ما تفعل الصين للتغلب على رسوم ترامب الجمركية؟
تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT
يقول المصنعون الصينيون إنهم سيعززون جهودهم لنقل الإنتاج إلى دول أخرى للتحايل على الرسوم الجمركية الأمريكية، وذلك بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن هجوم تجاري جديد ضد ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وتدرس بكين كيفية الرد على قرار ترامب بفرض تعرفة جمركية إضافية بنسبة 10% على المصدرين الصينيين، مع خيارات تشمل فرض تعريفات مضادة، وقيود على الصادرات، وانخفاض قيمة العملة، وفق تقرير تحليلي لصحيفة "فايننشال تايمز".
Financial Times: China’s exporters to step up offshoring to beat Trump’s tariffshttps://t.co/uX3lGv5eSv
— ForexLive (@ForexLive) February 4, 2025 رد الصينكان رد الحكومة الصينية الأولي هادئاً نسبياً، جنباً إلى جنب مع الهدنة التي أبرمها ترامب مع كندا والمكسيك، الإثنين، وخطته لإجراء مكالمة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في الأيام المقبلة، مما زاد الآمال في بكين بإمكانية وجود مجال للتفاوض.
لكن مع دخول التعرفة الجمركية حيز التنفيذ يوم الثلاثاء، قالت الشركات في مراكز التصنيع جنوب الصين إن استراتيجياتها تشمل نقل جزء من الإنتاج إلى مواقع مثل الشرق الأوسط، وتحميل التكلفة على العملاء الأمريكيين، والبحث عن أسواق بديلة.
وقال مايكل لو، رئيس شركة "بروذرز بوكس" الصينية المتخصصة في إنتاج صناديق الهدايا: "لقد فقد العديد من المصدرين الصينيين، خصوصاً في سوق المنتجات الاستهلاكية، جزءاً من حصتهم في السوق الأمريكية خلال السنوات القليلة الماضية بعد فرض التعريفات الجمركية"، مشيراً إلى الرسوم التي فرضها ترامب كجزء من الحرب التجارية خلال ولايته الأولى.
تم طرح تهديد ترامب بفرض تعرفة جمركية إضافية بنسبة 10% على السلع الصينية - والتي عزاه إلى عدم تحرك بكين بشأن صادرات الفنتانيل إلى الولايات المتحدة - خلال حملته الانتخابية.
Donald Trump hits Canada, Mexico and China with steep tariffs https://t.co/RsL9QSqYNt
— Financial Times (@FT) February 1, 2025 تنويع التجارةلكن الشركات الصينية بدأت بالفعل في تنويع تجارتها خلال السنوات الأخيرة. فقد انخفضت الحصة المباشرة للصين من الواردات الأمريكية بمقدار ثماني نقاط مئوية بين عامي 2017 و2023، وفقاً لتقرير صادر عن مجموعة روديام العام الماضي.
انتقل جزء من الإنتاج الصيني إلى دول ثالثة، حيث يتم تصديره بعد ذلك إلى الولايات المتحدة. على سبيل المثال، ارتفعت حصة الواردات الأمريكية من فيتنام والمكسيك بشكل ملحوظ خلال نفس الفترة.
وقالت لين سونغ، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة الصين الكبرى في بنك ING، إن التعرفة الجمركية سيكون لها تأثير محدود لأن "العديد من الصادرات الحساسة للأسعار إلى الولايات المتحدة قد تم توجيهها بالفعل كنتيجة للحرب التجارية الأولى".
وأضافت أنه مع استهداف ترامب للمكسيك، فمن المرجح أن تحول الشركات الصينية المزيد من تجارتها نحو جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية.
سجلت الصين فائضاً تجارياً قياسياً العام الماضي، حيث اعتمدت على الطلب الخارجي لتعويض ضعف الاقتصاد المحلي.
