العراق: قوانين السلة الواحدة وأزمة الدولة!
تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT
في شباط 2008، صوَت مجلس النواب العراقي برئاسة محمود المشهداني (الرئيس الحالي) على ثلاثة قوانين في سلة واحدة، هي قوانين العفو العام وقانون الموازنة الاتحادية وقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم. وجاء هذا التصويت «المبتكر» في سياق تجاوز أزمة سياسية سببها عدم الاتفاق على تمرير هذه القوانين، وكان الحل نظام «المقايضة» التقليدي بين القوى السياسية الرئيسية الثلاث؛ الشيعة والسنة والكرد؛ فالقوانين الثلاثة هي بالنهاية مطالب مرتبطة بمصالح تخص كل طرف، وهو ليس مستعدا للتصويت على «قانون» الآخر بشكل منفرد، لأنه لا ضمانة له أن هذا الآخر سيصوت على «قانونه» لاحقا، وكان لا بد من حل معضلة أزمة الثقة هذه، بالتصويت على القوانين الثلاثة في سلة واحدة!
يومها احتج البعض أن «حداثة» الديمقراطية في العراق تتيح إنتاج مثل هذه الحلول التي تطيح بمنطق الدولة، وتطيح بمفهوم القانون بوصفة قاعدة عامة مجردة هدفها مصلحة الجمهور، لتحوله إلى مجرد اتفاق سياسي يضمن مصالح الفاعلين السياسيين السياسية والطائفية وحتى الشخصية.
بعد 17 عاما على تلك التجربة «الديمقراطية» العجيبة، عاد مجلس النواب العراقي اليوم وبرئاسة محمود المشهداني أيضا، ليمرر ثلاثة قوانين وفق نظام «المقايضة» نفسه، وهي: قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية (الشيعي)، وقانون العفو العام «السني»، وقانون إلغاء قرارات مجلس قيادة الثورة الخاصة بالعقارات المصادرة أو المستولى عليها في محافظة كركوك «الكردي»، في تكريس جديد لدولة الطوائف.
ونظام «المقايضة» في الأنثروبولوجيا هو واحد من أقدم أشكال التبادل الاقتصادي، قبل ظهور الأنظمة النقدية التي ابتكرتها المجتمعات. وقد ظهر في بلاد الرافدين قبل 6000 سنة قبل الميلاد، وأهم متطلباته «تزامن الرغبات»، فلا يمكن الحديث عن مقايضات مؤجلة.
وبعيدا عن الإنثروبولوجيا ونظام المقايضة، لا يمكن فهم ما جرى إلا في سياق أزمة الدولة في العراق، وأزمة الطبقة السياسية غير المؤهلة سوى لخدمة مصالحها الشخصية والمالية والزبائنية. لذلك لم يتم أعضاء مجلس النواب السنة ولا الكرد إلى ما يشكله تعديل قانون الأحوال الشخصية من أزمة مجتمعية حقيقية، ومن رِدة حقيقية عن منطق الدولة، لأنهم يعتقدون أن القانون يتعلق بالشيعة وحدهم، وبالتالي لن يطال مكونهم ولا بأس من زواج القاصرات «الشيعيات»، أو من حرمان الأم «الشيعية» من الحضانة، أو في الكثير من المشكلات التي تثيرها المدونة الفقهية الإسلامية عموما. والفضيحة هنا أن التصويت تم على التعديل دون وجود المدونة الفقهية المعدلة أصلا، بحجة انها ستكتب لاحقا!
ولم يجد لا الشيعة ولا السنة أيضا مشكلة في قانون استعادة الأراضي التي تمت مصادرتها أو الاستيلاء عليها قسريا بموجب القانون تتعلق بالكرد والتركمان في كركوك بشكل خاص، فضلا عن مناطق أخرى، بل سعى البعض إلى محاولة استثمار هذا القانون بإضافة مناطق أخرى، مثل الدجيل التي أضافها الفاعل السياسي الشيعي إلى متن القانون. دون الالتفات إلى ما قد يثيره هذا القانون من منازعات حول تلك الأراضي لاحقا، خاصة وأن معظم هذه الأراضي قد صودرت منذ أكثر من 50 عاما!
