رحلة الريال اليمني.. 10 سنوات من التدهور وسط صراع حاد
تاريخ النشر: 23rd, January 2025 GMT
يشهد الريال اليمني انهيارا قياسيا للمرة الأولى في تاريخه، حيث وصل سعر الدولار نحو 2200 ريال، مدفوعا باستمرار الصراع بين الحكومة المعترف بها دوليا وجماعة أنصار الله (الحوثيين).
ويأتي هذا التراجع غير المسبوق بعد أن كان سعر الدولار يساوي 215 ريالا يمنيا أثناء اشتعال الحرب مطلع العام 2015.
وأدى استمرار انهيار الريال إلى خروج المواطنين خلال الأيام الماضية في مظاهرات بمحافظتي عدن وحضرموت جنوبي البلاد، تنديدا بتدهور الوضع المعيشي وارتفاع الأسعار.
تاريخ الانقسام النقدي
في ديسمبر/كانون الأول 2019 بدأ الانقسام النقدي بين الحكومة وجماعة الحوثي، حيث أصدرت الأخيرة قرارا يمنع تداول أو حيازة الأوراق النقدية التي طبعتها الحكومة.
إعلانوعزت الجماعة قرارها إلى أن "تداول وحيازة الفئات النقدية الجديدة المطبوعة من الحكومة يشكلان إضرارا بالاقتصاد الوطني".
وتسبب هذا القرار في حدوث فجوة وفارق في سعر العملة القديمة ونظيرتها الجديدة، وبات سعر الريال اليمني مختلفا بين مناطق نفوذ الحكومة وتلك الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
ومنذ بداية 2020 حتى مطلع سبتمبر/أيلول من العام ذاته واصلت العملة المحلية التدهور حتى بلغ سعر الدولار 837 ريالا في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، وفي مناطق نفوذ الحوثيين كان سعر الدولار 599 ريالا. وأثناء تشكيل حكومة يمنية جديدة في 18 ديسمبر/كانون الأول 2020 شهد الريال تحسنا ملحوظا في مناطق سيطرتها، وبلغ سعر الدولار 750 ريالا. وفي 27 ديسمبر/كانون الأول 2020 تحسنت العملة في مناطق سيطرة الحكومة ووصل الدولار إلى 656 ريالا. ومطلع عام 2021 عاود الريال اليمني الانهيار مجددا، ووصل الدولار إلى 750 ريالا، واستمرت العملة في التدهور حتى وصل سعر الدولار في بداية ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه نحو 1700 ريال، في أعلى تدهور خلال عام واحد. وعقب صدور قرار بتغيير قيادة البنك المركزي في عدن بداية ديسمبر/كانون الأول 2021 عاود الريال اليمني التحسن ووصل الدولار إلى 1255 ريالا يمنيا. وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022 استقر سعر العملة وكان الدولار بحدود 1250 ريالا. وبعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل /نيسان 2022 تحسنت العملة اليمنية وبات سعر الدولار 670 ريالا، لكن عاد التدهور مجددا حتى وصل الدولار نهاية هذا العام إلى 1200 ريال مدفوعا بتوقف تصدير النفط في مناطق نفوذ الحكومة بعد هجمات شنها الحوثيون على موانئ نفطية جنوبي البلاد. وفي عام 2023، استمرت العملة في التراجع ووصل سعر الدولار في يوليو/تموز إلى نحو 1420 ريالا يمنيا.
ما وراء انهيار وانقسام العملة؟
يقول مصطفى نصر رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي للجزيرة نت إن الأسباب الرئيسية لانقسام العملة اليمنية تمكن في:
اتخاذ جماعة الحوثي قرارا في 2019 بعدم التعامل بالعملة النقدية الصادرة من البنك المركزي في عدن التي أطلق عليها "العملة الجديدة" المطبوعة خلال الحرب، مما أدى إلى وجود سعرين مختلفين للعملة. اتخاذ إجراءات متعددة من كل طرف، بعدم انتقال العملة إلى مناطق جماعة الحوثيين. القرارات التي اتخذت مطلع العام الماضي من قبل البنك المركزي اليمني فيما يتعلق بنقل البنوك وسحب العملة القديمة.ويضيف مصطفى نصر أن تصاعد الصراع والانقسام النقدي حتى هذه اللحظة خلف مشكلات كبيرة، وقال إن هذا خلق معاناة كبيرة لدى المواطنين في عملية التحويلات، خاصة مع وجود مضاربات وفروق نقدية كبيرة يستغلها البعض مما يعد جريمة تضاف إلى جرائم الاقتصاد، وفق وصفه.
