلص من وصمة العنوسة، وهناك أيضا زواج الخروج من الوحشة، يعنى يتزوج عشان يجيب حد يؤنسه، حتى لو كانت له علاقات أخرى خارج الزواج، وكلها أمور يرفضها الشرع».

وعن زواج البيزنس، قال مدير مركز الإرشاد الزوجى بدار الإفتاء: «يتعامل الزوجان على أساس شركة تربح وتخسر، والأساس فيه المصلحة»، مضيفًا أن المتشددين دعموا زواج البيزنس، وبالتالى أصبح الزواج غير قائم على الاستقرار، قائلًا: «خلصت المصلحة يبقى يفض الشركة، ويشوف شركة تانى».

الزواج مسئولية

وفى نفس السياق، أجاب الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عن سؤال هل يختلف زواج المتعة عن الزواج المؤقت؟ وقال إن الزواج المؤقت أو زواج المتعة الاثنين واحد، هو عقد يكون فيه الزواج مؤقت بفترة معينة، وهو زواج ضار بالمرأة والمجتمع والأمة، إذ يحول المرأة إلى سلعة تباع وتشترى.

وتابع «عثمان»: أن النبى نهى عن نكاح المتعة، فالمرأة ليست سلعة، ولا يمكنها أن تجلس فى بيت بشكل مؤقت مثل الموظفة، وحذر أمين الفتوى كل شخص بالتفكير جيداً قبل اتخاذ أى خطوة ودراستها، وأن يضع خطة لما هو مقبل عليه لافتاً إلى أن هذا الأمر منتشر فى الغرب، مضيفا: «هنا لو شاب هيتزوج لازم يدرس الخطوة المقدم عليها، هل هو قادر على الزواج وتكاليفه هل يستطيع تربية الأطفال وتحمل مسئوليتهم».

دعوات هدامة

وتأكيدا لهذا أصدرت دار الإفتاء فتوى حرّمت الزواج المشروط أو المحدد بفترة، وحذرت جميع فئات المجتمع من الانسياق وراء دعوات حداثة المصطلحات فى الزواج التى تكمن فى طياتها زعزعة القيم، وإحداث البلبلة فى المجتمع، وتؤثر سلبا على معنى استقرار الأسرة وتماسكها.

وأكدت الدار فى إحدى الفتاوى المتعلقة بالزواج المؤقت أو التجربة أن هذا المسمى الجديد للزواج يحمل معانى سلبية دخيلة على قيم المجتمع المصرى المتدين، الذى يأبى ما يخالف الشرع أو القيم الاجتماعية؛ فالزواج فى الإسلام عقد مصون، عظمه الشرع الشريف، وجعله صحيحا بتوفر شروطه وأركانه وانتفاء موانعه، شأنه كشأن سائر العقود.

وقالت الدار: «إن تجنب الخلافات الزوجية لا يكون مسلكه وضع الشروط الخاصة والحرص على كتابتها تفصيلاً فى وثيقة الزواج الرسمية، أو إنشاء عقد آخر منفصل مواز لوثيقة الزواج الرسمية، بل سبيله مزيد من الوعى بمشاورة المختصين، والتنشئة الزوجية السليمة، والتأهيل للزوجين بكافة مراحله».

وأكدت الإفتاء أن شريعة الإسلام اتسمت بالمرونة، والواقعية، ومناسبة أحوال الناس على اختلافها، ففى الوقت الذى عظمت فيه من شأن رابطة الزواج، ودعت إلى تقويتها، ونسجت منظومة كاملة لحمايتها ووقايتها؛ لم تحرم الانفصال إن وجد سبب حقيقى يدعو إليه، مع إعطاء الزوجين الفرصة تلو الفرصة من خلال تشريع العدة والرجعة؛ مما يجعل حظر الانفصال افتئاتا على حق الزوجين فى اختيار الأنسب لحياتهما، التى من سنتها التغير والتبدل للحسن أو للسيئ.

