عربي21:
2025-07-31@15:20:33 GMT

هدوء ينذر بالعاصفة بين إسرائيل ولبنان

تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT

ما أن يجمع حاجياته الشخصية، ويغادر البيت الأبيض، الذي مكث فيه مدة أربع سنوات كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، ومدة ثماني سنوات من قبل كنائب للرئيس، حتى يبدأ المحللون والكتاب في إجمال «منجزات وإخفاقات» الرئيس الأميركي السادس والأربعين جو بايدن، ليخلصوا على الأرجح، بأن أهم ما فعله، كان قبل دخوله البيت الأبيض بأسابيع.



وقد تمثل ذلك في الحدث الصاخب والمفاجئ والذي كسر تقليداً رئاسياً تكرس على مدى عقود خلت، وهو إلحاق الهزيمة بالرئيس المرشح عام 2020، الذي عاد مجدداً دون أن يهزم بايدن، بل الرئيس الذي يكاد يكون الوحيد في تاريخ أميركا الذي يعود للبيت الأبيض بعد أن خرج منه مدة أربع سنوات، والذي هزم في المرتين اللتين نافس فيهما المرشح الديمقراطي الخصم وفاز فيهما على سيدتين هما هيلاري كلينتون وكامالا هاريس، فيما خسر في المرة الوحيدة التي واجه فيها خصماً رجلاً، وكان جو بايدن.

سيسجل التاريخ على الأرجح كيف تلاعب رئيس الحكومة الإسرائيلية، وهو من خارج الولايات المتحدة، أي لم يكن خصماً، لا منافساً رئاسياً ولا حتى رئيساً للكونغرس، كما كان حال دونالد ترامب خلال ولايته الأولى مع نانسي بيلوسي مثلا، بجو بايدن، وأفشل كل خططه وسياساته الخاصة بالشرق الأوسط، وكان سبباً أولاً في فشل بايدن في الترشح كرئيس.

وهذه أيضاً نادرة في تاريخ الانتخابات الأميركية، حيث عادة ما يترشح الرئيس لولاية ثانية، وغالباً ما يفوز بها بسهولة أكثر مما يحدث في الولاية الأولى، ثم كان نتنياهو سبباً بإصراره على مواصلة حرب الإبادة، دون عقد صفقة تبادل المحتجزين الإسرائيليين بمن فيهم الأميركيون بوقف الحرب، في هزيمة هاريس نائبة بايدن ومرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية.

فقط يمكن أن يسجل التاريخ نجاح بايدن الجزئي في منع اندلاع حرب إقليمية في الشرق الأوسط، وفي إفشال سعي نتنياهو لجر الولايات المتحدة لمواجهة عسكرية مع إيران، وقد تأكد ذلك حين نجح عاموس هوكشتاين مبعوث بايدن في التوصل لعقد اتفاق وقف الحرب على الجبهة الشمالية لإسرائيل بينها وبين لبنان، دون وقف الحرب على الجبهة الجنوبية، أي مع حماس في غزة.

لكن حتى هذا الإنجاز الذي كان يمكن له أن يكون نهائياً، هذا لو أن نتنياهو اتبعه بالتوصل لاتفاق الصفقة مع حماس، يبدو أنه في مهب الريح، أو أنه هش لدرجة أن الحرب يمكن أن تعود للاندلاع مجدداً، في أية لحظة، والدليل على ذلك هو عودة هوكشتاين مجدداً، بعد أقل من شهر ونصف، من أصل مدة الستين يوماً، التي يفترض أن يكون فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي قد انسحب نهائياً وبشكل كامل من كل الأرض التي احتلها، وهي فترة الهدنة التي يعني عدم إنجاز الانسحاب الإسرائيلي خلالها سقوط تلك الهدنة، والعودة للمواجهة العسكرية.