وبشأن مستقبل الريال اليمني، أشار الخبير الاقتصادي إلى أن استمرار الحرب والانقسام النقدي بين طرفي الصراع، سيضاعفان من حجم التحدي في وضع العملة الوطنية، لا سيما وأن الإنتاج المحلي تراجع بصورة كبيرة.
وأكد أنه يعاني من شح في الإيرادات وتوقف لصادرات النفط وتراجع التحويلات والمساعدات الخارجية وبالتالي سيواجه الريال تحديا كبيرا ومستمرا خلال الفترة المقبلة.
وأوضح أن هناك محاولات من قبل البنك المركزي لبيع النقد الأجنبي من الوديعة الأخيرة المقدمة من السعودية، لكنها ليست حلا دائما، مشددا على أن الحلول الدائمة تتطلب أن يكون هنالك استقرار وإعادة للصادرات ودعم إقليمي ودولي كبير حتى تستقر العملة وتعود إلى وضعها الطبيعي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات نوفمبر تشرین الثانی سعر الدولار الواحد دیسمبر کانون الأول وصل سعر الدولار فی البنک المرکزی الریال الیمنی للمرة الأولى الدولار إلى وصل الدولار ریالا یمنیا العملة فی فی مناطق حتى وصل فی عدن
إقرأ أيضاً:
خبراء: صراع ترامب مع كاليفورنيا يهدد أسس النظام الفدرالي
أجمع خبراء ومحللون سياسيون على أن التصعيد الحالي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولاية كاليفورنيا يمثل أزمة دستورية غير مسبوقة في التاريخ الأميركي.
وحذروا من أنها تهدد أسس النظام الفدرالي، وتثير تساؤلات جدية حول حدود السلطة الرئاسية والحقوق الدستورية للولايات.
وشهدت مدينة لوس أنجلوس تصعيداً بدأ بعمليات مداهمة واعتقال نفذتها السلطات الفدرالية ضد مهاجرين، وتطورت إلى مواجهات عنيفة بين المحتجين والشرطة.
وبحسب مراسل الجزيرة ناصر الحسيني من لوس أنجلوس، فإن الأحداث شهدت مشاركة مجموعات بالآلاف من المهاجرين والمواطنين الذين يرفضون سياسة الترحيل والاعتقال والمداهمات التي بدأها الرئيس.
وقد تطورت الأوضاع بشكل خطير عندما انضم الكثير من الشباب المهاجر إلى الاحتجاجات معبرين عن غضبهم بالتهجم على السلطات.
وقد حوّل هذا التصعيد -وفق الحسيني- المظاهرات من احتجاجات سياسية سلمية إلى مظاهرات وأعمال شغب حقيقية شملت حرق سيارات الشرطة والاعتداء على المحال التجارية، مما دفع السلطات المحلية لفرض حظر التجمع وسط المدينة.
وانطلاقاً من هذه التطورات الميدانية، يرى الكاتب الصحفي المختص بالشأن الأميركي محمد المنشاوي أن ما يحدث ليس مفاجئاً على الإطلاق، بل يعكس إستراتيجية محسوبة من الرئيس ترامب.
إعلانوأوضح أن الرئيس يؤمن بأنه ينفذ ما تم تكليفه من أغلب الناخبين في فترة الحكم الثانية، حيث وعد خلال فترة الانتخابات بأن يكون قاسياً جداً في التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين (النظاميين).
تصحيح خطأ بايدن
كما لفت الكاتب إلى أن ترامب يحاول تصحيح ما يراه خطأ كبيرا من إدارة سلفه جو بايدن بفتح الحدود على مصراعيها أمام المهاجرين.
ولفت إلى بُعد أيديولوجي آخر "فترامب يرى نفسه ونائبه جيه دي فانس المسؤولين الوحيدين المنتخبين من الشعب كله" وهذا ما يمنحه شعوراً "فرعونياً" في حجم السلطات التي يريد أن يقوم بها.
وهذا التصور للسلطة الرئاسية يعكس رغبة ترامب في "تضخيم" الجهاز التنفيذي للدولة والسلطة التنفيذية التي يرأسها، بحسب الكاتب.
وبناءً على هذا الفهم للدوافع العامة، يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد الله الشايجي أن العلاقة بين ترامب وكاليفورنيا تتجاوز الخلافات السياسية لتصل إلى مستوى الصراع الشخصي.
وأوضح أن ترامب لديه عقدة تجاه كاليفورنيا والولايات التي يحكمها من ينتمون إلى الحزب الديمقراطي.
وتمثل كاليفورنيا تحدياً خاصاً لترامب لعدة أسباب موضوعية، فهي -كما يشير الأكاديمي- أهم وأكبر ولاية في الدخل القومي، حيث تساهم بالضرائب الفدرالية للحكومة بـ50 مليار دولار.