وأشارت إلى أن كثرة وقوع الطلاق فى سنين الزواج الأولى لا يعالج بحظر الانفصال، وتحريم الطلاق؛ وإنما يواجه بالوعى، والمعرفة، وتنمية المهارات لدى الشباب والفتيات من المقبلين على الزواج؛ ليعرفوا قدره، ومعناه، وحدود الله فيه، وواجباته، ومسئولياته، وأحكامه، وكيفية اختيار شريك الحياة، والتعامل الأمثل معه، ومع النفس، وحدود تدخل الأهل فى الحياة الزوجية، وكيفية تجاوز عقبات الحياة ومشكلاتها، وكيفية تحقيق السعادة فيها.

فوبيا الطلاق

الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، تحدثت عن الظاهرة وقالت إن تصدير النماذج الفاشلة عن الزواج جعل شريحة من الفتيات يتمردن عليه بالبحث عن أهم ميزة منه بالأمومة، وهذا تتحمله المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية والتعليمية، والزيجات المشروطة بالإنجاب تسعى للانسجام مع النسق الأخلاقى للمجتمع فقط حفاظا على السمعة، لكن هذا لا يقى الأبناء من المشكلات النفسية مستقبلا.

وأضافت فى تصريحات لها أن هناك فتيات كسرن حاجز الخوف بالهروب من مسئوليات الزواج وأعبائه، فلا يردن منه سوى إنجاب طفل، لكن الخطر الأكبر على مستقبل الابن خاصة أنه سينشأ مع أمه، وبالتالى سيعتاد على عدم وجود أب، وقد يكرر هذا فى المستقبل ما ينعكس على إستقرار المجتمع كله.

ونوهت خضر إلى أن الزيجات المشروطة تنتهى دائما بالطلاق، لكن يحدث ذلك بطريقة سلسلة دون الدخول فى صدامات قضائية، أو تعرض الفتاة لعنف وترهيب وصراعات حول الحضانة والنفقة وحق الرؤية.

دعوات منبوذة

الوفد استطلعت آراء عدد من المواطنين حول زواج الإنتاج المؤقت وقوبلت الفكرة بالرفض من الجميع

تقول أسماء إنها ترفض أى فكرة تخالف تعاليم الأديان وقيم المجتمع، فإذا كان العروسان مسلمين فسيتزوجان وفقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية، أما إذا كانا مسيحيين فسيتزوجان وفقاً لتعاليم المسيحية، مشيرة إلى أن الزواج سواء كان على الإسلام أو المسيحية فهو قائم على المودة والرحمة وليس له مدة مؤقتة.

ويرى فريد أن الزواج على الشريعة الإسلامية أمان للفتاة لأن الأديان كرمت الفتيات وحرصت على إعطائهن حقوقهن كاملة، أما بالنسبة للخلافات وارتفاع نسب الطلاق، فأكد أنه لا بد من حسن الاختيار منذ البداية، مطالباً بعدم نشر مثل هذه الأفكار الشاذة بين الشباب فى المجتمع.

هذا واستنكرت هدى الزواج على أى طريقة غير الطريقة الشرعية المعتمدة، مؤكدة أنه إذا كانت تلك الدعوات الفاشلة حسب وصفها ظهرت بسبب ارتفاع تكاليف الزواج أو ارتفاع نسب الطلاق، فيجب مواجهة المشكلتين بالحد من تكاليف الزواج، والاتفاق بين الأسرتين منذ البداية والاستغناء عن العادات والمواريث التى لا مكان لها اليوم فى ظل الأزمة الاقتصادية.

وبخصوص ارتفاع نسب الطلاق قالت إنه يجب حسن الاختيار من البداية وأن يسود التفاهم والمودة بين الزوجين لكى يكونا قادرين على تخطى أى مشكلة تواجههما مستقبلًا.