وحقيقة الأمر أن هناك أسباباً عديدة تدفعنا للقول، بأن وقف إطلاق النار الذي بدأ منذ آخر شهر تشرين الثاني الماضي بين إسرائيل وحزب الله، قد أحدث هدوءا قد يكون من ذلك النوع الذي يسبق العاصفة، من تلك الأسباب أن وقف إطلاق النار، وعلى مدار الأربعين يوماً الماضية، لم يمنع إسرائيل من مواصلة ما يسمى بخروقات الاتفاق المعقود، إن كان لجهة مواصلة قصف بعض المواقع، أو منع سكان الجنوب اللبناني الذين تركوا منازلهم خلال المواجهة العسكرية من العودة لقراهم.

وقد ترافق ذلك بعدم وجود مظاهر تشير إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، قد بدأ بانسحابه كما ينص الاتفاق، بل على العكس من ذلك ما زال يواصل العبث بالأرض اللبنانية، بحجة تدمير أنفاق وإزالة مواقع عسكرية كان يستخدمها حزب الله، لدرجة أن التقارير الإسرائيلية بدأت تعلن صراحة بأن الجيش الإسرائيلي لن ينسحب قبل نهاية المدة المحددة في اتفاق وقف إطلاق النار.

وقد عدد تقرير نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أسباباً لتوقعها ببقاء الجيش الإسرائيلي في المنطقة التي احتلها من جنوب لبنان، منها أن تدمير قدرات حزب الله المرتبطة بالأنفاق ومواقع الصواريخ تتطلب وقتاً إضافياً حسب الصحيفة.

كذلك الى كون الجيش اللبناني ليس مستعداً بشكل كاف لتولي المسؤولية في جنوب الليطاني اللبناني، كما أن الجيش الإسرائيلي يعمل حالياً على بناء خط دفاع جديد بين إسرائيل ولبنان، يهدف لحماية المستوطنات، ويتضمن بناء مواقع عسكرية وتثبيت أنظمة دفاع متطورة، وكل هذا يحتاج وقتاً غير محدد، وعلى ما يبدو أن مهمة هوكشتاين هذه المرة من أجل تحقيق هذا الهدف الإسرائيلي الجديد، وهو تمديد الفترة التي يسمح بها للجيش الإسرائيلي بالبقاء محتلاً لأرض لبنانية.

هذا مع العلم بأن كل ما سبق وذكرته يديعوت احرونوت كان ماثلاً وواضحاً للطرفين الأميركي والإسرائيلي حين كان يجري التفاوض على بنود اتفاق وقف إطلاق النار، لكن إسرائيل كما هي عادتها لا تلتزم بما توقع عليه ولا تحترم أية اتفاقيات تعقدها مع أحد، كما أنها تتقن الكذب والمراوغة، فهي مررت مهلة الستين يوماً، حتى تتخلص من عبء حرب خاسرة، والآن تراهن على عدم رغبة الأطراف بالعودة للحرب مجدداً، لتمرير ما كان يمكن له أن يفشل الاتفاق من قبل.

وهناك أسباب لا علاقة لها بالداخل الإسرائيلي، أو بما ينجزه الجيش الإسرائيلي على الأرض، تدفع للقول بأن ما حققه بايدن، سواء على الجبهة الشمالية لإسرائيل، من وقف لإطلاق النار، أو على مستوى الإقليم من منع للحرب الإقليمية، يبدو في مهب الريح، فبايدن نفسه، وقبل أقل من ثلاثة أسابيع عن موعد رحيله عن البيت الأبيض، يفكر في توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، تلك الضربة التي سبق له قبل بضعة شهور، وأن قدم منظومة «ثاد» لإسرائيل حتى تصرف النظر عن استهدافها، لأن ذلك كان قبل اغتيال حسن نصر الله، ووقف إطلاق النار مع حزب الله، وقبل إسقاط نظام بشار الأسد في سورية.

والأمر جدي لدرجة أن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان قدم لبايدن اقتراحات تفصيلية حول الأمر، أي أن بايدن بات بعد ما حققه مع نتنياهو من إنجازات سياسية وعسكرية، ملتصقاً تماماً بنتنياهو، وهو لم يعد مهتماً بصفقة غزة وحسب، ولم يعد يتجنب المواجهة مع إيران، حيث بات يعتقد بأن إيران ومحورها باتا أضعف مما كانا عليه قبل أشهر قليلة، بحيث صار ضرب إيران نفسها والدخول معها في حرب مباشرة لن يؤدي الى حرب إقليمية.

