كشفت معركة «الفتح الموعود والجهاد المقدس» – الإسنادية للمقاومة الفلسطينية – أن اليمن حالة استثنائية وحالة نادرة، حقيقية أكيدة مشهودة، فإرادته متكاملة بين الشعب والقيادة، وفِكْره يقوم على ثوابت من الصعب القفز عليها، فالمنطلقات الدينية والأخلاقية جزء أصيل من تركيبة الإنسان اليمني، كما أن هناك خاصية أخرى يتميز بها اليمني، وهي استشعاره المسؤولية الناتج بطبيعة الحال عن الالتزام الديني والأخلاقي، على أنه في الحالة اليمنية ليس حبيس الكسل والتقاعس، أو مراعاة المصالح الخاصة، أو المخاوف من عصا العقاب، إنها واضحة وضوح الشمس تترجمها وتعكسها الأفعال على ساحة الممارسة والتفاعل مع قضايا الأمة.
عدم إدراك واشنطن ولندن وما تسمى تل أبيب لهذه الحقائق، يجعل من أساليبهم في الحرب النفسية أو في تحديد سيناريوهات إسقاط الدولة – حسب توهماتهم – في مهب الريح، لأنها ستصطدم بدروع بشرية أقل ما يخشونه هو الموت، فضلا عن كونهم مشبعين بثقافة البذل لغايات نبيلة، لله وللوطن، ولإحياء الناس جميعا، ولجم مطامع الأعداء.
في مقابل ما يتم الترويج له أو تسريبه من مشاهد متخيلة في ذهنية قادة التخطيط الصهاينة والأمريكان، تكشف الشواهد اليمنية عن التعاطي الهامشي مع أطروحات الأعداء الإرهابية إلا من باب قراءتها وتحليلها من أجل معرفة كيف يفكر العدو، ومن هو العدو الذي يقف أمامنا.
اليمن – وقبل حديثهم الفارغ عن العودة إلى تصعيد العدوان ضده حماية للكيان الصهيوني، قالها مبكرا: مبدأنا ثابت، وخياراتنا مفتوحة وسقفنا عال، وليس هناك خطوط حمراء أمامنا، وأي فعل يمكن أن يسبب وجعا للكيان الصهيوني أو الأمريكي فإنه بكل تأكيد سيلقى اهتمامنا..
ضف إلى ما سبق، حِرَفية ومهنية التكتيكات العسكرية التي شهد لها العدو قبل الصديق، وفي واحدة من هذه التكتيكات التي بدأ المحللون ينصحون بتحليلها وجعلها ضمن مناهج العلوم العسكرية، نجاح اليمن في زعزعة ثقة العدو بقدراته وإمكانياته، رغم ما يتميز به من تفوق في التقنية ومجال التسلُّح والاستفادة من الطفرة العلمية الرائجة «الذكاء الاصطناعي»، فاليمن الذي ظل في ذهنية قوى الاستكبار – حتى وقت قريب – دولة ضعيفة تتنازعها الخلافات وتنهكها الصراعات، أظهر حالة نادرة من التماسك، كما نجح بأريحية من الوصول إلى عمق العدو الصهيوني وفضح كذبة نظرية الردع، وحطّم كبرياء أمريكا في عرض البحر على مرأى ومسمع من العالم، وجعلها تجر أذيال حاملات الطائرات التي كانت يوما ورقة رابحة لإرهاب شعوب المنطقة..
هذه المعطيات مجتمعة وأخرى، جعلت قيادات عسكرية ونخباً سياسية وفكرية أمريكية وإسرائيلية، تقف طويلا للتأمل وإجراء المقاربات، طمعا في استخلاص حقيقة تبعث السكينة إلى أنفسهم بإمكانية تحقيق هدف إسكات أزيز السلاح اليمني وهو يجوب الفضاءات الواسعة وصولا لهدفه المعادي، إلا أن الجهد الفكري والتحليلي دائما ما كان يصل بهم إلى حقيقة غير مرغوب فيها، بأن اليمن بخصائصه وبشجاعته وإرادته – وقبل ذلك وبعده بأن النصر إنما هو من عند الله سبحانه، ثم بعملياته العسكرية النوعية والاستراتيجية – لا تشجع على تكوين أي تصور بأن الانتصار عليه يمكن أن يكون سهلا.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
موقع بريطاني: اليمن لاعب مؤثر اشترط وقف عملياته لالتزام الكيان الصهيوني بوقف النار
يمانيون |
أكد موقع Middle East Eye البريطاني أن اليمن برز خلال الفترة الأخيرة كموقف قوة إقليمي بعد أن ربط وقف عملياته العسكرية بامتثال الكيان الصهيوني لشروط وقف إطلاق النار في غزة، ما أضاف ثِقلاً سياسياً واستراتيجياً لموقف صنعاء في محور المقاومة، وجعل من موقفها ورقة تأثير فعلية في المعادلات الإقليمية.
