شواطئ.. الاغتراب في أدب يحيى حقي (1)
تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ولد يحيى حقي في السابع من يناير سنة 1905 بحي السيدة زينب بمدينة القاهرة، حيث استقى ثقافته الأولى في ظل أسرته، وبعد التحاقه بكلية الحقوق، بدأ يكتب القصة للمرة الأولى في حياته، وقد تزامن ذلك مع ثورة 1919 حيث كانت الظروف قد تهيأت لازدهار فن القصة والرواية على السواء، فالصحف الحزبية قد أتاحت مجالا واسعًا لنشر القصة، بالإضافة إلى عوامل اجتماعية دفعت بالكتاب لكتابه القصة، والاتجاه بها نحو المنحى الواقعي معبرين عن واقعهم الجديد.
وتطرح الباحثة عطيات أبو السعود في كتاب بعنوان "الاغتراب في أدب يحيى حقي.. دراسة أدبية من منظور نفسي" والصادر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، لظاهرة الاغتراب في الإبداع القصصي والروائي عند يحيى حقي. فتعرف الباحثة مفهوم الاغتراب بأنه انفصال الإنسان عن وجوده الإنساني، ويمثل هذا الانفصال جملة من الأعراض التي يمكن ذكر بعضها مثل العزلة الاجتماعية، والتشيؤ، واللا معيارية والعجز، واللا معنى والتمرد. فتمثل رواية " قنديل أم هاشم " نوعًا من التماهي بين رؤية فكرية تتبلور في واقع متغير، وسياق درامي تتجاذب أبطاله صراعات شتى، تصل ذروتها مع شخصية إسماعيل بطل الرواية، ذلك الشاب الذى نشا في بيئة شعبية (حي السيدة زينب)، وأصر أبوه على إرساله إلى أوروبا لدراسة الطب، فيسافر إسماعيل محملًا بتراث الشرق وعاداته، ومتأثرًا بحياته البسيطة التي لم تكن تخرج عن الحى والميدان، أقصى نزهته أن يخرج إلى النيل ليسير بجانب النهر أو يقف على الكوبرى، وفى محيط يعيش أجواء الأساطير، ويحلق في فضاءات عوالم مفارقة من الروحانيات، حيث يؤمن الناس بالخرافة، ويجاورون أرواح الأولياء، ويستأنسون بها، ففي " ليله الحضرة يجئ سيدنا الحسين والإمام الشافعي يحفون بالسيدة فاطمة النبوية والسيدة عائشة.
ورواية "قنديل أم هاشم" للكاتب الكبير يحيى حقي توضح حال البلاد، من فقر وجهل ومرض، تكشف النقاب عن شخصيات القصة، لتعكس أوجه الاغتراب ومظاهره من خلال بطل القصة "إسماعيل"، الذي عاش في رحاب حي السيدة زينب، والذى كان يعيش في كنف أبية وأمة، ويحاول كل منهما توفير احتياجاته، ولو على حساب نفسه، كما تعيش معه في البيت ابنة عمه اليتيمة "فاطمة النبوية" كانت دائما تسهر معه حين يذاكر، وتتطلع إليه بعينين مريضتين محمرتين الجفان، وكانت ترى فيه أنه كبير في نظرها، لأنه يعرف أكثر لأنه يتحدث لغة الغرب، بينما هو لا يرى في هؤلاء الفتيات سوى رؤوس خاوية.
عاش "إسماعيل" في رحاب السيدة الطاهرة تربى على القيم والمبادئ، وبيت يقرأ فيه القرآن وتردد فيه الأوراد، ويرى قنديل أم هاشم المعلق على المقام الذي لا يمكن للجدران أن تحجب نوره أبدًا.
عاش "إسماعيل" وسط نداءات الباعة بنغمها الحزين، وبائع الدقة الأعمى والشحاذ والطرشجى، مع الفئات المطحونة من عامة الشعب، التي تعيش الواقع المر. تفانت أسرة " إسماعيل " البسيطة الكادحة، لتوفير له نفقات التعليم في الخارج، ليتعلم الطب الذي لم يؤهله مجموعه لدراسته في بلده، جمع الأب كل ما أستطاع من مال، وباعت الأم حليها، واشترت تذاكر السفر والملابس الثقيلة، التي تفيه من برد أوروبا واقترب موعد السفر، وحل الوداع وودعته الأسرة بقلوب حزينة واعين دامعة، ولم ينس الأب أن يوصيه وصيتي لك أن تعيش بره كما عشت هنا حريصا على دينك وفرائضك، وإن تساهلت مرة لا تدري إلى أين يقودك تساهلك، واعلم أن أمك وأنا قد اتفقنا على أن تنتظرك " فاطمة النبوية " ولم يستطع أن يتخلص من الموقف فقرأ الفاتحة مع أبيه، وخرج إسماعيل من القرية الصغيرة بقيم آبائه وأجداده وتعاليم دينه إلى عالم كبير، وفضاء واسع من حولة قضى سبع سنوات في الغربة، في بلاد غير بلاده، وبالتأكيد كان لا بد أن تطرأ عليه بعض التغيرات، فخرج من قريته " عفا فغوى وصاحيا فسكر، كما أنه راقص الفتيات وفسق، هذا الهبوط بمكافئة صعود لا يقل عنه جده وطرافة، ذلك على حد تعبير الكاتب".