أما شيماء أم لطفلتين فقالت إن الخلافات موجودة داخل كل البيوت ولكن يجب تجاوزها بالتفاهم، أما البحث عن طريقة جديدة للمعاشرة والانجاب فقط تجنبا للمشاكل المستقبلية فهذا شىء منبوذ ومرفوض.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: زنا داخل المجتمع الإنجاب فقط الشریعة الإسلامیة ارتفاع نسب على المودة نسب الطلاق على الزواج إلى أن

إقرأ أيضاً:

زواج على طريقة الأجداد في زمن الحرب

في مدينة غزة المحاصرة، حيث تتداخل أصوات القصف مع نبضات القلوب، تبرز قصص إنسانية فريدة تجسد إرادة الحياة المتأصلة في نفوس الفلسطينيين. فبين أزقة مدمرة وتحت سماء ملبدة بالغيوم، تنبعث أفراح بسيطة، تحتفي بالحب والأمل في وجه الدمار. هذه ليست مجرد احتفالات عابرة، بل هي شهادات حية على قدرة الروح الإنسانية على التشبث بالفرح رغم قسوة الظروف.

"لن يؤجل القصف حلمي بالزواج والاستقرار، فالزواج سنة الحياة والاستسلام للتأجيل ليس خيارًا"، بهذه الكلمات الواثقة، ترفض "لما أيمن"، ابنة الثالثة والعشرين ربيعًا، أن تستسلم لواقع الحرب المرير.

في خيمتها المتواضعة، يلمع فستانها الأبيض البسيط كنجمة في ليلة ظلماء، ومكياجها الرقيق يبرز جمالًا يصر على الت فتح رغم القسوة. بحضور الأهل والأقارب المقربين فقط، تحتفل "لما" بزواجها، مؤكدة أن "الجمال الحقيقي للفرحة يتجلى في الابتسامات الصادقة، والفرح النابع من القلب، والنظرات اللامعة المتبادلة، وتهاني الأحبة التي تحمل دفء المشاعر". زواج "لما" في قلب الظلام الدامس هو بريق أمل يضيء سماء غزة، مؤكدًا أن جذوة الحب أقوى من نيران الحرب.

أما "عمر محمود "، الشاب الطموح الذي قضى سنوات يجمع قرشًا فوق قرش من عمله في محل لبيع الشاورما ليجهز عش الزوجية، فقد حولت آلة الحرب حلمه إلى كومة من الركام. لكن مأساته لم تتوقف عند هذا الحد، ففي كل مرة تلوح في الأفق بوادر تهدئة، يعود الأمل ليراوده، ويبدأ في التخطيط لاستكمال مراسم الزفاف المؤجل. لكن سرعان ما تتلاشى هذه الآمال مع تجدد القصف وتراجع الهدنة، ليجد "عمر" نفسه أسيرًا لدائرة الانتظار والقلق.

يسترجع "عمر" أحلامه بمرارة قائلًا: "كنت أحلم بزفاف مختلف وحفل بهيج، لكن الظروف القاسية غيرت كل التصورات". ومع ذلك، يضيف بعزيمة لا تلين: "الأهم أننا معًا، وهذه الحرب علمتني قيمة اللحظات البسيطة وقيمة وجود أحبابنا بجانبنا. مهما طالت الحرب، لن تستطيع أن تسرق منا رغبتنا في الفرح".

في خضم هذه الأجواء القاسية، تستحضر "أم عمر"، والدة العريس، ذكريات زفاف ابنها البكر، وتعود بذاكرتها إلى تفاصيل زفافها هي نفسها. تتذكر الفرحة التي غمرت بيتها المتواضع، والكوشة البسيطة المكونة من كرسيين بلاستيكيين، وحضور الأقارب الذين اجتمعوا ليشاركوا العروسين بهجة اللحظة.

تتذكر أصوات النساء اللاتي صدحن بأغاني التراث الفلسطيني، وأهازيج الجدة العفوية التي كانت تحمل في كلماتها معاني الشعر وعمق الأصالة وإرثًا من الصمود في وجه التحديات. هذه الذكريات تصبح سندًا قويًا في الحاضر، وتؤكد أن الفرح الفلسطيني الأصيل لا يحتاج إلى مظاهر البذخ، بل ينبع من القلب والروح.

من جانبه، يوضح المختص الاجتماعي إياد الشوربجي أن "على الرغم من الحرب الشرسة التي طالت كل مناحي الحياة، إلا أن المجتمع الفلسطيني يثبت كل يوم قدرته العالية على الصمود والتحدي وأنه محب للحياة".