BREAKING: China imposes 15% tariff on U.S. coal and LNG products and 10% on American crude oil and other products in response to Trumps' tariffs. https://t.co/MSdJf2RPmJ
— The Associated Press (@AP) February 4, 2025 ضرر أمريكيوقال توني كاو من شركة "فوشان نانهاي يينغيا" لصناعة المنتجات المعدنية، وهي شركة تقع في مقاطعة غوانغدونغ جنوب الصين، إن تعريفات ترامب ستضر بالمستوردين الأمريكيين أكثر من المنتجين الصينيين.
وأضاف: "يحتاجون إلى شراء المنتجات الصينية. ستزيد تكاليف المشتريات لديهم، وبالتالي سترتفع أسعار مبيعاتهم بشكل متناسب".
كما قال بعض المحللين إن سرعة تنفيذ التعرفة الجمركية الجديدة تشكل تحدياً لبكين، وتساءلوا عن مدى إمكانية نقل المزيد من القدرات الإنتاجية الصينية إلى الخارج بسهولة.
وقال كاميرون جونسون، الشريك في شركة الاستشارات "تايدل ويف سولوشنز": "أي شخص كان بإمكانه نقل سلاسل التوريد قد فعل ذلك بالفعل". وأضاف أن دولاً مثل فيتنام، حيث أنشأت الشركات الصينية خطوط إنتاج، قد تتأثر أيضاً بالرسوم الجمركية.
وأضاف جونسون: "أي شخص لديه فائض تجاري كبير مع الولايات المتحدة سيتعرض لشكل من أشكال التعرفة الجمركية".
من جهتها، قالت آمي لين، مديرة المبيعات في شركة "تشوشايلونغ" الصينية لصناعة الأحذية، إن الاستثمار في الخارج يتطلب رأس مال وموارد بشرية أكبر مما تستطيع شركتها توفيره. وأضافت أن الشركة ستسعى بدلاً من ذلك إلى العثور على عملاء جدد في أسواق مثل الشرق الأوسط. وقالت: "الحياة تستمر".
Investors sold stocks and bought dollars as Trump imposed new tariffs on Mexico, Canada, and China, affecting $1.3 trillion in trade. Markets tumbled, with Japan's Nikkei down 3% and European car stocks plunging. Retaliatory tariffs loom https://t.co/TCsvHppvl7 pic.twitter.com/swTd74vhLL
— Reuters (@Reuters) February 3, 2025 مزيد من القيودانتقدت بكين تعريفات ترامب الجديدة وهددت برفع دعوى قضائية أمام منظمة التجارة العالمية، لكنها لم تعلن بعد عن أي إجراءات انتقامية.
وأشار المحللون إلى خيارات تشمل قيوداً على تصدير المعادن النادرة - التي تعد ضرورية لصناعة الطاقة الجديدة - أو تحقيقات مكافحة الاحتكار، مثل التحقيق الأخير ضد شركة الرقائق الأمريكية "إنفيديا".
وقال جونسون من "تايدل ويف" إن الإجراءات الأخرى قد تشمل فرض مزيد من القيود على تصدير الطائرات المسيرة وقطع غيار السيارات الكهربائية إلى الولايات المتحدة.
يعتقد معظم المحللين أن واشنطن ستفرض المزيد من الرسوم الجمركية، خصوصاً بعد انتهاء تحقيق أمر به ترامب في أبريل (نيسان) حول اتفاق التجارة لعام 2019 مع بكين خلال إدارته الأولى.
في الوقت الحالي، يعتقد بعض المحللين أن أفضل استراتيجية للصين هي تقليل وارداتها من المنتجات الأمريكية المستهدفة، مثل الطائرات والمنتجات الزراعية والأجهزة الطبية، بصمت.
What is a trade war, and is the U.S. in one after Trump’s tariffs? https://t.co/3yOJFjCV1P
— Post Business (@washpostbiz) February 3, 2025 تعريفات انتقاميةيمكن أن يضر هذا بالإيرادات في الدوائر الانتخابية لسياسيين جمهوريين نافذين أو مجموعات صناعية مثل المزارعين وقطاع النفط والغاز، بينما تنتظر الصين فرصة للتفاوض على اتفاق جديد.