لكن بايدن ومعه نتنياهو الذي ما زال يصر على عدم إنهاء الحرب رسمياً، معتقداً بأنه حين نجح بكسر سلسلة ترابط الجبهات، مع اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله، وبعد إسقاط نظام الأسد، بات بإمكانه أن يفرض كل ما يريده بالقوة العسكرية، وأن كل الأبواب باتت مشرَعة أمامه للسيطرة على الشرق الأوسط، لكن الرجلين وهما على وشك مغادرة خشبة المسرح السياسي، ما زالا يريان النصف الفارغ من الكأس، فجبهة اليمن ما زالت مفتوحة وعصية على الكسر العسكري، كما أن المقاومة في غزة ما زالت تحتفظ بالمحتجزين الأحياء والأموات، وما زالت تلحق الخسائر البشرية بجنود العدو، وما زالت إسرائيل ترتكب جرائم الحرب في غزة، تلك الجرائم التي ستدفع ثمنها غالياً فيما بعد، ليس فقط من جيوب قادتها وضباطها وجنودها، ولكن من مخزونها السياسي على الصعيد الدولي، حيث ستلاحَق كدولة مجرمة، لن يتوقف العالم عن ملاحقتها حتى يفرض عليها الحجر السياسي، متمثلاً بفرض انسحابها من كل أرض دولة فلسطين المحتلة.

ولأنه كما ينص القانون الثالث من قوانين اسحق نيوتن للحركة الميكانيكية، على أن القوى تنشأ دائماً بشكل مزدوج، بحيث يكون لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه، فإن الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، يمكنها بأية لحظة خاصة إذا ما أضيف لها طلب منح إسرائيل مهلة إضافية لانسحابها، أن تعيد خلط الأوراق مجدداً.

وقد قال بهذا نعيم قاسم أمين عام حزب الله، بشكل صريح حين أعلن بأن الأعمال العسكرية قد تستأنف قبل انتهاء الستين يوماً، أي أن ذلك قد يكون رداً على الخروقات، قبل أن يكون رداً على عدم التزام إسرائيل بالانسحاب في الوقت المحدد، كما أن ما تعتقد إسرائيل بأنه إنجاز حققته في سورية قد لا يطول الوقت حتى ينقلب عليها، فلن يقوى أحمد الشرع على الصمود طويلاً أمام مفارقة الإعلان عن أن سورية لن تسمح لأحد بمهاجمة أحد عبر أراضيها، في الوقت الذي يصمت فيه على إقدام إسرائيل على تدمير مقدرات الجيش السوري واحتلال أرض سورية إضافية.

الأيام الفلسطينية

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه لبنان الاحتلال الهدنة حزب الله لبنان حزب الله الاحتلال الهدنة مقالات مقالات مقالات اقتصاد صحافة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة اتفاق وقف إطلاق النار الجیش الإسرائیلی حزب الله ما زالت کما أن

إقرأ أيضاً:

كيف أصبحت المقاومة البديل الذي لا يُهزم؟

أمام الهزائم العسكرية والسياسية للأنظمة العربية، كانت الشعوب العربية تفرز أدواتها في المواجهة. فمنذ ثلاثينيات القرن العشرين تحولت القضية الفلسطينية من رخاوة الأنظمة إلى صلابة التنظيمات.

ففي المواجهة لم تسقط الزعامات والأيديولوجيات فقط، بل سقطت أيضا الجيوش النظامية ومعها سقط دورها في التحرير. وخلف عجز الأنظمة كانت تتراءى حماسة الشعوب. وخلف ضعف الجيوش كانت تبرز جسارة القوى الضاربة.

