وسط مخاوف عالمية من أزمة غذاء مستجدة بسبب انهيار اتفاق تصدير الحبوب، يزداد الحديث عن تصعيد خطير على الأرض من حيث المعارك وزخمها، وفتح جبهات جديدة لم تكن ضمن مسار الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تتخذ حرب المسيَّرات منحىً تصعيدياً جديداً عبر محاولات مختلفة.
التصعيد في سير المعارك وطبيعتها قد يتغير في حال حصول أوكرانيا على طائرات «إف-16» التي ستقدمها واشنطن عن طريق الدنمارك وهولندا، لكن بسبب عدم جاهزية الطيارين الأوكرانيين، فلن يكون بمقدورهم استخدامها قبل الحصول على تدريب كاف مع نهاية الشتاء المقبل، ولذا من المستبعد تغيير مسار الحرب في الشهور القادمة.لكن قد تستطيع أوكرانيا تعزيز قوتها بعد تسلم منظومات الدفاع الجوي «إيريس-تي» من ألمانيا، والتي ستمنح كييف المقدرةَ على حماية أجوائها من الصواريخ والمسيرات الروسية.
ولعل التقارب في ميزان القوى قد يدفع الطرفين لتقديم تنازلات والبحث عن مسار للسلام، الذي هو أشد ما يحتاجه الجمع، فالسلام هو الحل الوحيد والحقيقي لإنهاء معاناة الشعوب، وهو يتحقق بالجلوس على طاولة المفاوضات وبالوصول إلى حلول، أي الطريقة الوحيدة لإنهاء هذه الحرب التي لم يحقق أي طرف أهدافه منها، والتي استنزفت الأطراف حتى باتت معنيةً بالبحث عن مخرج يضمن لها تحقيق جزء من أهدافها.
وبالعودة لأزمة الحبوب التي هي جزء لا يتجزأ من الصراع الروسي الأوكراني، فإن روسيا ما تزال تصر على التمسك بشروطها للموافقة على إحياء اتفاق تصدير الحبوب، وهو اتفاق سبق وأن عقد في عام 2022 بين روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة، ونص على إخراج الحبوب الأوكرانية من ثلاثة موانئ مقابل وصول الحبوب والأسمدة الروسية إلى السوق العالمية من دون قيود من العقوبات الغربية. لكن الشق المتعلق بروسيا لم يُنَفذ، حيث لم تستطيع الشركات العالمية التعامل مع الجانب الروسي بسبب العقوبات.
وتصر روسيا على تطبيق الاتفاقية بالكامل أو إيقافها بالكامل أيضاً، وهذا ما يحدث عملياً في الوقت الحالي، ولم تنجح أي وساطة في حل هذا الاستعصاء الذي قد يؤدي لأزمة غذاء عالمية، خاصة بالنسبة للدول الأشد تضرراً، أي التي تعتمد على الحبوب الأوكرانية والروسية.
المخاوف الحالية ستدفع بعض الدول إلى تخزين القمح لديها، مما سيتسبب في نقصه داخل الأسواق وبالتالي ارتفاع أسعاره، وكذلك الشأن بالنسبة للأسمدة التي تعتمد عليها زراعات عدة في الدول النامية. وتستفيد أوكرانيا من هذا القطاع كموْرد مالي يضخ مليارات الدولارات للبلد الذي أنهكته الحرب، والذي ليس لديه مصادر دخل أخرى.. لكل ذلك لا بد أن تقوم كييف بتصدير حبوبها بأي طريقة متاحة، حتى لو ومن دون الجانب الروسي الذي قد تَعتبر أنه انسحب من الاتفاقية!
لكن تبقى هناك مخاوف من استهداف السفن الناقلة للحبوب، وهذا ما دفع بالعديد من شركات النقل البحري للتوقف عن العمل مع الجانب الأوكراني. ويبقى الأمل معلقاً على نجاح المفاوضات في إعادة العمل باتفاقية الحبوب وإبعاد شبح أزمة غذاء عالمية جديدة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني
إقرأ أيضاً:
توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
كتب توماس فريدمان أنه رأى هذه المرة إشارات جديدة في إسرائيل تشير إلى أن مزيدا من الإسرائيليين، من اليسار والوسط وحتى من اليمين، يستنتجون أن استمرار هذه الحرب كارثة على بلدهم أخلاقيا ودبلوماسيا وإستراتيجيا.
وذكر الكاتب المعروف بميوله الليبرالية -في عموده بصحيفة نيويورك تايمز- أن رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، وهو من الوسط، كتب مقالا لم يتردد فيه في مهاجمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه، قائلا إن "حكومة إسرائيل تخوض حاليا حربا بلا هدف ولا تخطيط واضح، ودون أي فرص للنجاح"، وأضاف "ما نفعله في غزة الآن حرب إبادة، قتل عشوائي للمدنيين بلا حدود، وحشي وإجرامي"، وخلص إلى القول "نعم، إسرائيل ترتكب جرائم حرب".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2باحث أميركي: البوسنة والهرسك فاشلة حتى بعد 30 عاما من التدخل الدوليlist 2 of 2إندبندنت: إسرائيل مستمرة بهدم جسور الثقة بينها وبين الغربend of listأما من اليمين، فهذا أميت هاليفي، وهو عضو حزب الليكود اليميني الذي ينتمي إليه نتنياهو، وهو مؤيد شرس للحرب، يعتقد أن تنفيذها كان فاشلا، وأن إسرائيل لم تنجح في تدمير حماس.
