جريدة الرؤية العمانية:
2025-08-01@15:09:16 GMT

بين الدين والعلم

تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT

بين الدين والعلم

محمد بن رضا اللواتي 
[email protected]

لماكس بلانك العالِم الألماني في الفيزياء الشهير، ومؤسس نظرية الكم، وأحد أهم فيزيائي القرن العشرين، الحائز على نوبل في الفيزياء عام 1918م، كلمة يقول فيها: "الرشفة الأولى من زجاجة العلم الطبيعي ستحولك إلى مُلحد ولكن في قاع الزجاجة ستجد الإله ينتظرك". (يُراجع: الإلهيات والفيزياء ص267).

 
لكن القرآن المجيد له رأي آخر، إذ يرى بأنَّه لا فرق بين الرشفة الأولى والأخيرة، من ناحية كون الله دائماً حاضرٌ عتيدٌ لا يغيب البتة، وللرشفة الأولى القدرة ذاتها التي للرشفة الأخيرة من إثبات ذلك. 
وما يهمنا هُنا هو أنَّ القرآن المجيد في دعواه هذه يُراهن على العلوم بأنواعها في إثبات دعواه تلك، إذ نراه في سورة فاطر يقول: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)".
ففي المقطع الأول والمقطع الأخير، وهما "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا "، "وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ" أتت المراهنة على "علم الأحياء" بصفته علم يبرهن على وجوده تعالى، بينما في قوله تعالى "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ" أتت المراهنة على "علم الجيولوجيا" الذي يدرس الأرض بطبقاتها وصخورها والحوادث الزمنية على عصفت برياحها عليها، وعلم "الكوزموجينيا" الذي يدرس أصل الكون ومن أين نشأ تحديدا.  والنتيجة التي يجزم القرآن المجيد على صحتها من خلال هذه العلوم هي: " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ". 
وكان القرآن المجيد في سورة فصلت قد لخص الأمر بشكل يسبب الذهول إذ قال: " سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) " ومعنى هذا أن الآفاق الكونية وكذلك الأنفس البشرية حاوية على ما يسميها "بآيات" تشير إليه صراحة. 
عبدالله الآملي – فيلسوف وفقيه معاصر– في تأمله لهذه الآيات يقول بأن ثمة ثلاثة مسالك عرضتها هذه الآيات لمسيرة الإنسان نحو اكتشاف وجوده تعالى.
المسلك الأول: وهو مسلك التأمل في الآفاق الكونية. ففي هذه الرحلة التأملية، الإنسان هو السالك، والطريق هو الآفاق، والغاية هي الله. 
المسلك الثاني: وهو مسلك التأمل في النفس البشرية. ففي هذه الرحلة التأملية، الإنسان السالك هو نفسه الطريق، لقد دمجت الآيات المارة بين الطريق وبين سالكه، لأن النفس هي مصب التأمل وليست النفس إلا نفس الإنسان، فالسالك – الإنسان – أضحى الطريق، والغاية هي الله. 
المسلك الثالث: وهو مسلك اكتشاف وجود الله عند وجود أي شيء يمكن إدراكه، ففي هذه الرحلة العجيبة أضحى الإنسان السالك، والطريق الذي يسلك فيه، والغاية التي يتوخاها أمر واحد! قال: " أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ؟" فالشهيد هُنا بمعنى المشهود الحاضر لدى كل شيء، فإذا كان الإنسان السالك شيء فالله حاضر عنده، وإذا كانت الآفاق والأنفس شيء فهو تعالى حاضر، لذا جاءت الآية المارة تطرح سؤالا استنكاريا جوابه النفي، فيكون المعنى: لقد أظهرنا لكم وجود الله بالتأمل في آيات الآفاق وفي آيات الأنفس، رغم أنه لا داعي لذلك أساسا، لأنه، أليس هو الحاضر لدى كل واقعية وجودية التي لا يمكنها أن تتحقق إلا به؟ 
إذن الرشفة سواء أكانت الأولى أم الأخيرة لا فرق، فهي لم ما كانت لتكون رشفة وأمرا موجودا إلا في ظل وجوده تعالى. 
هذه الحقيقة تراهن على الفقر الذاتي وعجز قدرة أية موجود – مهما كان – وبسبب فقره الذاتي لا يمكنه إلا أن يستمد وجوده من غيره، وبالمقابل على الغنى الذاتي للإله وعدم حاجته لأن يستمد وجوده من غيره. 
المهم هُنا أن الدين دائما ظل يرى أن العلوم بأنواعها مجالات لبلوغ شاطئ الإلهية والإيمان. حقا لقد كانت قصة "العلم يعارض الإيمان" مفبركة للغاية، حتى أن الذكاء الاصطناعي نفسه اليوم يرفض الاعتراف بها. لكنهم تمكنوا عند إطلاق الحملة الدعائية لها وترويجها من بث التأثير في العديد من الأذهان.
 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: القرآن المجید أ ل و ان ه ا

