في سياق السلسلة التي فتحتها "عربي21" حول تجارب تيارات اليسار القومي والعروبيين الوحدويين في الحكم وفي الحياة السياسية في تونس والدول المغاربية والعربية، التقى الإعلامي والأكاديمي كمال بن يونس بالمؤرخ التونسي محمد ضيف الله الأستاذ المحاضر في الجامعة التونسية والباحث في تاريخ التيارات الفكرية والسياسية التونسية والعربية والعثمانية وأجرى معه الحوار التالي حول الأبعاد الفكرية والسياسية لسقوط تجارب الأنظمة "القومية العروبية" منذ هزيمتها الكبرى في حرب يونيو / حزيران 1967 ، (أو "النكسة ") ثم انهيار حكم البعث في العراق في 2003 ثم في سوريا أوخر 2024.



 وفيما يلي النص الكامل للحوار :

س ـ أولا هل تتوقع أن يؤدي "الانتقال الديمقراطي" في سوريا بعد إسقاط حكم حزب البعث الذي حكم سوريا 60 عاما إلى حراك إقليمي؟ أم سيقع إجهاض "الثورة السورية" مثلما وقع إجهاض "ثورات" و"محاولات الإصلاح والتغيير" السابقة في المنطقة وفي العالم بما فيها "الثورات" في تونس وليبيا ومصر واليمن والبحرين؟

 ـ تأثير سوريا في المنطقة وعالميا يفوق بكثير تأثير بلدان ومجتمعات مثل تونس وليبيا.. إذا لم يقع تفجير الوضع الأمني الداخلي في البلاد خلال الأسابيع والأشهر القادمة ..

سوريا من بين البلدان التي لديها تأثير إقليمي وعالمي مثل العراق ومصر وايران وتركيا، والمتغيرات فيها مهمة ويمكن أن تؤثر في كامل الإقليم ..

ما وقع في سوريا "زلزال سياسي فكري ثقافي" يمكن أن تتبعه "زلازل ارتدادية"..

لذلك تدخلت بلدان الخليج وعواصم عالمية لمحاولة "ترشيد" الانتقال نحو "سوريا الجديدة"، حتى لا تفلت الأمور من بين ايديها ..

"الإسلام السياسي" و"العثمانيون الجدد"؟

س ـ وهل ستسمح اللوبيات المتنفذة في المنطقة وفي العالم أن تعود القيادة في الإقليم إلى دمشق عاصمة الدولة الأموية سابقا وأن تبرز مجددا قوى ترمز إلى "الإسلام السلفي" أو إلى "الإسلامي السياسي" و"العثمانيين الجدد"؟ هل سوف يسمحون بأن تعود دمشق عاصمة الأمويين لتزعم الإقليم ؟

 ـ ميلاد "سوريا الجديدة" جاء في سياق مخاض إقليمي ودولي طويل ومعقد، من بين نتائجه "تحييد دولتي" سوريا والعراق "البعثيين"، اللتين كانتا معارضتين للحلف الأطلسي ومتحالفتين مع روسيا والصين وإيران وحلفائها منذ عهد صدام حسين وحافظ الأسد ..

لذلك فإن الأنظمة الموالية للحلف الأطلسي في المنطقة سوف ترحب أول الأمر بـ "إبعاد سوريا عن الحضن الروسي".. وستعمل على دفع قيادات "سوريا الجديدة" نحو إخراج روسيا من "المياه الدافئة" في البحر الأبيض المتوسط  ..

في نفس الوقت فلا بد أن نسجل أن أولوية واشنطن اليوم هي التحكم في شرق آسيا وفي  بحر الصين، لذلك فقد تعمل على تهدئة المنطقة العربية والمتوسطية بدءا من سوريا ..

وبحكم التعقيدات القديمة الجديدة في المنطقة، وصراعات الزعامة بين عواصمها وخاصة بين القاهرة ودمشق وبغداد وطهران وأنقرة، فقد تواجه قيادات "سوريا الجديدة" تحديات أمنية واقتصادية خطيرة لتجنب سيناريو" انتشار عدوى التغيير" خاصة إذا نجح السوريون في تقديم "نموذج سلمي للإصلاح وإعادة البناء والتنمية" مثلما نجحوا في إسقاط حكم بشار الأسد في ظرف أسابيع ..

