محكمة أردنية تقضي بسجن قيادي إسلامي 5 سنوات مع الأشغال الشاقة
تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT
عمّان- أصدرت محكمة أردنية حكما بالسجن لمدة 5 سنوات مع الأشغال الشاقة على الشيخ سالم الفلاحات، الأمين العام لحزب "الشراكة والإنقاذ"، والمراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين. ويأتي هذا الحكم بعد قرار قضائي سابق بحل حزب الشراكة والإنقاذ.
وجاء الحكم على الشيخ الفلاحات بناء على شكوى من أعضاء مسجلين في حزبه أنكروا توقيعهم على نماذج الانتساب للحزب، ووفقا لمصادر أردنية فإن هيئة الدفاع ستتقدم بطلب استئناف على قرار المحكمة في أقرب وقت.
وتعليقا على القرار القضائي، قال مصدر رسمي إن "السلطة القضائية مستقلة في قراراتها ولا نتدخل في شؤون القضاء".
وأضاف المصدر للجزيرة نت أن "الحكم الصادر على الأمين العام السابق لحزب الشراكة والإنقاذ سالم الفلاحات قابل للاستئناف، ويأتي -كما أُعلن- بعد لجوء أعضاء في الحزب للقضاء نتيجة تسجيلهم في عضويته دون علمهم، مما يُعد تزويرا لتواقيعهم"، على حد وصف المصدر.
من جانبه، رأى الفلاحات أن الحكم الصادر بحقه يأتي في سياق استهداف حزبه. وقال للجزيرة نت إن حكم محكمة جنايات الزرقاء عليه بالسجن 5 سنوات مع الأشغال الشاقة مستغرب، لا سيما أنه أخذ حكما آخر بالبراءة قبل شهر من محكمة جنايات عمان على القضية ذاتها، ليأتي قرار محكمة الزرقاء مختلفا شكلا ومضمونا عن قرار محكمة عمان، علما أن هناك تشابها في القضية ومداولاتها.
إعلانوقال الفلاحات إن حالة الحريات العامة والحياة السياسية والحزبية في الأردن في تراجع مستمر، فبالأمس القريب تم إصدار حكم على القيادي في الحزب أيمن صندوقة بالسجن لمدة 5 سنوات، وقبل ذلك تم حل حزب الشراكة والإنقاذ، بحجة أنه لم يقم بتصويب وضعه وفق قانون الأحزاب الجديد.
وشدد على أن "الشراكة والإنقاذ" حزب وطني يجمع مختلف أطياف الشعب الأردني، وعمل على تصويب أوضاعه القانونية، غير أنه واجه معوقات وتدخلات رسمية لعرقلة جهوده، والضغط على أعضائه للانسحاب من عضوية الحزب.
ومع ذلك، يقول الفلاحات إن حزبه استطاع جمع العدد المطلوب من المؤسسين، إلا أن الهيئة المستقلة للانتخاب سارعت بحله "بحجة عدم استيفاء العدد المطلوب للعضوية"، مما دعا القائمين على الحزب للطعن في القرار.
ولفت الفلاحات إلى أن حزب الشراكة والإنقاذ تعرّض لـ"مضايقات رسمية، وضغوطات على أعضائه للاستقالة"، وقال إن هنالك شواهد كثيرة لأشخاص تم الضغط عليهم للانسحاب من الحزب، "إلا أننا اليوم نعمل على تأسيس حزب جديد اسمه "الشراكة والبناء".
ووفقا لمجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب، فإن قرار حل حزب الشراكة والإنقاذ في حينه جاء لعدم تمكن الحزب من تصويب أوضاعه عبر عقد مؤتمر عام تتوفر فيه الشروط الواردة في قانون الأحزاب السياسية الأردنية.
وكان حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، قد أعرب عن قلقه "من اتساع حالة التضييق على الحريات العامة التي كفلها الدستور، ومن إجراءات استهداف قامات وطنية ناشطة في المجال السياسي والحزبي عبر استمرار اعتقالها أو ملاحقتها قضائيا كالحكم الصادر بحق الأمين العام لحزب الشراكة والإنقاذ سالم الفلاحات، أحد رموز العمل الإسلامي والقامة الوطنية الكبيرة" على حد وصف الحزب.
إعلانوطالب البيان الصادر أمس الثلاثاء، بالإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، وفي مقدمتهم الكاتب والإعلامي أحمد الزعبي، والناشط السياسي والتربوي أيمن صندوقة، والقيادي في الحركة الإسلامية نعيم جعابو، والإعلامية هبة أبو طه، وكافة المعتقلين على خلفية حرية الرأي والتعبير و"قضايا دعم المقاومة".