فكأن التنظيمات السياسية والأيديولوجية قد جاءت لملء الفراغ. فقد أحيت نكبة 1948 في الأمة مفهوم الجهاد. وحررت هزيمة 1967 المبادرة الشعبية وأيقظت مفهوم التحرير. وفجرت معاهدة كامب ديفيد 1978 حركات المقاومة مع بداية الثمانينيات. وعلى طول تاريخ القضية الفلسطينية، كانت تتعايش أطروحتان: واحدة للمقاومة، وأخرى للسلام.

النكبة

لقد وجدت الجامعة العربية نفسها بعد بضع سنوات من تأسيسها أمام أصعب اختبار لها: القضية الفلسطينية. لم يكن تأسيسها من أجل تحرير فلسطين، بل كان محاولة بريطانية لتجاوز ضغائن الخديعة البريطانية للشريف حسين.

فكان ميلاد الجامعة تعويضا عن دولة الوحدة بوجهيها القومي والإسلامي. ومن ثم لم تكن فلسطين على جدول أعمال تلك المنظمة الإقليمية الناشئة. ولا شك في أن عجز المنظمة وأنظمتها على معالجة المسألة منذ بواكيرها قد دفع نحو تدويل القضية. فكان قرار التقسيم نوفمبر/ تشرين الثاني 1947 حجر الأساس للكيان الغاصب. لتندلع بعده إحدى أعتى المواجهات.

قررت الحكومات العربية في اجتماع "العالية" 1947 أن تكوّن فصيلا شبابيا حسن التدريب والأداء. وتولت جامعة الدول العربية تأسيس "جيش الإنقاذ" بقيادة فوزي القاوقجي. ولكن الضغط البريطاني كان كفيلا بإسقاط ذلك المشروع. وهو المصير نفسه الذي لقيته لجنتهم العسكرية بقيادة "طه الهاشمي" واللواء إسماعيل صفوت باشا.

إعلان

وحتى النجاحات التي حققتها تلك الجيوش في الجولات الأولى للصراع ذهبت أدراج الرياح بفعل المناورات الغربية (الهدنة الأولى والثانية). فكانت نكبة 1948 فاتحة الهزائم العربية. إذ لم تكن الحكومات العربية في حجم القضية.

فما بين العجز الذاتي والارتهان للقرار البريطاني والخيانة الصريحة، كانت الحكومات العربية تُسقط من حسابها أي مواجهة جدية للأطماع الصهيونية في فلسطين، وتتنصل من مسؤولياتها القومية والإسلامية.

فقد خضعت أغلب الحكومات العربية لإرادة الغزاة. وظلت "تستجدي الحلول من القوى الإمبريالية التي كانت ولا تزال تشكل رأس حربة في أزمة القضية الفلسطينية".

ففلسطين لم تكن "المحرك الرئيسي لسياسات الدول العربية، بل كان الدافع وما يزال هو تأمين الأنظمة الحاكمة في الدول الوطنية في مرحلة ما بعد الاستعمار". وتلك الحسابات كانت السبب المباشر في تأخير الاستجابة لداعي الجهاد في فلسطين.

التنظيمات الشعبية ونقد الدولة

أمام عجز الأنظمة العربية كانت التنظيمات قبل النكبة وبعدها تدخل على خط الصراع. فكتب ميشال عفلق سنة 1946 يقول: "لا ينتظر العرب ظهور المعجزة: فلسطين لا تنقذها الحكومات بل العمل الشعبي". وساد اعتقاد لدى حسن البنا أن الأنظمة العربية ليست جادة في مقاومة الاحتلال.

وأكد كامل الشريف "أنه لا خير يرجى في هذه الحكومات". فالعوائق أو "المصائب" أو "العبث" الذي يجد ترجمته في فساد أنظمة الحكم القائمة، وهيمنة الاستبداد السياسي، واختلاف الدول العربية فيما بينها… كل تلك العوامل في تضافرها كانت "كافية لإيقاع الهزيمة".

وقد كان نقد الموقف العربي الرسمي من القضية الفلسطينية مقدمة لسحب القضية من الأنظمة ووضعها بين أيادي الفعاليات الشعبية المدنية والعسكرية. ففي فلسطين بادرت "الهيئة العربية العليا" برئاسة الحاج أمين الحسيني بتشكيل قوات "الجهاد المقدس" بقيادة عبدالقادر الحسيني.

