في تحول واضح نحو سياسة أكثر تشدداً بشأن المهاجرين، بدأ المشهد السياسي في ألمانيا يشهد دعوات متزايدة لترحيل طالبي اللجوء، في خطوة تعكس سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تجاه المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة، وفقا لتقرير في صحيفة "واشنطن بوست".

ومع اقتراب موعد الانتخابات الشهر المقبل، أصبح ملف المهاجرين - بما في ذلك قرابة مليون لاجئ سوري يعيشون في ألمانيا - القضية الأكثر إلحاحاً بالنسبة للناخبين الألمان.

وفي هذا السياق، نجح فريدريش ميرتس، المرشح الأبرز لمنصب المستشار، في تمرير مشروع قرار برلماني يعكس النهج الذي يعتزم اتباعه، رغم كونه غير ملزم قانونياً.
إجراءات مشددة

تتضمن المقترحات المطروحة فرض رقابة دائمة على الحدود مع جميع الدول المجاورة، ومنع دخول أي شخص لا يحمل وثائق صالحة، واحتجاز المهاجرين الذين صدرت بحقهم قرارات ترحيل، بالإضافة إلى تسيير رحلات ترحيل يومية، بما في ذلك عمليات إعادة اللاجئين إلى سوريا.

A sharp turn toward a tougher line on migrants is beginning to play out in Germany, with leading politicians calling for mass returns, echoing President Donald Trump’s plan to expel undocumented migrants from the United States. https://t.co/yORpGha7xi

— The Washington Post (@washingtonpost) January 31, 2025

في خطوة غير مسبوقة، تم تمرير القرار بدعم من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) وحليفه الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU) بالاعتماد على أصوات حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD)، اليميني المتطرف، وهو ما أثار انتقادات واسعة، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل. ورغم ذلك، أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية الألمان يدعمون فرض قيود على دخول المهاجرين.
ورغم أن البرلمان الألماني رفض يوم الجمعة مشروع قانون ملزم يهدف إلى الحد من لمّ شمل العائلات كوسيلة لدخول بعض اللاجئين إلى البلاد، إلا أن المناخ السياسي يشهد تغيراً كبيراً.

من الترحيب إلى الترحيل

قبل عقد من الزمن، فتحت ألمانيا أبوابها أمام اللاجئين السوريين الفارين من الحرب تحت شعار "نحن نستطيع فعل ذلك"، ولكن بعد سقوط الرئيس السوري بشار الأسد الشهر الماضي، أصبحت ألمانيا من بين دول أوروبية عدة أوقفت النظر في طلبات اللجوء الجديدة من السوريين. والآن، تتعالى أصوات تطالب بعودة اللاجئين إلى بلادهم.

يرى الساسة الداعمون لسياسة الترحيل أن المهاجرين باتوا يشكلون عبئاً اقتصادياً وأمنياً على ألمانيا، مشيرين إلى أن ترحيل معظم السوريين سيوفر مليارات اليوروهات من المساعدات الاجتماعية.
لكن المعارضين لهذه السياسات يشككون في قانونيتها، ويؤكدون أن رحيل السوريين سيؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة، خاصة في ظل النقص الحاد الذي تعانيه ألمانيا في العمالة الماهرة.

أهمية العمالة السورية

تضم ألمانيا أكبر جالية سورية خارج الشرق الأوسط، حيث يعيش فيها نحو 972 ألف سوري، من بينهم 712 ألفاً مسجلين كطالبي حماية، وفقاً لمكتب الإحصاء الفيدرالي الألماني. ورغم أن السوريين يمثلون أقل من 1% من القوى العاملة الألمانية، إلا أنهم يساهمون بشكل بارز في قطاعات حيوية.

After the fall of the Assad regime, the situation in Syria remains uncertain.

Politicians in Germany, host to the largest Syrian community in Europe, are trying to decide whether they should allow Syrian refugees to return for a fact-finding mission... https://t.co/DooDDPd5XS

— InfoMigrants (@InfoMigrants) January 18, 2025

ويحذر الخبراء من أن مغادرة العمال السوريين ستؤدي إلى مشكلات اقتصادية، خاصة في قطاع الرعاية الصحية. فهناك قرابة 6,000 طبيب سوري يعملون في ألمانيا، مما يجعلهم أكبر مجموعة من الأطباء الأجانب في البلاد.
وقالت وزيرة الداخلية نانسي فيزر إن قطاعات الرعاية الصحية ستتضرر بشدة إذا اضطر الأطباء السوريون لمغادرة ألمانيا، مضيفةً أن "بعض المستشفيات ستنهار دونهم".