كما طالب الحزب بوقف "نهج التضييق على الحريات السياسية وملاحقة النشطاء، بما يعكس انسجام السياسات والإجراءات مع قواعد التحديث السياسي والديمقراطي وفق ما تتطلبه مشاريع حماية الوطن ونهضته".
وتأسس حزب الشراكة والإنقاذ في 27 ديسمبر/كانون الأول 2017 على يد مجموعة من الشخصيات الأردنية، إلا أن الحزب تميز بسقفه المرتفع في خطابه المعارض. لذا، واجه تحديات قانونية وسياسية، انتهت بحله وصدور أحكام قضائية بحق قياداته.
وكانت المحكمة الإدارية قد حكمت في يناير/كانون الثاني 2024 بردّ الدعوى التي رفعها حزب الشراكة والإنقاذ بحق مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب، حيث طالب الحزب فيها بإلغاء قرار المجلس بتاريخ 14 مايو/أيار 2023، الذي قضى باعتبار حزب الشراكة والإنقاذ منحلا حكما، إلا أن المحكمة أصدرت قرارا قطعيا بحله، في قرار غير قابل للنقض.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات حزب الشراکة والإنقاذ سالم الفلاحات إلا أن
إقرأ أيضاً:
ورطة إسلامي الإصلاح من الدّاخل المغاربةُ مع التّطبيع
شكّلت لحظة توقيع اتفاق التطبيع بين الدّولة المغربية والكيان الصهيوني (10 ديسمبر 2022م) محطة مهمة في مسار العلاقة بين "إسلاميي الإصلاح من الدّاخل" والسلطة؛ فكلّ المراقبين يجمعون على أنّ قرار التطبيع كان اختيارا استراتيجيا للدولة، صُنع في مستويات عليا لا تمتلك الحكومة تجاهها سلطة تقريرية. وهذا يوضّح أنّ الحكومة في المغرب ليست جزءا من صناعة هذا النّوع من الاختيارات. ومع ذلك، لم يكن جوهر الإشكال في طبيعة القرار ولا في خلفياته، بل في الكيفية التي اختارت بها الدولة تمريره سياسيا: إسنادُ التوقيع إلى رئيس حكومة ينتمي إلى التيار الإسلامي، هو سعد الدين العثماني، الذي راكم تاريخا طويلا من الخطاب الرافض للتطبيع.
هذا الاختيار لم يكن شكليا ولا عرضيا؛ فقد مثّل لحظة كاشفة لتعقيدات موقع "إسلاميي الإصلاح من الدّاخل" داخل النسق السياسي المغربي؛ فهؤلاء، منذ ولوجهم الحياة السياسية المؤسسية، ظلّوا يتأرجحون بين منطقين متناقضين: منطق المرجعية الأخلاقية الذي يضعهم في موقع الممانع لبعض اختيارات الدولة، ومنطق الاندماج في بنية السلطة بما تفرضه من براغماتية ومرونة تصل أحيانا حدّ التنازل عن "الثوابت الخطابية". وقد أظهر حدث التوقيع هذا التناقض بأوضح صورة، إذ بدا هؤلاء، في اللحظة الحاسمة، جزءا من البنية التي كثيرا ما انتقدوها، بل أدواتٍ لتنفيذ قرار يناقض خطابهم تجاه واحدة من أهم القضايا التي يشتغلون عليها؛ أقصد القضية الفلسطينية.
لقد قرأتْ شرائح واسعة من الرأي العام خطوة التوقيع باعتبارها رسالة سياسية تذكّر ـ من ينسى ـ أنّ القيادة الفعلية للسياسات الاستراتيجية لا تكون عبر صناديق الاقتراع، بل عبر مؤسسات أعلى لا تتغير بتغير الحكومات. ومن جهة أخرى، كانت الرسالة موجهة إلى الإسلاميين أنفسهم: إمكانية إدماجهم الكامل في منطق الدولة، ولكن دون أن تدخلهم إلى مطبخها، ومن جهتهم؛ قدرتُهم ـ حين تدعو الحاجة ـ على اتخاذ قرارات تتعارض جذريا مع مرجعيتهم، ومع الوجدان الذي يجمع قواعدهم الشعبية، والخطاب الشعبوي بعد ذلك كفيل بتهدئة الاحتجاجات وسطهم.