وخلال الأشهر الخمسة الأولى للحرب تمكنت تلك القوات من تكبيد العصابات الصهيونية خسائر فادحة. ولكن مع دخول جيوش الدول العربية فلسطين 15 مايو/ أيار 1948 "ظهرت سياسة إقصاء الفلسطينيين عن ميادين المعركة ومنع الأموال والأسلحة عنهم".

وقد جاء تقرير عبدالقادر الحسيني للجامعة العربية في أبريل/ نيسان 1948 يقطر مرارة وأسى بسبب خذلان لجنتها العسكرية التي ماطلت في إمداده بالمال والسلاح. وفي ذلك التقرير حمّل الجامعة مسؤولية ضياع فلسطين. ليستشهد بعدها بيومين في معركة القسطل.

أما عربيا فقد زحف المتطوعون العرب نحو فلسطين. وبرزت في الأثناء كتائب الإخوان المسلمين كقوة وازنة في الصراع. فرغم تضييق السلطات، نجحت طلائع الإخوان في التسلل إلى داخل فلسطين، حيث تمكنت قوة من المتطوعين بقيادة أحمد عبدالعزيز من الوصول إلى خان يونس. والتحقت بهم قوة أخرى من شرق الأردن بقيادة عبداللطيف أبوقورة. ثم حلت قوة أخرى من سوريا بقيادة زعيم الإخوان مصطفى السباعي.

وفي غزة استقرّت قوة البكباشي عبدالجواد طبالة. وعلى أرض فلسطين أدارت تلك الطلائع معارك ضارية ضد العصابات الصهيونية. وقد علق هيكل على تلك الاشتباكات بالقول: "لقد أثبت بعضهم نفسه تحت نيران القتال". وهكذا فقد كانت الجماهير العربية خلال النكبة متقدمة على حكامها.

إعلان النكسة

لقد أجهزت قوات الاحتلال في صباح الخامس من يونيو/ حزيران على القوات الجوية المصرية بضربة خاطفة. فدمرت مئات الطائرات المصرية في قواعدها. وضربت المطارات وعطلت قواعد الصواريخ أرض-جو.

مشهد أجمله أنور عبدالملك في قوله: "كانت القوات المصرية المسلحة قد ضُربت بشكل خطير، واحتلت سيناء، وشلت قناة السويس، ومُحي سلاح الطيران عمليا كوحدة مقاتلة، وتفجرت أعمال الخيانة والإجرام والتآمر، وانتشرت في كل مكان". كل ذلك في سويعات معدودات. وبإخراج القوات الجوية المصرية من الخدمة، فقد تركت بقية القوات في العراء من دون أي غطاء جوي.

وجاء قرار الانسحاب غير المدروس من سيناء ليزيد من الكلفة البشرية للهزيمة. ومع انهيار الدرع الواقي الذي كان يحمي عمق الأمة، فقد أصبح عمق الجغرافيا العربية – فضلا عن أطرافه- مهددا. فزحفت قوات العدو نحو سيناء بعد أن دمرت بقية القوات المسلحة المصرية.

واندفعت نحو الضفة الغربية فاحتلتها واستولت على القدس الشرقية بعد أن انهارت الدفاعات الأردنية في اليوم التالي. وكذلك فعلت في قطاع غزة. أما القوات التي اتجهت نحو سوريا فقد "تمكنت من احتلال مرتفعات الجولان دون مواجهة أي مقاومة تتناسب مع القوات العسكرية الضاربة المحتشدة هناك".