ومن اليسار، صرح زعيم التحالف الليبرالي الإسرائيلي يائير غولان بأن إسرائيل في طريقها إلى أن "تصبح دولة منبوذة مثل جنوب أفريقيا، إذا لم تتصرف كدولة راشدة لا تحارب المدنيين، ولا تتخذ قتل الأطفال هواية".
الحرب أنهكت المجتمعوذكّر فريدمان بأنه لم يُسمح تقريبا لأي صحفي أجنبي مستقل بالتغطية المباشرة من غزة، وبالتالي عندما تنتهي الحرب وتمتلئ غزة بالمراسلين والمصورين الدوليين الأحرار، سيتم الإبلاغ عن حجم الموت والدمار وتصويره بالكامل، وستكون تلك فترة عصيبة للغاية بالنسبة لإسرائيل ويهود العالم.
إعلانولذلك كان غولان، وفقا لفريدمان، محقّا في تنبيهه شعبه إلى ضرورة التوقف الآن، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، واستعادة المحتجزين، وإرسال قوة دولية وعربية إلى قطاع غزة، ولكن نتنياهو أصر على مواصلة الحرب.
ومع استهداف الجيش الإسرائيلي مزيدا من الأهداف الثانوية، تكون النتيجة هي قتل مدنيين من غزة كل يوم، مع أنه ليس ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في غزة وحده هو ما يثير غضب الإسرائيليين المتزايد ضد الحرب، حسب فريدمان، بل ما يثيره هو أن الحرب أنهكت المجتمع بأسره.
واستشهد فريدمان هنا بما قاله عاموس هاريل المحلل العسكري لصحيفة هآرتس بأن مؤشرات الفشل تشمل كل شيء من "تزايد حالات الانتحار إلى تفكك العائلات وانهيار الشركات".
وإذا كان العديد من الإسرائيليين يشعرون بأنهم محاصرون من قبل قادتهم، فإن سكان غزة أيضا يشعرون بمثل ذلك -حسب فريدمان- وإذا كان بعض القادة الإسرائيليين سوف يواجهون الحساب عندما تصمت مدافع الحرب، فإن الشيء ذاته سيحدث لقادة حماس بغزة.
وإذا كان قادة حماس قد ظنوا أنهم ينزلون كارثة بإسرائيل، فإنهم -حسب فريدمان- منحوا نتنياهو فرصة لتدمير حليفهم حزب الله في لبنان وسوريا، مما أضعف قبضة إيران على هاتين الدولتين، وحتى على العراق، بل ساعد في إخراج روسيا من سوريا، فيما اعتبرها الكاتب هزيمة مدوية "لشبكة المقاومة" التي تقودها إيران.
وإذا كانت عمليات نتنياهو العسكرية مهدت للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما يرى فريدمان، فإن نتنياهو يضيع فرصة السلام هذه برفضه أن يفعل الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يطلق العنان لسياسة المنطقة بأكملها، ألا وهو فتح الطريق أمام حل الدولتين مع سلطة فلسطينية مُصلحة.
قبيلة اليهود ضد قبيلة الديمقراطيةولا عجب أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يريد إضاعة الوقت مع نتنياهو، فهو يذهب إلى الدول التي تعطيه، لا إلى الدول التي تطلب منه مثل إسرائيل، ولكن نتنياهو لن يسمح لترامب بصنع أي تاريخ معه.
إعلان
غير أن ترامب، ربما ليست لديه أي فكرة عن مدى التغيير الداخلي الذي طرأ على إسرائيل، خاصة أن العديد من اليهود الأميركيين لا يدركون مدى ضخامة وقوة المجتمع الديني المتطرف والقوميين المتدينين الاستيطانيين في إسرائيل، ومدى اقتناعهم برؤيتهم لغزة كحرب دينية، كما يقول الكاتب.
وقد أوضح الرئيس السابق للكنيست أفروم بورغ، متحدثا عن اليمين القومي المتدين الاستيطاني في إسرائيل "بيبي (لقب نتنياهو) هو في الواقع بيدقهم وليس اللاعب الحقيقي".
وأضاف بورغ "حدِّثهم عن إمكانية تحقيق إسرائيل السلام مع السعودية، يتجاهلونك ويقولون إنهم ينتظرون المسيح، حدثهم عن فرصة إسرائيل لتحقيق السلام مع سوريا، يردون بأن سوريا ملك للشعب اليهودي، حدثهم عن القانون الدولي، يحدثونك عن القانون التوراتي. حدثهم عن حماس، يحدثونك عن العماليق".
وخلص بورغ إلى أن الانقسام الحقيقي في إسرائيل اليوم ليس بين المحافظين والتقدميين، "بل بين القبيلة اليهودية والقبيلة الديمقراطية. والقبيلة اليهودية هي المنتصرة الآن".
وختم فريدمان بمقارنة بين أسلوبي نتنياهو وترامب المتشابهين في تقويض ديمقراطيتيهما، حسب زعمه، فكلاهما يحاول تقويض محاكم بلاده و"الدولة العميقة"، أما الهدف فهو بالنسبة لترامب إثراء نفسه شخصيا ونقل ثروات البلاد من الأقل حظا إلى الأكثر امتيازا، أما بالنسبة لنتنياهو فهو التهرب من تهم الفساد ونقل السلطة والمال من الوسط الإسرائيلي الديمقراطي المعتدل إلى المستوطنين والمتدينين.