وقال كريس بيدور، نائب مدير أبحاث الصين في "غافيكال": "لا نستبعد احتمال فرض تعريفات انتقامية من الصين، لكننا نعتقد أنها ستتم بهدوء"، وذلك لتجنب جذب انتباه الرئيس بعيداً عن كندا والمكسيك وربما الاتحاد الأوروبي.
وأضاف بيدور: "من الواضح أن ترامب لا يزال منفتحاً على صفقة في مرحلة ما"، مشيراً إلى تأجيله لحظر تطبيق "تيك توك" المملوك للصين، وإجراء مكالمة هاتفية مع الرئيس شي الشهر الماضي.
وقال اقتصاديون إن سياسات ترامب قد تقوي الاقتصاد الصيني في النهاية من خلال إجبار بكين على التركيز على الإصلاحات الهيكلية الصعبة، مثل توجيه المزيد من الموارد نحو الأسر بدلاً من البنية التحتية والصناعة.
سجلت الصين فائضاً تجارياً قياسياً يقارب تريليون دولار العام الماضي، حيث اعتمدت على الطلب الخارجي لتعويض ضعف الاقتصاد المحلي والتباطؤ العميق في قطاع العقارات.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام المجتمع اتفاق غزة سقوط الأسد عودة ترامب إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية السوق الأمريكية سلاسل التوريد عملاء جدد تعريفات ترامب الجديدة لطائرات المسيرة الدوائر الانتخابية عودة ترامب الصين إلى الولایات المتحدة التعرفة الجمرکیة المزید من
إقرأ أيضاً:
فرصة مقيدة: هل تستفيد الصين من تراجع القوة الناعمة الأمريكية؟
فرصة مقيدة: هل تستفيد الصين من تراجع القوة الناعمة الأمريكية؟
تكشف العديد من استطلاعات الرأي حول العالم تراجعاً في صورة الولايات المتحدة الأمريكية منذ الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، واستمرت أزمة القوة الناعمة الأمريكية خلال ولاية ترامب الثانية. وبالتزامن مع ذلك، باتت الصين تتطلع إلى أداء دور أكثر نشاطاً على الساحة الدولية، مدركة بشكل أكبر أن صورتها الذهنية تصنع فارقاً، وعلى نحو جعل عالِم العلاقات الدولية الراحل، جوزيف ناي، يحذر، في مستهل عام 2025، من أن “الصين على أهبة الاستعداد لملء الفراغ الذي خلفته سياسات الرئيس ترامب”. وفي هذا الإطار، تُثار تساؤلات من قبيل: هل تملك الصين مقومات حقيقية للقوة الناعمة؟ وهل تستطيع الاستفادة من التراجع النسبي الأمريكي في هذا المجال؟
ترامب وتراجع القوة الناعمة:
قدّم جوزيف ناي، في عام 1990، مفهوم القوة الناعمة للدوائر الأكاديمية والسياسية الغربية، معرفاً إياها بأنها “قدرة الدولة على جعل الآخرين يريدون ما تريده”؛ ومن ثم فهي القدرة على تشكيل تفضيلات الآخرين، وتنبني بصورة رئيسية على جاذبية الأفكار والممارسات، بخلاف القوة الصلبة أو الخشنة التي تتضمن “إصدار الأوامر” وتستند بالأساس إلى الإكراه العسكري والحوافز الاقتصادية. واعتبر ناي أن الثقافة والقيم السياسية الليبرالية والسياسة الخارجية هي المرتكزات الرئيسية للقوة الناعمة الأمريكية، وقدم المفهوم باعتباره أساساً لرسم سياسة أمريكية أكثر فعالية. وفي العقود اللاحقة، ذاع مصطلح القوة الناعمة وارتبط بجهود الدبلوماسية العامة وبناء السمعة الدولية.
