الإمارات تستعرض تقريرها الوطني الثاني بشأن الميثاق العربي لحقوق الإنسان
تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT
ناقشت دولة الإمارات اليوم بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة تقريرها الوطني الثاني بشأن الميثاق العربي لحقوق الإنسان أمام لجنة حقوق الإنسان العربية في دروتها الـ 27.
وشاركت دولة الإمارات بوفد رفيع المستوى ضم ممثلين من الجهات الحكومية الاتحادية والمحلية ومؤسسات المجتمع المدني العاملة في الدولة والمعنية بحقوق الإنسان.
وألقى سعادة القاضي عبد الرحمن مراد البلوشي الوكيل المساعد لقطاع التعاون الدولي والشؤون القانونية في وزارة العدل كلمة الدولة، أكد خلالها أن دولة الإمارات منذ استعراضها لتقريرها الدوري الأول أكتوبر 2019 أصدرت سلسلة من التشريعات الوطنية، كما تواصل جهودها الحثيثة نحو تعزيز وتطوير منظومتها المؤسسية بما يساهم في تعزيز وحماية حقوق الإنسان.
وأشار إلى أن دولة الإمارات اعتمدت خلال الأربع أعوام الماضية منظومةً مترابطةً ومتكاملةً من السياسات والإستراتيجيات الوطنية التي تسعى إلى تعزيز وكفالة التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، أهمها “الخطة الوطنية حول المرأة والسلام والأمن” التي تهدف لتحقيق المشاركة الفعالة للمرأة في الوقاية من النزاعات، و”السياسة الوطنية لكبار السن” و”استراتيجية التوازن بين الجنسين 2026″ و”السياسة الوطنية لتمكين المرأة 2031″ و”السياسة الوطنية للتحصينات” و”السياسة الوطنية للأسرة” و”سياسة حماية الأسرة” و”الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051″ و”مئوية الإمارات 2071″ التي تشكل برنامج عمل حكومي طويل الأمد.
وعلى صعيد قطاع الرعاية الصحية، أفاد سعادته بأن دولة الإمارات نجحت في تأسيس منظومة رعاية صحية متكاملة تُطَبقُ أفضل الممارسات العالمية، حيث جاءت بين أفضل 10 دول في العالم حسب تقارير التنافسية العالمية، وتبوأت المراكز الأولى عالميًا في 11 مؤشر صحي، كما حصلت على المركز الثاني عالميا فيما يتعلق بمستوى الرضا عن الرعاية الصحية بحسب المركز الاتحادي للتنافسية والاحصاء عن عامي 2023 و2024.
وأضاف سعادته: تشكل عملية تطوير منظومة التعليم أبرز أولويات حكومة دولة الإمارات، إيمانًا منها بأن التعليم هو أساس تقدم وتطور الأمم. ومن هذا المنطلق، طورت الدولة نموذج المدرسـة الإماراتية، كما استحدثت نموذج (مدارس الأجيال)، وتم إنشاء المركز الوطني لجودة التعليم، بالإضافة إلى اعتماد الحكومة الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي 2030، والتي تركز على تطوير منظومة تعليمية مبتكرة، وتعزيز مهارات الطالب، باعتباره حجر أساس العملية التعليمية.
وأوضح أن حماية الأسرة وتعزيز مكتسباتها تتصدر سلم الأولويات والاهتمام في جميع السياسات والخطط والبرامج الحكومية في دولة الإمارات انطلاقا من قناعتها الراسخة بأن الأسرة تمثل الحاضنة الأساسية والنواة الأولى لوطن متماسك ومتسامح وآمن ينعم جميع أفراده بالرفاهية والاستقرار، وقد أعلن عام 2025 “عام المجتمع” لترسيخ تماسك المجتمع وتعزيز أواصره.
وأضاف سعادته: أصدرت دولة الامارات المرسوم بقانون اتحادي رقم (13) لسنة 2024 بشأن الحماية من العنف الأسري، كما أنشأت الدولة في ديسمبر 2024 وزارة الأسرة، والتي تختص بالعمل على بناء أسر مستقرة وتعزيز دور الأسرة في التنشئة، والحد من مخاطر التفكك الأسري.
