التركيبة السكانية والخطر المحيط بالهوية الوطنية
تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT
لا يمكن النظر للمخاطر الناتجة عن التركيبة السكانية التي أشار لها بيان مجلس الوزراء المنعقد في الأول من يناير من العام الجاري والتي جاءت في سياق نقاش الظواهر الاجتماعية بوصفها ترفا يثيره الباحثون الاجتماعيون، ولكنّ الأمر حقيقي ويستحق أن ندق من أجله ناقوس الخطر، وأن نخضعه للدراسة. وفي الحقيقة فإن هذا الخطر ليس جديدا على الإطلاق، فقد طرحه الكثير من الباحثين والمفكرين ليس في سلطنة عُمان أو في العالم العربي ولكنه طرح من أغلب مفكري العالم الذين ناقشوا أخطار العولمة والهجرة، وهو مطروح في أوروبا بشكل كبير جدا خلال العقدين الماضيين.
وينظر إلى موضوع التركيبة السكانية في عُمان وفي دول الخليج العربي باعتباره قضية وطنية: سياسية وأمنية واجتماعية وثقافية في ظل تحول الأمر في بعض دول الخليج ـ لحسن الحظ عُمان ليست من بينها ـ أن يصبح المواطنون أقلية في وطنهم وبنسبة مخيفة، ولنا أن نتصور تأثير ذلك في السياق الاجتماعي والثقافي وبروز ظواهر اجتماعية لا تنتمي للسياق المحلي تقوض الثقافة المحلية وتستبدل بها ثقافة ولغة جديدة.
وصل عدد الوافدين في سلطنة عُمان في مرحلة من المراحل ليكون معادلا لعدد العمانيين ولكنه عاد وتراجع بفضل بعض السياسات خلال جائحة فيروس كورونا إلى أن وصلت نسبة عدد الوافدين في عُمان إلى نحو 43.3% ما يعني 2.2 مليون وافد مقابل 2.9 مليون عماني. وترى بعض الدراسات أن النسبة الآمنة لعدد الوافدين مقابل عدد المواطنين يجب أن تكون في حدود 10 إلى 20% فقط، وتحافظ كل من كندا وأستراليا على نسبة تتراوح بين 20 إلى 30% ولكن هاتين الدولتين تعتمدان على نظام هجرة مدروس يركز على العمالة الماهرة والاندماج الاجتماعي. ولم تستطع دول الخليج بشكل عام تحقيق موضوع الاندماج الاجتماعي لأسباب بعضها أيديولوجي وبعضها اقتصادي وثقافي.
ورغم أن العمالة الوافدة التي تؤثر في التركيبة السكانية في دول الخليج أدت دورا محوريا بدفع عجلة التنمية، إلا أن زيادة أعدادها دون تنظيم صارم يترك أثرا سلبيا في الاقتصاد والهوية الوطنية.
فعلى الصعيد الاقتصادي، تؤدي زيادة أعداد الوافدين إلى ارتفاع الطلب على الخدمات والبنية الأساسية، ما يزيد الضغط على الموارد العامة. ويقدر حجم التحويلات المالية إلى الخارج سنويا بـ 4 مليارات ريال عماني ما يمثل نزيفا مستمرا للعملة الصعبة. هذا الوضع يتطلب مراجعة السياسات الاقتصادية لتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة غير المتخصصة.
أما اجتماعيًا، فتزايد أعداد الوافدين يؤدي إلى تحديات ثقافية تؤثر في الهوية العمانية. فالتداخل الثقافي واللغوي قد يخلق فجوة في التماسك الاجتماعي، خاصة إذا ما أُضيفت إليه مشكلات الاندماج. ومن هنا، يصبح الحفاظ على التوازن بين التنوع السكاني واحترام الهوية الوطنية مطلبا أساسيا لا بديل عنه.
وتسيطر العمالة الوافدة على الكثير من قطاعات العمل في سلطنة عمان الأمر الذي يحرم عشرات الآلاف من العمانيين من الحصول أو التنافس على هذه الوظائف على الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز برامج التدريب والتأهيل. ومع ازدياد عدد خريجي الجامعات سنويًا، يزداد الضغط لتوفير وظائف تتناسب مع تطلعاتهم ومؤهلاتهم. وتكمن المشكلة الأساسية هنا في مستوى الدخل الطبيعي للباحث عن عمل العماني والعمالة الوافدة. وهذه القضية مطروحة في الكثير من دول العالم بما في ذلك الدول الأوروبية التي شهدت خلال السنوات الأخيرة موجة هجرة كبيرة أثرت في سوق العمل وجلبت معها الكثير من الظواهر المرتبطة في الأساس بأيديولوجيات وثقافات المهاجرين التي لا تتناسب، بالضرورة، مع أيديولوجيات وثقافات السكان الأصليين.
ومن حق أي دولة أن تفرض قواعد صارمة في سبيل الحفاظ على هويتها الوطنية وتركيبتها السكانية من أي خلل وهذا جزء من مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها وتجاه ثقافتهم واستقرارهم. وهذا الحق يتحقق عبر سن القوانين ووضع السياسات التي توازن بين مصالح الدولة الداخلية وبين بعض المبادئ التي تنادي بها العولمة أو حتى فكرة المواطنة العابرة للحدود التي تحتاج إلى مراجعة دلالاتها وبحث أعماقها السياسية والثقافية لأنها في النهاية أحد منتجات العولمة.. ومعروف أن العولمة تعزز الانقسام بين النخب العابرة للحدود والفئات المحلية في ظل تعذر الاندماج بين الجميع في مجتمع واحد.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الترکیبة السکانیة العمالة الوافدة دول الخلیج الکثیر من
إقرأ أيضاً:
التعبئة والاحصاء: مصر بذلت جهودا كبيرة للحد من الزيادة السكانية
أكد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن مصر بذلت جهودا كبيرة خلال الفترة الماضية للحد من الزيادة السكانية، موضحا ان الزيادة السكانية في مصر انخفضت خلال عام 2024 لتصل إلى 1.4 مليون نسمة مقارنة ب` 2.2 مليون نسمة عام 2014 بانخفاض قدره 800 ألف نسمة وبنسبة قدرها 36.4%.