وقال الشوربجي "إن إقبال الشباب في غزة على الزواج في هذه الظروف هو حالة دفاعية موحدة ذات أبعاد أيديولوجية واجتماعية وثقافية، ويظهر ذلك في السلوك الاجتماعي داخل مجتمعات النزوح التي تعايش الدمار والفقد والقتل اليومي".

ويضيف أن "بعض الشباب يلجأون للزواج في هذه الظروف الراهنة كتخفيف من وطأة الظروف القاسية والبحث عن بارقة أمل لحياة أجمل، وتعزيز روح التضامن والتكاتف ومساعدة بعضهم البعض في التغلب على الصعاب". ويختتم حديثه بالتأكيد على أن "الزفاف في هذه الأوقات الصعبة أصبح فرصة لإقامته بجمالية البساطة، حيث يكتفي الناس بأبسط مقومات الحياة كالخيمة وما تبقى من بيوت مدمرة أو في بيت العائلة، لافتًا إلى أهمية التعاون في تجاوز الظروف الصعبة الذي يساهم في إعادة بناء المجتمعات في مرحلة ما بعد الحرب".

وفي قصة أخرى تلامس القلوب، جمعت صدفة النزوح بين "مرح" و"رامي"، ليتبادلا مشاعر الحب ويقررا أن يمضيا سويًا، وأن يزرعا بذرة فرح في قلب الخراب. وحتى لا يلتهم اليأس أحلامهما، يصنعان من حياتهما قصة تحدٍ وإصرار، لتكون نموذجًا لكل مخطوب ومقبل على الزواج يتردد بسبب الظروف القاسية. في يوم زفافهما المنتظر، نصبت خيمة صغيرة متواضعة لتكون عشهما الزوجي، حيث أقيم حفل بسيط، وقرعت فيه طبول بالأيادي بصوت خافت. ارتدت العروس فستانًا أبيض استعارته من إحدى صديقات النزوح، وكان الحضور قليلًا بسبب النزوح وتشتت الأحبة، ليقتصر على أهالي العروسين فقط. وفي تلك الخيمة الصغيرة، وبين أحضان العائلة، بدأ "مرح" و"رامي" فصلًا جديدًا في حياتهما، مؤمنين بأن الحب أقوى من الحرب، وأن جوهر الفرح الحقيقي لا يزول بزوال المباني والأشياء.

وفي مشهد يبعث على التفاؤل، يعيد متجر "سفير الحب" فتح أبوابه وسط الدمار، مصممًا على إحياء الفرح والسعادة واستقبال العرائس.

يقول زين عبدو، صاحب المتجر: "مع بداية الحرب انخفض الطلب على خدماتنا، لكن مع طول أمدها وتأقلم السكان، بدأت تظهر ملامح عودة تدريجية للحياة الاجتماعية وإصرار الناس على إتمام مراســــــم الزفاف، مما أدى إلى ازدياد الطلب على خدماتنــــا". ويضيف زين أن "الاعتماد في تلك الظروف الصعبة انصب على الورود، التي تضفي بهجة على الأفراح، وعلى عدد محدود من الكراسي البلاستيكية اختصارًا للتكاليف، وتجهيز كوشة بسيطة لتزيين العروسين، مؤكدًا على إمكانية صنع الفرح بأبسط الطرق".

ومع محدودية الموارد، يضطر المتجر إلى استخدام البضائع المخزنة، مما يحرم العرائس من خيارات واسعة. ونتيجة لشح الأسواق وارتفاع الأسعار وإغلاق المعابر، لم يتم تقديم هدايا متنوعة تشمل الحاجات الأساسية والعطور والشوكولاتة ومستحضرات التجميل كما كان الحال قبل الحرب.

وبسبب تجريف قوات الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الزراعية في قطاع غزة، يُستعاض عن الورد الطبيعي بالورد الصناعي، لكن الفرح يبقى ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها. ويعلق زين عبدو بحزن على تكرار حالات استشهاد أحد العروسين قبل إتمام الزفاف، حيث يتم تجهيز مراسم الفرح التي سرعان ما تنطفئ لتتحول إلى مأتم.

