السلام عبر القوة.. ماذا كان يقصد ترامب؟
تاريخ النشر: 18th, January 2025 GMT
في إعلانه عن وقف إطلاق النار في غزة، قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب: "سنواصل الترويج للسلام عبر القوة في المنطقة، والبناء على زخْم وقف إطلاق النار لتوسيع اتفاقات السلام"، ليفتح بهذا قوس أسئلة لن يُغلق في المستقبل المنظور عن إمكانية فرض السلام عنوة، وما إذا كان هذا المسلك القسري سيفيد "ثقافة السلام" أم سينتهي إلى تمهيد الطريق لحرب جديدة؟
ابتداء، لم يعد أحد من الساسة والمفكرين العرب الذين نادوا بالسلام وتحدثوا على مدار العقود الماضية عن ترسيخ ثقافته، قادرًا على تجاوز صعوبة العودة إلى مثل هذا الطرح مع "الإبادة الجماعية" التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة، واحتلال إسرائيل جزءًا من أرض سوريا، وإعلان نواياها البقاء في شريط حدودي من جنوب لبنان، وما أبداه بعض أعضاء ائتلاف الحكومة الإسرائيلية الحالي عن نية التهجير القسري لأهل غزة والضفة الغربية، ورفض "حل الدولتين"، بل والإيغال في استعارات دينية عن "إسرائيل الكبرى" التي تمتد في مخيلة اليهود المتشددين من النيل إلى الفرات.
طوال العقود الماضية، كان أصحاب هذا الطرح يتكئون مرة على رؤية عامة ترى أن السلام ممكن مهما طال أمد الحرب، كما تدل التجربة المصرية- الإسرائيلية، وأخرى تستند إلى القانون الدولي والقرارات التي أصدرها مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص "الصراع العربي- الإسرائيلي"، وثالثها طرحها أتباعها في إطار ما وصفوها بـ "الواقعية السياسية" إذ إن إسرائيل امتداد لمشروع غربي في المنطقة، ولذا فإنَّ حربًا ضدها هي في حقيقتها حرب ضد أغلب الحكومات الغربية.
إعلانوانطلقت حديثًا تصورات أخرى مثل ذلك الذي يتحدث عن الإخوة الإنسانية المحمولة على رؤية دينية عن "الأديان الإبراهيمية"، وأخرى ذات طابع سياسي يقوم على أن "تطبيع العلاقات" مع إسرائيل وطي صفحة "الصراع" إلى الأبد فيه فوائد للطرفين.
وكان أحد مداخل تسويق هذا كله، من أدناه إلى أقصاه، هو أنه الطريق الأقصر والأسلم لحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة، وإعلاء مصالح بعض الأقطار العربية في الاقتصاد والأمن، وتفرغ دول الطوق للتنمية، وكسب رضا الغرب.
وبنى هؤلاء على ما كان قد انتهى إليه الصراع مع إسرائيل إلى توقيع اتفاقات سلام مع مصر 1979، والأردن 1994، ومنظمة التحرير الفلسطينية 1993، وإقامة علاقات دبلوماسية وأخرى قنصلية وتجارية مع دول عربية عدة، ووجود تنسيق أمني بين تل أبيب وعواصم عربية فيما يسمى "مكافحة الإرهاب"، وقبله كانت القمة العربية التي انعقدت في بيروت عام 2002 قد تبنت السلام خيارًا إستراتيجيًا، وأبدت الاستعداد لتطبيع العلاقات مع تل أبيب، شرط انسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967، وهي المبادرة التي راكمت على ما جاء في قمم أخرى سبقتها، تحديدًا منذ عام 1996، عن السلام العادل والشامل.