وذكرت التحليلات المنشورة بالموقع أن اليمنيين نفّذوا هجمات متواصلة تضامناً مع فلسطين، من دون حاجة للتفاوض المباشر أو غير المباشر مع الكيان الصهيوني حول الهدنة، وأن أداءهم على مدى العامين الماضيين تضمن ضربات بعيدة المدى وتجربة حصار بحري أثّرت في مسارات الملاحة والتجارة الإقليمية، بل وصلت آثارها إلى تعطيل قطاع الطيران واختراق الدفاعات الجوية الصهيونية في مناسبات متعددة.
وفي قراءة اقتصادية لاستراتيجية اليمن البحرية، أشار أستاذ الدراسات الدفاعية أندرياس كريج إلى نجاح إجراءات الحصار اليمني على سفن مرتبطة بالعدو وبتجارتها في البحر الأحمر، ما اضطر بعض خطوط الشحن الكبرى إلى التفاف طويل ومكلف حول رأس الرجاء الصالح، وهو ما ألحق كلفة تشغيلية إضافية على سلاسل الإمداد العالمية وأثر على الشركات الكبرى، كما لوحظ في تحركات أسواق الشحن العالمية. تقارير مالية وصحفية دولية لاحقة أشارت إلى تقلّبات في أسهم شركات الشحن وقلقٍ لدى المستثمرين حول عودة الملاحة عبر قناة السويس.
من زاوية دبلوماسية وأمنية، رأى المحلل الأمني علي رزق أن صنعاء نجحت في “فك ارتباط” الدور الامريكي عن مسرح العمليات اليمني، بمعنى أنها أجبرت الولايات المتحدة على إعادة تقييم خياراتها والتعامل بحذر مع الوجود المباشر أو التوغلات في المناطق التي تمس مصالح اليمن، وهو تحول استراتيجي مهم بحسب تقدير المراقبين لِما يخلِّفه من تبعات على سياسات واشنطن وترتيبات الحماية للكيان الصهيوني.
وأوضح التحليل أن تدخّل صنعاء في البحر الأحمر لم يعزز شرعيتها على المستوى الداخلي فحسب، بل وفر لها رصيداً سردياً خارج حدود البلد، إذ اعتبرت الخبيرة أروى مقداد أن هذه الخطوات أعطت الحكومة الثورية قدرة على استثمار مبدأ “الإنصاف والرد على الظلم” في خطاب داخلي وخارجي، ما جعل من تهميش بعض الأطراف الإقليمية أمراً محرجاً لجهاتٍ كانت مترددة في التضامن مع غزة.
كما خلص التحليل البريطاني إلى أن المشهد السياسي اليمني يعكس تعاظماً في نفوذ نظام صنعاء مقابل تراجع دور ما يُسمّى بالحكومة المعترف بها دولياً في عدن (التي تُنتقد بقوة لارتباطها بالمحاور الإماراتية والسعودية)، مشيراً إلى أن سيطرة صنعاء على الشمال المكتظ بالسكان ومقارعتها المباشرة للوسطاء الرئيسيين أعطتها اليد الطولى في مستويات النفوذ والتفاوض الإقليمي.
واختتم الموقع تحليله بالتأكيد على أن شنّ حملة شاملة على اليمن يمثل خياراً عسيراً جداً بالنسبة للكيان الصهيوني، في حين أن اليمن قادر على متابعة عملياته بفعالية نسبية دون دفع ثمنٍ مفرط — ما يجعل من مسألة الردّ المباشر والمنسق مع الامريكي وحلفائه أمراً معقَّداً سياسياً وعسكرياً.