حول تراجع القدرة المالية والشرائية وضرورات المعالجة
تاريخ النشر: 21st, January 2025 GMT
شهدت البلاد في عهدها المتجدد بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- تحولات ضخمة في معالجات الملفات الاقتصادية في خضم معطيات حرجة وحساسة، مكنت الدولة العمانية من معالجة جوانب الإصلاح المالي والإداري والاشتغال على مبادرات التنويع الاقتصادي وهو ما انعكس إيجابًا في تحقيق فوائض مالية، وتقدم سلطنة عُمان في العديد من المؤشرات الدولية التي حققت البلاد فيها مراتب مشرفة.
ورغم المديونية العالية نسبيا (14.5 مليار ريال عُماني)، إلا أن المعالجات المالية والاقتصادية نجحت في استقطاب استثمارات محلية وأجنبية بلغت حتى عام 2024 (ما قيمته 26 مليارًا و677 مليون ريال عُماني بنسبة نمو 16.2 بالمائة وفق المنشور في جريدة عمان) في حين بلغ إجمالي الودائع لدى البنوك التجارية العمانية نحو 24.9 مليار ريال عماني خلال العام الماضي وفق ما نشرته وكالة الأنباء العمانية بتاريخ 18 يناير 2025، كما سبق ذلك العديد من المبادرات فضلًا على مراجعة هيكلة الجهار الإداري للدولة ومراجعة الدعم الذي يقدم لبعض القطاعات وهي كلها تصب في ضبط الإنفاق وحوكمته نحو تحقيق الأهداف الوطنية المرجوة.
ويستوجب الأمر في هذا السياق الإشادة العالية بتقبل المجتمع العماني لهذه السياسات التي لم تخل بطبيعة الحال من تأثيرات سلبية مباشرة على مستويات المعيشة والدخل والقوة الشرائية. وبحسب تقارير صندوق النقد الدولي (IMF) في عام 2024، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (PPP) في عُمان قدر بنحو 42.360 دولارًا أمريكيًا ما يعادل (16.251.39 ريالًا عمانيًا).
ومع دخول البلاد «حالة» اقتصادية أخرى، فإن التوقعات كانت تأمل بتحسن أكبر على مستوى دخول المواطنين وتحسن رواتبهم ويحسب للحكومة شروعها في عدة مبادرات للارتقاء بمنظومة الحماية الاجتماعية وبالفعل فقد استفادت شريحة واسعة من المواطنين في هذا الاتجاه، ولكن ينبغي التنويه على ذات الصعيد أن الشرائح الأخرى تعاني من الضغوط التضخمية وضعف القوة الشرائية لاسيما في أوساط الموظفين الحكوميين والقطاع الخاص والطبقة الوسطى على حد سواء لأسباب عديدة أهمها تباطؤ الترقيات وشح الوظائف وتزايد أعداد المتقاعدين والمسرحين إلى جانب الزيادة في مختلف أنواع الضرائب وارتفاع الأسعار التي تنعكس في نهاية المطاف على المستهلكين (على سبيل المثال ضريبة البلدية والضريبة السياحية وضريبة القيمة المضافة) فضلا على تلك الحالة الغرائبية والمعقدة في تسعيرات فواتير الماء والكهرباء التي لا تزال غير مقنعة على المستوى المجتمعي.
في ظل هذه المعطيات، فإنه من الواضح أن ما ذكر من مؤثرات ينعكس سلبًا على الطبقة الوسطى في البلد ويقوض قدرتها على القيام بدورها سواء ما يخص تحريك النمو الاقتصادي عبر زيادة الطلب واستهلاك السلع والخدمات وتعزيز الابتكار وريادة الأعمال وبالتالي إيجاد فرص عمل جديدة وتقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتعزيز العدالة الاجتماعية، فضلًا على أن تآكل الطبقة الوسطى من شأنه التأثير السلبي على التنمية المستدامة جراء تعطل الاستثمار في التعليم النوعي والتباطؤ في المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتراجع أولويات المجتمع إلى التركيز على الاحتياجات الأساسية وبالنتيجة شيوع حالة من الركود على مختلف جوانب الإنفاق الشخصي والمجتمعي.