ووجد في مقابل هذا طرح إسرائيلي عن التعاون، طرحه رئيس الحكومة الإسرائيلية الراحل شمعون بيريز حول علاقات اقتصادية مستدامة بين إسرائيل والدول العربية، تحت لافتة "شرق أوسط جديد"، وحديث بعض اليسار الإسرائيلي عن سلام مع العرب، مثلما تجلى في رؤية "حركة السلام الآن"، وبدْء تواصل مع مثل أصحاب هذا التوجه، بلغ ذروته في "إعلان كوبنهاغن" الذي صدر في 30 يناير/ كانون الثاني 1997، عقب اجتماع عدد من الساسة والكتّاب من مصر، والأردن، وفلسطين، وإسرائيل، والاتحاد الأوروبي، وكان بمنزلة أول تطبيع شعبي في تاريخ الصراع، وإن كان قد اقتصر في الحقيقة على بعض النخب، وواجه انتقادات لاذعة من معارضيه في كل البلدان العربية الثلاث، وغيرها.
إعلانوعلى مدار عقود لم يستطع أي من العرب الذين تحدثوا عن السلام تجاوز عبارات حملت مبادئ رسخت في الأدبيات السياسية العربية، وهي: "السلام العادل والشامل" و"الأرض مقابل السلام" و"استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني"، وحملت التصورات التي سوّقت تطبيع دول عربية مع إسرائيل، فيما بعد، ظلال هذه المبادئ، إذ لم يكن أحد بوسعه أن يقفز على المسألة الفلسطينية قفزًا سريعًا، أو يدير لها ظهره كلية.
وتعاملت أجيال من الشباب العربي، بمن فيهم فلسطينيون، مع السلام، الذي اتخذ تركيبات لفظية مجازية من قبيل "مسيرة السلام" و"عملية السلام" و"التسوية السلمية"، على أنه مسألة ممكنة، حتى لو كان ميلادها عسيرًا، بفعل عقبات كثيرة تعترض طريقها مرتبطة في الأساس بالتسويف والتعنت الإسرائيليين، اللذين بلغا ذروتهما مع رفض تل أبيب الدخول في مفاوضات "الحل النهائي" مع السلطة الوطنية الفلسطينية، واستمرارها في الاستيطان، والاعتداء المتكرر على قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا.
اليوم، لم يعد من الممكن أن ينظر قطاع عريض من هؤلاء الشباب إلى السلام على أنه سيرورة ماضية في طريقها، وإن تأخر بلوغها الغاية التي تصبو إليها، وأن آخر الحروب التفاوض، وآخر الصراع التسوية، وآخر الاحتلال الرحيل عما يقع تحت وطأته أرضًا وإرادة وسيادة، بعد أن يدرك المحتل أن استمراره جاثمًا على الأرض والموارد والنفوس، صعب بل مستحيل.
فقد بان لجيل جديد أن الطاقة الحربية، والغريزة العدوانية، لدى إسرائيل لا تعبأ بشيء من انعقاد إرادة العرب في إحدى قممهم على أن السلام خيارهم، ولا بالقانون الدولي الرافض للاحتلال والإبادة، ولا بالمنظمات الدولية التي تعمل على مساعدة الشعب الفلسطيني، ولا بتلك التي تعمل من أجل السلام، مثل مؤسسة ثقافة السلام التي أنشأتها الأمم المتحدة عام 2000؛ بغية الإسهام في بناء وتدعيم السلام مـن خلال التفكير والبحوث والتعليم والعمل، ولا بوجود رغبة متصاعدة لدى بعض العواصم العربية بتطبيع العلاقات مع تل أبيب، ولا بحديث عن الإخاء والتفاهم والتسامح وقبول الآخر، وأن إسرائيل تعرض بشكل سافر الحرب خيارًا إستراتيجيًا، وأنها تريد أن تفرض كل شيء بالقوة المفرطة، فلا أرض مقابل سلام، ولا توقف للاستيطان في الأرض التي يراها العرب، بتأييد من قرارات ومواقف دولية، المكان الذي من المفترض أن تقام عليه دولة للفلسطينيين.
إعلانهذا الجيل هو من تحمّس أكثر لفكرة مقاطعة الشركات التي تساعد الاحتلال الإسرائيلي، وهو الذي خرج للتظاهر في العالم العربي حين أُتيحت له الفرصة، وهو الذي ينشط في مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت متصديًا لدعاوى التطبيع أو الاستسلام أو تشويه صورة المقاومة ومحاولة النيل من عزيمتها، وهو الذي راح يلوم بل يوبخ أنظمة الحكم العربية والإسلامية؛ لأنها لم تنهض لنصرة الفلسطينيين كما ينبغي، موزعًا نقده هذا، من حيث فلسفته؛ على حمولات إنسانية وقومية ودينية، ومن حيث نوعه؛ على اتهامات تراوحت بين التواطؤ واللامبالاة، وما بينها من درجات مثل الصمت، والعجز، والتفريط.