وفي سياق متصل بالأفراح البسيطة، تستأنف "الماشطة" رولا عملها بعد تراجع كبير، متحدثة عن مهنتها التقليدية التي ورثتها عن أجدادها، والتي تعتبر فنًا ومهارة تتطلب خبرة بتقاليد المنطقة وزخارفها، وتؤكد أنها "أصبحت حاجة أساسية وجزءًا أصيلًا من الهوية".

تميز عمل رولا عن الصالونات الحديثة بتقديم خدمة متكاملة تجمع بين الجمال والأصالة والتقاليد، كنقش الحناء بأنماط وزخارف تحمل رموزًا ثقافية عميقة، وطرق التزيين والتجميل التي تعتمد على خبرتها اليدوية والمعرفية، والتي تختلف عن الأساليب العصرية التي تميل إليها الصالونات الحديثة.

وتراعي الماشطة رولا أسعار الزبائن في ظل الظروف الصعبة، وتحرص على الوصول إلى كل عروس مهما بعدت المسافات لرسم البهجة التي تتمناها.

تصف مهنتها بأنها "مبنية على الثقة واللمسات الجمالية المميزة، وأنها تحمل عبق الماضي ورائحة الأجداد". وتقول بفرح: "لما أمسك الحنة واشتغل فيها كأنها متصلة بجذور عميقة، مما يولد لدي شعورًا يعطيني قوة، وفرحة العروس عند انتهاء شغلي تعطيني دافعًا أكبر لمواصلة العمل رغم كل الصعوبات، وعملي عبارة عن نسمة حلوة في الجو الكئيب".

وبحسب إفادة هيئة الأحوال المدنية فإن أكثر من 2500 شخص عقدوا قرانهم في مدينة غزة وشمالها فقط خلال الشهور الأخيرة.

وهكذا، يسطر أهالي غزة فصولًا جديدة من حكايات الصمود، حيث يتحدى الفرح قذائف الحرب، وتُقام الأعراس ببساطة الماضي العريق. فبينما تدوي أصوات الانفجارات، تتعالى أصوات المودة والبهجة، لتعلن للعالم أن إرادة الحياة في هذه الأرض المقدسة أقوى من كل أشكال التحدي، وأن جذور الأمل ضاربة في عمق التاريخ الفلسطيني."

المصدر : وكالة سوا - ضحى الداعور اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم ومخيمها لليوم الـ120 على التوالي الوزيرة حمد تتسلّم مهام مسير أعمال وزارة التخطيط والتعاون الدولي ضغوط لوقف الحرب - ترامب يتحدث عن إنفراجة وشيكة وأخبار سارة بشأن غزة الأكثر قراءة معاناة نزوح جديدة: الجيش الإسرائيلي يُحذّر بإخلاء مناطق واسعة في خانيونس سموتريتش: لا مساعدات لغزة إلا بالحد الأدنى وسندمّر ما تبقى من القطاع إسرائيل تُصادق على إقامة جدار على الحدود مع الأردن مستوطنون يعتدون على منازل المواطنين في بروقين غرب سلفيت عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • الأسرة التركية في خطر
  • هل لو عندى مرض أو مشكلة أصارح خطيبى؟.. أمين الإفتاء يجيب
  • أمين الإفتاء: الزواج لا يدار بمنطق حقي وحقك
  • شوبير يعلن رحيل الجهاز الفني المؤقت للنادي الأهلي.. تفاصيل
  • إلزامية تأهيل المقبلين على الزواج
  • الشيخ خالد الجندي: مهر الزواج يتكوّن من 3 أجزاء رئيسية
  • زواج على طريقة الأجداد في زمن الحرب
  • قانون العمل الجديد يضمن حقوق العامل وصاحب العمل في حالات الوقف المؤقت
  • أسابيع فى عش الزوجية.. صراع بين زوج وزوجته بسبب المصوغات تنتهى بطلب الطلاق
  • هل من حق الزوج رفض إكمال تعليم زوجته؟.. أمين الإفتاء يجيب