توقعات «فورين بوليسي» لعام 2025.. اشتعال صراعات إقليمية ودولية وتفاقم أزمات فلسطين وسوريا السودان وإيران
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
توقعت مجلة «فورين بوليسي» تفاقم صراعات إقليمية، وعالمية خلال عام 2025 مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث سيزداد الوضع سوءًا في فلسطين بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي، والتوسع الاستيطاني، مما يزيد من معاناة الفلسطينيين خاصة مع تواصل العدوان خلال الـ15 شهرًا الماضية، وفي سوريا، يُتوقع أن تسود الفوضى بعد انهيار نظام بشار الأسد، مع سيطرة "هيئة تحرير الشام" على المناطق الرئيسية، ما يعقّد الوضع، ويفتح المجال لانقسامات طائفية، وستتصاعد الحرب في السودان بشكل دموي، مع احتمال تقسيم البلاد بين الجيش وقوات الدعم السريع، وفي إيران، التي تقترب من امتلاك القدرة النووية، فالتوتر سيتصاعد في المنطقة، وفي أوكرانيا، تستمر الحرب مع روسيا دون تقدم نحو السلام، مما قد يدفع الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع موسكو.
- فلسطين:
قالت «فورين بوليسي»: إن الهجوم الإسرائيلي على غزة أدى إلى تدمير القطاع، وقتل ما يزيد على 45 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، ثلثهم على الأقل من الأطفال، فضلاً عن آلاف الجثث المفقودة تحت الأنقاض، كما تضررت نحو ثلثي المباني والبنية الأساسية. وقد أدت العمليات الإسرائيلية في غزة إلى إعادة تشكيل جغرافيا القطاع بعد أن قسمت غزة إلى نصفين شمالي وجنوبي من خلال ممر نتساريم الذي يوجد به الآن قاعدة عسكرية كبيرة. ويقال إنها تخطط لتقسيم جنوب القطاع أيضًا، وحاصرت إسرائيل أيضًا المنطقة الواقعة شمال مدينة غزة وأفرغتها بالكامل من السكان، كما وسعت المنطقة العازلة القائمة على طول محيط القطاع مع الكيان.
ومن غير الواضح ما هو التغيير الذي سيجلبه ترامب، فقد ورد أنه أخبر نتنياهو أنه يريد أن تنتهي حرب غزة قبل توليه منصبه، ولكن دون التلميح إلى شروطه. وبشكل عام، يبدو أن اختياراته الوزارية تميل في الغالب إلى منح نتنياهو حرية أكبر. وعلى الأرجح سيبقى الجيش في غزة، ويبقى معظم الفلسطينيين محاصرين في الجنوب، ويعيشون على المساعدات الإنسانية. وتشير المصادر الإسرائيلية إلى أن الفلسطينيين الذين تم فحصهم قد ينتقلون في نهاية المطاف إلى أماكن توصف بـ"فقاعات إنسانية"، حيث تقع مسئولية الشرطة وتسليم المساعدات على عاتق المقاولين الأجانب أو السكان المحليين المرتبطين بإسرائيل. وفي كلتا الحالتين، لا يمكن للمجتمع في غزة أن يتعافى في أي وقت قريب.
هناك معركة أخرى في الضفة الغربية، التي يبدو أن إسرائيل على استعداد لضمها، وتحت قيادة وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، تنقل إسرائيل إدارة المنطقة من السيطرة العسكرية إلى السيطرة المدنية، وتقوم بهدم المزيد من المنازل الفلسطينية، وتشرع في إقامة بؤر استيطانية جديدة. وحتى بدون الضم الرسمي، قد تعمل إسرائيل على تسريع التكتيكات التي استخدمتها لسنوات، وهي نقل المزيد من المستوطنين وضغط الفلسطينيين في جيوب أصغر بالقوة. وهو ما يؤدي إلى اشتعال الضفة الغربية.