إقرأ أيضاً:

إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية

إلى فضل الله بُرمة ناصر أنصاري الطريقة المهدية، إلى محمد حمدان دقلو حوار الطريقة التيجانية، وإلى ابراهيم الميرغني تلميذ الطريقة الختمية وعبر هذه الطرق الموسومة بالاسلام فقد وجدتم بها طريقا إلى قلوب العامة، وكراسي الخواص، وأموال الفقراء التابعين.

وبما أنكم بصمتم بالعشرة في دستوركم العقيم تلك العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة وتستبعد الشريعة وتقصي تعاليم التوحيد وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإني أدعوكم أن تراسلوا هيئة علماء الطريقة التيجانية بالمغرب وغرب افريقيا وأن تراسلوا الأزهر الشريف وهيئة علماء المسلمين، وعلماء النجف الشريف، وعلماء المملكة العربية السعودية الرابضين بالكعبة والمرابطين بالمدينة المنورة، وهيئة علماء السودان وهيئة علماء الشام والقدس الشريف، وهيئة علماء الهند وباكستان، وهيئة علماء تركيا، والصادقين من علماء الجاليات الاسلامية في كل القارات. فإن شهدت لكم أي هيئة من هذه أو عالم أو مجتهد أو فقيه بأن العلمانية أفضل من الدين وأقدس من الإسلام وأطهر من الشريعة، فإننا ندعو أهل السودان قاطبة أن يؤيدوا حكومة نيالا الحبيسة التي يفتي في أمرها نصر الدين مريسة، وعلاء الدين كديسة وفارس كنيسة.

وإن أنكرت عليكم كل هذه الهيئات والعلماء من الظاهرين والأتقياء الأخفياء فإننا ندعوكم أن تغتسلوا سبع مرات وثامنها بالتراب، وإلا فإن حد الردة يطاردكم، إلا اذا أعلنتم الكفر البواح أو وجد لكم نبي الرسالة الثالثة النور حمد فتوى تقيكم مذبلة الخيانة وهزيمة الدنيا وجحيم جهنم والعياذ بالله.

قال تعالى (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
وقال تعالى (ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ۚ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)
وقال تعالى ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) صدق الله العظيم

حسين خوجلي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • خطبتا الجمعة من المسجد النبوي والمسجد الحرام
  • كفارة من ترك صلاة الجمعة ثلاث مرات متتالية .. عليك 4 أمور واجبة
  • تأملات قرآنية
  • التيجان السبع.. لتفريج الكرب وراحة البال
  • "الأرصاد": رياح وأتربة بعدة مناطق.. وأمطار حتى الثلاثاء
  • حفل استقبال في سفارة المغرب لمناسبة عيد العرش المجيد
  • إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية
  • ذكرى عيد العرش المجيد في المغرب.. ملاحم متجددة من التنمية والتحديث والبناء
  • خالد الجندي: ليس من الصحيح تخويف الناس من الدين وتعقيد العبادة
  • ما حكم من ينشر فضائح الناس على السوشيال ميديا.. الإفتاء تجيب