ما لا يمكن نكرانه أن إسرائيل لم تُعلن أبدًا أن "السلام خيارها الإستراتيجي" إذ لم يصرح أحد من مسؤوليها بهذا في أي يوم من الأيام، ولا في أي مناسبة كبيرة كانت أم صغيرة.
وحتى لو تحدثت إسرائيل عن السلام، في إطار حملات العلاقات العامة التي تجد نفسها مضطرة إلى خوضها بين حين وآخر، فإنها لا تجعل السلام خيارها الوحيد، بل تؤكد ممارساتها، وعقيدتها السياسية المتكئة على تصورات دينية ويُفصَح عنها من حين إلى آخر، أن الحرب هي طريقتها الوحيدة لحسم الأمور لصالحها، وأنها تذهب إلى السلام حين تُهزم أو تتعثر أو تُحرج دوليًا، لكنها تتعامل معه على أنه مجرد هدنة بين حربين.
وحين تضع الحرب الراهنة أوزارها، من المتوقع أن تنطلق رؤيتان في العالم العربي، حتى لو تفاوتتا في القيمة والقامة، من حيث القدرة على الإقناع وحجم الجمهور الذي سيلتف حولهما:
الأولى: يرى دعاتها أن الحرب لن تحسم الصراع، ولا بد من السلام. والثانية: يرى أصحابها أن السلام لا يمكن أن يأتي أبدًا في ظل تبني إسرائيل الحرب وسيلة واحدة ناجعة.لكن أصحاب هاتين الرؤيتين سيجدون صعوبة جمة في تسويق ثقافة السلام في المستقبل المنظور باعتبارها قيمًا وتصرفات تدفع الإنسان إلى قبول الآخر واحترامه والتحاور معه، لا سيما مع تصاعد نفوذ اليمين المتشدد في الحياة السياسية الإسرائيلية، وما تركته حرب "طوفان الأقصى" من أثر عميق في ذاكرة الجيل العربي الجديد، أعادت إليها الألم الذي كان أيام حروب دارت بين العرب وإسرائيل، خاصة بين 1956 و1973، وهو شعور لن تمحوه حملة علاقات عامة، قد تُطلق عقب الحرب، وتُرصد لها الأموال والأبواق، التي تريد للشباب أن ينسوا أو يغفلوا ويرضوا بالأمر الواقع.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات تل أبیب على أن
إقرأ أيضاً:
السيسي سيلتقي ترامب لبحث تعديل معاهدة السلام مع إسرائيل وطلب تدخل عاجل لحل الخلاف مع إثيوبيا
الولايات المتحدة – نقل موقع “ذا ناشيونال” الأمريكي، امس الجمعة، عن مصادر أمريكية قولها إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سيزور واشنطن الشهر الجاري لإجراء محادثات مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب.
وتلك الزيارة ستكون الأولى للرئيس المصري خلال ولاية ترامب الثانية، وأشارت تقارير سابقة إلى تجنب السيسي زيارة البيت الأبيض عندما كانت هناك خلافات بين القاهرة وواشنطن حول الوضع في غزة، لكن البلدين متقاربان حاليا بعد توقيع اتفاق شرم الشيخ لوقف الحرب الإسرائيلية على القطاع واليوم التالي للحرب.
ووفق التقرير الأمريكي فإن السيسي وترامب سيبحثان مجموعة من القضايا الإقليمية الرئيسية، بما في ذلك العلاقات بين مصر وإسرائيل في أعقاب الحرب على غزة وسد النهضة في إثيوبيا على نهر النيل.
ولم تحدد المصادر، التي أُطلعت على الاستعدادات لزيارة السيسي، موعدا دقيقا للزيارة أو مدتها، لكنها أشارت إلى أن اجتماعا بين السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يستضيفه الرئيس ترامب بنفس الوقت، قيد الدراسة.