- سوريا:
أكدت «فورين بوليسي» أن الوضع في سوريا قد يسوء بالرغم من سقوط نظام بشار الأسد بعد حرب دامت أكثر من عقد.وأشارت إلى أنه في عام 2020، أرسلت تركيا قوات، وأبرمت صفقة مع روسيا، التي استخدمت علاقاتها مع الأسد لوقف هجوم على شمال غرب سوريا، والذي خشيت أنقرة أن يدفع ملايين اللاجئين إلى تركيا. وتركت هيئة تحرير الشام، وهي فرع سابق لتنظيم القاعدة، وانفصل عنه، مسؤولة عن محافظة إدلب. فيما سيطرت قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد على الشمال الشرقي. حينها اعتقد العالم أن الحرب انتهت، وأن الأسد قد انتصر.
لكن في 27 من نوفمبر الماضي تقدمت هيئة تحرير الشام واستولت على حلب، ثاني أكبر مدينة في البلاد، دون قتال يذكر، ثم تقدمت إلى الجنوب، وسقطت العاصمة دمشق في أيديهم، وانهار نظام الأسد.وتعود أسباب هزيمة جيش النظام إلى القوات المدربة جيدًا التي حشدتها هيئة تحرير الشام، بجانب تدهور النظام نفسه الذي اعتمد على الدعم المستمر من حزب الله، وإيران وروسيا، واعتماد الجيش على المجندين والاحتياطيين الذين يتقاضون أجورًا زهيدة مقارنة بالميليشيات القوية.
وقف داعمو النظام مكتوفي الأيدي أمام تقدم المتمردين، وعادت معظم وحدات حزب الله التي دافعت عن النظام إلى لبنان لمحاربة إسرائيل، ولم تتمكن إيران التي تعاني هي الأخرى من الضربات الإسرائيلية من مساعدة الأسد، أما روسيا فكانت غارقة في مستنقع أوكرانيا. ومع انهيار دفاعات النظام، بدا أن موسكو وطهران قد قبلتا ضمانات هيئة تحرير الشام بأن إيران يمكنها سحب أصولها بأمان وأن تنسحب روسيا إلى ميناء طرطوس على البحر الأبيض المتوسط، أو القاعدة الجوية في اللاذقية.
تواجه هيئة تحرير الشام- التي يتولى زعيمها أحمد الشرع السلطة فعليًا- تحديات هائلة، أبرزها الفوضى، وخاصة في وسط وغرب سوريا. فقد نجحت هيئة تحرير الشام إلى حد كبير في تأمين المدن الكبرى، ومعاقبة بعض الأشخاص المتهمين بالتحريض على الكراهية الطائفية، وأعلنت أنها ستحل جناحها المسلح وميليشيات أخرى لتشكيل جيش مركزي. على الرغم من اعتبار قوات هيئة تحرير الشام ميليشيا منضبطة إلى حد ما، إلا أن عددها لا يتجاوز 30 ألف جندي، وهي منهكة للغاية.
فيما يتسم المتمردون الآخرون، بما في ذلك بعض المنتمين إلى الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، بالأكثر تمردًا. ففي حماة وحمص واللاذقية، نفذوا عمليات نهب وقتل عشوائي ضد أعضاء من الأقليات المتهمة بدعم نظام الأسد، وأعدموا بعض شركائه. ويشكل نظام الإدارة والحكم في سوريا تحديًا آخر، حيث يُخشى من العديد من القرارات والمراسيم التي لها طابع إسلامي نظرًا للجذور الجهادية لهيئة تحرير الشام. حيث إن لدى العلويين الذين ينظر إليهم على أنهم قاعدة نظام الأسد سبب خاص للخوف من النظام الطائفي، ولكن القلق حاد أيضًا بين الأقليات الأخرى، والعديد من السنة العلمانيين، والفصائل السياسية غير المؤكدة لدورها في المستقبل، والعديد من النساء.