ولم تضع الحرب أوزارها إلا بعد أن أحكمت قوات الاحتلال سيطرتها على مساحات جديدة. وحسبنا من القراءات لتلك الكارثة المدمرة وصف هشام شرابي للهزيمة بـ "أيام حزيران السوداء". فكيف انعكست الهزيمة على الاختيارات النضالية للفلسطينيين؟

مثلت هزيمة 1967 منعطفا إستراتيجيا في الوعي السياسي الفلسطيني. وكان من نتائج الهزيمة "ظهور المقاومة الفلسطينية المسلحة وتعاظمها، وبروز الهوية الوطنية الفلسطينية التي قررت أن تأخذ زمام المبادرة بعد أن تبين لها مدى الضعف العربي". فقد قضت الهزيمة على إيمان الفلسطينيين بالحكومات "التقدمية" التي كانت معقد الآمال. "وأثبتت فشل الأنظمة العربية وعجزها عن تحرير فلسطين".

وينقل يزيد صايغ عن خليل الوزير أنه كان يرفض "الاعتماد على الدول العربية وجيوشها". وهكذا فقد ساعدت تلك البيئة على الاعتراف بالحركة الوطنية الفلسطينية كلاعب أساسي في الشرق الأوسط.

ويحسب للحركة أنها نجحت في "فرض نفسها كمعبرة عن الطموحات الوطنية للشعب العربي الفلسطيني". وهو ما أسهم في تشكيل الرؤى السياسية والميدانية للمنظمة. ففي المستوى الأيديولوجي قلبت حركة فتح ذلك الشعار الذي لطالما تغنى به القوميون العرب "الوحدة طريق فلسطين" إلى شعار "فلسطين طريق الوحدة". شعار ستتأسس عليه الكثير من التحولات التكتيكية والإستراتيجية. ومنذ أن استعادت منظمة التحرير المبادرة، اختارت الاستقلال السياسي والتنظيمي عن الجامعة العربية وأنظمتها.

وأما ميدانيا فقد بدأ مفهوم العمل الفدائي يتبلور كبديل من الحروب النظامية. وعلى تلك القاعدة كانت انطلاقة الثورة الفلسطينية مطلع 1965. وساد إجماع لدى أغلب الفصائل الفلسطينية مفاده أن تحرير الأرض لا يكون إلا عبر الكفاح المسلح. وهو المضمون المركزي الذي تبناه "الميثاق الوطني الفلسطيني".

وتفجرت سجالات سياسية حول نظرية التحرر الوطني من خلال دراسة النظريات الثورية وتجارب الشعوب المستعمرة. وهو ما أنتج مجموعة من الأدبيات دارت أغلبها حول حرب الشعب، وحرب التحرير الشعبية وغيرها.

وفي ضوء تلك الأدبيات جرى تأسيس عدة قواعد للعمل الفدائي في أغلب دول الطوق. وكانت ملحمة الكرامة 1968 ترجمة عملية لتلك التوجهات الجديدة. وهو ما زاد في ترسيخ النهج المقاوم حتى أصبح "الكفاح المسلح مصدر الشرعية السياسية ورمز الهوية الوطنية، والمادة الجديدة للمجتمع الفلسطيني المتخيل".

والحقيقة أن الأداء الفصائلي بعد الهزيمة لم يقطع الصلة تماما مع الأنظمة الراديكالية. فغالبا ما كانت التصورات الثورية تأخذ بعين الاعتبار الظروف التي تمر بها الأنظمة. ولكن رياح يونيو/ حزيران بقدر ما أذكت نار الاستنزاف، فقد هيأت للعبور.

إعلان حرب العبور

لقد عرفت مصر بعد وفاة عبدالناصر تحولات سياسية مهمة. فالمناخات الراديكالية في مصر والعالم العربي بدأت في الضمور لصالح اتجاه عربي ميّال إلى "الاعتدال" في مقاربة الصراع. وكانت القناعة الحاصلة لدى السادات أن "تدمير الدولة اليهودية هدف غير قابل للتحقيق". وفي تلك السياقات لم تكن حرب العبور إلا عملية جراحية القصد منها الإعداد لمسرح التسوية.

مثلت حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 أول انتصار مصري على قوات الاحتلال بعد ثلاثة حروب متتالية. فقد بدأ الهجوم المصري ظهيرة السادس من أكتوبر/ تشرين الأول على مواقع العدو في سيناء قصد تحييدها وحرمانها من أي قدرة على الرد أو الحركة قبل تحقيق العبور إلى شرق القناة. فكان "وقع المفاجأة بنوعيها الإستراتيجية والتكتيكية قد تحقق إلى نهايته".