وتلاحظ حاليًا هذه الظاهرة في الإغلاقات الكثيرة للمحلات في العديد من المولات في مختلف المحافظات وشوارعها التجارية وتقليص انتشار بعض العلامات التجارية الشهيرة وازدهار المحلات التي تبيع البضاعة الرخيصة وتردد المستهلكين في شراء الكثير من السلع والخدمات رغم العروض الكثيرة.
وبالتالي، فإن انخفاض دخول المواطنين ستكون له بالنتيجة تداعيات سلبية على حراك الاقتصاد العماني ما لم تتخذ بعض الخطوات الجريئة لمعالجة اختلالات هذا الوضع المربك ومن ذلك النظر في استحداث علاوة غلاء معيشة منطقية وواقعية متخففة من الشروط التعجيزية سواء للأسر أو للأفراد تنسجم مع الضغوط التضخمية الراهنة والتوسع في منظومات الخدمات والمنافع والمزايا التي تقدم للمواطنين وإعادة النظر في العديد من الرسوم الحكومية الراهنة رغم الجهود الكبيرة في معالجة الكثير منها وكذلك مراجعة بعض السياسات التنموية المحلية ومدى نجاح أهدافها الوطنية والاقتصادية بما في ذلك المراجعة الواقعية للسياسة الحالية التي تنتهجها وزارة الإسكان والتخطيط العمراني بالنظر إلى التحولات الديموغرافية والمعيشية ومستويات الأجور في سوق العمل والقدرة المالية للمواطنين.
ويؤمل من القيادة الجديدة في البنك المركزي العماني وفي ظل السيولة المعقولة في البنوك العمانية حاليا، من تدارس معدلات الفائدة الراهنة على القروض الشخصية، وحث البنوك على تقديم حزم إعادة جدولة منطقية وواقعية بالنظر إلى دخول المواطنين، ولا يفوتني أن أقترح على جهاز شرطة عمان السلطانية الذي يكنّ له العمانيون تقديرًا باهرًا وذلك لجودة وكفاءة وسرعة خدماته أن ينظر في بعض الإعفاءات مثل: المخالفات المرورية البسيطة وغيرها، تخفيفًا على الناس لاسيما وأن الهدف الأسمى لشرطة عمان السلطانية تقليل نسبة الحوادث وسلامة مرتادي الطريق وبث الوعي المروري قبل كل شيء.
ويؤمل أن «تفلت» المعالجات المقترحة من صرامة القراءات المالية والمحاسبية وثقافة (الديبيت والكريدت) والتحليق نحو أفق تعزيز السلم الأهلي والمجتمعي وضخ زخم حقيقي في فضاءات الاقتصاد الوطني وإعطاء المجتمع فسحة «أمل وتفاؤل» بعد المعالجات المتسارعة من جانب الحكومة في السنوات الماضية. وغني عن القول إن كل زيادة في دخول المواطنين إنما تصب مباشرة في الاقتصاد الوطني ويعاد تدويرها استثمارًا وادخارًا واستهلاكًا وإنفاقًا.
وبالنتيجة، فإن تحسن القدرة المالية والشرائية للمواطنين تدفع بالمجتمع إلى التعاطي بإيجابية واسعة مع سياسات الحكومة المختلفة والتعاضد المجتمعي للوصول إلى أهداف «رؤية عمان 2040» بواقعية تامة تضع في اعتبارها الوضع المعيشي اللائق للمواطن العماني في عمان 2025 وهو ما أكده جلالة السلطان المعظم بكل وضوح في خطابه السامي بمناسبة الحادي عشر من يناير مؤكدًا جلالته أن التحديات «لم تكن يومًا عائقًا في طريقِ أسلافِنـا لتأسيسِ دولةٍ شهِدَ لها العالمُ بالسّيادةِ والرّيادة، ولن تكونَ لنا إلا دافعـًا للبناءِ على ما أسّسوا سائرينَ على هَدْيٍ من ثوابتِنا الحضاريةِ الراسخة، نتقدمُ بثقةٍ في سبيلِ الوصولِ بهذا البلدِ العظيمِ إلى مكانتِه الأسمى التي يستحق».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: دخول المواطنین العدید من
إقرأ أيضاً:
في أبوظبي.. طفلة تستعيد قدرتها على الحركة بعد عدوى دماغية خطيرة
في لحظة تختزل شهوراً من الصبر والعلاج والعمل الجماعي استعادت طفلة تبلغ 11 عاماً قدرتها على الوقوف والحركة داخل ممرات مستشفى سلمى للتأهيل في أبوظبي.