تأتي مخاطر أخرى من الخارج. فمع سقوط الأسد، دمرت القنابل الإسرائيلية قواعد القوات الجوية السورية والمرافق البحرية ومستودعات الأسلحة، بما في ذلك، وفقًا لإسرائيل، مرافق الأسلحة الكيميائية. كما أرسلت إسرائيل، التي ضمت جزءًا من مرتفعات الجولان في عام 1981، قوات إلى منطقة مجاورة منزوعة السلاح. وفي الشمال الشرقي، طرد الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا قوات سوريا الديمقراطية من عدة بلدات، مما أدى إلى نزوح الآلاف من الناس. وقد يؤدي المزيد من القتال إلى اقتلاع آلاف آخرين وصعوبة انتقال سوريا إلى مرحلة مستقرة.
- السودان:
نبهت «فورين بوليسي» إلى أن حرب السودان تعتبر الأكثر تدميرًا في العالم، وذلك استنادًا إلى أعداد الجوعى والنازحين بعد فرار حوالي 12 مليون سوداني، أي أكثر من ثلث السكان، من ديارهم. ويواجه أكثر من نصفهم نقصًا حادًّا في الغذاء. ويصف مسئولو الأمم المتحدة معدلات العنف الجنسي ضد النساء والفتيات بأنها "مذهلة". وعلى نحو متزايد، يبدو أن البلاد تتجه نحو انقسام عنيف.
يعتمد الجيش على القوة الجوية، بما في ذلك الطائرات بدون طيار المستوردة من الخارج، وقد ساعد المتمردون الدارفوريون السابقون في صد هجمات قوات الدعم السريع على الفاشر، عاصمة شمال دارفور. وقد كافحت قوات الدعم السريع للاحتفاظ بالأراضي خارج معاقلها الغربية، ولكنها تظل قوية عندما تشارك في هجمات تناسب أسلوبها القتالي السريع والمتحرك. وقد تأرجح الزخم بين الجانبين. ولكن لا يبدو أن هناك طرفًا سيحقق انتصارًا حاسمًا على الآخر.
ومن المثير للقلق أن البعض في السودان- وخاصة أتباع نظام البشير- يتحدثون عن التقسيم، بحجة أن انتهاكات قوات الدعم السريع تستبعد التعايش. وهم يطالبون بالتقسيم، مما يترك الجيش مسيطرًا على الشمال والشرق، بما في ذلك الخرطوم، وقوات الدعم السريع تسيطر على الغرب ومجموعة من المناطق الأخرى.
تشير «فورين بوليسي» إلى أنه يجب أن يكون إنهاء الحرب أولوية أعلى، مع إحياء المحادثات التي عقدت في البحرين عام 2023، وهي المحاولة الأكثر جدية حتى الآن لجمع الجانبين، كما يتعين على الأطراف السودانية أن تضع رؤية لتقاسم السلطة، حتى لو كانت انتقالية، أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الرئيس المنتخب دونالد ترامب لا يُظهر اهتمامًا كبيرًا بالسودان، رغم أن تفكيكها قد يؤدي إلى زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر ودول أبعد من ذلك لعقود قادمة.
- إيران:
أدت الضربات الإسرائيلية على إيران نهاية أكتوبر الماضي إلى تدهور دفاعاتها الجوية ومخازن الصواريخ. غير أن طهران لا تزال تمتلك آلاف الصواريخ الباليستية، فضلاً عن الميليشيات المتحالفة معها في العراق والحوثيين، الذين يواصلون إطلاق النار على إسرائيل من اليمن، ورغم انكسار المقاومة المتمثلة في حزب الله ضد إسرائيل، سيحاول الحزب تجميع صفوفه، كما لم تغير خسائر طهران حساباتها النووية بعد، فقد أحرزت طهران تقدمًا في برنامجها النووي منذ انسحاب الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2005، حيث أصبحت إيران على وشك امتلاك المواد الانشطارية اللازمة لصنع رؤوس حربية نووية في القريب العاجل.
