بعد سقوط نظام الإسلاميين في السودان، واجه المثقفون السودانيون منعطفًا تاريخيًا يحمل في طياته فرصًا هائلة، ولكنه في الوقت ذاته كشف عن شروخ عميقة في بنية النخب الفكرية. يبدو أن المسألة المركزية التي تعيق تشكيل المثقفين كتلة متناسقة وقادرة على التأثير الإيجابي في تحولات المجتمع السوداني، لا تكمن فقط في اختلاف الآراء، بل في طبيعة العلاقة بينهم وبين الإنتاج الفكري لبعضهم البعض.


الاختلاف الخلّاق: الفرصة الضائعة
في التاريخ الإنساني، أثبتت التجارب الفكرية أن الاختلاف بين المدارس الفكرية، حين يُدار بوعي وحضارة، يفضي إلى دفع عجلة الإبداع وإثراء النقاش. الأمثلة من الفكر الإسلامي في عصور ازدهاره أو الفضاء الأوروبي في عصر التنوير تشهد على ذلك. غير أن المثقفين السودانيين، على الرغم من تعددية مشاربهم الفكرية، لم ينجحوا بعد في تحويل هذا التباين إلى حراك خلاق. يكمن السبب في افتقار العلاقة بينهم إلى الجدية اللازمة لتقدير مساهمات بعضهم البعض، إضافة إلى غياب التضامن من أجل القضايا الكبرى.
الإشكالات البنيوية في الوسط الثقافي
تتجلى الإشكالات الرئيسية في محورين-

عدم الاعتداد بالإنتاج المحلي-
المثقف السوداني غالبًا ما يولي اهتمامًا أكبر بالأفكار والمساهمات الآتية من خارج السودان، ما يؤدي إلى ضعف التفاعل مع الإنتاج المحلي. هذا يعزز مناخًا محبطًا داخل الساحة الفكرية، حيث يصبح العمل الفكري السوداني مظنة للقصور قبل أن يُمنح فرصة التقييم المنصف.

المنافسة غير البناءة:
النزعة الفردية والميل إلى المنافسة غير الصحية تجعل المثقفين ينظرون إلى بعضهم كأنداد، مما يضعف إمكانيات التعاون أو التقدير المتبادل. هذا يعيق تكوين تكتلات فكرية قادرة على الدفع بقضايا المجتمع الكبرى نحو التغيير.

عوامل تاريخية وثقافية
يمكن فهم هذه الظواهر في سياق تاريخي وثقافي أعمق. يشير البعض إلى مفهوم "الغريب الحكيم" في الثقافة السودانية، وهو ما عبّر عنه الأستاذ محمود محمد طه كجزء من "عقدة الأجنبي"، حيث يميل السودانيون إلى تفضيل الطرح الآتي من الخارج على الإنتاج المحلي. كذلك، يشير البروفيسور عبد الله الطيب إلى ثقافة تُثبط السعي للتميز وتفضل المساواة السلبية، مما يؤدي إلى ضعف في دعم المبادرات الفكرية المحلية.

ما العمل؟
للتغلب على هذه الإشكالات، يحتاج المثقفون السودانيون إلى إعادة النظر في دورهم وأهدافهم. بعض المقترحات تشمل-
تشجيع الإنتاج المحلي وتوثيقه-
يتعين على المثقفين السودانيين أن يعطوا أولوية لمراجعة وتطوير الإنتاج الفكري المحلي، سواء عبر التأطير النقدي أو التكامل بين المساهمات المتنوعة.

خلق فضاءات للنقاش الجاد
منتديات فكرية جديدة تتيح تبادل الأفكار بشكل حضاري، بعيدًا عن النزاعات الشخصية، يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في تطوير الحراك الثقافي.

تقدير النقد البناء
يجب أن يتبنى المثقفون السودانيون ثقافة النقد البناء كأداة لتحسين الطرح وتعزيز النقاش، بدلًا من التعامل معه كتهديد.

التكافل الفكري
التضامن بين المثقفين حول القضايا الوطنية الكبرى، مثل قضايا الديمقراطية والسلام، يمكن أن يخلق جبهة موحدة تسهم في إحداث التغيير المطلوب.

رغم التحديات التي تواجه المثقفين السودانيين في هذه المرحلة التاريخية، فإن الإمكانيات موجودة لتجاوز العقبات وتحقيق تأثير ملموس. يتطلب ذلك نهجًا يتسم بالوعي، الجدية، والإيمان بأن التغيير يبدأ من الداخل. عندما يدرك المثقفون أهمية التفاعل مع إنتاج بعضهم البعض ويديرون اختلافاتهم بوعي، يمكن أن يتحولوا إلى قوة دافعة في بناء مستقبل السودان.[/B]

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الإنتاج المحلی

إقرأ أيضاً:

أوسيمين يرد بصورة مثيرة للجدل في خضم مفاوضات الهلال..صورة

ماجد محمد

في وقت تتصاعد فيه الأنباء حول مفاوضات نادي الهلال مع النجم النيجيري فيكتور أوسيمين، أثار اللاعب الجدل مجددًا بنشر صورة حديثة له على حسابه في منصة اكس صباح اليوم ظهر فيها مرتديًا قبعة تحمل عبارة “WORKING HERO – KOUNTRY”، ما فسره البعض على أنه رد غير مباشر على العروض المقدمة له، خصوصًا من السعودية.

الصورة، التي بدا فيها أوسيمين وهو جالس يستخدم هاتفه، مرتديًا ملابس فاخرة وسلاسل لافتة، جاءت وسط تقارير تؤكد أن اللاعب يدرس عروضًا مالية ضخمة من عدة أندية، بينها الهلال، إلا أنه لم يحسم قراره حتى الآن.

تفاعل الجمهور  مع الصورة بشكل واسع، حيث اعتبرها البعض رسالة تؤكد تركيزه على “العمل بطريقته الخاصة”، فيما رأى آخرون أنها تعكس تردده في خوض تجربة احترافية جديدة خارج أوروبا.

و بحسب مصادر إعلامية، قدّم الهلال، عرضًا ماليًا يُعد من بين الأعلى هذا الصيف، وسط منافسة من أندية تركية وأوروبية تحاول الظفر بخدمات مهاجم نابولي.

مقالات مشابهة

  • ممثلو المجتمع المحلي بنالوت يؤكدون لـ«تيته» يؤكدون ضرورة وجود حكومة موحدة
  • مستقبل وطن: التكاتف خلف القيادة السياسية واجب وطني لمواجهة التحديات الراهنة
  • منها سبورتاج وأوكتافيا A8.. سيارات 2025 بالسوق المحلي
  • ضبط مخالف لنقله 2.16 متر مكعب من الفحم المحلي في جازان
  • سذاجة أم فخ.. من أفتى لوالي مراكش بنحر الأضحية ؟
  • طلب إحاطة فى النواب لمواجهة سرقات الأبحاث والحقوق الفكرية للغير
  • رئيس جامعة القاهرة يشدد على ضرورة احترام قواعد حماية حقوق الملكية الفكرية
  • عبد الصادق يؤكد على ضرورة الالتزام البحث العلمي لقواعد حماية حقوق الملكية الفكرية
  • مهدي كبة: الموت جنجويدياً ملطخاً بدماء الأبرياء
  • أوسيمين يرد بصورة مثيرة للجدل في خضم مفاوضات الهلال..صورة