الجدل حول ترحيل السوريين

بينما يطالب حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) بترحيل السوريين "في أسرع وقت ممكن"، تباينت مواقف الأحزاب الأخرى. فقد وزّع أحد فروع الحزب في جنوب غرب ألمانيا 30 ألف منشور على شكل تذاكر طيران تحمل شعار: "الهجرة العكسية وحدها يمكن أن تنقذ ألمانيا"، في إشارة مثيرة للجدل تُذكّر بالدعاية النازية.
من جانبه، صرّح يورغن براون، المتحدث باسم الحزب في ملف حقوق الإنسان، بأن "جميع اللاجئين السوريين تقريباً يجب أن يعودوا"، حتى أولئك الذين حصلوا على حق البقاء عبر لمّ شمل الأسرة. كما ادّعى أن السوريين في ألمانيا "يفتقرون إلى المهارات المطلوبة" وأنهم يعتمدون بشكل أساسي على المساعدات الاجتماعية.

بين الاندماج ومخاوف الترحيل

تحاول الأحزاب الألمانية التمييز بين السوريين "الجيدين" الذين يعملون ويندمجون في المجتمع، وأولئك الذين ينبغي إعادتهم. فريدريش ميرتس صرّح بأن "الثلث الذين يعملون ويندمجون يمكنهم البقاء، ولكن الثلثين الذين لا يعملون وأغلبهم من الشباب يجب أن يعودوا إلى سوريا".
لكن الإحصائيات الرسمية تتناقض مع هذه المزاعم. فوفقاً لمعهد أبحاث التوظيف الألماني، فإن 42% من السوريين في سن العمل (15-64 عاماً) لديهم وظائف، وهو معدل طبيعي بالنظر إلى تحديات اللغة والإجراءات البيروقراطية. ومع مرور الوقت، ترتفع نسبة التوظيف، حيث تصل إلى 60% بين السوريين الذين وصلوا عام 2015، وترتفع إلى 68% بين الحاصلين على الجنسية الألمانية.

Wer in Deutschland das "freie Syrien" feiert, bei dem liegt augenscheinlich kein Fluchtgrund mehr vor. Er sollte umgehend nach Syrien zurückkehren. #DeshalbAfD #AfD #Rückkehr https://t.co/9cj0ppKn6b

— Alice Weidel (@Alice_Weidel) December 8, 2024

وبحسب معهد الاقتصاد الألماني، فإن 80,000 عامل سوري يشغلون وظائف في قطاعات تعاني من نقص حاد في الكوادر، مثل طب الأسنان والميكانيكا. كما أن السوريين يمثلون أكبر نسبة من الأطباء الأجانب، خاصة في المناطق الريفية التي تعاني من نقص حاد في الأطباء.

الترحيل قد يعيد الأزمة إلى سوريا

رغم أن بعض السوريين، مثل الطبيب محمد غزال، يأملون في العودة إلى بلادهم للمساهمة في إعادة إعمار القطاع الصحي، إلا أنهم يرفضون التمييز بين من يُسمح لهم بالبقاء ومن يُجبرون على المغادرة.
"لن أسمح لألمانيا بأن تبقي الأطباء فقط وترحل الآخرين الذين يحتاجون إلى المساعدة"، يقول غزال، الذي يعمل أخصائي مسالك بولية في هامبورغ.
في ظل تصاعد الجدل، يبقى مصير اللاجئين السوريين في ألمانيا غير واضح، إذ تتصارع الحاجة إلى العمالة الماهرة مع تصاعد المشاعر المعادية للمهاجرين، ما يجعل الملف أحد أكثر القضايا سخونة في المشهد السياسي الألماني الحالي.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عام المجتمع اتفاق غزة سقوط الأسد عودة ترامب إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سوريا ألمانيا اللاجئین السوریین فی ألمانیا

إقرأ أيضاً:

فرنسا وسوريا تطالبان لبنان باعتقال مهندس قمع السوريين

طلبت سوريا وفرنسا من لبنان اعتقال مدير المخابرات الجوية السورية السابق جميل الحسن المتهم بارتكاب جرائم حرب وباعتباره مهندس حملة العقاب الجماعي التي شنها نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في أعقاب مظاهرات عام 2011، والذي يُعتقد أنه يوجد في الأراضي اللبنانية، وفق صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.

ووفق تقرير نشرته الصحيفة أمس الخميس، أكد مسؤول فرنسي أن كلا من باريس ودمشق طالبتا بيروت باعتقال الحسن المدان غيابيا في فرنسا لدوره في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، والمطلوب بموجب مذكرة توقيف في ألمانيا، كما أنه مطلوب من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي لدوره في اختطاف وتعذيب مواطنين أميركيين.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول قضائي لبناني رفيع قوله إن الحكومة اللبنانية لا تملك معلومات مؤكدة عن مكان وجود الحسن الذي فر من سوريا بعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.