يرى بعض مستشاري ترامب، والإسرائيليون، أن ضعف إيران في الوقت الحالي فرصة لشل برنامجها النووي أو حتى حكومتها. غير أن محاولة الإطاحة بالنظام ستكون حماقة، لأنها قد تؤدي إلى إثارة الفوضى على غرار ما حدث في العراق بعد عام 2003، حيث من المرجح أن ينتصر الحرس الثوري المتشدد.كما أن تدمير المواقع النووية قد يدفع النظام إلى الرد بكل ما لديه من قوة. يشمل ذلك إطلاق آلاف الصواريخ على إسرائيل وشن هجمات كبيرة على القوات الأمريكية في العراق، فضلاً عن تزايد الضربات الحوثية على ممرات الشحن في البحر الأحمر، وهو ما يجر الولايات المتحدة إلى حرب لا يريدها ترامب.
ولذا، ترى «فورين بوليسي» أن إعادة تكثيف العقوبات والتلويح بالعمل العسكري (وهو ما يسمى بالضغط الأقصى)، على غرار سياسة ترامب في ولايته الأولى، ربما بهدف إجبار إيران على تقديم تنازلات أكبر في المستقبل، سيكون أقل سوءًا ولكنه لا يزال خطيرًا. من المؤكد أن العقوبات يمكن أن تساعد الدبلوماسية، لكن الضغط الأقصى من شأنه أن يسكب النار على منطقة مشتعلة بالفعل.
- أمريكا وروسيا:
وعد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا من خلال التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكن من الصعب أن نرى مسارًا لوقف إطلاق النار المستدام في ظل تعثر المحادثات، ورغم تقدم روسيا في شرق أوكرانيا، إلا أن القوات الروسية تكبدت خسائر هائلة بلغت أكثر من نصف مليون قتيل وجريح في صفوفها منذ عام 2022، فضلاً عن معاناة الاقتصاد الروسي.
يعتقد بوتين أنه منتصر في أوكرانيا وأن داعمي كييف الغربيين يفتقرون إلى القدرة على التحمل لخوض معركة طويلة. لكنه يبدو على استعداد لإجراء مفاوضات ومعرفة ما يمكن أن يحصل عليه، فيما لا تظهر كييف أي إشارة على رغبتها في الاستسلام، بالرغم من أنها أقل تسليحًا وعددًا من الجيش الروسي، فقد أعلن فريق ترامب أن الرئيس المنتخب تعهد باستمرار المساعدات لأوكرانيا، لكن من غير الواضح إذا كان ذلك جزءًا من المساعدات التي تمت الموافقة عليها في منتصف 2024 أو هناك شريحة جديدة. فبدون المساعدات الأمريكية، سوف تكافح أوروبا لملء الفراغ الذي قد تتركه واشنطن، حتى لو اشترت أسلحة أمريكية وحتى مع إنتاج مصانع أوكرانيا للأسلحة.
كييف، لديها عدد قليل جدًّا من الجنود المدربين، وقد أدى هجومها في منطقة كورسك الروسية إلى استنزاف قواتها. وهو ما يعني أن أوكرانيا ستكون في ورطة إذا تخلّى عنها ترامب. وتسيطر روسيا في الوقت الحالي على حوالي خمس الأراضي الأوكرانية، ولكن التحدي الأصعب ليس فقط الأرض، ولكن رسم نظام ما بعد الحرب حيث يطالب بوتين أوكرانيا بنزع السلاح أو على الأقل تحديد حجم جيشها والتخلي عن الضمانات الأمنية، فيما يرى الغرب في مثل هذه الصفقة تهديدًا وجوديًا لهم.