وفي أغلب الأحول سوف تؤثر المتغيرات الجديدة في فلسطين وسوريا ولبنان واليمن والعراق وإيران في كامل المنطقة وفي العالم ..

" الإسلاميون السلفيون"

س ـ هل يمكن أن تقبل الدول العربية والغربية انتصار "ثورة الإسلاميين السلفيين" القريبين من الفهم الخليجي العربي "للإسلام السني" ( أو " الوهابي") حتى تتجنب سيناريوهات تمدد تحركات "الإسلاميين الثوريين" و"الراديكاليين" المتحالفين مع إيران و"محور المقاومة" و"الجهاديين" الذين برزوا منذ طوفان الأقصى في فلسطين ولبنان واليمن والعراق وسوريا ما قبل انهيار حكم بشار الاسد؟

وهل ستدعم الرياض وحلفاؤها أحمد الشرع المولود في الرياض ورفاقه لمجرد أنهم أضعفوا الحضور الإيراني في سوريا ونجحوا في إسقاط حكم بشار الأسد؟

 ـ أولا، لا بد أن نسجل أن الإسلاميين السلفيين و"الجهاديين السنة" لم يعد مرحبا بهم في دول الخليج العربية التي اقتربت أكثر من سياسات واشنطن وحلفائها ..

ثانيا، أحمد الشرع ولد في الرياض.. لكن سبق أن صنفته عواصم خليجية وغربية ورفاقه "إرهابيين" ..

ثالثا، سيكون التعامل مع قادة "سوريا الجديدة" رهين تطور العلاقات الدولية مع إيران التي كان بعض قادتها يتباهون علنا بكونها تتحكم في توجهات 4 عواصم عربية، وهي دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء، إلى جانب سياسات قطاع مهم من المقاومة الوطنية الفلسطينية واللبنانية ..

لكن النظام الجديد في سوريا مدعوم بقوة من تركيا وهو ما قد يدفع بعض العواصم في المنطقة والعالم الغربي إلى التحفظ عليه، خوفا من "العثمانيين الجدد" و"وقوى الإسلام السياسي والإخوان المسلمين "..

ولعل ما قد يخفف مخاوف البعض من مستقبل "سوريا الجديدة" ما تشهده المنطقة منذ ثورة إيران في فبراير 1979 ثم بعد سقوط حكم صدام حسين في 2003 من تنافس بين محورين أحدهما "سني" يشمل دول الخليج العربية ("الوهابية") وتركيا ومصر والثاني شيعي بزعامة طهران وبغداد وأطراف لبنانية ويمنية ..

"القوميات لن تموت" ولكن ..

س ـ بعد انهيار آخر الحكومات والأحزاب الحاكمة المحسوبة على القومية العربية وحركة البعث، هل تساير الذين يتحدثون عن هزيمة نهائية "للقوميين العرب" و"لليسار القومي العروبي الوحدوي" بعد 56 عاما عن "نكسة" يونيو/ حزيرات 1967 التي هزمت فيها جيوش مصر (المحكومة وقتها من قبل "الناصريين") وسوريا والعراق (المحكومة بـ "البعثيتين")؟

 ـ النقد الذاتي الفكري والسياسي مطلوب وضروري جدا.. ويجب أن يشمل أسس الفكر القومي العربي بمختلف تعبيراته "العصمتية" (نسبة إلى المفكر عصمت سيف الدولة) والناصرية والبعثية ربط القومي بالعسكر فكريا.. لكن لا بد من الاعتراف بكون الدفاع عن الخيار "الوحدوي" و"القومي" مطلوب في كل العهود.. فالقوميات لا تموت ..

في نفس الوقت لا بد من أن نسجل أن هزائم الأنظمة القومية العروبية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا سببها الاستبداد وتغول الجيش والمخابرات العسكرية ..