ونجد أن (ماري) زميلته في الدراسة ساعدته على أن يتعرف على عالمها، فوهبته نفسها في أول فرصة، وهنا الكاتب يصف سذاجة وعدم خبرة " إسماعيل " بأنه (عندما وهبتة نفسها، كانت هي التي فضت براءته العذراء) فجعلته يكفر بالقيم والمبادئ ولا يقيم وزنا لتعاليم دينه. فقد بهرته الحياة الجميلة المريحة التي يدفع ثمنها الأبوان من صحتهما وقوتهما والتعامل السهل البسيط في كل شيء مع الفتاة يأخذ كل شيء دون تعقيدات ودون أن تطلب منه شيئا مقابل ذلك لا حدود.. لا قيم.
لقد بهرته الفتاة بأفكارها وجدالها المستمر كانت تحدثه في الفن في الموسيقى في الطبيعة، بل في الروح الإنسانية عندما كان يحدثها عن الزواج، تحدثه عن الحب عندما يحدثها عن المستقبل تحدثه عن اللحظة الراهنة، كان قبلها يبحث عن شيء خارج نفسه يتمسك به ويستند إليه ألا وهو دينه وعبادته، تربيته وأصولها، لكنها جعلته ينظر إلى كل هذه الأشياء بل أصبح يرى فيها قيودًا كنظرة "ماري" لتلك القيم والمبادئ، بل كانت تعتبرها مشجب لو علق عليه معطفه سيظل أسيرًا لتلك القيم والمبادئ، فكانت أكثر ما تخشاه "ماري" القيود وأكثر ما يخشاه "إسماعيل" الحرية وكانت حيرته محل سخريتها، كانت روحه تتأوه وتتلوى تحت ضربات معولها إلى أن استيقظ في يوم فوجد روحه خراب، لم يبق فيها حجر على حجر، وأين " فاطمة النبوية " ابنة عمه وخطيبته من "ماري" ففاطمة مريضة لا تتكلم وإذا تكلمت لا تجيد فن الكلام، ولا تعرف سوى أن تنظر إلى "إسماعيل" نظرة إكبار واحترام، دون حتى أن تعبر عن هذا الرأي، أما "ماري " فهي تعرف كل شيء بل ربما أكثر منه وتجيد فن الحديث وتحدثه في كل شيء.
هنا اغترب "إسماعيل" عن مجتمعه، عن مبادئه عن قيمه بل اغترب عن ذاته حيث بدا له الدين خرافة، لم تخترع إلا لحكم الجماهير والنفس البشرية، لا تجد قوتها ومن ثم سعادتها إلا إذا انفصلت عن الجموع وواجهتها، أما الاندماج ضعف ونقمة ونجد أنه طبقًا للنظرية النفسية لستوكلز Stokols عن الاغتراب والتي توضح أن الاغتراب يضمن بعض الأعراض مثل العزلة وغيرها من الأعراض ينطبق الاغتراب على "إسماعيل" لشعوره بالعزلة، سواء عن قيمه أو مبادئه أو وطنه، عندما كان غائبا عن الوطن، أو عندما عاد إلى الوطن بجسده فقط، ولكن "إسماعيل" عاد شخصا آخر بمعتقدات وأفكار جديدة، يحملها من ثقافة غريبة عنه ودين مختلف، لقد اندمج "إسماعيل" في مجتمع مختلف وانعزل عن أفكاره وقيمه ودينه وثقافته.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: يحيى حقي قنديل ام هاشم فاطمة النبویة یحیى حقی کل شیء
إقرأ أيضاً:
شواطئ محافظة ظفار.. وجهات سياحية جذابة في موسم الخريف
العُمانية: تشهد شواطئ محافظة ظفار خلال فترة موسم الخريف حركة سياحية نشطة، نظرًا لما توفره من مواقع للاستجمام والصيد والاستكشاف الطبيعي، وتُلبي احتياجات مرتادي الشواطئ والأجواء المفتوحة لقضاء أوقات ممتعة في موسم الخريف وعلى مدار العام.
ويُعدّ شاطئ الدهاريز المطل على بحر العرب برماله البيضاء الناعمة، أحد أجمل الشواطئ في مدينة صلالة، وهو عبارة عن شاطئ رملي أبيض طويل تحيط به أشجار النارجيل العالية والخلابة، حيث تزور العائلات هذا الشاطئ لقضاء وقت ممتع وممارسة الأنشطة المائية المختلفة، ويحتوي الشاطئ الذي تمتد مساحته لأكثر من 3500 متر مربع على الكثير من الخدمات كالمطاعم والمقاهي وأماكن مخصصة للشواء ومرافق عامة، كما تقع بالقرب منه محمية خور الدهاريز الغنية بالحياة الفطرية التي تضم أنواعًا مختلفة من النباتات الكثيفة والأسماك المتنوعة، وتتكاثر فيها الطيور المهاجرة مثل طائر النحام "الفلامنجو" و"أبو منجل".