وفي ما يتعلق بتمكين المرأة والمساواة بين الجنسين، أكد سعادة القاضي عبد الرحمن مراد البلوشي أن دولة الإمارات تواصل وبخطى ثابتة جهودها في هذا الصدد، حيث تتبوأ المرأة في دولة الإمارات أرفع المناصب السياسية والتنفيذية والتشريعية، وتتواجد في مختلف مناصب القيادة العليا التي تتصل بوضع الاستراتيجيات واتخاذ القرار؛ وتتويجا لهذه الجهود، حصلت دولة الإمارات على المرتبة السابعة عالمياً والأولى إقليمياً في مؤشر المساواة بين الجنسين لعام 2024 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وأكد سعادته حرص دولة الامارات على تعزيز وتطوير منظومتها القضائية، والتشريعات الوطنية ذات الصلة، بما يساهم في تعزيز كفاءة وفاعلية القضاء، وتسهيل إجراءات التقاضي، وتحقيق العدالة الناجزة، ورفع مستوى الوعي القانوني لدى المجتمع، وتوفير المساعدة القانونية والإرشاد.
وفي هذا الإطار، أصدرت الدولة مرسوما بقانون بشأن الإجراءات الجزائية، وعددا من القرارات الوزارية الهامة بشأن الدليل الإجرائي لتنظيم التقاضي باستخدام الوسائل التكنولوجية والاتصال عن بعد في الإجراءات الجزائية، واستخدام تقنيات التعاملات الرقمية في المعاملات والمسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية.
وأشار إلى أن التّسامح يعد أحد المبادئ الإنسانية والأخلاقية التي رسّختها قيادتنا الرشيدة منذ قيام الاتحاد، حيث جعل مؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” العدل والمساواة والتآلف والتسامح واحترام الآخر، نهجاً ثابتاً لا يقتصر على الداخل فحسب، وإنما يحكم علاقات الدولة بالعالم الخارج.
وأشار سعادته إلى أن دولة الإمارات قادت خلال رئاستها لمجلس الأمن في يونيو 2023، اعتماد القرار التاريخي رقم 2686 بشأن التسامح والسلام والأمن الدوليين، الذي تضمّن لأول مرة إقراراً دولياً بوجود ارتباط بين خطاب الكراهية وأعمال التطرف والسلام والأمن الدوليين، كما حث القرار على نشر قيم التسامح والتعايش السلمي.
وجدد سعادته في ختام كلمته دعم دولة الإمارات للدور الهام الذي تضطلع به لجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان كآلية استطاعت خلال فترة وجيزة وعبر إسهاماتها وأنشطتها المتميزة في إثراء العمل العربي في إطار جامعة الدول العربية، من خلال إسهامها البناء في مراجعة الاستراتيجية العربية لحقوق الإنسان، ومتابعتها لتنفيذ وإعمال مواد الميثاق العربي في هذا الصدد.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
من النص إلى الواقع.. جدلية التربية وحقوق الإنسان في العالم العربي قراءة في كتاب
الكتاب: حقوق الإنسان بين دلالة النص والتطبيق التربوي.المؤلف: محمود عبد المجيد عساف.
الناشر: مكتبة سميرة منصور، فلسطين، 2022م.
عدد الصفحات: 555 صفحة
تتعرض حقوق الانسان لانتهاكات خطيرة في أوقات السلم والحرب، فمجالات حقوق الإنسان متشعبة على المستوى السياسي والاجتماعي والحضاري على المستوى الفردي والجماعي، منها المتعلق بالمبادئ والأطر الفكرية والعملية التي تحمي حياة الفرد وتصون كرامته، فأهمية القانون تكمن في حماية الحريات للأفراد من خلال التوفيق بين تضارب المصالح والحقوق والحريات، ويتكامل القانون مع التربية في التأسيس لقواعد ونظم تحمي حقوق الإنسان، وتحذر من المساس بها.