وقد حاولت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية تحقيق القيادة العالمية بالاستثمار في أرصدة القوة الناعمة، مع الاعتماد على الجاذبية والإقناع. ويمكن عزو القوة الناعمة الأمريكية خلال تلك الحقبة، بدرجة رئيسية، إلى تجسيد الولايات المتحدة للقيم الليبرالية، وحيوية مؤسساتها الديمقراطية، فضلاً عن النموذج الأمريكي الناجح المتمثل في مجتمع منفتح يستوعب مختلف الإثنيات.
وتبنى الرئيس ترامب، سواء في ولايته الأولى أم الثانية، سياسات أدت إلى تراجع القوة الناعمة الأمريكية، ومنها الآتي:
1- التشكيك في القيم الديمقراطية: تبنى الرئيس ترامب خطاباً سياسياً يشوه المؤسسات الإعلامية، ويقوض الثقة في الانتخابات الأمريكية مثلما حدث في عام 2020؛ مما نال بالسلب من صورة الولايات المتحدة كبلد يجسد تقاليد راسخة للانتقال السلمي للسلطة. وبعد تنصيبه رئيساً للمرة الثانية في يناير 2025، استمر ترامب في انتهاج السياسات ذاتها التي تنعكس سلباً على مصداقية الولايات المتحدة وقيمها الليبرالية؛ وهو ما ظهر مثلاً في التضييق على الحريات الأكاديمية والدخول في صدام مع بعض الجامعات الأمريكية.
2- تراجع واشنطن عن التزاماتها الدولية: بدت الولايات المتحدة كحليف دولي غير موثوق به، عبر تشكيك ترامب في جدوى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، والهجوم على حلفاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية ومطالبتهما بدفع مقابل أكبر للحماية الأمريكية، فضلاً عن الانسحاب من منظمة الصحة العالمية خلال ذروة انتشار وباء كورونا.
وفي ولايته الرئاسية الثانية، أعلن ترامب الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ بالرغم من تهديدات التغير المناخي، وكذلك الانسحاب من منظمة اليونسكو، فضلاً عن إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). كما أطلق ترامب تصريحات غير ودية تجاه حلفاء تقليديين مثل الدنمارك وكندا، وأيقظ المخاوف في أمريكا اللاتينية عبر تهديد بنما ثم فنزويلا. كذلك أدى إفراط ترامب في سياسات الحمائية التجارية إلى جعل الولايات المتحدة تبدو وكأنها شريك اقتصادي غير موثوق به.
وللتدليل على الضرر الذي ألحقته سياسات الرئيس ترامب بالقوة الناعمة الأمريكية، وجد استطلاع للرأي أجراه مركز (YouGov) في فبراير 2025 أن شعبية الولايات المتحدة قد انخفضت في سبع دول أوروبية هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا والدنمارك والسويد وإسبانيا وإيطاليا بنحو 8% منذ نوفمبر 2024 لتصل إلى 34%. وفي استطلاع رأي آخر أجرته (Le Grand Continent) في مارس 2025، كان ترامب ثاني قائد يحظى بأقل قدر من الثقة بين 13 قائداً سياسياً، بعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما رأى 70% من المبحوثين أنه يجب على أوروبا الاعتماد على قوتها الذاتية لضمان أمنها، مع تراجع نسبة من يثقون بمصداقية الولايات المتحدة كشريك قادر على الدفاع عن أوروبا إلى 10% فقط.