خطوات أولى أشبه بعودة الضوء بعد عاصفة طويلة وجدت الطفلة نفسها فجأة خارج عالم اللعب والدراسة إلى سرير أبيض في جناح عناية مكثفة إثر عدوى دماغية خطيرة هددت حياتها وسلبتها القدرة على المشي والكلام والأكل.
رحلة التعافي بدأت حين وصلت حالتها إلى المستشفى محملة بتعقيدات طبية عديدة بعد عملية جراحية دقيقة شملت نزيفاً داخل البطينات الدماغية ونوبات صرعية وتشنجات ومشكلات في القلب والجهاز الهضمي كما يروي الدكتور أشرف البطل المدير السريري واستشاري طب الأطفال الذي وصف الحالة بأنها من الأكثر تحدياً وتتطلب تعاوناً بين عدة تخصصات لضمان استقرارها ثم دعم تعافيها تدريجياً.
ومع بدء برنامجها التأهيلي أخذت اختصاصية العلاج الطبيعي فينوس بوكوي كويرانت تقيس بصبر قدرة الطفلة على التحكم بالجذع واستعادة توازنها قبل الانتقال إلى الحركة داخل السرير ثم الوقوف باستخدام جهاز الدعم حيث تراكمت إنجازات صغيرة أعادت إليها ثقتها بنفسها ودفعتها خطوة بعد أخرى نحو المشي من جديد.
وفي الجانب اللغوي كانت محاولات التواصل الأولى تعتمد على الإشارات والوسائل غير اللفظية حسب ما توضح اختصاصية النطق واللغة سارانيا تشيروفالات التي ركزت على تحفيز مهارات الذاكرة والانتباه وتطوير استخدام العبارات القصيرة وصولاً إلى القدرة على صياغة جمل كاملة بما يعيد للطفلة حضورها الاجتماعي والتعليمي.
حتى تغذيتها شهدت تحولا لافتا إذ انتقلت من الاعتماد الكامل على الأنبوب إلى تناول الطعام فموياً عبر برنامج تدريجي لإزالة التحسس ما اعتبره الفريق إنجازاً مفصلياً يؤكد استعادة وظائفها الحيوية الأساسية.
ويصف الدكتور أشرف البطل حالة الطفلة بأنها من الحالات شديدة التعقيد إذ كان دخولها مصحوبًا بعدد من المضاعفات الحادة بعد العملية الجراحية. تطور حالة الطفلة شمل تحسين التحكم بالجذع وتعزيز التوازن واستعادة القدرة على الحركة المستقلة داخل السرير.
وقالت اختصاصية العلاج الطبيعي فينوس إن الإنجازات الصغيرة المتتالية بنت ثقة الطفلة بنفسها، إلى أن تمكنت في نهاية المطاف من الوقوف والمشي مستخدمة جهاز الدعم (الروليتر).
ووفرت جلسات علاج النطق واللغة تحفيزاً معرفياً مستمرًا، حيث بدأت الطفلة باستخدام وسائل غير لفظية للتواصل، قبل أن تتطور تدريجيًا إلى استخدام عبارات قصيرة ثم جمل كاملة.
واستخدم الفريق الوسائل البصرية والعلاج المعرفي التواصلي لتعزيز الذاكرة والانتباه وحل المشكلات، وهي مهارات أساسية للتواصل والاندماج الاجتماعي والتعليمي.
بهذا المسار الهادئ كتبت الطفلة فصلاً جديداً في قصة بدأت بلحظة خوف وانتهت بخطوات ثابتة على طريق التعافي لتحتفي «صحة»، التابعة ل «بيورهيلث» بقصتها الملهمة.