يعتقد الغرب أن موسكو إما تتقدم مرة أخرى أو ستخضع كييف لإرادتها، لكن من المرجح أن يستمر الهجوم الروسي، مع فشل المفاوضات أو انهيارها، حينئذ سيلقى ترامب اللوم على موسكو، وإذا تمكن من حشد ما يكفي من الأسلحة والذخيرة، فسوف يصعد الموقف، مما يزيد من خطورة المواجهة المباشرة مع روسيا. أو ربما يفقد صبره مع أوكرانيا وينسحب.
اقرأ أيضاً"العسومي" يدعو لوقفة جادة للحيلولة دون أن تظل بعض الدول العربية مسرحاً لصراعات إقليمية ودولية
حجازي: القمة العربية تنعقد وسط ظروف إقليمية ودولية ضاغطة وتحولات استراتيجية
ولي عهد الكويت لرؤساء البعثات الدبلوماسية: حققنا مكانة إقليمية ودولية عكست ثقة المجتمع الدولي
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مجلة فورين بوليسي قوات الدعم السریع هیئة تحریر الشام إقلیمیة ودولیة دونالد ترامب فورین بولیسی بما فی ذلک أکثر من یبدو أن إلى أن وهو ما
إقرأ أيضاً:
WSJ: أمريكا محبطة من عدوانية إسرائيل ضد النظام الجديد في سوريا
حللت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير أعده دوف ليبر، ملامح التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن النظام السوري الحالي الذي تتعامل معه واشنطن كحليف جديد لها، وتريد من إسرائيل المضي معها في موقفها. وأشارت الصحيفة إلى أن الموقف الإسرائيلي العدواني تجاه الحكومة السورية الجديدة يتناقض مع موقف واشنطن.
ويريد الرئيس دونالد ترامب حلا سريعًا للتوترات المستمرة منذ عدة عقود بين سوريا وإسرائيل. وبعد انهيار نظام بشار الأسد وسعت إسرائيل من وجودها داخل الأراضي السورية على مدى 155 ميلا مربعًا ولا تزال تسيطر عليها، وقامت منذ ذلك الحين باعتقالات ومصادرة أسلحة وشنت غارات جوية على جنوب البلاد.
تعثر المحادثات
وفي الصيف شنت الطائرات الإسرائيلية غارات على العاصمة دمشق في محاولة قالت إنها للدفاع عن الأقلية الدرزية، ذات العلاقة القوية مع إسرائيل، وقام الرئيس ترامب بناءا على مطالب من السعودية وتركيا برفع العقوبات عن الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، حيث أثنى على الجهادي السابق ووصفه بـ"الرجل الشاب والجذاب" و "يقوم بمهمة جيدة".
وتضيف الصحيفة أن الانقسام بين سوريا وإسرائيل ظل مصدر إحباط لواشنطن، التي دعمت إسرائيل في حروبها مع حماس وحزب الله وإيران، وتقول، إن الولايات المتحدة تتوسط في محادثات بشأن اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل، من شأنه أن يمهد الطريق لسلام طويل الأمد، إلا أن هذه المحادثات تبدو متعثرة.
الشرع يرفض..."نزع السلاح سيخلق فراغًا أمنيا"
وفي ظل وقف إطلاق النار في غزة وجهود جديدة لإنهاء القتال في أوكرانيا، يدعو ترامب إسرائيل إلى إبرام هذا الاتفاق. ويؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن مثل هذا الاتفاق لا يمكن تحقيقه إلا إذا قبلت سوريا بنزع سلاح الأراضي الممتدة من جنوب دمشق إلى الحدود الإسرائيلية، وهو مطلب يرفضه الشرع، الذي يرى أنه سيخلق فراغًا أمنيا في جنوب سوريا.