وأكثر من ذلك، أن أكثر من ثلث عدد سكان كاليفورنيا لم يولدوا داخل الولاية، وأكثر نسبة من السكان يتحدثون في منازلهم اللغة الإسبانية، مما يجعلها رمزاً لأميركا متعددة الثقافات التي يعارضها ترامب أيديولوجياً.
انتهاك دستوري
وفي ظل هذا الصراع الشخصي والأيديولوجي، أوضح الدكتور الشايجي أن ترامب استند -في إرسال قوات فدرالية إلى لوس أنجلوس- إلى قانون عام 1807 الذي يسمح للرئيس بأن يرسل قوات فدرالية لمساعدة الولاية إذا احتاجت إلى ضبط الأمن ومواجهة من يهددون السلم والأمن.
إعلانولكن -كما يؤكد الشايجي- فإنه لا حاكم الولاية ولا عمدة المدينة ولا شريف مقاطعة لوس أنجلوس طلبوا ذلك من ترامب، مما يجعل إرسال القوات انتهاكاً دستورياً واضحاً.
وأوضح أن هذا الانتهاك لا يعد مجرد خلاف إجرائي، بل يمس جوهر النظام الفدرالي، فالدستور يفصل في التعديل العاشر صلاحيات للولاية لا يحق للحكومة الفدرالية أن تتجاوزها دستورياً، لكن ترامب "يضرب عرض الحائط" بهذه القيود الدستورية.
وفي سياق متصل بهذا الانتهاك الدستوري، تكشف الأرقام الاقتصادية عن تناقضات صارخة في سياسات ترامب.
فوفقاً لمكتب إحصاءات العمل، فإن خطة ترامب لطرد المهاجرين ستكبد القطاع الخاص تريليون دولار خلال عقود في صورة أجور ضائعة وتباطؤ بالإنتاج وتراجع بالاستهلاك.
وفي كاليفورنيا وحدها، يساهم المهاجرون غير الموثقين بـ8.5 مليارات دولار ضرائب سنوية ويمثلون جزءاً من الناتج المحلي للولاية التي تمثل 14% من الناتج المحلي للولايات المتحدة، كما أن ترامب سيحتاج 80 مليار دولار لتنفيذ هذه الخطة.
وتطرح هذه الأرقام تساؤلات جدية حول منطق ترامب الاقتصادي -كما يشير الدكتور الشايجي- فإن هذا التصعيد يحدث في وقت هو في حرب مع الملياردير إيلون ماسك، وحرب مع الجامعات الأميركية الكبرى، ويخوض حروباً كثيرة مع دول العالم فيما يتعلق بالرسوم الجمركية.
ونتيجة لهذه التكاليف الاقتصادية الباهظة، يوضح الشايجي أن كثيراً من الأميركيين يشعرون بالندم، خاصة اللاتينيين من الأصول المكسيكية، على أنهم انتخبوا ترامب.
دوافع أيديولوجية
ولفهم الأسباب الجذرية وراء هذا السلوك رغم تكاليفه الاقتصادية والسياسية، يجب النظر إلى الأيديولوجية التي تحرك ترامب -حسب المنشاوي- الذي ذهب للقول إن ترامب لا تحكمه إلا النزوات الشخصية والمصالح الخاصة، وبما أنه ليس لديه انتخابات أخرى مستقبلية فهو لا يكترث بما يعانيه المواطن.
إعلانوتتمثل رؤية ترامب الأيديولوجية في تنفيذ أجندة اليمين الذي يدعمه، و"أميركا العظيمة" التي يقصدها هي أميركا البيضاء التي تتحدث الإنجليزية ويكون فيها عدد قليل جداً من المهاجرين.
ولفت الكاتب إلى أن هذه الرؤية تدفع ترامب لاعتبار أن ما قام به الرئيس السابق من ترك الباب مفتوحا أمام الهجرة غير النظامية كان هدفه تغيير المكون السكاني الأميركي.
وبدوره حذر الشايجي من أن التداعيات طويلة المدى لهذا الصراع قد تكون كارثية على النظام السياسي الأميركي، مؤكدا أن ما يحدث يضرب النظام الدستوري الفدرالي الديمقراطي الذي كان يروج له بأنه النموذج لحكم شؤون العالم.
كما لفت إلى أن الخطر الأكبر هو إمكانية تطور الوضع نحو حركات انفصالية، خاصة أن القبضة الحديدية التي يمارسها ترامب فيها نوع من الشوفينية ومصادرة حق الولاية، وهذا التطور المخيف يذكر بالأزمات التي سبقت الحرب الأهلية الأميركية، وفق الشايجي.