ولا بد من "الطلاق" بين القوميين والعسكر فكريا وسياسيا.. لأن من أخطر غلطات التجارب القومية البعثية والناصرية الاعتماد على العسكر واقحام قياداته في رئاسة الأحزاب الحاكمة وأغلب مؤسسات الدولة والبلاد..

الفكر الانقلابي لدى القوميين "مستورد"

س ـ  لماذا ارتبطت تجارب الأحزاب الحاكمة القومية العربية البعثية والناصرية بالجيش والعسكر؟ هل لم يكن مجرد "تحالف تكتيكي" لضمان الوصول الى السلطة ونجاح "الثورات" (أو الانقلابات) على الأنظمة الملكية والسلطات "العميلة"؟

 ـ لا بد أن نسجل أن "القومية المرتبطة بالجيش "والعسكر مستوردة من تركيا ومن انقلابات "حركة الاتحاد والترقي" القومية التركية وانقلاب 1908/1909.. وقد تضررت الحركات القومية العربية من تقليد تلك الحركة..

ونذكر بكون الضباط العرب الأربعة  ("الرباعي الذهبي") الذين اشتغلوا في الجيش العثماني في بداية القرن 20 هم الذين استوردوا "الفكر السياسي القومي" الذي يبرر عسكرة القيادة القومية والمسار الانقلابي.. هؤلاء وتلامذتهم شنوا انقلابات في العراق وسوريا ثم في مصر وليبيا فكانت النتيجة استبدادا وقهرا ومظالم وفشلا اقتصاديا واجتماعيا وعسكريا ..

وبعد هزائم الزعيم جمال عبد الناصر وفريقه في مصر ثم فشل فريقي صدام حسين في العراق وحافظ وبشار الأسد في سوريا والقذافي في ليبيا و... لا بد من "الطلاق" بين الفكر القومي والعسكر..

ولا ننسى أن 4 من الضباط العراقيين عملوا في الجيش العثماني سابقا وتورطوا في "الربط بين القومية والجيش وتقديم التبرير الفكري لعسكرة أحزاب البعث ..

انقلابا العراق في تشرين الأول 1936 بقيادة بكري صدقي، و1941 بقيادة رشيد عالي الكيلاني، أكدا خطورة رهان "الرباعي الذهبي" مبكرا على خيار "عسكرة القيادات القومية" .

التصقت منذ ذلك الوقت عقلية "العسكرة" بالفكرة القومية و"المشاريع الثورية".. فكانت الهزائم العسكرية والسياسية للأنظمة القومية في مصر والعراق وسوريا وليبيا وفي كامل المنطقة..

واليوم لا بد من مراجعات فكرية عميقة لتتطور التيارات القومية إلى "تيارات وحدوية مدنية ديمقراطية معتدلة" تدافع عن خصوصيات المجتمعات التي تنتسب إلى قيم العروبة والإسلام وتتبنى قيم حقوق الإنسان الكونية وأفكار التحرر الوطني الثقافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي ...

ويمكن لسوريا الجديدة والأشقاء الوحدويين في العراق ومصر وشمال إفريقيا وكامل المنطقة أن يقدموا نقدا فكريا سياسيا ذاتيا وأن يتجاوزوا الصراعات القديمة بين القوميين والإسلاميين والعرب وبقية القوميات في المنطقة وبينها القوميات المؤثرة في إيران وتركيا والعالم الإسلامي ...

المراجعات الفكرية والنقد الذاتي السياسي مطلوب من كل العائلات الفكرية والتيارات..

صمود حزب البعث في سوريا 60 عاما.. هناك من يعتبر أن الربط بين الجيش والحزب في سوريا كان "نقطة قوة".. وسببا لعدم سقوط دمشق بعد انتفاضة 2012 ـ 2013 بينما انهار نظام معمر القذافي في ليبيا مثلا بسبب تهميشه للجيش منذ 1983 وعدم تأسيسه حزبا قوميا بالمفهوم المعروف للأحزاب..