ونقل التقرير عن أحد المصادر قوله: “تتواصل الاتصالات بين القاهرة وواشنطن لوضع اللمسات الأخيرة على جدول أعمال الزيارة، وقد سافر مسؤولون مصريون إلى واشنطن لعقد اجتماعات مع مسؤولين في إدارة ترامب”.
وواصل: “تريد مصر التأكد من التوصل إلى اتفاقيات، أو على الأقل إلى أرضية مشتركة، قبل الزيارة”.
وأوضحت المصادر، وفق التقرير، أن السيسي سيناقش مع ترامب تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب للسلام في غزة، وسيستطلع رأيه حول ضرورة إدخال “تعديلات” على معاهدة مصر وإسرائيل لعام 1979، لتعكس ما وصفوه بالتغيرات الجيوسياسية الأخيرة.
وقالت المصادر إن القاهرة تسعى في المقام الأول إلى تخفيف القيود المنصوص عليها في المعاهدة بشأن عدد أفراد الخدمة ونوع الأسلحة التي يمكن نشرها في المنطقة (ج)، وهي الجزء المتاخم لإسرائيل في شبه جزيرة سيناء.
وبموجب بنود المعاهدة، لا يُسمح لمصر سوى بنشر قوات من شرطة الحدود مُجهزة بأسلحة نارية في المنطقة، مع ذلك سمحت إسرائيل لمصر بإرسال قوات وأسلحة ثقيلة إلى هناك لمحاربة التنظيمات الإرهابية.
وعززت وجودها العسكري في المنطقة بعد سيطرة إسرائيل على الشريط الحدودي بين غزة وسيناء، ويُعتقد على نطاق واسع أن تعزيز القوات المصرية تم دون موافقة إسرائيل الصريحة، ما دفع السياسيين والمحللين اليمينيين في إسرائيل إلى التحذير من أن مصر تستعد لخوض حرب ضد إسرائيل، لكن السيسي أكد مرارا أن معاهدة السلام لا تزال حجر الزاوية في السياسة الخارجية لمصر، بحسب التقرير.
وفي وقت سابق ذكر موقع أكسيوس أن ترامب كان يسعى للتوسط في عقد اجتماع بين السيسي ونتنياهو، حيث من المقرر أن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بترامب في 29 ديسمبرالجاري، خلال زيارة تستغرق 8 أيام إلى الولايات المتحدة.
ووفق التقرير فإن السيسي ألغى زيارة إلى واشنطن في فبراير الماضي، بعد أن أعلن ترامب نيته إعادة توطين سكان غزة في مصر والأردن وتحويل القطاع الساحلي إلى منتجع سياحي، مشيرا إلى رفض مصر بشدة لهذه الخطة، لكن العلاقات تحسنت بشكل ملحوظ منذ ذلك الحين، وزار ترامب مصر في نوفمبر للإعلان عن خطة سلام غزة وبدء سريان وقف إطلاق النار في القطاع الفلسطيني.
وذكرت المصادر أن السيسي سيطلب من ترامب التدخل بشكل مباشر في حل النزاع المصري طويل الأمد مع إثيوبيا بشأن السد الضخم على نهر النيل، والذي تعتبره القاهرة تهديدا لحصتها الحيوية من مياه النهر.
وأشارت المصادر إلى أن مصر تريد من ترامب إقناع إثيوبيا بضرورة إدارة السد بشكل مشترك من خبراء ينتمون لدول حوض النيل الـ11 إلى جانب ممثلين عن الاتحاد الإفريقي، كما تطالب مصر بدعم الرئيس الأمريكي لمعاهدة إقليمية جديدة تمنع دول حوض النيل من بناء سدود على النهر دون استشارة الدول الأخرى.
وكانت إدارة ترامب قد توسطت في ولايته الأولى في النزاع بين مصر وإثيوبيا وتم التوصل إلى اتفاق لكن إثيوبيا رفضت التوقيع عليه في اللحظة الأخيرة، ليفشل مسار المفاوضات على مدار نحو 15 عاما في الوصول إلى اتفاق.
المصدر: thenational news