ركائز القوة الناعمة الصينية:
ظهر مصطلح القوة الناعمة لأول مرة في الصين في الخطاب السياسي الرسمي عام 2007، حين تحدث الرئيس السابق، هو جنتاو، في المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي، عن أهمية تعزيز القوة الثقافية الناعمة للصين. ويعمد الرئيس الحالي، شي جين بينغ، إلى التشديد على أهمية القوة الناعمة من خلال استدعاء المفهوم في العديد من اللقاءات والخطابات الرسمية، والتي تفصح عن إدراك متزايد لأهميته في تطور الصين كقوة عظمى، وضرورة تحسين القوة الصلبة في بُعديها العسكري والاقتصادي بالتوازي مع الارتقاء بالقوة الناعمة التي تقوم على القيم والأفكار والثقافة.
ويكشف تقصي السجالات الفكرية للأكاديميين الصينيين أن القوة الناعمة للصين ترتكز على عدد من المصادر والمقومات، من أهمها الإرث الحضاري الصيني، وثقافتها وما تحفل به من قيم مثل: احترام المجتمع، والتكامل ونبذ الشقاق، والتناغم الداخلي، واستيعاب الاختلافات. ويضاف إلى ذلك، خصوصية النموذج التنموي الصيني وجاذبيته للدول الفقيرة، بما يمنحه من أولوية للتنمية الاقتصادية والابتكار.
كما تسعى الصين إلى تعزيز قوتها الناعمة من خلال أدوات متعددة، منها ما يلي:
1- تبني سياسة خارجية نشطة: تشدد المقاربة الصينية على ضرورة أن تبدو سياستها الخارجية مشروعة وذات طابع أخلاقي، مع إبداء استعدادها لتسوية بعض النزاعات الحدودية مع جيرانها. إضافة إلى ذلك، هناك تنامٍ في عدد المؤسسات الدولية والإقليمية التي تشغل الصين عضويتها، كما أصبحت بكين منذ نهاية التسعينيات مشاركاً نشطاً في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وفي الوقت الحالي تُعد الصين أكبر دولة مساهمة بقوات حفظ السلام من بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما يعزز صورتها كفاعل دولي مسؤول.
2- التركيز على المكاسب الاقتصادية المشتركة: يكون ذلك من خلال عقد الصفقات التجارية، ومشاريع البنية التحتية مع الدول الأخرى. وفي هذا السياق، تبرز مبادرة “الحزام والطريق” التي تسعى إلى تعزيز الترابط الاقتصادي مع العديد من دول آسيا وإفريقيا وأوروبا، عبر شبكة واسعة من مشاريع النقل والمواصلات والاتصالات. وتتسم برامج المساعدات الاقتصادية للصين بأنها تُمنح دون مشروطية اقتصادية أو سياسية.
3- نشر الثقافة الصينية: تشهد الصين في السنوات الأخيرة توسعاً ملموساً في جهود نشر ثقافتها عبر معاهد كونفوشيوس التي يبلغ عددها أكثر من 500 معهد حول العالم. كما أدرجت أكثر من 80 دولة اللغة الصينية في أنظمتها التعليمية الوطنية، ويبلغ إجمالي عدد الأجانب الذين يتعلمون اللغة الصينية ويستخدمونها نحو 200 مليون شخص. ولا تزال جامعات الصين تُمثل وجهة تعليمية رئيسية للطلاب الأجانب، ولا سيّما من دول آسيا وإفريقيا، وإن كانت مكانتها كوجهة تعليمية لا تزال أقل من الجامعات الغربية.
مكاسب نسبية لبكين:
يثور التساؤل حول مدى قدرة الصين على الاستفادة من التراجع النسبي في القوة الناعمة الأمريكية. وبالرغم من أن الصين تُعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم؛ فإن قدرتها على ابتكار منتجات ثقافية مؤثرة خارجياً لم تكن حتى وقت قريب متناسبة مع صعودها الدولي. لكن تغيرات كبيرة تحدث؛ إذ تشهد الصين ثورة في الإنتاج الترفيهي، ومن أمثلتها دمية “لابوبو” (Labubu) التي رفعت القيمة السوقية لشركة “بوب مارت” بنسبة 400%، وسلسلة مطاعم “ميكسوي” (Mixue) التي انتشرت في جنوب شرق آسيا.
