فتحي الذاري

تُعتبر الهُـوِيَّة اليمنية رمزًا من رموز التاريخ والحضارة؛ إذ عُرفت البلاد بتنوع ثقافتها وعاداتها وتقاليدها فضلاً عن إيمان شعبها العميق.

في جمعة رجب تُبرز هذه الهُـوِيَّة من خلال الاحتفالات والعادات التي تؤكّـد الروح اليمنية الأصيلة، خُصُوصًا عبر الإحياء بأنوار تاريخها الديني الغني والذي يتجسد في حياة الإمام علي بن أبي طالب -عليه السلام- ويعود تأصيل الهُـوِيَّة اليمنية إلى عصور ما قبل الإسلام فقد عُرفت اليمن بممالكها القديمة مثل “سبأ” و”حمير”، التي كانت محطات مهمة في التاريخ العربي والإسلامي.

ومع مجيء الإسلام، كان لليمن دورٌ بارز، حَيثُ أسلم أهلها في وقت مبكر، وكان للإمام علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، دورٌ قاطع في نشر الإسلام وتعاليمه، الإمام علي -عليه السلام- يُعتبر رمزًا للإيمان والعدل والشجاعة، تجسيدًا لقيمه السامية أصبح التاريخ اليمني مترسخًا بصورة عميقة في الوعي الجمعي للشعب مما يجعل ذكرى جمعة رجب مناسبةً احتفاليةً ترتبط بروح الإيمان والولاء، وتُعتبر الاحتفالات في جمعة رجب جزءًا عزيزًا من الثقافة اليمنية، حَيثُ يجتمع الأهل والأصدقاء لإحياء هذه المناسبة.

تتضمن العادات تقاسم الطعام وإقامة الصلوات والدعوات وتلاوة القرآن، يُعتبر إحياء ذكرى الإمام علي -عليه السلام- وسيلةً لتعزيز الوحدة الوطنية بين أبناء اليمن، من العادات التقليدية أَيْـضًا تزيين المنازل وإعداد الأطباق الخَاصَّة، مثل الحلويات والعصائر وأكلات الولائم مثل السبايا وبنت الصحن والسوسي والكعك والجعالة (الشكليات) وقهوة البن اليمني الأصيل التي تُعتبر جزءًا من التراث اليمني، وتُساهم هذه التقاليد في تعزيز الشعور بالانتماء والهُـوِيَّة الوطنية وزيارة الأرحام والأقارب والمعايدة ولبس الأطفال الكسوة الجديدة.

وتتجلى الروحانية اليمنية في إيمان الشعب اليمني، حَيثُ يعتبرون الإمام علي -عليه السلام- مثالًا يُحتذى به في الحياة اليومية، يتمسك اليمنيون بقيمهم الدينية والاجتماعية، ويمثل الإيمان بالله تعالى ورسوله- صلى الله عليه وآله وسلم- ركيزة أَسَاسية في حياتهم، في جمعة رجب يتوجّـه الكثيرون إلى المساجد لأداء الصلوات والدعوات مستذكرين مآثر الإمام على عليه السلام، وأخلاقه.

حيثُ إن تاريخ اليمن الإسلامي يرتبط بشكل وثيق بشخصية الإمام علي -عليه السلام- فقد كان له دور محوري في دعم الرسالة الإسلامية، ونشر المعرفة والعدل بين الناس.

يُعتبَرُ الإمام علي رمزًا للحكمة والبلاغة، ويشهد التاريخ على مواقفه في الدفاع عن حقوق الفئات الضعيفة والمظلومين، ويُعتبر دعم القضية الفلسطينية جزءًا من العقيدة اليمنية، حَيثُ يرى اليمنيون في نصرة المستضعفين فريضة دينية ووطنية.

يُظهر السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله ورعاه- الذي يُعتبر رمزًا للقيادة الحكيمة، الالتزام بمفهوم الولاء للحق، من خلال إسناد غزة ودعم حقوق الشعب الفلسطيني، وهذا يدعم الفهم العميق لدى اليمنيين بأن نصرة القضايا العادلة هي جزء من الولاء للإسلام ومبادئه السامية، وتُعتبر جمعة رجب فرصة لتعزيز القيم التي دافع عنها الإمام علي -عليه السلام- مثل الشجاعة، والإيثار، والعدالة، مما يساهم في بناء مجتمع متماسك ويحمل قيمًا نبيلة.