صمد حزب البعث السوري قبل 8 ديسمبر 2024 لكنه انهار بسرعة بعد ذلك، وثبت أن الرهان على الخلط بين العسكر والحزب كان من بين أسباب انهياره..

 تقاطع مصالح وتناقضات

س ـ هل يمكن أن تنجح القيادة الجديدة في سوريا في أن تؤسس لعلاقات يحكمها منطق" تقاطع مصالح " جديدة بين دمشق مع طهران وتركيا ودول الخليج وبقية الدول العربية ؟

 ـ المعطيات الجغرافية والتاريخية والفكرية والثقافية والسياسية تجعل سوريا أقرب إلى التكامل مع تركيا والدول العربية والمتوسطية، وقد يكون ذلك على حساب علاقاتها مستقبلا مع العراق وإيران ..

لكن تقاطع المصالح قد يبرر كذلك بروز تقارب جديد بين بغداد وطهران من جهة وسوريا وتركيا ودول الخليج من جهة ثانية ..

العلاقات مع تل أبيب

س ـ هناك من يعتقد أن استغلال إسرائيل للازمات الحالية وتوجيهها مزيدا من الضربات العسكرية  لسوريا يضعف مصداقية القيادات الجديدة في دمشق وحلفائها في المنطقة؟

 ـ  فعلا.. لكنني أعتقد أن التصعيد الإسرائيلي ظرفي.. خاصة أن القيادة السورية الجديدة أعلنت أن أولويتها خلال العشرية القادمة إعادة بناء البلاد ومئات آلاف المساكن والمؤسسات التي دمرت خلال العقود الماضية وخاصة بعد انتفاضة 2012 ـ 2013 التت تطورت إلى حروب عالمية بالوكالة داخل التراب السوري لمدة أعوام ..

س ـ كما لا يخفى أن غالبية مرتفعات الجولان محتلة منذ حرب يونيو 1967 ..هل يمكن أن يؤدي نجاح سوريا الجديدة إلى انفتاح الغرب على العرب ثقافيا وسياسيا وعلى بوادر الإصلاح الديمقراطي في بلد رمزي مثل سوريا؟

ـ الغرب تحركه أساسا مصالحه.. وأعتقد أن فرنسا مرشحة لتلعب دوا ثقافيا وسياسيا واقتصاديا أكبر لأسباب تاريخية وجيو استراتيجية بحكم العلاقات المميزة التي تربطها ببلاد الشام القديمة وخاصة لبنان وسوريا ومناطق في العراق وتركيا منذ اتفاق سايكس بيكو البريطاني الفرنسي 2016 الذي مهد لتقسيم "تركة" الدولة العثمانية وخاصة بلاد الشام والعراق..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الحوار سوريا المفكر سوريا حوار مفكر تحولات سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة سوریا الجدیدة الجدیدة فی فی المنطقة فی العراق فی سوریا لا بد من یمکن أن من بین

إقرأ أيضاً:

عقبات أمام حُلم إسرائيل بتقسيم سوريا

منذ بداية الحرب الأهلية السورية وحتى سقوط بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، قصفت إسرائيل بشكل متكرر المواقع العسكرية الإيرانية في الأراضي السورية، والمركبات التي تنقل الأسلحة إلى حزب الله، والمقرات التابعة للمليشيات الموالية لإيران، والمواقع العسكرية التابعة للدولة السورية بالصواريخ.

بعد سقوط نظام بشار الأسد، فضلت إسرائيل، بالإضافة إلى قصف الأهداف التي حددتها في الأراضي السورية، كما كانت تفعل سابقًا، احتلالَ المناطق منزوعة السلاح والجنود، بموجب "اتفاقية فض الاشتباك" الموقعة بين سوريا وإسرائيل عام 1974، وإنشاءَ قواعد عسكرية في هذه المناطق.

يمكن اعتبار إنشاء نقاط عسكرية في الأراضي السورية بعدًا جديدًا للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد سوريا؛ بذريعة "الأمن القومي".