التربية محلها الأساس إصلاح محلها الأساس اصلاح الفرد نواة المجتمع، فالتربية متكاملة مع القانون، وحين يكون مصدر القيم التربوية الخالق سبحانه وتعالى؛ يكون الالتزام بالقانون والضوابط طاعة وعبادة ومصدر راحة واطمئنان، وتحقيقاً لذلك ظهر تجاه تربوي معاصر يدعو إلى الأخذ بالتربية القائمة على حقوق الإنسان والتثقيف القانوني، لأهميتها في اعداد وتكوين المواطن الصالح الذي يستشعر مسؤولياته تجاه نفسه ومجتمعه وأمته والإنسانية جمعاء، وكذلك لأهميتها في تنمية الفاعلية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المرتبطة بإدراك العلاقة التلازمية بين الحقوق والواجبات.
تناول الكاتب في الجزء الأول من دراسته محاور متعددة أهمها: العلاقة بين التربية والقانون، ومدى تكاملية هذه العلاقة، دلالة التربية على حقوق الإنسان، الدعوات الدولية لتعليم حقوق الإنسان، التدريس الفعال لحقوق الإنسان خصوصية التربية على حقوق الإنسان في التعليم الجامعي، ومدى ديمقراطية التعليم الجامعي كأساس للتربية؛ كل ذلك تحت إطار تحقيق القانون يبدأ من التربية والتعليم في المدراس والجامعات، التي تنبه المنظومة المجتمعية على أهمية التربية القانونية، وقانونية التربية، وما يتضمن ذلك من حقوق وواجبات.
يقول عساف: "أهمية القانون تكمن في حماية الحريات للأفراد من خلال التوفيق بين تضارب المصالح والحقوق والحريات، فالقانون علم اجتماعي موضوعه الإنسان(علاقته وسلوكه وأنشطته) فالقانون في أبسط صورة" مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الأفراد بشكل يحقق لهم الخير من خلال توضيح التصرفات المشروعة وغير المشروعة".
العلاقة بين التربية والقانون:
هناك علاقة متشابكة بين التربية القانون، فلا يمكن للقانون أن يطبق دون أن تكون هناك تربية عليه، ويمكن إبراز هذه العلاقة من خلال:
ـ التلازمية: تجمع كل من التربية والقانون اطار اجتماعي، ويصوران غالباً فلسفة واحدة، يستهدفان مجتمعاً بعينه في اطار محدد من العادات والتقاليد والعموميات الثقافية، فالتلازم بين التربية والقانون يشكل ظاهرة على نحو ليس له نظير في الكثير من سرديات وأيديولوجيات النظم والعلوم الأخرى.
"أهمية القانون تكمن في حماية الحريات للأفراد من خلال التوفيق بين تضارب المصالح والحقوق والحريات، فالقانون علم اجتماعي موضوعه الإنسان(علاقته وسلوكه وأنشطته) فالقانون في أبسط صورة" مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الأفراد بشكل يحقق لهم الخير من خلال توضيح التصرفات المشروعة وغير المشروعة".ـ التعاضدية: ناتجة عن الاشتراك في الأهداف العامة، التي يسعى لها كل من القانون والتربية، وفي مقدمتها: تحقيق الالتزام بالواجبات، صيانة الحقوق والحريات العامة، تحقيق الضبط الاجتماعي، التنشئة والتكيف بما يتوافق مع الثقافة الأساسية للمجتمع.
ـ التبادلية: يعني تبادل الأدوار والوظائف بين التربية والقانون، فيمكن للتربية أن تؤدي الدور الذي يؤديه القانون، بفرض هيبة القانون وزيادة الوعي القانوني، وحماية قواعده وأحكامه، فالتربية والقانون هما من أهم وسائل الضبط الاجتماعي، التي يحتاجها أي مجتمع. (ص25)، وتكاملية العلاقة بين التربية وحقوق الإنسان تهدف إلى تحقيق أهداف التربية:
ـ الحافظ على العادات والتقاليد وقيم المجتمع.
ـ إعداد المواطن الصالح عبر إعداد الفرد لذاته، ولخدمة مجتمعه وامتثاله للقانون.