وتم تصميم الجلسات في واجهة شاطئ الدهاريز بطابع سياحي جاذب للعائلات، مع توفير إضاءة للممرات والمواقف العامة للمركبات والممشى والجلسات، بشكل يتناسب مع طبيعتها خلال الفترة الليلية.
ويبعد شاطئ المغسيل عن مركز مدينة صلالة حوالي 40 كيلومترًا باتجاه الغرب، وهو من أشهر المعالم السياحية في محافظة ظفار، والمفضل لدى الكثير من المواطنين والمقيمين والسياح، كما يمثل امتدادًا طويلًا من مياه البحر الزرقاء والرمال البيضاء، ويضم مجموعة من المناظر الطبيعية الساحرة والنوافير الطبيعية الفريدة، كونه يقع بين سلسلة من الجبال، مما يعطي المكان خلفية طبيعية مميزة.
ونظرًا لطبيعة الأجواء الرائعة في هذه الأيام الخريفية، فإن شاطئ المغسيل يستقبل زواره طوال اليوم للاستمتاع بمقوماته السياحية الجميلة، ومشاهدة أمواج بحر العرب الهادرة التي يزيد مستوى ارتفاعها خلال موسم الخريف، إذ يُمنع من السباحة خلال فترته الممتدة من 21 يونيو ولغاية 21 سبتمبر من كل عام بسبب ارتفاع أمواج البحر.
كما يتميز شاطئ أفتلقوت المطل على بحر العرب بسهله المرتفع والمنبسط فوق التلال، وهو عبارة عن مساحة خضراء مرتفعة تمتد حوالي 3 كيلومترات، ويمكن للزائر مشاهدة الشاطئ الذي يحتضن الصخور والتلال الخضراء من منطقة مرتفعة، ويعد من أكثر المناطق التي يقصدها المصورون ومحبو الطبيعة.
أما شاطئ ولاية طاقة فيمتد على مسافة 5 كيلومترات، ويتميز برماله الفضية الناعمة، وانتشار أشجار النارجيل "جوز الهند" على طول الطريق البحري، فيما يُعد شاطئ خور روري امتدادًا طبيعيًّا لشاطئ مدينة طاقة، ويمتاز بموقعه الاستراتيجي بالقرب من الموقع الأثري لمدينة سمهرم الأثرية، كونها معلمًا تاريخيًّا مهمًّا في محافظة ظفار، حيث يقع هذا الشاطئ مباشرة في ميناء سمهرم القديم، الذي كان موقعًا سابقًا لتصدير اللبان العُماني إلى مناطق مختلفة حول العالم.
وتتنوع المقومات الطبيعية بولاية طاقة، فهي ولاية ساحلية تحتوي على شواطئ وسهول وجبال، وتنتشر فيها العديد من الكهوف، إلى جانب خور طاقة وخور روري والعديد من العيون المائية الطبيعية.
وفي شرق محافظة ظفار، تتميز ولاية مرباط بموقعها الساحلي المطلّ على بحر العرب، وشواطئها المتنوعة، وشعابها المرجانية، وخلجانها الجاذبة، حيث تبعد عن مدينة صلالة نحو 76 كيلومترًا، وتُعدّ إحدى المدن التاريخية والسياحية المهمة بالمحافظة.
ويتميز شاطئ مرباط بجماله الطبيعي ورماله الفضية وصخوره المرجانية، وخلجانه الصغيرة التي تعرف محليًّا بـ(الخياص)، والغنية بالثروة السمكية والشعاب المرجانية، مما جعلها أبرز مواقع الغوص السياحي بسلطنة عُمان.
وتشهد ولاية مرباط حركة سياحية نشطة على مدار العام، خصوصًا في موسم الخريف وإجازة نهاية الأسبوع، للتمتع بالصيد، والبحث عن الاسترخاء والجمال الطبيعي، وزيارة المواقع التاريخية والحارات القديمة، إلى جانب مشاهدة الشعاب المرجانية والأمواج البحرية، نظرًا لتنوع ثرواتها البحرية النادرة.
ومن أبرز المصائد البحرية النادرة في ولاية مرباط الصفيلح "أذن البحر" و"الشارخة"، إذ ينحصر وجود ثروة "الصفيلح" في الشواطئ الواقعة بين ولاية مرباط ونيابة شربثات بولاية شليم وجزر الحلانيات.
كما تُعد شواطئ الفزايح، وشاطئ رخيوت الرئيسي، وشاطئ شوعيب، وشاطئ الحوطة في ولاية رخيوت من أجمل الشواطئ الطبيعية، وتمتاز بسحرها الفريد وهدوئها الأخّاذ، خاصة خلال موسم الخريف، حيث تتزين بالأجواء الضبابية والمناظر الخلابة، وتمتاز برمالها البيضاء الناعمة ومياهها الصافية.