ولا يزال مكان اختباء الحسن مجهولا، لكن العديد من المسؤولين السوريين والغربيين الحاليين والسابقين يشتبهون بوجوده بلبنان، حيث يعيد مسؤولو المخابرات السابقون في النظام بناء شبكة دعم.

هندسة القمع

ولطالما وُصف جهاز المخابرات الجوية خلال سنوات حكم عائلة الأسد بأنه "الأكثر وحشية وسرية" من بين أجهزة المخابرات الأربعة حينها (أمن الدولة والأمن السياسي والأمن العسكري والمخابرات الجوية)، وتولى الحسن قيادة الجهاز في عام 2009.

وبحسب وثيقة أمنية نقلت عنها الصحيفة، اجتمع الحسن وقادة الأجهزة الأمنية الأخرى في وسط دمشق للتخطيط لحملة تضليل وقمع عنيف بعد عامين من بدء الثورة السورية في 2011.

ووضعوا خطة في وثيقة وقّعوا عليها بالأحرف الأولى، وقد عرض مسؤول أمني سوري سابق الوثيقة على صحيفة وول ستريت جورنال، وأكدها مسؤول آخر.

وبحسب الوثيقة ووثائق أخرى، فضّل الحسن استخدام القوة الغاشمة والدموية مع المتظاهرين والمعارضين، وكانت رسالته إلى الأسد "افعل كما فعل والدك في حماة"، في إشارة إلى المجزرة الدموية التي ارتكبها الرئيس الراحل حافظ الأسد في حماة وأدت إلى مقتل أكثر من 40 ألف شخص عام 1982.

إعلان

وكتب قادة أنظمة أمن النظام المخلوع في الوثيقة أنه تجب محاصرة أي مكان تخرج فيه الاحتجاجات عن السيطرة.

وأضافت الوثيقة أنه سيتم إرسال قناصة لإطلاق النار على الحشود مع أوامر بإخفاء مصدر إطلاق النار وعدم قتل أكثر من 20 شخصا في المرة الواحدة، لتجنب ربط ذلك بالدولة بشكل واضح.

وجاء في الوثيقة "لن يُظهر أي تساهل تجاه أي هجوم على أسمى رمز مهما كانت التكلفة، لأن الصمت لن يؤدي إلا إلى تشجيع خصومنا".

وتُظهر وثائق جمعتها لجنة الشؤون الدولية والعدالة أن الحسن أمر قوات الأمن بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين.

تعذيب المدنيين

كما لعب الحسن دورا أساسيا في الحملة المتوحشة التي تعرضت لها مدينة داريا في عام 2012، حيث أرسل جيش النظام السابق دبابات رافقها رجال مخابرات الجوية التي عملت على مدى عامين لاعتقال المدنيين وتعذيبهم.

وكانت لدى جهاز مخابرات القوات الجوية محكمة عسكرية ميدانية خاصة بها في المزة في دمشق تُصدر أحكاما بالإعدام أو تُرسل المحكومين إلى سجن صيدنايا سيئ الصيت.

كما احتوى موقع القوات الجوية على مقبرة جماعية خاصة به، وفقا لمركز العدالة والمساءلة السوري في واشنطن، والذي استند في نتائجه إلى صور الأقمار الصناعية وزيارة للموقع بعد سقوط النظام.

وتتهم وزارة العدل الأميركية الحسن بتدبير حملة تعذيب شملت جلد المعتقلين بالخراطيم، وخلع أظافر أقدام الضحايا، وضرب أيديهم وأقدامهم حتى عجزوا عن الوقوف، وسحق أسنانهم، وحرقهم بالسجائر والأحماض، بمن فيهم مواطنون أميركيون وحاملو جنسية مزدوجة.

مقالات مشابهة

  • ألمانيا ترسل جنودا إلى بولندا للمساعدة في تحصين الحدود
  • من أين جاء لاعبو الإمارات الذين هزموا الجزائر في كأس العرب؟
  • ماذا تغير في تركيا بعد عام من بدء عودة السوريين إلى بلادهم؟
  • الوزيرة الجنجويدية… هل يُفتح أخيراً ملف المتعاونين الذين عادوا إلى مؤسسات الدولة
  • كاسبرسكي تحذر من المجرمين السيبرانيين الذين يستخدمون الكتب التركية والعربية الرائجة كطعمٍ لسرقة البيانات الشخصية
  • فرنسا وسوريا تطالبان لبنان باعتقال مهندس قمع السوريين
  • نائب سفير ألمانيا بالقاهرة: برنامج دافي يجسد إيمانا عميقا بدعم تعليم الطلاب اللاجئين
  • مشهد مزدوج: اللاجئين الصوماليين يغادرون اليمن وسط استمرار تدفق المهاجرين
  • كلام غير دقيق عن السوريين
  • بالأسماء… هؤلاء هم اللبنانيون الذين أُخلي سبيلهم من سوريا