ـ تعزيز الفضائل الأخلاقية والعقلية بما يحقق كرامة الانسان ويبعده عن كل ما يضره.
ـ النزعة الإنسانية في التربية، والمتمثلة في تزكية النفس بما يحقق الخير والتنمية، وتكريس الدين ومبادئ الديمقراطية، والتسامح، وعدم التنازع على السلطة(ص37).
ولأن حقوق الانسان تنطوي على ثلاثة أبعاد، البعد الفلسفي الذي يتعلق بتمييز الإنسان عن غيره من الكائنات، والبعد التاريخي الذي يتعلق بجهود الإنسان عبر العصور في تأصيل مبادئ هذه الحقوق، والبعد القانون الذي يجعل من الامتيازات المتأصلة في طبيعة الإنسان حقوقاً تتمتع بضمانات قانونية دولية ووطنية؛ لذلك عرفت منظمة العفو الدولية التربية على حقوق الإنسان بأنها:" عملية يتعرف بواسطتها الناس على حقوقهم وحقوق الآخرين ضمن إطار تعلم تشاركي وتفاعلي" فهي تربية حقوق الإنسان، وتربية من خلال حقوق الإنسان لضمان بيئة تعليمة متوافقة مع قيم الإنسان كالمشاركة وحرية التفكير والتعبير، وكذلك تربية من أجل حقوق الإنسان، تركز على تنمية المهارات والمواقف والقيم حتى يتمكن المتعلمين من تطبيق قيم حقوق الإنسان في حياتهم.
يوضح عساف عن السلوك الاحتجاجي لدى طلاب الجامعات " تمثل الحركات الاحتجاجية واحدة من عمليات التغيير، والحركة المستمرة التي تشهدها المجتمعات في العالم، وهي تأتي نتيجة حتمية لانتهاكات حقوق الانسان أو الانسداد السياسي في أي بلد، وعلى أساسها تأخذ الجماعات الوطنية، ولا سيما الشباب الدور المهم فيها والدعوة للإصلاح من خلالها، وذلك كونهم يمثلون الفئة الأكثر حماساً من الناحية الفكرية والجسمية، فضلاً عن اتساع مداركهم المرتبطة بقلق المستقبل" (ص73).
إن مواقف الشباب عموماً وطلبة الجامعات خصوصاً كانت حاضرة في السلوكيات الاحتجاجية في جميع التجارب، سواء كانت خاصة بأوضاعهم الجامعية أو بالنظام ككل، ومثال ذلك: ما حدث في البلاد العربية عام 2011م وما بعدها، منها المواقف أو السلوكيات الاحتجاجية إلى سلوك فردي أو سلوك جماعي، مرتبطة بالنشاط الاحتجاجي مثل المساعدات أو الضرائب، أو تلك المرتبطة بالخدمات العامة والصحة والتعليم أو النقل والمواصلات، أو المرتبطة بحقوق الانسان كحقوق طلبة الجامعات من ارتفاع المصروفات أو الرسوم الدراسية، والنظام التعليمي ككل داخل الجامعات، ودائما تعبر البيئة الجامعية عن صورة مصغرة عن طبيعة المجتمع وما يعانيه من مشاكل من النظام السياسي.
لقد كفل القانون الدولي الحق في الاحتجاج، كما فرض حماية على حرية الرأي والتعبير، واعتبرها مصونة ومن القواعد الآمرة فيه، فلا يجوز الانتقاص منها أو الحد منها، كما أنها تعد حقوقاً طبيعية لطبيعة الإنسان لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، كما أكد الإعلان العام لحقوق الانسان على حق الإنسان في الاحتجاج السلمي، فنصت المادة 19 منه على الحق في حرية الرأي والتعبير بنصها:" لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير..."، بينهما نصت المادة 20 منه على حق الإنسان في التجمع السلمي" لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية".
التحول الديمقراطي العربي:
لا توجد دولة عربية واحدة تدخل ضمن الدول المستقرة سياسياً، إذ أن 76% من العرب يعيشون في دول غير مستقرة بنسبة عالية، وأن هذا التراجع في الاستقرار سيستمر لفترات طويلة بفعل عوامل الانتشار السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي وغياب الديمقراطية، والقابلية للتغير السياسي، أو القيام بتغيرات شكلية في نظام الحكم، أو تغيير الحكومات، أو الخضوع لرغبات واملاءات القوى الخارجية.