بالإضافة إلى ذلك، فإن احتلال إسرائيل جبلَ الشيخ، وتهديدَ بعض المسؤولين الإسرائيليين، مثل وزير الدفاع كاتس، الحكومةَ السورية، يكشفان أن إسرائيل ليس لديها نية لتحقيق الأمن في المنطقة، بل تسعى إلى احتلال المزيد من الأراضي من خلال استغلال الفراغ الإداري في سوريا.

يمكن اعتبار الغارات الجوية الإسرائيلية الشاملة لتدمير القدرات العسكرية السورية بالكامل، والتحركات البرية العسكرية لاحتلال أراضيها، بالإضافة إلى الحوار الذي أجرته مع الطائفة الدرزية في جنوب سوريا، والتصريحات التي أدلت بها للطائفة العلوية التي تعيش في منطقة الساحل السوري، خطوات اتخذتها حكومة نتنياهو لتقسيم سوريا.

إعلان

في المقابل، نرى أن أحمد الشرع وإدارته يتوخون الحذر الشديد في خطواتهم العسكرية والسياسية، وفي التصريحات التي يدلون بها بشأن أفعال إسرائيل، وذلك لحماية سيادة بلادهم، وتجنب الدخول في حرب جديدة مع إسرائيل.

صرح الرئيس السوري أحمد الشرع في العديد من المناسبات بأن سوريا لن تتحول إلى منطقة تؤثر سلبًا على أمن أي دولة، بما في ذلك إسرائيل، وأن حزب الله وإيران لم يعودا موجودَين في سوريا، وبالتالي لا يوجد مبرر لإسرائيل لشن غارات جوية على سوريا.

حُلم إسرائيل

طورت إسرائيل خطة تسمى "ممر داود" لإعادة تشكيل شرق البحر الأبيض المتوسط. إذا تم تفعيل ممر داود، فستصل إسرائيل إلى جنوب سوريا عبر مرتفعات الجولان، وإلى شرق الفرات عبر دير الزور، وبالتالي إلى الحدود التركية. لذا، سيكون لديها عدد كبير من السكان بفضل التحالفات التي أقامتها على مساحة جغرافية واسعة. لم يكن ممر داود خطة ظهرت بعد سقوط نظام البعث. لطالما طورت إسرائيل علاقات مع الجماعات الانفصالية في المنطقة لتفعيل هذا الممر. لكن خطة ممر داود الإسرائيلية ليست مقبولة على الإطلاق لكل من تركيا، والإدارة السورية.

من أجل تفعيل ممر داود، تعِد إسرائيل بحماية الطائفة الدرزية في جنوب سوريا، وتقيم اتصالات مع كبار الشخصيات الدرزية الذين يرحبون بالحماية الإسرائيلية، بل وتستضيفهم في تل أبيب.

اتخذت إدارة أحمد الشرع العديد من الخطوات التي تظهر الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وعدم السماح بالحركات الانفصالية.

أعلنت تركيا موقفها بوضوح بتصريحات كل من الرئيس أردوغان ووزير الخارجية هاكان فيدان. أوضحت تركيا مرارًا وتكرارًا أنها تعتبر تشكيل هيكل اتحادي في شرق سوريا تهديدًا لأمنها القومي. وفي هذا السياق، نفذت العديد من العمليات العسكرية في الأراضي السورية في السنوات الماضية.

هناك نقطة أخرى هي أن تركيا تعتبر تفعيل ممر داود بمثابة مجاورة لإسرائيل. لا تريد تركيا على الإطلاق إنشاء هيكل يمكن لإسرائيل أن تتحرك فيه بحرية على حدودها. في الواقع، هذا وضع متبادل؛ فكما أنها لا تريد وجود إسرائيل أو هيكل يتعاون مع إسرائيل على حدودها، فإن إسرائيل لا تريد وجود تركيا في جنوب سوريا.

إعلان

لذلك، فإن إصرار الإدارة السورية على سياسة الحفاظ على وحدة أراضي البلاد، ورؤية تركيا لممر داود على أنه تهديد لمصالحها الوطنية، يؤثران سلبًا على تحقيق حُلم إسرائيل.