وقد أظهر استطلاع رأي لمركز “بيو” الأمريكي للأبحاث في 25 دولة، نُشرت نتائجه في يوليو 2025؛ أن الغالبية ما تزال تنظر بإعجاب أكبر إلى الولايات المتحدة مقارنةً بالصين؛ ولكن الفجوة بين البلدين آخذة في الانحسار. وتراجعت التقييمات الإيجابية للولايات المتحدة. ففي كندا مثلاً، انخفضت نسبة الاستحسان للولايات المتحدة بمقدار 20%، بينما حققت الصين مكاسب هامشية.
وبالرغم من تحسن صورة الصين نسبياً في عام 2025 مقارنةً بفترة ما بعد “كوفيد-19″؛ فإن 54% من المبحوثين في الدول الـ25 يحملون صورة سلبية عنها، و66% لا يملكون ثقة كبيرة في قدرة الرئيس شي على معالجة الأزمات الدولية. ومع ذلك، فإن الذين يبدون ثقة أقل في ترامب فيما يتعلق بالأزمات الاقتصادية أكثر ميلاً إلى إقامة علاقات اقتصادية أقوى مع الصين. وفي دول مثل الأرجنتين والبرازيل وإندونيسيا والمكسيك وجنوب إفريقيا، تميل قطاعات واسعة إلى رؤية الولايات المتحدة كمصدر تهديد للمصالح القومية، بينما تُعد الصين حليفاً رئيسياً في دول مثل جنوب إفريقيا وإندونيسيا. وتُقدم الصين نفسها كشريك لا يتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو خطاب يجد صدىً إيجابياً في عدة دول نامية؛ لكن سمعتها تبقى سلبية في أوروبا وبعض الدول الآسيوية بسبب المخاوف الأمنية.
تحديات أمام الصين:
على الرغم من التحسن النسبي في صورة الصين في العديد من دول العالم؛ فإنها تواجه عدة تحديات قد تحدّ من تعزيز قوتها الناعمة، أهمها ما يلي:
1- الضعف النسبي لوسائل الإعلام الصينية مقارنةً بالنفوذ الواسع للإعلام الغربي؛ إذ لا تزال وكالة “شينخوا” عاجزة عن تحقيق تأثير يماثل تأثير المنافذ الإعلامية الأمريكية الكبرى.
2- طبيعة النظام السياسي الصيني الذي يفرض رقابة على المحتوى الثقافي؛ مما يُصعّب عملية الابتكار. وعلى الرغم من تشجيع الحزب الشيوعي الحاكم للابتكار؛ تظل هناك قيود تفرضها الحكومة، وتؤثر في عملية الإنتاج.
3- عجز بكين عن تقديم بديل جدي لقيادة النظام العالمي أو التعامل الفعّال مع الأزمات الدولية؛ ما يجعل كثيراً من استطلاعات الرأي تشكك في قدرتها على خلافة واشنطن.
ختاماً، يمكن القول إنه مع التراجع النسبي في القوة الناعمة الأمريكية، تبدو الصين شريكاً أكثر موثوقية في نظر كثيرين، إلا أن ذلك لا يجعلها القائد العالمي غير المنازع في مجال القوة الناعمة. كما أن بكين قلّصت مساعداتها التنموية للدول النامية بسبب الضغوط الاقتصادية الداخلية، وتفاقم الديون في دول “الحزام والطريق”. وتدل الخبرة التاريخية على أن القوة الناعمة للولايات المتحدة شهدت فترات من الازدهار ثم الانحسار، كما حدث بعد حرب فيتنام. ومع أن استعادة أسس القوة الناعمة بعد انتهاء ولاية ترامب الثانية قد تكون عملاً مكلفاً؛ فإن الديمقراطية الأمريكية ذات التقاليد الراسخة ستظل قادرة على التعافي، بما يجعل استعادة تلك القوة أمراً ممكناً.