جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-10@03:14:49 GMT

"دولة الأغنياء على أنقاض الفقراء"

تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT

'دولة الأغنياء على أنقاض الفقراء'

 

 

علي بن سالم كفيتان

أرسلَ لي أحد الإخوة الأعزاء نسخة إلكترونية من كتاب "النباهة والاستحمار" للمُفكِّر الإيراني الدكتور علي شريعتي، وفي الحقيقة أنها كانت محاضرة ألقاها هذا المفكر الكبير في قاعة أرشاد بالعاصمة الإيرانية طهران، وتحوَّلت لاحقًا إلى كتابٍ، وتُرجِمَ إلى عدة لغات منها العربية؛ لما حوته من أفكار عميقة عن استخلاف الإنسان في الأرض.

ولا أخفيكم أنني لم أستطع النوم تلك الليلة، حتى أتممت الكتاب، لما شدني فيه من قراءات غير معهودة لدينا كعرب ومسلمين، لواقع الغرب، من منطلق صراع البشر الأزلي، وتدافع الحضارات، وفرض أنماط حياة لتقييد العقل الإنساني وفق مُحددات تقوم على الاستهلاك وتعظيم سُلطة المال. وهذا بدوره يؤسِّس لما أشار إليه المؤلف بتأسيس دولة الأغنياء على أنقاض الفقراء، وهذا ما نراه اليوم قائمًا في عالمنا، في ظل توحُّش سُلطة المال وقضمها للساسة عبر إدخال الحكومات في دهاليز المال، والنظر إلى العالم من ثقب تساؤل: كم تملك.. كم تسوى؟!            

إن انسياق الأنظمة المُعتدلة التي حافظت على ثباتها لعقود وهرولتها خلف هذا المنعطف الخطير يسوقها إلى الزوال- كما يشير شريعتي- إذ يرى أن استخلاف الإنسان في الأرض يتجرَّد من النظرة الإقصائية البسيطة التي يقوم عليها العالم اليوم، إلى تحرير التفكير والإبداع بعيدًا عن قيود السُلطة الجشعة للمال، والتي تجعل من الإنسان نحلةً شغالة في مملكة الغرب الظالمة، في الوقت الذي تنتظر فيه الملِكَة المُتوَّجة في الخلية كل عام سباق الذكور لتلقيحها، لتموت بعدها على أعتاب تلك المملكة. يقول الكاتب: "لماذا لم تتعلم الذكور من سعيها لهلاكها كل عام؟". طبعًا الجواب حاضر، وهو أنَّ هذه هي سُنن الطبيعة ونواميس الكون في الموت والحياة والميلاد والشيخوخة، التي لا يُمكن مُناقشتها أو حتى السماح بالتفكير فيها، إلّا من واقع إطار رسم للعالم القديم لا يمكنه الخروج عنه، ومن خرج جُيِّشَت ضده الجيوش والأساطيل، ومُنع عنه صنبور المال، وفُرِضَت عليه العقوبات، وعُزل عن البشرية، حتى يتوب إلى الغرب وسلطته المُتجبِّرة. لذا بِتنا نرى كل ما هو تقليدي ومُحافِظ في حضارتنا الإسلامية ضربًا من التخلف والرجعية، بينما تجاربهم هي الأكثر إلهامًا، وحضارتهم هي الأكثر بريقًا، وإنسانهم هو الأقدر على صناعة الفارق. يقول شريعتي أيضًا: "لقد مارسوا ضدنا أبشع الحملات الدعائية لتقديمنا في ثوبٍ رثٍ وبشر متوحِّشين يجب إقصاؤهم من الكون".

ذكر شريعتي أنَّ إبقاء المُتعلِّم جاهلًا وأخرسَ وأعمى، يُعدُ خطرًا كبيرًا على النظام الذي يُشرعن هذا النوع من السلوك الإقصائي الفظ؛ فالإنسان إذا أُشبِع بالعلم لا يُعد الجوع عنده أولوية، بينما الجهل يقود في أحيان كثيرة للسعي خلف اللُقمة، من الولادة وحتى الموت. لذلك فإنَّ النافذة التي يُطل من خلالها الشباب المتعلمون في عالمنا ليست هي النافذة التي كانت قبل 50 عامًا؛ إذ إنهُم لم يأتوا من الكهوف التي حبستهم فيها أنظمة مُتجبِّرة وظالمة لقرونٍ، وهم ليسوا الثوَّار الحُفاة الذين انفجروا من شدة الطغيان ودفعوا أثمانًا باهظة ليُحدِثوا تغييرًا، وقد رحلوا قبل أن يشاهدوا نتيجته. بينما يتغنَّى اليوم من كانوا على حواف الثورة كلاجئين وهاربين ومُستسلمين وخانعين قبضوا الثمن، بأنهم هُم من قادوا التغيير وصنعوا الفارق. ولا شك ان الجيل الجديد يمثل نُسخة مُحدَّثة سيصعب التعامل معها عندما تنفجر، ومهما مجَّدنا أجدادنا الحُفاة وقدرتهم على الصمود والقفز في النار، فإن الأجيال الحالية مُتحفِّزة وتفهَم كل ما يجري حولها من "استحمار الأنظمة" كما يقول شريعتي.