من ناحية أخرى، على الرغم من وعود إسرائيل بالحماية والمساعدة، فإن جزءًا فقط من المجتمع الدرزي يرحب بالانفصال والحماية الإسرائيلية.

يحلم الدروز الذين يعيشون في الوحدات السكنية القريبة من مرتفعات الجولان المحتلة من قبل إسرائيل والمجتمع الدرزي الذي يدعم حكمت الهجري بالانفصال. وأعلن قادة آخرون في المجتمع الدرزي أن الدروز جزء من المجتمع السوري، وأن السويداء أرض سورية، وأنهم لا يريدون الحماية الإسرائيلية، وأنهم يرغبون في إقامة علاقات جيدة مع دمشق. وفي هذا السياق، عُقدت العديد من الاجتماعات الناجحة بين الحكومة السورية والمجتمع الدرزي.

تعتقد إسرائيل والمجتمع الدرزي أنه يمكن إعادة تأسيس الدولة الدرزية التي تأسست خلال فترة الاحتلال الفرنسي. لكن التطورات في سوريا والمنطقة تؤثر سلبًا على تأسيس دولة درزية. وبالمثل، فإن إعادة تأسيس الدولة العلوية التي تأسست خلال فترة الاحتلال الفرنسي أمر مستحيل. وعندما ننظر إلى التاريخ، نرى أنه حتى أثناء استمرار الاحتلال الفرنسي لسوريا، لم تنجُ الدولة العلوية والدولة الدرزية، بل أصبحتا جزءًا من الدولة السورية.

مفتاح حل المشاكل: الشرعية

بعد الإطاحة بنظام البعث، كان أول من دعم حكومة تصريف الأعمال السورية، بقيادة أحمد الشرع، هي تركيا، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والأردن.

زار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان دمشق في 22 ديسمبر/ كانون الأول، والتقى أحمد الشرع. كما زار أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، العاصمة السورية دمشق في أوائل فبراير/ شباط. بعد يوم واحد من زيارة أمير قطر، قام الرئيس السوري أحمد الشرع بأول زيارة له إلى المملكة العربية السعودية، وبعد أيام قليلة زار تركيا.

إعلان

إن اعتراف دول المنطقة- وعلى رأسها قطر، وتركيا- بالإدارة السورية الجديدة، وإجراء المحادثات، وإعادة تفعيل سفاراتها في دمشق، مهدت الطريق لدول غربية لإقامة علاقات مع الإدارة السورية. زار كبار المسؤولين من العديد من الدول الغربية- بمن في ذلك وزيرا خارجية ألمانيا وفرنسا- دمشق والتقوا بأحمد الشرع ومسؤولين آخرين. وبالمثل، أتيحت لوزير الخارجية السوري الجديد أسعد الشيباني الفرصة لشرح رؤية الحكومة السورية الجديدة لقضايا مثل؛ التنمية والأمن والعلاقات الدولية؛ في زياراته إلى دول المنطقة والدول الغربية.

تكللت جهود قطر وتركيا، على وجه الخصوص، لاكتساب الشرعية، والاعتراف بالحكومة السورية الجديدة، بلقاء الرئيس الأميركي ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض خلال زيارته للخليج، وبرفع العقوبات المفروضة على سوريا.

إن مفتاح "الاعتراف والشرعية" الذي لم يُمنح لحكومة طالبان في أفغانستان، مُنح للحكومة السورية الجديدة بجهود قطر، وتركيا. اعتُبر اعتراف الدول بالحكومة السورية، وزيارة المسؤولين دمشق، وإعادة تفعيل البعثات الدبلوماسية- أي باختصار قبول الدول الحكومة السورية الجديدة وإقرارها بها كإدارة شرعية- بمثابة "مفتاح". فالاعتراف والشرعية يلعبان دورًا رئيسيًا في حل العديد من المشاكل.

في الواقع، إن اعتراف دول المنطقة والدول الغربية بالإدارة السورية الجديدة، ورفع العقوبات الأميركية، ولقاء ترامب مع أحمد الشرع ، دفعت إسرائيل إلى إعادة النظر في خططها لسوريا.