هؤلاء الإسلاميون، منذ وصولهم إلى الحكومة، بنوا جزءا كبيرا من شرعيتهم على خطاب “الإصلاح من الداخل”، وهو خطاب يفترض الحفاظ على جسور التواصل مع مؤسسات الدولة، وتجنّب أي مواجهة قد تُفقدهم الثقة التي على أساسها سُمح لهم بالمشاركة. ولهذا، يصبح الامتناع عن التوقيع قرارا يهدد البنية الكاملة لمشروعهم السياسي، لا مجرد موقف أخلاقي تجاه قضية محددة.وتكشف هذه الرسالة عن واحدة من أعقد الإشكاليات التي طبعت مسار هؤلاء الإسلاميين في المغرب: علاقتهم المرتبكة بالسلطة؛ فهُم، منذ صعودهم السياسي، وجدوا أنفسهم داخل معادلة دقيقة: القبول بقواعد اللعبة السياسية التي تضع السلطة الفعلية خارج نطاق الحكومة، مقابل الحصول على موقع مؤسساتي يضمن لهم حضورا سياسيا، وتأثيرا محدودا، ولكن مع الاعتراف نظريا وعمليا بأنّهم مجرّد "مُنفّذين" لمشاريع "القصر". هذه المعادلة وفّرت لهم نوعا من المشاركة لكنها جعلتهم أبعد النّاس عن المشاركة في اتخاذ القرار المتعلقة بالمفات الاستراتيجية، بل وحتى في ملفات لليست لها هذه الصبغة.
لذلك، فإنّ السؤال الذي طرحه الكثيرون: “هل كان بإمكان العثماني أن يمتنع عن توقيع الاتفاقية؟” لا يمكن فصله عن هذه البنية المعقّدة. فمن الناحية النظرية، كان بإمكان رئيس الحكومة أن يرفض التوقيع أو أن يقدّم استقالته، وبذلك كان سيتحوّل إلى رمز للممانعة، وربما إلى بطل أخلاقي في نظر جمهور واسع. غير أنّ هذا الخيار، في السياقات السلطوية المغربية، يكاد يكون مستحيلا؛ فهؤلاء الإسلاميون، منذ وصولهم إلى الحكومة، بنوا جزءا كبيرا من شرعيتهم على خطاب “الإصلاح من الداخل”، وهو خطاب يفترض الحفاظ على جسور التواصل مع مؤسسات الدولة، وتجنّب أي مواجهة قد تُفقدهم الثقة التي على أساسها سُمح لهم بالمشاركة. ولهذا، يصبح الامتناع عن التوقيع قرارا يهدد البنية الكاملة لمشروعهم السياسي، لا مجرد موقف أخلاقي تجاه قضية محددة.
إلى جانب ذلك، تبرز الخلفيات الفكرية والشخصية للعثماني كعامل حاسم؛ فالرجل يمثّل تيارا شديد الإصلاحية يميل إلى المهادنة والتوافق وترك كلّ ما من شأنه أن يقود إلى الصدام مع الفاعل الرئيسي في السياسة والاجتماع المغربيين. وهذا النمط من القيادة يفهمُ خيار الرفض رديفا للمغامرة، وليس امتدادا لطبيعته السياسية. ومن ثمّ، فإنّ القول بأنّ العثماني “كان يمكن أن يمتنع” يظل احتمالا نظريا لا ينسجم مع المسار الذي شكّل سلوكه السياسي، ولا مع طبيعة اللحظة التي كانت تتطلب انسجاما مع منطق الدولة أكثر مما تتطلب انسجاما مع الخطاب الحزبي.
لقد تحولت حادثة التوقيع، في النهاية، إلى مرآة كاشفة لعلاقة هؤلاء الإسلاميين بالسلطة: علاقة قائمة على المشاركة من دون قدرة، وعلى المسؤولية من دون صلاحيات، وعلى الإدماج المشروط الذي يجعل وجودهم داخل المؤسسات رهينًا بحدود لا يملكون تجاوزها. وهذا ما فتح الباب لنقاشات واسعة حول مستقبل الإسلاميين في الدولة، وحول مدى قدرتهم على الحفاظ على هويتهم السياسية وهم يتحركون داخل نسق لا يمنحهم سوى هامش محدود من المبادرة.
وهكذا، يتجدد الاستشكال: هل يمكن لجماعة سياسية ذات مرجعية أخلاقية أن تظل فاعلا في نظام يُلزمها بالتنازل عن جزء من هذه المرجعية كلما فرضت ذلك اعتبارات السلطة؟