أما القانون الثالث المتعلق بتعديل قانون العفو العام، فقد كان مطلبا سنيا على مدى سنوات، في مسعى لضمان العدالة للآلاف من الأبرياء الذين حكم عليهم في محاكمات تفتقر بشكل مطلق معايير المحاكمات العادلة، وبموجب اعترافات انترعت بالتعذيب. لكن مرة أخرى سعت القوى السياسية إلى تضمين هذا القانون مواد تتيح الإفلات من العقاب في عشرات الجرائم، وعلى رأسها الجرائم المتلعقة بالفساد، في تخادم صريح بين هذه القوى السياسية ومرتكبي تلك الجرائم!
وكانت الفضيحة الأكبر في هذا القانون أنه تضمن فقرتين تتعلقان بتحصيل الأموال المأخوذة بالاختلاس وسرقة أموال الدولة وإهدار المال العام وجرائم الفساد الإداري والمالي، الأولى بالإشارة إلى الشمول بالعفو بعد تسديد المتهم/ المحكوم ما بذمته من أموال «بإجراء تسوية مع الجهة المتضررة تضمن استرداد الأموال العامة على أن يسدد المبلغ كاملا».
وهذه الفقرة تنازع فقرة أخرى وردت في القانون نصت على استحصال المبالغ المترتبة بذمة المتهمين/ المحكومين «بإجراء تسوية مع الجهة المتضررة أو «وفقا لقانون تحصل الديون الحكومية رقم 56 لسنة 1977 المعدل أو قانون التضمين رقم 31 لسنة 2015».
بالعودة إلى قانون تحصيل الديون الحكومية، سنجد أن القانون يتعامل مع «الديون» وليس مع سرقة المال العام أو اختلاسه أو إهداره. أما قانون التضمين فهو مصمم لمعالجة «الأضرار التي تكبدتها الخزينة العامة بسبب إهمال «المُدان» أو مخالفته القوانين والقرارات والأنظمة والتعليمات» عبر تشكيل لجنة من رئيس وعضوين للتحقيق، وهي التي تحدد التضمين أو عدم التضمين، وهي التي تحدد قيمة التضمين. أما التسديد فيمكن للوزير المختص أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة او المحافظ تقسيط مبلغ التضمين لمدة لا تزيد عن خمس سنوات!
وكما هو واضح لا يصلح كلا القانونين بالمطلق للتعامل مع قضايا الفساد الكبرى في العراق، بل على العكس تماما إيراد هاتين المادتين في تعديل قانون العفو العام، كانت الغاية منه التغطية على الفاسدين!
فالقانون قبل التعديل كان يشترط «تسديد ما ترتب بذمة المشمولين بأحكام هذا القانون من التزامات مالية لمصلحة الدولة أو للأشخاص» في حين جاء التعديل ليعطي للمتهمين بهذه القضايا فرصة الافلات بما سرقوه واختلسوه عبر «تسويات» مريبة بالنظر إلى سياق بنية الفساد الحاكمة في العراق، لأن هذه المواد المضافة ستستخدم قطعا للتخادم بين الفاسدين واللجان التي ستبت في شمولهم بالعفو لمزيد من الفساد المقنن!
ففي القضية التي أطلق عليه سرقة القرن، مثلا، والتي نجهل حتى اللحظة حيثياتها والمبلغ الذي سرق من الودائع الضريبية (وقد قدر بما يزيد عن 2.5 مليار دولار) وحيث تكشف الوقائع المتضمنة فيها، عن التواطؤ الذي مارسته الدولة، بكامل سلطاتها، مع هذه السرقة، وكيف أخلي سبيل المتهم، ورفع الحجز عن أمواله، وسمح له بالسفر، لتنتهي القضية بحكم غيابي مدته 10 سنوات، وحكم على شريكين آخرين مفترضين غيابيا بالسجن 6 و 3 سنوات. في هذه القضية قد يشمل قانون العفو هذا المدانين بها، بعد «تسوية» يديرها موظفون فاسدون بالضرورة!