يبدو أن إسرائيل قد جمدت الهجمات الرامية إلى تدمير القدرات العسكرية السورية، والأنشطة الرامية إلى تقسيم سوريا من خلال المجتمع الدرزي.

وعلى الرغم من أن الإدارة السورية لم تؤكد ذلك رسميًا بعد، إلا أن الصحافة الإسرائيلية زعمت أن بعض الاجتماعات عُقدت بين إسرائيل وسوريا بمشاركة تركيا. وزعمت الصحافة الإسرائيلية أن الاجتماعات عُقدت في باكو، عاصمة أذربيجان.

إعلان

إن تخفيف إسرائيل هجماتها على سوريا وتفضيلها طريق الحوار مع الإدارة الجديدة، يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالشرعية التي اكتسبتها إدارة أحمد الشرع.

مقترحات

هناك دعامتان أساسيتان لمسألة الشرعية؛ أولاهما الشرعية التي يحققها دعم الشعب، والأخرى هي الشرعية التي يحققها دعم المجتمع الدولي. لقد حققت الحكومة السورية حاليًا دعمًا من الشعب ودعمًا من المجتمع الدولي. وهذا إنجاز ومكسب مهم لسوريا الجديدة.

إن دعم الشعب السوري للإدارة الجديدة ليس أبديًا. لذلك، فإن دعم الشعب يتعلق بوفاء الإدارة السورية بالوعود التي قطعتها بشأن مستقبل سوريا. إذا لم تفِ الحكومة بوعودها، فإن الشعب سيقلل من دعمه. لذلك، يجب على الإدارة السورية اتباع سياسة حازمة في الوفاء بوعودها، وتجنب تقديم الأعذار.

يجب على الإدارة السورية تجنب الوقوع في خطأ تفضيل الدعم الذي يقدمه الشعب، على الدعم الذي يقدمه المجتمع الدولي. يجب على الإدارة دائمًا إعطاء الأولوية لدعم الشعب. بسبب الدعم القوي المقدم للإدارة السورية، ستضطر إسرائيل إلى التخلي عن سياستها الرامية إلى فصل المجتمع الدرزي عن سوريا.

يمكن للإدارة السورية تحويل هذا التطور إلى فرصة لتنفيذ سياسات تكسب دعم المجتمع الدرزي وتمنع الانقسام. إن ربط القوات شبه العسكرية الدرزية في المنطقة بوزارة الدفاع، والسماح للقوات شبه العسكرية الدرزية التابعة لوزارة الدفاع بلعب دور معين في الحفاظ على أمن منطقة السويداء، يمكن أن يساهم ذلك في تحقيق الاستقرار في المنطقة.

قد تطلب إسرائيل تحديث اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974. يمكن تحديث هذه الاتفاقية بالطبع حسب الحاجة. لكن من المهم ألا توافق الإدارة السورية على أي مادة في تحديث الاتفاقية تضفي الشرعية على وجود إسرائيل في الأراضي السورية. فمن الملاحظ أن إسرائيل ستطلب تحديث الاتفاقية في الفترة المقبلة.

إعلان

يتم إعادة تشكيل الجيش السوري من خلال انضمام الجماعات المسلحة السورية المعارضة إلى الجيش السوري بالتنسيق مع وزارة الدفاع.

أعلنت وزارة الدفاع السورية الأسبوع الماضي عن قرارات حاسمة بشأن إنشاء جيش محترف. تتضمن القرارات العديد من المواد مثل: تدريب المنتسبين إلى الجيش في الكليات العسكرية. إن تخلي الجيش السوري عن مظهره كتشكيل شبه عسكري مسلح أمر مهم جدًا لتحقيق أمن سوريا ووحدتها. يجب تحويل الجيش السوري، الذي لا يزال يعطي صورة تنظيم شبه عسكري، إلى جيش محترف بسرعة. ربما يجب اتخاذ أسرع الخطوات في سوريا فيما يتعلق بإنشاء جيش محترف.