وتضيف الصحيفة إن هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر ،علمت إسرائيل ألا تقايض مصالحها الأمنية لإرضاء جيرانها أو الولايات المتحدة. وهي تتعلم اليوم من أخطاء انسحاب قواتها من غزة في عام 2005 ومن جنوب لبنان في عام 2000. ونقلت الصحيفة عن عن يعقوب أميدرور، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق قوله: "من السهل المخاطرة في واشنطن، لكن الأمر أكثر خطورة في مرتفعات الجولان، فالوضع قريب جدا".
ترامب يحذر من عوائق تعرقل مسيرة سوريا
ولم ينتقد ترامب إسرائيل علنا بسبب سياستها تجاه سوريا، لكنه أوضح ما يريده. وكتب في منشور على موقع "تروث سوشيال" مطلع هذا الشهر: "من المهم جدًا أن تحافظ إسرائيل على حوار قوي وحقيقي مع سوريا" و"يجب ألا يحدث أي شيء يعيق مسيرة سوريا نحو الازدهار"، وتظهر المواقف الإسرائيلية من سوريا، طريقة تعامل "تل أبيب" مع المخاطر الأمنية منذ هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وتلقي المؤسسة الأمنية الإسرائيلية باللوم على القيادة السياسية لعدم قدرتها على التنبؤ بالهجمات التي قادتها حماس، وذلك لفشلها في التصدي للتهديدات على طول حدودها، ومنذ التوصل إلى وقف إطلاق النار مع حزب الله في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، أبقت إسرائيل على وجود عسكري داخل لبنان قرب حدودها، ونفذت غارات جوية شبه يومية تقول إنها تهدف إلى إحباط محاولات المليشيا اللبنانية لإعادة التسلح.
"إسرائيل" قوة تسعى للحرب الدائمة
لكن حتى في إسرائيل، يخشى بعض الجنرالات السابقين وخبراء الأمن من أن نتنياهو يبالغ في رد فعله تجاه سوريا المجاورة، ما يهدد علاقة إسرائيل مع حليفها الأهم، الولايات المتحدة، ويُرسخ صورة إسرائيل كقوة إقليمية تسعى للحرب الدائمة.
ونقلت الصحيفة عن أفنير غولوف، المدير السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي قوله إن "المخاطر في سوريا أقل من أي مكان آخر، وإذا كنتم تريدون من ترامب أن يكون إلى جانبكم في العديد من القضايا الأكثر أهمية وخطورة، فهذه هي الورقة التي يجب أن تدفعوا بها".
ويدعو غولوف إلى حل وسط سريع بشأن اتفاقية أمنية مع سوريا تسمح للقوات السورية بتسيير دوريات في المناطق القريبة من حدودها، مع حظر وجود الأسلحة الثقيلة أو القوات التركية. وأضاف أن إسرائيل بحاجة إلى الانتقال من "استعراض القوة العسكرية إلى بناء قوة دبلوماسية".
ويأمل ترامب في ضم سوريا إلى اتفاقيات "أبراهام"، وقال مسؤولون إسرائيليون وسوريون وأمريكيون بأن الوقت ما زال مبكرًا لذلك، وأن على الطرفين أولا الاتفاق على الأمن. ومن المرجح أن يكون هذا الاتفاق مشابهًا لاتفاقية عدم الاعتداء السابقة لعام 1974 التي أنشأت منطقة عازلة منزوعة السلاح.
"سوريا تستجيب و"إسرائيل" لا تبادر بالمثل"
توم باراك، مبعوث ترامب إلى سوريا وسفيره لدى تركيا، قال إن: "الحكومة السورية تستجيب لمطالب واشنطن المتعلقة بإسرائيل، لكن الإسرائيليين لا يبادلونها بالمثل"، وفي مقابلة مع صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية نشرت يوم الجمعة، قال باراك عن سوريا: "إنهم يفعلون كل ما نطلبه منهم، وندفعهم نحو إسرائيل". وأضاف: "إسرائيل لا تثق بهم بعد، لذا فالأمر أبطأ قليلًا".