ومنذ ليلة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول عبرت من الجيش المصري نحو شرق القناة خمس فرق مشاة ومئات من الدبابات وعدد من كتائب الصواريخ وأسلحة إسناد أخرى.

استبشر الفلسطينيون بتلك التطورات الميدانية. واعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية أن إعلان الحرب على دولة الكيان كان "فرصة عظيمة أمام الفدائيين الفلسطينيين لتصعيد فاعليتهم القتالية".

ولكن العبور لم يعقبه تطوير للهجوم المصري مثلما خُطّط له. فقد جرى الالتفاف على الانتصار المذهل للمصريين بداية الحرب. ومن خلال "الثغرة" التي أحدثها جيش الاحتلال في جدار المواجهة، بدأ في إحراز تفوق ملموس غرب القناة.

وكشفت تلك الأيام الصعبة عن انعدام التناغم بين المؤسسات. فقد أربك تدخل السادات في إدارة المعركة حسابات العسكر. وحكم على حرب العبور ألا تتجاوز خط العبور.

لقد آل النصر إلى لهاث لا ينقطع وراء سراب "السلام". وانتهى تحطيم جدار بارليف 1973 إلى هدم "جدار الكراهية الحديدي" 1977، مثلما كان يتوهّم السادات. فعوض البناء على "العبور" اندفع العرب نحو التسوية.

وقد أدرك كيسنجر مبكرا أن الإجراءات العسكرية التي اتخذها المصريون سوف "تؤدي آجلا أو عاجلا إلى مفاوضات سياسية". والحق أن مآلات العبور لم تكن مثل مآلات النكبتين. فهي لم تدفع إلى السطح بقوى جديدة تتناقض رأسا مع تصورات الأنظمة العربية للقضية.

بل إن كامب ديفيد قد فتحت الباب على مصراعيه نحو التسوية. فهي لم تكن إلا بداية الهرولة العربية نحو الصلح والاعتراف والتفاوض مع دولة الاحتلال.

وهنا تقول حقائق التاريخ إن منظمة التحرير الفلسطينية قد أضحت متماهية مع الرسمية العربية. وإن عرفات لم يكن مختلفا عن السادات. فكلاهما كان ينشد "التسوية". وإن اختلفت التكتيكات والإستراتيجيات.

لقد ظلت الهوة تتسع بين الأنظمة العربية وشعوبها في التعامل مع القضية الفلسطينية. فكلما وهنت الأنظمة قامت الشعوب تنشد التحرير من خلال المقاومة. فمن نكبة 1948 ولدت القوى الشعبية القومية والإسلامية. ومن نكسة 1967 صلب عود منظمة التحرير الفلسطينية.

ولكن حرب العبور كانت فاتحة للتسوية المعممة. تسوية ستستمر مفاعيلها من كامب ديفيد 1977 حتى أوسلو 1993، مرورا بقصر الصنوبر بالجزائر 1989. وردا على مشاريع التسوية كان أسلوب آخر من المقاومة ينضج على مهل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • نجاح تجربة الناتو في العراق.. هل يمكن تطبيقها في سوريا ولبنان؟
  • المعهد الإسرائيلي للبحوث البيولوجية.. مختبر إسرائيل الغامض
  • عودة الهذالين.. صوت النضال الذي أسكتته إسرائيل
  • كيف أصبحت المقاومة البديل الذي لا يُهزم؟
  • هل الخيار المتطرف الذي تبحثه إسرائيل في غزة قابل للتنفيذ؟
  • سادس أقوى زلزال في تاريخ البشرية..هل ينذر الزلزال الروسي بكارثة أرضية؟
  • هدوء حذر يسود حدود تايلاند وكمبوديا
  • هدوء حذر في السويداء.. وقافلة مساعدات رابعة تدخل عن طريق بصرى الشام
  • الجزائر ولبنان..علاقات تاريخية متجذرة
  • ما الذي يُمكن تعلّمه من أحداث السويداء؟