أقامت إسرائيل علاقات مع بعض القرى السنية في درعا والقنيطرة خلال الحرب الأهلية السورية. تقوم الإدارة السورية بدمج الهياكل المسلحة المعارضة في المنطقة في الجيش السوري من خلال ضمهم إلى الفرقة 40 التي ستعمل في المنطقة الحدودية.

من ناحية أخرى، يواصل الجنود الإسرائيليون دورياتهم العسكرية في المنطقة والحفاظ على علاقاتهم مع العناصر المحلية التي أقاموها منذ عام 2011. من المحتمل أن تتعارض هذه الأنشطة الإسرائيلية مع جهود الإدارة السورية لتأمين الحدود. لذلك، يجب على الإدارة السورية أن تعمل على توفير إمكانات عودة قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (UNDOF) إلى المنطقة، والقيام بواجبها الناشئ عن الاتفاقية، كضرورة لاتفاقية فض الاشتباك لعام 1974. سيكون وجود قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في المنطقة مهمًا أيضًا لتوثيق انتهاكات إسرائيل.

ستقدم إسرائيل والولايات المتحدة عرضًا للتعاون الاستخباراتي بشأن الجماعات الفلسطينية في الأراضي السورية. في سياق أهمية تحقيق الأمن في عملية تطبيع سوريا، يجب اعتبار إخراج الجماعات الفلسطينية من سوريا كافيًا. إن ظهور صورة للتعاون مع إسرائيل أو الولايات المتحدة ضد الجماعات الفلسطينية، سيزيد من الانتقادات الموجهة إلى الإدارة السورية ويقلل من الدعم الشعبي.

إعلان

قد يتم طرح خطة عاموس هوكستين، وهي: "نقل الغاز الإسرائيلي إلى سوريا عبر خط أنابيب الغاز العربي الذي يمر عبر الأردن"، مرة أخرى على جدول الأعمال من قبل إسرائيل والولايات المتحدة. إن اقتراح عاموس هوكستين هذا جزء من حرب ممرات الطاقة والممرات التجارية.

من المعروف أن خط أنابيب الغاز الطبيعي التركي كان من المقرر أن يمر عبر الأراضي السورية. كما أن نقل الغاز الطبيعي الأذربيجاني عبر تركيا إلى سوريا هو أيضًا أحد الموضوعات المطروحة على جدول الأعمال. لذلك، من المهم أن تتخذ الإدارة السورية خطوات حذرة في القضايا الإستراتيجية، مثل: الطاقة، وإجراء مشاورات مع حلفائها الإقليميين.

قد تمارس إسرائيل والولايات المتحدة ضغوطًا على الإدارة السورية؛ لإعلان أن مزارع شبعا المحتلة من قبل إسرائيل كانت تحت السيادة السورية قبل عام 1967.

وبهذه الطريقة، تهدف إسرائيل إلى تعزيز أطروحتها بأنها لم تحتلّ أراضي لبنان. يجب على الإدارة السورية ألا تتخذ خطوات تخلق مشاكل طويلة الأمد مع دول وشعوب المنطقة، ويجب ألا تستجيب بشكل إيجابي للطلبات الواردة في هذا الاتجاه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • قصف إسرائيلي يستهدف أحد عناصر حماس في سوريا
  • زلزال سياسي في إسرائيل... بينيت يتفوق على نتنياهو لأول مرة
  • زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب بابوا غينيا الجديدة
  • على عمق 198 كيلو.. زلزال بقوة 5.5 ريختر يضرب بابوا غينيا الجديدة
  • زلزال يضرب بابوا غينيا الجديدة
  • زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب بابوا غينيا الجديدة
  • العراق يطالب ببقاء قوات التحالف الدولي في سوريا
  • زلزال سياسي في أحدث استطلاع.. ليبرمان يصعد ونتنياهو على حافة الخسارة
  • بمجموعة توصيات.. المجلس الأطلسي يدعو العراق لبناء جسور جديدة مع سوريا
  • عقبات أمام حُلم إسرائيل بتقسيم سوريا