وقد ظلت الحدود بين إسرائيل وسوريا من أهدأ الجبهات خلال فترة حكم الأسد، الذي كان حليفًا مقربًا من إيران. وسمح الأسد لطهران ببناء قوة وكيلة على حدود إسرائيل وتهريب الأسلحة عبر سوريا إلى حزب الله، الذي بدوره ساعد نظام الأسد على قمع خصومه الداخليين.
محاولات إبقاء سوريا ضعيفة ومنقسمة
ويعارض الرئيس السوري الجديد وأتباعه طهران. لكن إسرائيل لا تزال تشك في الإدارة، التي كان العديد من أعضائها جزءًا من تنظيم القاعدة. كما تشك إسرائيل في قدرة الشرع على توحيد سوريا، بتنوعها العرقي والطائفي والديني، نظرا للانقسامات العميقة التي تحولت إلى عنف خلال العام الماضي بين الأغلبية السنية والأقليات، بما في ذلك العلويين والأكراد والدروز، وينظر في سوريا والولايات المتحدة والشرق الأوسط عامة إلى محاولات إسرائيل لإبقاء سوريا ضعيفة ومنقسمة على أسس عرقية، مما يقوض جهودهم لمساعدة الشرع على توحيد البلاد.
وبينما تطيل إسرائيل أمد المفاوضات الدبلوماسية مع سوريا، اندلعت جولات من القتال. وفي أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، دخلت القوات الإسرائيلية بلدة بيت جن، التي تبعد أقل من 16 كيلومترا عن الحدود مع إسرائيل، لاعتقال اثنين من المشتبه بهم في الانتماء إلى جماعات مسلحة. وأسفرت الاشتباكات التي تلت ذلك عن مقتل 13 سوريا على الأقل، وإصابة ستة جنود إسرائيليين، وفقا للجيش الإسرائيلي والتلفزيون السوري الرسمي.
وفي تلك الليلة، تجمع سوريون في دمشق للاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لسقوط الأسد، حيث أحرق بعض الأشخاص أعلامًا إسرائيلية. وفي هذا الأسبوع، أعربت إسرائيل عن قلقها للولايات المتحدة بشأن مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر، على ما يبدو، جنودا سوريين يسيرون في شوارع دمشق، ضمن احتفالات الذكرى السنوية، وهم يهتفون تأييدًا لغزة، ويهددون إسرائيل بشكل واضح.
وقال مسؤول إسرائيلي إن إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة الطلب من سوريا إدانة تلك الهتافات. وقالت كارميت فالنسي، رئيسة برنامج سوريا في معهد دراسات الأمن القومي، وهو مركز أبحاث مقره تل أبيب:"من الواضح أن هناك تصعيدا في الموقف ونبرة أكثر تشددا تجاه إسرائيل في الأسابيع الأخيرة.
"إسرائيل تخوض حربا ضد أشباح"
وفي مشاركة بقطر نهاية الأسبوع الماضي، ندد الشرع بتوسيع إسرائيل لمنطقتها العازلة، واصفا إياه بالخطير واتهمها بمحاولة التهرب من مسؤوليتها عما وصفه بـ"المجازر المروعة" في غزة، وإثارة شبح هجوم آخر على غرار هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر عبر حدودها دون مبرر. وقال الشرع: "أصبحت إسرائيل دولة تخوض حربا ضد أشباح".
وقال ويليام ويكسلر، المدير الأول لبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلنطي بواشنطن، إنه التقى قبل فترة بمسؤولين حكوميين بارزين في دمشق، والذين أبدوا انفتاحًا للعمل مع إسرائيل للتركيز على مشاكل أخرى تواجهها، بما في ذلك العنف الطائفي. وأضاف ويكسلر أن فرصة هذه الشراكة تتضاءل، وأن الموقف الإسرائيلي العدائي يدفع سوريا نحو أحضان تركيا، الداعمة للشرع والعدوة لإسرائيل.