"إن المعركة من أجل الديمقراطية قديمة في العالم العربي، تزيد على 4 عقود في غالبية البلدان العربية، وبعضها أكثر من 6 عقود متصلة، وإن كانت هناك محاولات للانفتاح السياسي، والتحول من الديكتاتورية إلى الديمقراطية وقبول التعددية الحزبية، فإن هذا التحول ظاهرياً من أنظمة الحزب الواحد، إلى نظام تتعدد فيه الأحزاب شكلاً، حيث إن الأحزاب العربية السياسية التي جاءت بعد محاولات الانفتاح والتحديث السياسي لم تتعدى كونها جمعيات سياسية أو تكتلات انتخابية، وما كانت إلا غطاء لنزاعات قبلية أو تطلعات جهوية، فكان الحزب ديمقراطياً ثورياً بالاسم، وقبلياً نخبوياً باحث عن السلطة في الجوهر" (ص145).
عوامل غياب الديمقراطية في الوطن العربي:
ـ طبيعة الثقافة السياسية السائدة القائمة على قيم الخنوع، وتمجيد الزعيم والقائد، وهذه الثقافة أورثت جهلاً سياسياً.
ـ محدودية النخبة الحاكمة، وصلت حد الانغلاق على ذاته لا يسمح لأحد أن يدخله إلا بشق الأنفس ووفق مواصفات خاصة تتلاءم مع طبيعة النخبة نفسها.
ـ السياسات التعبوية التي تنتجها النخبة المنغلقة على ذاتها، وهي سياسات تسعى إلى حشد الجماهير وراء النظام دون أن تسمح لها إدارة النظام أو تغييره سليماً.
ـ ضياع الشخصية والهوية الوطنية، حيث بحث أصحاب القرار على هويات أصولية دينية، عرقية، طائفية، حزبية، الأمر الذي هدد وحدة الوطن، وترك الأمر مفتوحاً إما للفتن الداخلية، وإما للتدخلات الأجنبية. (ص153)
حقوق الانسان في القرآن الكريم:
ميز الله سبحانه وتعالى الإنسان وكرمه وفضله على كثير من خلقه، ومن مظاهر هذا التكريم:
1 ـ استواء الخلق: حيث كرمه بالصورة والخلقة الحسنة " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ "، " وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ "، فملك الانسان حاسة التفكير من العلم، والقدرة على التعبير عن الأفكار ليصبح ذو إرادة واختيار، وحمل الأمانة بإرادته على أساس التكليف بعد العلم والتمييز.
2 ـ السمو الروحي: فالإنسان وإن شابه الحيوانات في التكوين الطيني، فإنه يخالفها التكوين المعنوي، حيث كرمه الله بأن جعل فيه نفخة من روحه استحق بها أن تنحني له الملائكة بأمر الله إجلالاً وإكباراً، حيث قال:" إذ ذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّى خَٰلِقٌۢ بَشَرًا مِّن طِينٍۢ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين".
لا توجد دولة عربية واحدة تدخل ضمن الدول المستقرة سياسياً، إذ أن 76% من العرب يعيشون في دول غير مستقرة بنسبة عالية، وأن هذا التراجع في الاستقرار سيستمر لفترات طويلة بفعل عوامل الانتشار السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي وغياب الديمقراطية، والقابلية للتغير السياسي، أو القيام بتغيرات شكلية في نظام الحكم، أو تغيير الحكومات، أو الخضوع لرغبات واملاءات القوى الخارجية.3 ـ الاستخلاف في الأرض: فقد جعله الله خليفته في الأرض ليعمرها ويستثمر ما فيها من خيرات في سبيل تحقيق عبودية الله، والخلافة في الأرض منزلة تشوقت لها الملائكة، فلم يعطوها، قال تعالى: " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ".