منذ العام 2006 ونحن نكرر ان الفساد في العراق ليس متعلقا بالأفراد، بل هو فساد بنيوي يحكم النظام السياسي والدولة والطبقة السياسية، وأن التلاعب المنهجي بالقوانين لشرعنة الفساد أحد مظاهر ذلك الفساد البنيوي!
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العراقي قوانين العراق البرلمان قوانين سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العفو العام هذا القانون قانون العفو فی العراق
إقرأ أيضاً:
بعد تصريح الحكومة الأخير.. كيف واجه القانون جرائم الاتجار بالبشر
أكدت الحكومة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، أن جريمة الاتجار بالبشر أصبحت أحد أخطر التحديات التي تواجه العالم، بما تشمله من تهديدٍ حقيقي لحياة وآمال ملايين الضحايا، مُستطرداً أنه إيماناً من الدولة المصرية بمسئوليتها الوطنية والإنسانية، فإنها تُواصل جهودها على كافة المُستويات لحماية الإنسان، لاسيما الفئات الأكثر عُرضة للاستغلال.
جاء ذلك خلال أن ألقى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، الأربعاء الماضي ، كلمة مسجلة، بمناسبة اليوم العالمي لمُكافحة الاتجار بالبشر، و الذي يُصادف الثلاثين من يوليو من كل عام.
وتأتي هذه المناسبة هذا العام تحت شعار "الاتجار بالبشر جريمة مُنظمة ــــ أوقفوا الاستغلال"، الذي يستهدف جهات إنفاذ القانون، لاسيما وأن هذا العام يتواكب والذكرى الخامسة والعشرين لبروتوكول الأمم المتحدة المعني بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالبشر، بخاصة النساء والأطفال، الذي يُمثل حجر الزاوية في الإطار القانوني الدولي لمكافحة الاتجار بالبشر، وكانت مصر من أوائل الدول المُنضمة إليه.
ونستعرض في سياق التقرير، عقوبة الاتجار في البشر طبقا للقانون .
طبقا لنص المادة 291 من قانون العقوبات على أنه يحظر كل مساس بحق الطفل في الحماية من الاتجار به أو الاستغلال الجنسي أو التجاري أو الاقتصادي، أو استخدامه في الأبحاث والتجارب العلمية، ويكون للطفل الحق في توعيته وتمكينه من مجابهة هذه المخاطر.
ومع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها في قانون آخر، يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز 200 ألف جنيه كل من باع طفلاً أو اشتراه أو عرضه للبيع، وكذلك من تسلمه أو نقله باعتباره رقيقًا، أو استغله جنسيًا أو تجاريًا، أو استخدمه في العمل القسري، أو في غير ذلك من الأغراض غير المشروعة حتى إذا وقعت الجريمة في الخارج.
ويعاقب بذات العقوبة من سهل فعلاً من الأفعال المذكورة في الفقرة السابقة، أو حرض عليه ولو لم تقع الجريمة بناء على ذلك.
كما يعاقب كل من خطف بالتحايل أو الإكراه أنثى بنفسه أو بواسطة غيره يعاقب بالسجن المؤبد ومع ذلك يحكم على فاعل هذه الجناية بالإعدام إذا اقترنت بها جناية مواقعة المخطوفة بغير رضائها.
ومع عدم الإخلال بأحكام المادة (116 مكررًا) من قانون الطفل، تضاعف العقوبة إذا ارتكبت من قبل جماعة إجرامية منظمة عبر الحدود الوطنية.
ومع مراعاة حكم المادة (116 مكررًا) من القانون المشار إليه، يعاقب بالسجن المشدد كل من نقل من طفل عضوًا من أعضاء جسده أو جزءًا منه، ولا يعتد بموافقة الطفل أو المسئول عنه.
ويعاقب بذات العقوبة من سهل فعلًا من الأفعال المذكورة في الفقرة السابقة أو حرض عليه ولو لم تقع الجريمة بناءً على ذلك، ومع عدم الإخلال بأحكام المادة (116 مكررًا) من قانون الطفل، تضاعف العقوبة إذا ارتكبت من قبل جماعة إجرامية منظمة عبر الحدود الوطنية.