يرى علي شريعتي أن المجتمعات التي تُريد أن تختار مستقبلها، أمامها طريقان؛ الأول: طريق الرسمالية والقدرة والصنعة الغربية، والثاني: طريق الفكر والعقيدة. ويتساءل: ماذا عمل بنا الغرب نحن المسلمين نحن الشرقيين؟ لقد احتقر ديننا وأدبنا وفكرنا وماضينا وتاريخنا وأصالتنا، واستصغر كل شيء لنا، إلى الدرجة التي أصبحنا فيه نحن نهزأ بأنفسنا!! أما الغربيون فقد فضَّلوا أنفسهم وأعزوها ورفعوها، ثم بدأنا نقلدهم في كل الأطوار والحركات والسكنات والمناسبات، فصرنا نُمجِّد لُغتهم ونتفاخر بشهاداتنا القادمة ونفتخر بتعلُّم أبنائنا في دولهم وإجادتهم للُغاتهم في مُقابل نسيان اللغة العربية، وتراجع قِيَمهم الدينية والاجتماعية.

وفي المقابل، نرى أنَّ هناك المُتمسِّكون بطريق الفكر والعقيدة، وهُم قِلة في عالمنا، وهؤلاء يُصنِّفهم الغرب والسَّاسة التابعون لهم بالخطر الداهم؛ حيث نراهم اليوم ينبعثون من تحت الأنقاض في غزة بكامل عتادهم غير آبهين بالفَقْد في سبيل العقيدة، وهم من يُلهم ملايين الشباب المسلم في العالم اليوم، ويؤسِّس لعالم إسلامي قادم للواجهة برِداءٍ مُختلف، فهل ستعي الأنظمة ذلك أما ستمارس أسلوب الاستحمار؟!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

دار الإفتاء: الربا محرّم في كل الشرائع

أكدت دار الإفتاء المصرية في بيان علمي أن الشريعة الإسلامية رغّبت في القرض الحسن، ورفعت من شأنه، واعتبرته بابًا لقضاء حاجات الناس وتفريج الكروب، لكنها في المقابل شددت على حرمة استغلال حاجات المحتاجين أو فرض أي زيادة مشروطة على أصل الدين؛ لأن القرض من عقود الإرفاق لا المعاوضة، ومبناه الرحمة لا التربح.

وأوضحت الدار أن العلماء أجمعوا على أن أي قرض يشترط فيه نفع أو زيادة هو ربا محرم مهما قلَّ أو كثر، مستشهدة بقول النبي ﷺ:
«كل قرض جر منفعة فهو ربا»،وهو ما نقله عدد من كبار الأئمة والفقهاء عبر القرون.


 

إجماع العلماء عبر المذاهب

ذكرت دار الإفتاء أن هذا التحريم المؤكد جاء مدعومًا بإجماع كبار العلماء:

قال ابن المنذر: اتفقوا على أن اشتراط زيادة عند الإقراض ربا محرم

وقال ابن حزم: لا يحل إقراض شيء ليرد بزيادة، وهذا إجماع مقطوع به

وأكد ابن قدامة: كل قرض شُرط فيه زيادة فهو حرام بلا خلاف


كما عدّ ابن حجر الهيتمي والإمام الذهبي التعامل بالربا من الكبائر التي شدد الإسلام على خطورتها.

 

الربا محرّم في كل الشرائع

أشارت الدار إلى أن تحريم الربا لم يقتصر على الإسلام وحده، بل ورد في الشرائع السماوية السابقة، مستشهدة بقوله تعالى:﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ﴾ [النساء: 161]وهو نص صريح يدل على أن الأمم السابقة نُهِيَت أيضًا عن الربا، وأكد المفسرون مثل البيضاوي وأبي حيان أن الربا لم يُبَح في أي شريعة قط.

 

 زيادة ظاهرية ونقصان حقيقي

وأوضحت دار الإفتاء أن المرابي قد يظن أن زيادة ماله بالربا ربحٌ ونماء، لكن القرآن الكريم يحسم الأمر بقوله تعالى:﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة: 276]، وفسّر العلماء هذا المَحق بأنه ذهاب البركة، وهلاك المال وإن بدا في الظاهر أنه يزيد.

وقال الفخر الرازي إن الربا وإن بدا زيادة في الصورة فهو نقصان في الحقيقة، بينما الصدقة نقصان في الظاهر ولكنها زيادة في الحقيقة.

كما بيّن النسفي أن المحق هو زوال البركة وإهلاك المال الذي اختلط به الربا.

 

دعوة للحذر وصيانة المال

واختتمت دار الإفتاء بيانها بالتأكيد على أن العاقل لا يُعرّض نفسه ولا ماله للهلاك بمخالفة أمر الله، وأن بركة المال وسلامته لا تكون إلا بالبعد عن الربا، والالتزام بما شرعه الله من معاملات طيبة تقوم على الرحمة والعدل والإحسان.

مقالات مشابهة

  • شريف عامر: تعاطف المصريين والإنجليز مع محمد صلاح كان واضحًا
  • WSJ: أنقاض غزة تعادل وزن 186 مبنى مثل إمباير ستيت
  • وليد المصري: اليوم العالمي لمكافحة الفساد محطة وطنية لتعزيز النزاهة وترسيخ سيادة القانون
  • من أنقاض حلب إلى منصة التحرير بدمشق.. حكاية الطفل عمران
  • دار الإفتاء: الربا محرّم في كل الشرائع
  • الخارجية الروسية: محاولات الاستيلاء على الأصول المجمدة في الغرب تشكل خطرا على كافة الدول
  • الأغنياء الفاسدون فروا..ترامب الابن يهاجم أوكرانيا بعنف ويلمّح إلى إمكانية انسحاب والده من الوساطة
  • حسام الغمري: الإخوان فقدوا أوراقهم في الغرب وتجاهلوا نجاح «إيديكس»
  • الوزارات تلتهم دعم الموازنة على حساب الفقراء في مصر
  • برّاك في جلسة حوارية بمنتدى الدوحة: جميع سياسات الغرب في الشرق الأوسط كانت خاطئة منذ سايكس بيكو