جاء ذلك في بيان،اليوم الأحد، الذي يستعرض أبرز المؤشرات الإيجابية والنتائج الملموسة حول أهم المؤشرات السكانية والديموجرافيه، التي تحققت خلال الفترة من عام 2014 حتى الان.
وأوضح الجهاز أن عداد السكان بالداخل بلغ 107 ملايين و800 ألف نسمة يوم 2025/6/30، مؤكدة ان الدولة بذلت العديد من الجهود في ذلك الملف منها: مؤتمر تنمية الأسرة المصرية والإستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية (2024 - 2030)، وذلك التزاما من الدولة بتحقيق المادة 41 من الدستور المصري بتنفيذ برنامج سكاني يحقق التوازن بين معدلات النمو السكاني والموارد المتاحة، وتعظيم الاستثمار في الطاقة البشرية وتحسين خصائصها.
ولفتت إلى أن معدل الانجاب الكلى، انخفض إلى 2.54 طفل لكل سيدة عام 2023 مقابل 3.5 طفل لكل سيدة لعام 2014 طبقا لبيانات نشرة المواليد والوفيات عام 2023، ثم انخفض المعدل ليصل إلى 2.41 طفل لكل سيدة عام 2024 وفقا لبيانات تسجيل المواليد بقاعدة بيانات المواليد والوفيات بوزارة الصحة والسكان.
وأوضح أن أعداد المواليد انخفض بشكل ملحوظ خلال الفترة (2014-2024)في كافة محافظات الجمهورية حيث بلغت 1.968 مليون خلال عام 2024 مقارنة ب` 2.720مليون مولود عام 2014 بانخفاض قدره 752 ألف مولود وبنسبة 27.6%، ونوه بإنه يوجد تحسن في وفيات الأطفال بعمر (1-4 سنة) لتصل إلى4حالات لكل 1000مولود حي عام2024مقابل 5 في عام 2014، مشيرا إلى انخفاض في معدل وفيات حديثي الولادة ليصل إلى12.9 لكل ألف مولود عام 2024 مقابل 14 في عام 2014.
وأكد انخفاض معدل البطالة لإدنى مستوياته التاريخية خلال عقد، ليسجل معدل البطالة فى مصر 6.6% عام 2024 مقابل 13% عام 2014، وهو ادنى مستوى يسجل منذ بدء رصد إحصاءات القوى العاملة مقارنة ب 13% عام 2014،بما يعكس تحسنا ملحوظا فى أداء سوق العمل خلال العقد الاخير، فى ضوء التوسع فى المشروعات القومية وبرامج التشغيل.
وشدد على تراجع اعداد المتعطلين ليصل 2.1 مليون متعطل بنسبة 6.6% من اجمالي قوة العمل 32.0مليون لعام 2024 مقابل 3.6 مليون متعطل بنسبة 13% من اجمالي قوة العمل 27.9 مليون متعطل لعام 2014، موضحا تزايد اعداد المشتغلين ليصل 29.9مليون مشتغل عام 2024 مقابل 24.3 مليون مشتغل عام 2014.
واكد انخفاض ملحوظ في نسبة الأمية للأفراد (10 سنوات فأكثر) لتصل إلى 16.6% عام 2024، مقابل 25.3% ع`ام 2014.
واضاف ان المرأة المصرية عنصرا أساسيا في نسيج المجتمع، وشريكا فاعلا في مسيرة التنمية الوطنية، فقد أثبتت المرأة، عبر العصور، قدرتها على الإسهام في شتى المجالات، من التعليم والصحة إلى الاقتصاد والسياسة والعمل المجتمعي، واشار إلى إنه في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، تتزايد أهمية تمكين المرأة بوصفه أحد الركائز الجوهرية لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، مضيفا أن نسبة الشمول المالي للمرأة بلغت 68.8% بنهاية ديسمبر 2024، بمعدل نمو 295% مقارنة بعام 2016 وهذا يعد مؤشر ارتفاع إيجابي.
واكدت ارتفاع عدد السيدات اللاتي يمتلكن حسابات مالية بنسبة 294.9%، ليصل إلى 23.3 مليون سيدة عام 2024، مقارنة ب`5.9 مليون سيدة فقط عام 2016، موضحا إنه تم تمويل 30.3 ألف مشروع ضمن برنامج مستورة/ من بنك ناصر الاجتماعي، بإجمالي 730 مليون جنيه منذ يونيو 2014. ونوه بان النساء حصلت على تمويل ل`76.4 ألف مشروع صغير ضمن مشروعك، بنسبة 35% من إجمالي المشروعات حتى فبراير 2025.،
مضيفا إنه تم تنفيذ 908.2 ألف مشروع من جهاز تنمية المشروعات الصغيرة، بتكلفة 17.4 مليار جنيه حتى ديسمبر 2024، ولفت إلى أن مصر تقدمت 38 مركزا في مؤشر عدم المساواة بين الجنسين الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، حيث احتلت المرتبة 93 عالميا عام 2022، مقارنة بالمركز 131 عام 2014، مشيرا ان مصر قفزت 44 مركزا في مؤشر التمكين السياسي للمرأة الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، لتصل إلى المركز 90 عام 2024، مقابل المركز 134 عام 2014.