إن الهُـوِيَّة اليمنية الوطنية والإيمانية تتميز بتاريخها العريق وثقافتها الغنية، حَيثُ تُعبر جمعة رجب عن تعلق اليمنيين بإيمانهم وقيمهم وتراثهم.

إن الاحتفالات والعادات المرتبطة بهذا اليوم تُعزز الوحدة الاجتماعية وتحث على تعزيز الروابط الوطنية؛ مما يجعلها مناسبةً للإحياء والتأمل في التاريخ الديني والسياسي للبلاد، وتجديد العهد بالقيم الأصيلة التي تمثل جوهر الهُـوِيَّة الإيمانية اليمنية.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: علیه السلام فی جمعة رجب الإمام علی ة الیمنیة اله ـو ی ی عتبر ت عتبر

إقرأ أيضاً:

عمق الأزمة اليمنية في حضرموت والمهرة

وضاح اليمن الحريري

تأخذ الازمة اليمنية الحالية أكثر من بعد سياسي او عسكري، كما إنها ليست مسألة أرض يتم استعادتها او منطقة نفوذ بهذا الشكل أو ذاك، إنها تمثل أزمة تحمل في مظاهرها تصدعات المشروع الدولاتي لمنظومة الفكر السياسي العربي وأمنه القومي ببعده الجيوسياسي وهو في طور التفكيك واعادة التشكل، حقله في اليمن هو أحد النماذج للتفكيك المباشر، بخلق اسباب كافية لتطبيقه، تعود إلى سوء الادارة واخفاقات التنمية والتقدم في ظروف سابقة.

نعني بالأزمة اليمنية في حضرموت والمهرة، تصرف الانتقالي الجنوبي منفردا بدخول قواته الى تلك المحافظتين والسيطرة على أراضيها، متخذا أكثر من مبرر لذلك الفعل، غير مكترث بالتبعات اللاحقة وفيما قد تسفر عنه، في محاولة لفرض واقع عسكري جديد فيهما، هنا تكون المسألة واضحة في أن الانتقالي الجنوبي اتخذ قراره، مرتجلا او متأنيا، في التصعيد تجاه الشرعية التي يمثل في نفس الوقت أحد مكوناتها، مما يعني إنه لم يكن ينظر يوما لنفسه ولقواته الا باعتبارهما جزءا مؤقتا في بنية الشرعية، لارضاء أطراف من دول التحالف.

تقف في الضفة الأخرى من مجرى الأزمة واندفاعها، بقية مؤسسة الشرعية ممثلة برئيس مجلس القيادة الرئاسي، الذي يستند هو الاخر الى تحالفات سياسية وعسكرية حاضرة محليا وإقليميا، ترى في السلوك المنفرد للانتقالي اعتداء صارخا على مرجعيات تم التوافق عليها مسبقا، أهمها اتفاق الرياض واعلان نقل السلطة. لكن حتى هذا التحالف يقف أيضا في خانته قوى تتفاوت في مدى لؤمها السياسي واستعدادها العسكري لتفجير الموقف عسكريا، في انتظار الاشارة لذلك.

يجب أن ينظر الى الأزمة في شقها السياسي، لنزع فتيل الاشتعال وتنفيسها، في الاتجاه الذي ينفس من تصاعد التوتر، بعد أن تفاقمت عملية الاحتشاد عند المجموعتين، لأن الأزمة وأبعادها لا تعني الانتقالي الجنوبي وحده ولا تعني مؤسسة الشرعية وحدها، كي يتصرفا كما يشاءان، لكنها تمس وبقوة حسابات اقليمية لها وزنها وثقلها، كحسابات المملكة السعودية، بل والأهم من هذا، إنها تمس وبعمق فرص الاستقرار والعيش الآمن للناس في كامل الاتساع الجغرافي والأمني لليمن على اقل تقدير، مما يمثل رهانات غير محسوبة العواقب بدقة، على اعتبار أن الأمر الواقع سيفرض نفسه دون تحديات فعلية، رغم أن خيار الحسم بطريقة صلبة يعلن عنه ومازال قائما.