4 ـ التكليف ورسم طريق الهداية: وهذا من أجل أعظم مظاهر التكريم الإلهي للإنسان، ذلك أن الانسان لم يخلق لمجرد أن يأكل ويشرب، إنما خلق لغاية سامية بينها قال تعالى:" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ.
إن أبهى صور ومظاهر تكريم الإنسان أن جعل الله الكون كله في خدمته، وسخر لمنفعته العوالم كلها، يضيف الكاتب أن تسخير الكون للإنسان يتضمن معنيين كبيرين، أولهما: أن الطاقة الكونية كلها مهيأة مبذولة للإنسان، لا يستعصى شيء منها عليه إذا تيسرت سبه، ورعيت سنن الله فيه، فعليه أن يبذل جهده ويعمل فكره في فتح مغاليقها، واكتشاف مخبئها، ليستخدمها فيما يعود عليه بالخير والسعادة، ثانيهما: أن الإنسان هو واسطة العقد في هذا العالم، وإن صغر حجمه بالنسبة للمكان، أو قصر عمره بالنسبة للزمان، فلا يجوز للإنسان أن يؤله شيئاً في هذا العالم أو يتعبد له، فالذين عبدوا بعض الأشياء، أو المظاهر أو القوى الكونية قلبوا الحقائق وحولوا الانسان من سيد سخر له الكون إلى عبد ذليل!! (ص177).
المنظور الإسلامي لحرية الفكر:
لم يطلق الإسلام حرية الفكر فحسب، بل جعل التفكير والتدبر والتأمل عبادة، بل جعل التفكر والتدبر والتأمل عبادة، على اعتبار أن التفكير من طبائع الإنسان التي كرمه الله بها عن كثير من المخلوقات، فلم تعرف الإنسانية عبر تاريخها الطويل شريعة حثت الإنسان على استعمال العقل مثل الشريعة الإسلامية، التي تعددت أساليبها في هذا المجال، فلم يترك القرآن الكريم أسلوباً نفسياً أو عملياً، إلا واتبعه من أجل تشجيع الإنسان على استعمال عقله في التفكير.
أما المنظور الإسلامي لحرية العقيدة فتقتضي أن يكون لكل انسان اختيار كامل للعقيدة التي يعتنقها ويؤمن بها، من غير ضغط أو إكراه خارجي، وقد أقر القرآن هذه الحرية في مواطن متعددة، على اعتبار أن العقيدة اقتناع داخلي وعمل باطني لا اكراه فيه يسقط العقل أو ينقص كرامة الإنسان أو إلغاء للإرادة، قال تعالى:( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى).
لم يطلق الإسلام حرية الفكر فحسب، بل جعل التفكير والتدبر والتأمل عبادة، بل جعل التفكر والتدبر والتأمل عبادة، على اعتبار أن التفكير من طبائع الإنسان التي كرمه الله بها عن كثير من المخلوقات، فلم تعرف الإنسانية عبر تاريخها الطويل شريعة حثت الإنسان على استعمال العقل مثل الشريعة الإسلامية، التي تعددت أساليبها في هذا المجال، فلم يترك القرآن الكريم أسلوباً نفسياً أو عملياً، إلا واتبعه من أجل تشجيع الإنسان على استعمال عقله في التفكير.فلم ينص القرآن الكريم صراحة على حق الملكية، ولكن ما أقره من أنظمة لا تقوم إلا على أساس وجود هذا الحق، فقد ورد في قوله تعالى:( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ، للسائل والمحروم)، وتقوم فلسفة المال في الإسلام على اعتبار أن الله سبحانه وتعالى المالك الأصلي للمال، والإنسان مستخلف فيه، وأن استخلاف يقوم على الاختيار دون الإكراه، ومعنى ذلك أن الإسلام يقر الملكية الفردية، وذلك عن طريق نسب المال، وإضافة إلى صاحبه، قال تعالى :" أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ "، وعندما راعى الإسلام حق الفرد في التملك لم ينكر ملكية الجماعة، لأن الفكر الاقتصادي الإسلامي يقوم كجزء من كل متكامل على أساس الاعتراف بدور الفرد ودور الجماعة، وأن للملكية في الإسلام وظيفة اجتماعية يجب فيها البذل والانفاق، وتجنب الطمع والجشع والاكتناز للمال (ص375).