سيذهب المختلفون حول الأزمة والمتفاوتون في تقديرها الى تقديرات غير صحيحة بالمرة، اذا ظنوا إنها ستمر مرورا عابرا، على حقول النفط وموارد الثروة في شرق اليمن، مع العلم ان هذه الموارد هي فقط المرئية في الأفق، بينما ما خفي قد يكون أعظما، بالتالي فإن خيار الانتقالي الجنوبي وخيار المؤسسة الشرعية، لا يمثلانهما وحدهما، لكن ايضا يمثلان حسابات أخرى ذات ارتباط شديد الأهمية، بما سيجر خلفه من التبعات والتبدلات في القرارات والمواقف، بانعكاس كل ذلك على المواطنين اليمنيين جنوبا وشمالا بالدرجة الأولى.

لن أقول هنا إن علينا بالحكمة اليمانية،لأنها مفقودة في هذه اللحظة على اية حال، لن أقول أن علينا بالدم لأنه لغة الأبطال الذين يذهبون سدى من اجل تغيير التوازنات على أرض الواقع، سأقول أن علينا بالسياسة والمزيد من السياسة الحصيفة والمسئولة، عند التعامل مع هذه المستويات العالية من الأزمة.

تصرف الانتقالي الجنوبي منفردا، فاقدا لصبره وبانيا لخياراته مستندا على حسابات الغير وتقديرهم للموقف، بينما تتصرف مؤسسة الشرعية خارج احتواء الموقف وطنيا نتيجة تشتتها وبعثرتها المرئية، المبنية على عدم قدرتها على اتخاذ القرارات في وقتها المناسب، عاجزة عن تفعيل المرجعيات المتفق عليها، المملكة أيضا تتصرف بالاستناد الى المعركة السياسية التي تخوضها على المستوى الاقليمي ووفق مصالحها، بغض النظر عن التبعات فيما سيعانيه المواطنون، إذن من يخيف من في هذه الأزمة الشرسة وغيومها تتجمع على رؤوس اليمنيين وتتفاقم جنوبا وشمالا.

سيمضي الوقت دون قرارات، لن يتمكن الانتقالي الجنوبي من اعلان دولته واذا اعلنها سيحمل الناس ما لا طاقة لهم به وسيكتفي بالبقاء على الأرض، لن تتمكن مؤسسة الشرعية الا بالبقاء كضيف دائم الاقامة في الرياض حتى اشعار آخر، لن تتمكن المملكة من اتخاذ قرارات صعبة بسهولة ولها أن تحتفظ بمصالحها، لن يتمكن المشاغبون الاقليميون من انهاء الحصة دون درس وسيجبرون على البقاء على مقاعدهم كأشقياء..السياسة ومزيدا من السياسة هي الحل المؤثر حاليا..علينا اذا بدأ الحوار أن نمضي فيه حتى آخره وله مساراته واوعيته واجراءاته واذا لم يبدأ فلابد ان ينطلق فورا..ودمتم.

مقالات مشابهة

  • علي جمعة: صلاح القلب مفتاح صلاح العمل وحسن العلاقة مع الله
  • هل تحدث علامات الساعة كلها في يوم واحد؟.. علي جمعة يرد بمفاجأة
  • ما سر قل أعوذ برب الفلق؟.. علي جمعة: تحصنك من 8 شرور مهلكة
  • عمق الأزمة اليمنية في حضرموت والمهرة
  • خالد الجندي: قصة صبر نوح عليه السلام عبر الزمن تحمل عبرة عظيمة
  • علي جمعة يوضح الفرق بين القلب والفؤاد..فتعرف عليه
  • علي جمعة: قيام الليل مفتاح السكينة والتقوى في زمن الفتن
  • أتكاسل عن صلاة الفجر لشدة البرد فهل على إثم؟.. علي جمعة يجيب
  • مناقشة تعزيز الأنشطة المدرسية والهوية الإيمانية في الرجم بالمحويت
  • شيخ الأزهر: جائزة زايد للأخوَّة الإنسانية تسهم في إرساء أسس السلام بالعالم