عرج الكاتب في دراسته إلى الحقوق الرقمية في ظل الثورة الرقمية، والتكنولوجية، وتطورها السريع، بما تحتويه من سلبيات وايجابيات، ليظهر مصطلح المواطنة الرقمية لمجتمع تكنولوجي لابد أن يكتسب مهارات التكنولوجية المختلفة، وتدريبهم على الالتزام بمعايير السلوك المقبول عند الاستخدام بما يسهم في الحفاظ على الهوية الرقمية، وتقوية أواصر الترابط بين أبناء المجتمع الواحد، وأبرز عساف مواصفات المواطن الرقمي في التالي:
ـ يلتزم بالأمانة الفكرية.
ـ يستطيع إدارة الوقت الذي يقضيه في استخدام الوسائط الرقمية.
ـ يحترم حريات الآخرين، ويرفض التسلط أو التنمر عبر الانترنت.
ـ يحافظ على المعلومات الشخصية، ويحترم الثقافات المختفة في البيئة الافتراضية.
ـ يحمي نفسه من المعتقدات الفاسدة.
تعد أبعاد المواطنة الرقمية واحدة من المحددات الثقافية والاجتماعية والصحية والقانونية والأمنية والتعليمية التي ظهرت بكل وضوح بعد جائحة كورونا وذات الصلة بتطبيقات التكنولوجيا، التي تمكن الفرد من الممارسة الأخلاقية أثناء التعامل معها دون الشعور بالخطر من مسايرة العالم الرقمي، وهو ما حددته الجمعية الدولية لتكنولوجيا بمحاور شكلت المواطنة الرقيمة أولهما: التمكين الرقمي لأن أكبر تحدي ملموس تثيره الفجوة الرقمية يتمثل في تأثيراتها على التعليم، وتميزها بين المجتمعات التي تتسم بالثراء المعلوماتي، ثانيهما: التجارة ضافة إلى والاتصالات الرقمية المتعلقة بتبادل السلع والخدمات في الاقتصاد الرقمي الذي يمثل منظوراً جديداً في بيئة الاعمال فكرا وفلسفة، إضافة إلى الاتصالات عبر الانترنت الذي ساعد على توسيع شبكة العلاقات الفردية والجماعية في أي وقت وأي مكان، وتبادل المعلومات بكل أشكالها، ثالثهما: تعزيز الثقافة الرقمية، وذلك انطلاقاً من كون المواطنة الرقمية هي ثقافة وقيم سلوك ومحو الأمية الرقمية من خلال وصول المواطنين إلى مستوى تعليمي وثقافي يمكنهم من استخدام التكنولوجيا الرقمية والإفادة منها وتوظيفها في خدمة أنفسهم ومجتمعهم .(ص439).
وعليه يوصي عساف بوجوب أن تتركز التربية على حقوق الانسان في اتجاهات غرس قيم الحق والواجب من خلال تعزيز الوعي والمفاهيم، وذلك استناداً إلى مجموعة من العمليات التي تسهم في تحسين أنماط السلوك المختلفة عبر وسائط اجتماعية وتربوية متعددة منها المدرسة الجامعة الاسرة دور العبادة والأحزاب السياسية ووسائل الاعلام بطريقة مقصودة أو غير مقصودة.
يؤكد الكاتب في ختام دراسته بأن الحقوق بصورتها العامة المجردة تبقى حقوقاً على قائمة الانتظار ما لم تترافق بمبدأ مهم كرسته المعايير الدولية لحقوق الإنسان ألا وهو مبدأ إمكانية الوصول، الذي يعبر عن قدرة الأفراد على التمتع بحقوق الإنسان بصورة فعلية، فلا يكون التغني بها شكلياً، وإنما يكون السعي نحو ممارستها هدفا للسلطات المعنية بكفالة حقوق الإنسان وإيماناً مطلقاً بأن الوصول يجب أن يكون للأفراد جميعاً دون استثناء.